صفحة الكاتب : كاظم الحسيني الذبحاوي

كتاب (معاً إلى القرآن ـ منهج تدبري لكتاب الله من خلال قراءة واعية في سورة الشعراء) الحلقة الثانية
كاظم الحسيني الذبحاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قضيَّةُ السُّورَةِ
تتحدّث السورة عن قضيّة واحدة، وهي قضية استكبار وجحود وإعراض الأقوام الماضية من خلال عرضها لسبعة نماذج تاريخية تضمنت التصريح بالإنذار لهم والإخبار بما حلَّ بهم نتيجة له، وان الهدف من وراء ذلك هو تسلية النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله بسبب ما كان يعتري نفسه الطاهرة الغمّ وخيبة الأمل، نتيجة لما كان يواجهه من إعراض قومه واستكبارهم ،وهنا لا يمنع أن نتصوّر بأن هذه السورة المباركة نزلت، بعدما بثَّ الرسول صلّى الله عليه وآله شكواه إلى ربّه سبحانه وتعالى،وقد عرض لنا القرآن مشاهد من هذه الشكوى ،كما جاء في قوله تعالى : (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) [الفرقان : 30] .
على هذا فانه لابد أن يرتبط موضوع كل نموذج من هذه النماذج بما كان يواجهه النبي صلّى الله عليه وآله من قومه،مما يعني أن تشابهاً حصل في المواقف التي وقفها الآخِرون مع ما كان يصدر عن الأولين،وهذه هي الفائدة المرجوّة من إيراد القصص التاريخية في القرآن الكريم حتى لا يُقال أن مهمّة القرآن هي سرد الحوادث التاريخية التي وقعت في أزمنة سابقة . قال تعالى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ [الانشقاق : 19]
نزول السورة وعدد آياتها:
قال الطبرسي: « مكيّة كلها غير قوله والشعراء يتبعهم الغاوون الآيات إلى آخر السورة فإنها نزلت بالمدينة » .ثم قال: «عدد آيها مائتان وسبع وعشرون آية...»([1]). لكن العلاّمة الطباطبائي قال : «..ولا معنى لبقاء سورة هي من أقدم السور المكيّة سنين على نعت النقص ثم تمامها بالمدينة، ولا دلالة في الاستثناء على أن المستثنين هم شعراء المؤمنين بعد الهجرة»([2]).
فضلها : جاء في المصحف المفسّر لمحمد هويدي بروايته عن مجمع البيان :
« النبي(ص) من قرأ هذه السورة كان له بعدد كل مؤمن ومؤمنة عشر حسنات وخرج من قبره وهو ينادي لا إله إلاّ الله ... ومن شربها بماء شفاه الله من كل داء»([3]).

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ(2)
المعـنـى التدَبــُّري
ذكرنا فيما سبق عند الحديث عن سورة الرعد أن المفسّرين ذكروا وجوهاً لمعاني الأحرف المقطّعة وأطالوا النظر فيها اعتماداً منهم على الروايات التي صحّت عندهم([4]).وكان البحث فيها من أمهات المباحث القرآنية لارتباطها بعقيدة المسلمين،فتنوّعت تلك المباحث وتكاثرت،لكنها جعلت منها مسألةً معقّدةً،أو لُغزاً محيِّراً.وأظن السبب في ذلك هو عدم  الالتفات إلى أهمية النظر إلى فائدة ارتباط هذه الأحرف بقضيّة السورة ،ناهيك عن الأسباب السياسية وتدخّل السلطات الحاكمة في المناهج الدراسيّة للقرآن بصفة خاصّة ،وعلوم الشريعة بصفة عامّة . عليه فإننا نرى أن معناها الظاهري لابدّ وأن يستند إلى هذه العلاقة. قال السيوطي: « قال في البرهان: ومن ذلك افتتاح السّور بالحروف المقطّعة واختصاص كلُّ واحدةٍ بما بُدئت له : حتى لم يكن لترد(آلم) في موضع(الر)ولا (حم) في موضع(طس). قال : وذلك أن كل سورة بدئت بحرف منها ، فإن أكثر كلماتها وحروفها مماثل له، فحقّ كل سورة منها ألاّ يناسبها غير الوارد فيها، فلو وضع(ق) موضع(ن) لَعُدِمَ التناسب الواجب مراعاته في كلام الله»([5]).
  وبالإجمال أقول: يمكن أن ترمز طسم إلى قوله تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ فَأَسرارُ(الكتاب المبين)مختزنة فيها، أي في(!) ،وقرينة ذلك تَصَدُّرُ الآية باسم الإشارة (تلك)تفخيماً وتعظيماً لهذا المحتوى(آيات) وقد شاع استخدام أسماء الإشارة للبعيد إرادة التعظيم والقرب في كلام العرب الذي نزل به القرآن .فمن ذلك قوله تعالى:( أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [العنكبوت : 19] .فاليسر في هذه الآية يُشعرُ باقتضاء استخدام الإشارة للقريب بنحو:(أن هذا على الله يسير) لكن إرادة التفخيم والتعظيم دعت اسم الإشارة (ذلك)للإيراد .
أضف إلى ذلك اختتام الآية بـ(المبين)، وصفاً لهذا الكتاب أنه كذلك .ولهذا الوصف مقتضٍ يمكن تقدير إيرادهِ من سياق الآيات ، وهو نفي الغموض المُدَّعى ، أو الذي يُشيعه قادة أهل الشرك بقصد التشويش على دعوة الرسول صلّى الله عليه وآله، وهنا يستقيم الاحتجاج المأخوذ من سياق الآيات اللاحقة نتيجة للإعراض الذي تلقّاهُ النبي صلّى الله عليه وآله من قومه، فتسبب في حالة البخوع عنده .أما(الكتاب)فيمكن انصرافه لأوّل وهلة إلى هذا القرآن، وهو المعنى الشائع عند الأعاظم. وبقرينة طسم التي تتشكّل من أحرف عربية؛ تُعرب عن هذا التنزيل،  وكذلك قرينة المبين، فإنه يُفهم منه أن هذا الكتاب مُيَسَّرٌ للفَهم، أي مفتوحٌ غير منغلق؛ بمعنى أن الحقائق التي تُشَكّل دعوة الرسول صلّى الله عليه وآله حقائق واضحة مبينة كونها تتجاوب مع الفطرة الإنسانية قال تعالى:(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم : 30] .
والمتحصل :إن الإبانة لآيات الكتاب تتأتَّى كونه يتألّف من هذه الأحرف العربيّة، فهي ليست من قبيل الألغاز،وليس فيها إبهام .قال تعالى : (ِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )[يوسف : 2] .
لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)
بحث لغوي
(لعلّ):حرف مشبّه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر.وظيفته  الإشفاق في المقام؛نتيجة لوقوع مكروه على نفس المخاطب؛ وهو النبي صلّى الله عليه وآله. ويبدو أن فاعل(يكونوا) جماعة مخصوصة يعرفهم النبي صلّى الله عليه وآله ويعرفونه كان عدم إيمانهم سبباً للبخوع الذي اعترى نفسه الشريفة .
(باخع): يظهر من كلمات علماء اللغة أن أصل فعل البخع ، هو الذبح الذي يبلغ به الذابح القفا ،وهو غاية ما يلتحق بالمذبوح من الأذى، فقد قال الإمام الزمخشري:« بَخَعَ الشَّاةَ: بَلَغَ بِذَبْحِها القَفا .ومن المجـاز:بَخَعَهُ الوَجْدُ إذا بَلَغَ منه المجهودَ . قال ذو الرُّمَّة أنشده سيبويه :
        ألاَ أَيُّهذَا الباخعُ الوَجْدِ نَفْسَهُ
                            لِشيءٍ نَحَتْهُ عن يَدَيْهِ المَقَادِرُ                                                                                    
 وَبَخَعْتُ له نَفْسِي ونُصْحي: جَهَدْتُهما له ،وأَهلُ اليمنِ أَبْخَعُ طاعةً...»([6]).وقال العلاّمة المصطفوي([7]): «أن الأصل الواحد فيها هو القهر التام المطلق،وأما القتل فتجوّز باعتبار كون المقهوريّة كإفناء النفس القتل»([8]).
قلت :إن مجال الاستعارة والمجاز يتّسعُ كثيراً للبُلغاء ،فيقال للأذى الكثير: ذبحٌ،فضلاً عن إرادة الفعل المعروف وكذا الحال بالنسبة لفعل القتل؛ ففي الذبح والقتل اشتراكٌ في المعنى،ولا جَرَمَ أن الآية أرادت منَ البخوع هذا المعنى،أي الأذى الكثير الموجب للقهر .
المعـنـى التدَبــُّري            
الآيةُ في سياق قوله تعالى: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) [الكهف : 6] .ومنها تظهر التسلية والتعزية،ثُمَّ التطييب لنفس المُخاطب صلّى الله عليه وآله، إشفاقاً عليه، لِما يحسّ به من خيبة أملٍ جرّاء إعراضهم.والإشفاق على هذا النبي صلّى الله عليه وآله أمرٌ مُضطردٌ في القرآن كما جاء في قوله تعالى:   (طه @ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى*@) [طه 1 ـ 2] .
أو قوله تعالى: (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [فاطر : 8] .أو قوله تعالى :( وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) [هود : 120
ثُمَّ أن التعبير بالبخوع في الآية يُستفاد منه أن الإعراض كان كبيراً لِحَدٍّ كانت هذه السورة،وسوَرٌ أخر، تسليَةً له صلّى الله عليه وآله.
هذا ويكون متعلّق الإيمان في هذه الآية هي أصل دعوة النبي صلّى الله عليه وآله إليهم .
عليه أن في الآية تأديب من الله تعالى لنبيِّه صلّى الله عليه وآله أن لا يُهلك نفسه،ولا يغلب عليه الغم نتيجة لإعراض هؤلاء، من ثَمَّ عدم إيمانهم،وكيف؛وهو القائل:أدَّبني ربّي فأحسّنّ تأديبي، أضف إلى ذلك أن فيها استخفاف بهؤلاء يتَّضح أكثر في الآيات اللاّحقات .
إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4)
المعـنـى التدَبــُّري            
نتيجة للقصور الذي عندنا فإنه اقتصر نظرنا إلى هذه الآية من خلال المباحث التالية :
المبحث الأول: الآية وردت بصيغة المتكلّم، بعدما كانت الآيـة التي سبقتها بصيغة الخطاب،ولعلّ السبب في هذا العدول هو أن تُستكمل التسلية له صلّى الله عليه وآله.
المبحث الثاني: المشيئة في المقام ،هي مشيئة الرب تبارك وتعالى، لكنها متعلّقةً بإيمان هؤلاء؛ وهو فعلٌ يقعُ باختيارهم، مثلما أن إعراضهم فعل اختياري هو الآخر. على هذا لا يصحُّ  التصوّر بأن موضوع الآية: أن الله يحمل العباد على الفعل أو على الترك؛ لأن الله قضى أن لا جبر ولا تفويض،ولكن أمرٌ بينَ أمرين. قال تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) [الرعد : 7] .فالمشيئة والإنابة في هذه الآية هما من أفعال العبد .
المبحث الثالث:القضيّة الشَرطِيّة في الآية تُبيِّن أنَّ إيمانهم مرتبطٌ بالإلجاء الذي تفرضه المُعجزة،وهو المعنى المستفاد من قوله فيها ( ننزل عليهم من السماء آية) والحال أن التكليف الربوبي يسير طبقاً للأسباب التي أودعها الله تعالى في هذا النظام الكوني العام، فالإيمان بعد وقوع الآية المُلجئة أمرٌ لا يُعتَدُّ به ،وقد ذكر القرآنُ هذا المعنى في الكثير من الآيات،منها ما جاء في قوله تعالى:( وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ @ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ @ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ@) الأنعام : [109 ـ 111] .
المبحث الرابع: سبب اتصال تاء التأنيث الساكنة بالفعل(ظلَّ)، مع كون عودتها للأعناق، إذْ أن لازم بناء الجملة بحسب الذوق العُرفي أن يكون بنحو: فظلَّت أعناقُهُم لها خاضعةً ،وعندها يكون حال الأعناق هكذا .
قلت :من سياق الكلام في الآية أفترضُ وجودَ احتمال استواء التذكير والتأنيث للأعناق،وعند مراجعة بعض مصنَّفات أرباب اللغة ،فاني وجدتُه مبسوطاً عندهم([9]).وحينئذٍ لا اعتبار لما تسالم عليه المتقدّمون من المفسرين أمثال الزمخشري والرّازي حيث قالوا:«فإن قلت:كيف صحّ مجيء خاضعين خبراً عن الأعناق قلت:أصل الكلام:فظلّوا لها فأُقحمت الأَعناق لبيان موضع الخضوع،وترك الكلام على أصله كقوله : ذهبت أهل اليمامة ،كأن الأهل غير مذكور، أو لما وصفت بالخضوع الذي هو للعقلاء قيل:خاضعين كقوله تعالى: [لي ساجدين]..»([10]).وكذا المتأخرون أمثال الأُستاذ محي الدين الدرويشُ([11]).
 المبحث الخامس : بعد التأمل في خَبر(ظلّ)الذي هو(خاضعين)، فإنه لا يمكن حَمل معنى(أعناقهم)على خصوص هذا الجزء المعروف من جسم الإنسان،لأن حال الخضوع توصيفٌ تختصُّ به ذاتٌ عاقلة وليس عنق الإنسان الذي هو جزءٌ من رقبته،ولو أريد بها هذا الجزء المعروف لوصفتها الآية بأنها خاضعة،وإن كان هذا الوصف تجوُّزاً ،حيث أن الخضوع من أفعال العقلاء المُختارون .ثُمَّ أن العرب تستخدم ألفاظ مثل الرؤوس أو الصدور أو الأبصار أو غيرها كناية عن أصحابها . قال العلاّمة المصطفوي تعليقاً له على هذه الآية:«فالنظر إليهم بعنوان الأعناق،أي بلحاظ كونهم متشخِّصين متجبِّرين وذوي أعناق مرتفعة، فالأعناق ملحوظة بعنوان المرآتيّة للأشخاص وكونها وجهة لهم،لا بعنوان الموضوعيّة وكونها ملحوظة بنفسها،وعلى هذا ذكرت كلمة خاضعين بصيغة الجمع للعقلاء.بعبارة أخرى :الأعناق إذا لوحظت من حيث هي وبنفسها فهي غير شاعرة ،وإذا لوحظت من حيث إنها من أعضاء ذوي العقول وباعتبار عضويتها فعلاً وكونها مرآةً لهم؛فهي شاعرة ،كما في المورد.»([12]).
 هذا وقد جاء القرآن العظيم باستخدامات مماثلة؛أوردُ منها الأمثلة التالية التي انتسبت فيها بعض أفعال العُقلاء إلى بعض أجزاء جسم الإنسان :
1ـ (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) [المعارج : 44] .
2-(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ @ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ @ تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً @ تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ @ لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ@) [ الغاشية : 2 ـ 6] .
3- (فَكُّ رَقَبَةٍ) [البلد : 13] .
فإنّك تلاحظ أن(الأبصار،والوجوه،والرقبة)أجزاء غير عاقلة من جسم الإنسان،لكن الآيات نسبت إليها من أفعال العُقلاء ما تراهُ فيها، كناية عن أصحابها . 
عرضٌ روائي
1-قال الشيخ المفيد:«وهيب بن حفص، عن أبي بصير قال:سمعتُ أبا جعفرu يقول في قوله تعالى[إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلّت أعناقهم لها خاضعين] قال:سيفعل اللهُ ذلك بهم قلت: مَنْ هم؟ قال : بنو أُميّة وشيعتهم قلت : وما الآية ؟ قال : ركود الشمس ما بين زوال الشمس إلى وقت العصر وخروج صَدْرٍ ووَجهٍ في عين الشمس يُعرف بحسبه ونَسَبه ،وذلك في زمان السفياني وعندها يكون بواره وبوار قومه»([13]).
2-وقال الشيخ الطوسي:«وأخبرنا الحسين بن عبيد الله،عن أبي جعفر محمّد سفيان البزوفريّ([14])،عن أحمد ابن إدريس ،عن عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري،عن الفضل بن شاذان النّيسابوريّ،عن الحسن بن عليّ بن فضّال ،عن المثنّى الحنّاط،عن الحسن بن زياد الصّيقل قال سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمّد u يقول : إنّ القائم لا يقوم حتّى ينادي مناد من السّماء تسمع الفتاة في خدرها ويسمع أَهْل المشرق والمغرب،وفيه نزلت هذه الآية : [إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ]»([15])
3-وقال النعماني:«أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد،قال:حدّثنا علي بن الحسن،عن أبيه،عن أحمد بن عمر الحلبي،عن الحسين بن موسى،عن فضيل بن محمّد مولى محمّد بن راشد البجلي،عن أبي عبد اللهu أنه قال:«أما إن النداء من السماء باسم القائم في كتاب الله لبيِّن. فقلت:أين هو أصلحك الله ؟فقال: في[طسم،تلك آيات الكتاب المبين]قوله:[إن نشأْ ننزل عليهم من السماء آيةً فظلّت أعناقهم لها خاضعين]،قال: إذا سمعوا الصوت وكأنما على رؤوسهم الطير»([16]).
قلت: إن مفهوم الآية عام يستقطب مصاديق عديدة، فما ورد في هذه الروايات الشريفة وأمثالها من باب المصداق والجري.ولعل المراد بالصوت،أو النداء فيها ما أشارت إليه بعض الآيات كقوله تعالى :( وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ @ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ@)[ق : 41 ـ 42] »([17]). 
************************************************************************************************************************************************************************************************************
وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5)
المعـنـى التدَبــُّري
الآية في سياق قوله تعالى:( مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) [الأنبياء : 2] . فهي تقرر أن حالهم هو الإعراض عمّا يأتيهم من الرحمن من ذكر محدَثٍ ممّا يعني إقبالهم على غيره، ولعلّ السبب في ذلك هو عدم التفكر والتأمل بما دعاهم رسول الله صلّى الله عليه وآله إليه فكان إعراضهم عن الأمر الإلهي يعكس تعظيمهم لغيره؛ وهو ما عند أسلافهم من عقائد فاسدة ألفوها،فحالهم هذا كحال مَن سبقهم من الأقوام،ولذا نجد أن هذه السورة تعرض النماذج التاريخية السبعة على مسامع النبي صلّى الله عليه وآله والمسلمين إثباتاً لهذه الحقيقة .
 أما معنى التعبيربـ(الذكر)في المقام فهو أن ما دُعوا إليهِ يُذكّرهم عمّا هم فيه من غفلةٍ أو نسيانٍ لحقائقَ جوهرية تتعلّق بمستقبَلِ الإنسان في هذه المنظومة الكونية، والعلّة التي خُلقت من أجلها الكائنات العاقلات . قال تعالى:( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : 56]
أما التعبير بالمحدث  فقد جاء كنايةً عن أن دعوة النبي صلّى الله عليه وآله،لابدّ  أن تُحدثَ مفرداتها تغييراً نوعياً في الأنماط السلوكية السائدة في مجتمع الجزيرة، ثُمَّ في العالَم بأسره، الأمر الذي لا يتوافق مع إرادة كبرائهم . ولكن على الرغم من ذلك،فإننا نجـد الآية مشحونةً باللطف بهؤلاء المُعرِضين ؛ وهو المستفاد من إيراد لفظ(الرحمن) وما فيه منَ العِناية البالغة بالعِباد قال تعالى : ( يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون) [يس :30 ] .
وقد جاءت الجملة بصيغة الخَبر،لتكون حُجَّةً عليهم في إنشاء الحكم بالوعيد الظاهر منَ الآية  اللاحقة . فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (6)
بحث لغوي
(أنباء)مفردها(نبأ)،وهو غير(الخَبَرِ)،كما يبدو لنا من استعمالات القرآن، ثمّ ما يذكره بعض المحققين ؛إلاّ أن الشائع في التداول العُرفي هو أن النبأ بمعنى الخَبَر؛ إضافةً إلى أن لفيفاً منَ المحقّقين قد ذكروا ذلك([18]).
لكننا نجد من استعمالات القرآن لهاتين المفردتين:أن موارد استعمال النبأ تختلف عن موارد استعمال الخَبَر، ولقد ذكرنا بعضاً منه عند حديثنا عن سورة الرعد فراجع([19]).
هذا؛ ولا يمنع أن يكون منشأ هذا الشياع عقائدي ويرتبط بسياسة الحاكم الّذي اقتضت مصلحته الترويج لهذه العقيدة التي تجعل من مقام النبوّة مقتصرة على الإخبار عن الله تعالى ،غير ملتفتين إلى ما قرّرته الآيات المباركات التي عيَّنَتْ وظيفة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله ،فهو صلّى الله عليه وآله شهيدٌ وشاهدٌ ومبشّرٌ ونذيرٌ و(داعياً إلى الله)وسراجٌ منيرٌ ومعلّمٌ للكتاب والحكمة .
1-(فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً) [النساء : 41]
2-(َيا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً @ وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً@) [ الأحزاب :45 ـ 46] .
3-(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [الجمعة : 2] .
ثم غير ذلك من الوظائف الإلهية التي ذكرتها آيات أُخر.هذا ومنَ الجدير بالإشارة إليه هو خطأ اشتقاق مادة(نبي)من مادة(نبأ)، ذلك أن أصل النبأ هو نقل حديث أو شيءٍ آخر من موضع إلى موضع آخر([20]) في حين أن أصل النبي من(النبو)الذي هو ارتفاع عمّا من شأن الشيء أن ينخفض، أي ارتفاع شيء في مورد يتوقّع فيه الانخفاض.ومن مصاديق الأصل مقام النبوّة وهو ارتفاع واعتلاء في شأن إنسان من جهة الروحانية والمعنوية، ذاتيّة واكتسابيّة،مع كونه على فطرة بشر كسائر إفراد الإنسان([21]).ومن لوازم هذا الاعتلاء:الإحاطة على مراتب عالم المادة والطبيعة،والارتباط بعوالم ما وراء المحسوس والظاهر،ونزول الوحي من جانب الله عزّ وجلّ إليه ،والإشراف على المعارف والحقائق([22]).
المعـنـى التدَبــُّري            
 منطوق الآية بمنزلة التفسير للإعراض الوارد ذكره في الآية السابقة،أو أن التكذيب جاء نتيجة طبيعية لهذا الإعراض وهي في سياق قوله تعالى:( فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) [الأنعام : 5]
والآية وإن لم تُصَرّح بِمَ يتعلّق التكذيب ؛ إلاّ أنه يصحّ أن يتعلّق بالنبي صلّى الله عليه وآله.
 كما يصحّ أن يتعلّق بالذكر المحدث. وقد أسمت الآية التكذيب الذي صدر عنهم استهزاءاً، أو أن الاستهزاء جاء نتيجة التكذيب،وقد استدعى هذا تهديداً ووعيداً،بقرينة تنكير(أنباء) تهويلاً لأمرٍ عظيم لا يسعهم الإعراض عنه حينئذٍ .هذا ولا يوجد قيدٌ يُقيّد زمان إتيانهم الأنباء،فقد يكونُ في دار الدنيا وحينئذٍ تكون هذه الآية من آيات الملاحم ويرتبط موضوعها بموضوع الآية الرابعة من السورة.أو أن يكون الزمان المقصود، إضافةً لذلك،هو ما يحصل لهم في يوم القيامة الكبرى. قال تعالى:( لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِن وَاقٍ) [الرعد : 34] .
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7)
المعـنـى التدَبــُّري            
الرؤية في المقام تتسع لتشمل التفكّر بإعمال العقل،إضافةً إلى الرؤيّة بحاسّة البصر،هذا ولا يستقيم المعنى لو حصرنا معنى الرؤية بالحاسّة وحدها،بدعوى أن قرينة الإثبات هي قوله:(أنبتنا فيها)،أي في هذه الأرض التي ينبت فيها مختلف الأنواع الماديّة وهو ممّا يُدْرَكُ بالحاسّة . فالحواس هي طريق العقل للإدراك؛ فهو الذي يُدرِكُ أو لا يُدرِكُ .
ويظهر من منطوق الآية أن الباعث على الإنكار المأخوذ من الهمزة في صدرها، هو أن هؤلاء لم يُعملوا عقولهم في التفكّر في حقائق هذا الكون ممّا يسهل عليهم إدراكه؛كنظام الزوجية الذي هو موضوع  هذه الآية .
هذا . .
والإنبات في الآية غيرَ مُنحصرٍ بما يزرعه الإنسان،حيث إن مفهوم الآية عامٌّ، فبقرينة الأرض تكون هنا إيماءة إلى أن جميع الموجودات الأرضية خلقها الله سبحانه من ترابها هكذا طبقاً لنظام الزوجيّة العام ،بما في ذلك أُولئك المعاندون موضوع هذه الآيات.قال تعالى:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [الحج : 5] .
فإن قلتَ:ما مناسبة تحوّل السياق إلى الحديث عن نظام الزوجية،المودع في هذه الأرض،بعدما كان حديثُ الآيتين السابقتين عن الإعراض والتكذيب والاستهزاء؟
قلت: إن حديث الآيتين السابقتين كان مجملاً بنحوٍ من الأنحاء،وما يدريكَ،بعد التأمل في قضيّة الآية السابعة،أن تكذيبهم واستهزائهم وإعراضهم تعلّق بضرورةٍ من ضرورات الدين؛وهي في المقام النشور من بعد الموت .
على هذا لا يمنع أن يكونوا هؤلاء من أهل القبلة،لكنهم دخلوا الإسلامَ استجابة منهم للمعطيات الاجتماعية التي فرضت نفسها بقوّةٍ على مجتمع الجزيرة العربيّة، فكانوا أدوات رئيسية من أدوات الانقلاب الذي يتحدّث عنه القرآن بقوله:( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران : 144] .
ثم انظر إلى ما تقوله سورة الحِجر :-( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ @ لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ @ وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ @ كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ @ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ @ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ *عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ @ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ @ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ @ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلـهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ @ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ @ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ @ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين@) [ الحجر : 87 ـ 99] .
فهذه الآيات تعرض مِحْنَةَ النبي صلّى الله عليه وآله في قومه المُقتَسمين المشركين المستهزئين؛ الذين آمنوا ببعض وكفروا ببعض، وجعلوا مع الله إلهاً آخر، فضاق النبي بقولهم ذرعاً واعترى نفسَه الطاهرة بخوعٌ، فعجّ الثقلان وَجْداً عليه صلّى الله عليه وآله ، فأنزل الله تعالى،قرآناً عليه تعزيةً وتسليةً له صلّى الله عليه وآله.
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (8)
المعـنـى التدَبــُّري            
 الإشارة بـ (ذلك) يجوز أن يراد به ما ذكر في الآية السابقة من نظام الزوجيّة العام، كما يجوز أن يُراد به(!)،أو ما ذكرته الآيات السبع من هذه السورة. والأنسب أن يكون متعلّق الإيمان: دعوة النبيّ صلّى الله عليه وآله التي هي مادة(%&)وقد مضى مثله عند الحديث عن الآية الثالثة . 
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9)
المعـنـى التدَبــُّري            
خطابٌ للنَّبيّ صلّى الله عليه وآله فيه إتمامٌ للتسلية وتخفيف حالة البخوع، وذلك بقرينة إيراد لفظة (رب) وما فيها مزيد عناية بهذا المربوب الحقيقي صلّى الله عليه وآله،ثُم إيراد (العزيز) الذي من مظاهر عِزّته:المَنَعَة والقوّة والغَلَبَة.و(الرحيم)بالناس أن أرسل إليهم رسولاً من أنفسهم . ويكون مُحَصّل التسلية من هذه الآية : لا يُصيبكَ بُخوعٌ  بسبب هؤلاء وربّك هو العزيز الرحيم .  
 

[1] - مجمع البيان في تفسير القرآن/ الجزء السابع ص286 .
[2] -  الميزان في تفسير القرآن/المجلد الخامس عشر ص 331 .
[3] - المصحف المفسر(التفسير المعين للواعظين والمتعظين)ص 367.وعند مراجعة نسخة مجمع البيان الموجودة عندي لم أعثر على ما ذكره ولعلّه نقلها عن غيره واشتبه الناسخ.
[4]- القضيّة القرآنية في سورة الرعد/ الطبعة الأولى ص: 5 .
[5] - الإتقان في علوم القرآن/الجزء الثالث ص: 286.
[6] - أساس البلاغة ص34.
[7]-هو الميرزا حسن بن عبد الرحيم بن مصطفى  المصطفوي التبريزي . عالِم مفسّر محقق . ولد في تبريز 4 شعبان سنة 1334ونشأ بها ، ودخل المدارس الرسمية وتخرّج فيها حاصلاً على الدكتوراه من كلية الإلهيات- جامعة تبريز.اتــّجه صوب الدراسة الدينية ، فقرأ على لفيف منَ الفضلاء ، ثم انتقل إلى قم وحضر على السيّد محمد الحجّة . وفي سنة 1360هاجر إلى النجف وحضر على السيّد أبي الحسن الأصفهاني ، والشيخ  محمّد الكمباني الأصفهاني . رجع إلى بلاده وأقام في طهران متفرّغاً للبحث والتأليف والتدريس في علوم التفسير والكلام والعقائد وغيرها . وكان يجيد عدّة لغات كالعربية والفارسية والتركية والفرنسية والعبرية.طبع له التفسير المنير 1- 16، التحقيق في كلمات القرآن الكريم 1-14،تفسير روشن 1-16(فارسي)وهو الذي ترجمه إلى العربية وأسماه التفسير المنير.كما أن له مؤلفات أخر في غير علوم التفسير كالحديث والعقائد والفقه.وفاته:توفي في طهران في جمادى الأولى سنة 1426ودفن فيها في جوار علي بن جعفر.[المصدر: مجلة آيينه بزوهش 93/123بتصرف].
[8] - التحقيق في كلمات القرآن الكريم/المجلّد الأول ص 243.
[9] - راجع على سبيل المثال : كتاب العين للفراهيدي، والصحاح للجوهري، ومجمع البحرين للطريحي ،والقاموس المحيط للفيروز آبادي ،وغيرها .
[10] - الكشّاف- المجلّد الثالث ص 290.
[11] - إعراب القرآن الكريم وبيانه – المجلّد الخامس ص389.
[12] - التحقيق في كلمات القرآن الكريم/المجلّد الثامن ص 293.
[13] - الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ص 534.
[14] - ورد في الصفحة (290) من كتاب غيبة الطوسي ،أن اسمه محمد بن سفيان البزوفريّ ،وليس محمد سفيان البزوفريّ، على هذا فإن (سفيان) هنا واسطة  .
[15] - كتاب الغيبة لأبي جعفر محمّد الطوسي ص 123.
[16] - غيبة النعماني(أبو عبد الله إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني ص 270.
[17] - منهجية بحث في علامات الظهور/مخطوط للمؤلف .
[18] - راجع على سبيل المثال: كتاب العين للخليل الفراهيدي، وصحاح الجوهري،والقاموس المحيط للفيروز آبادي،ومجمع البحرين،وتفسير غريب القرآن للطريحي .
[19] - القضيّة القرآنيّة في سورة الرعد (الطبعة الأولى) ص 84 .
[20] - التحقيق في كلمات القرآن الكريم/ العلاّمة المصطفوي – المجلّد الثاني عشر ص 12.
[21] - المصدر ص 14.
[22] - المصدر السابق ص 15.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كاظم الحسيني الذبحاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/12/31



كتابة تعليق لموضوع : كتاب (معاً إلى القرآن ـ منهج تدبري لكتاب الله من خلال قراءة واعية في سورة الشعراء) الحلقة الثانية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net