صفحة الكاتب : عبدالاله الشبيبي

خير البلاد ما حملك!...
عبدالاله الشبيبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

اثناء العمل والانشغال بما نحن فيها، اخرج لنا احد الاصدقاء كتاب نهج البلاغة، واخذ يقرأ علينا بعض الحكم القصار التي وردت فيه، ووقف كثيراً عند القول التالي: ليس بلد بأحق بك من بلدك، خير البلاد ما حملك. واخذ يوضع بعض مدلولاته وماذا يراد من الوطن؟. وبعد انهاء العمل رجعت الى البيت افكر في امر الحديث واقلبه يميناً وشمالاً، ذهبت مسرعاً الى مكتبتي واخرجت الحاسوب وبدأت ابحث عن صحت الحديث الذي ورد عن امير المؤمنين عليه السلام تبين انه حديث صحيح ومعتبر وله اهمية كبيرة وقد شرحه شراح نهج البلاغة، وذكره اهل التفسير في تفسيرهم بعض آيات القران الكريم التي تؤكد على اهمية حب الوطن والمواطنة والاعتزاز بها. ومن هنا ستكون لنا وقفة سريعة مع مضامين هذا الحديث الجليل.
الوطن كما جاء في الموسوعة الحرة: هو عبارة عن المكان التي يرتبط بها الشعب ارتباطاً تاريخياً طويلاً، وهو المنطقة التي تولدت فيها الهوية الوطنية للشعب أو باختصار ذلك المكان الذي ممكن ان يفدى بالروح والدم ليست هذه المنطقة الجغرافية بالضرورة مكان ولادة الشخص، بل هي المنطقة الجغرافية التي ولدت فيها أمته.
وقد جاء مسمى (وطن) في لسان العرب لأبن منظور القول بأن وطن: الوطن: المنزل تقيم به، وهو موطن الإنسان ومحله، والجمع أوطان. وأوطان الغنم والبقر: مرابضها وأماكنها التي تأوي إليها، وطن بالمكان وأوطن أقام، وأوطنه اتخذه وطناً. يقال: أوطن فلان أرض كذا وكذا أي اتخذها محلاً ومسكناً يقيم فيها، وأوطنت الأرض ووطنتها توطيناً وأستوطنها أي اتخذتها وطناً.
أما في الاصطلاح السياسي المعاصر فيقصد بالوطن الجهة التي يقيم فيها الشخص دائماً أو التي له بها مصلحة أو فيها مقر عائلته.
وعليه الوطن هو محل الإقامة عادة أما بالاستمرار أو في الأعم الأغلب من الأزمان. ويمكن تقسيمه على عدة أشكال نذكر منها ما يلي، وهو التقسيم باعتبار متعلقاته:
أولًا: قد ينسب الوطن إلى المنطقة أو الإقليم. ومنه العراق ومصر والقوقاز.
ثانياً: قد ينسب الوطن إلى اللغة، ومنه قولهم: الوطن العربي.
ثالثاً: وقد ينسب إلى الجنس من البشر، فيقال مثلا إن أفريقيا وطن السود.
رابعاً: وقد ينسب إلى الجسد. فتكون الدنيا هي وطن الجسد أو الأجساد، من حين الولادة إلى ساعة الموت.
خامساً: قد ينسب الوطن إلى الروح. وهو المحل الأسمى الذي نزلت منه الروح. حيث يقول ابن سينا: نزلت إليك من المحل الأرفع‏. وإذا كانت الروح آتية من عالم الظلام فموطنها هو ذلك.
سادساً: قد ينسب إلى أمر محدد بعينه، كمرض من الأمراض، فيقال أن محل كذا هو موطن الملاريا مثلًا، فيما إذا كان أصله هناك. وكعلم من العلوم كالسحر، فيقال: إن الهند وطن السحر، باعتبار أن أصله هناك. وهكذا. فقه الأخلاق، ج‏1، ص296.
اذ يقول صاحب تفسير الامثل: صحيح أنّ حب الوطن والعلاقة بمسقط الرأس جزء من طبيعة كل إنسان، ولكن قد يتفق أن تحدث في حياة الإنسان مسائل أهم من تلك الأُمور، فتجعلها تحت شعاعها وتكون أولى منها.
وقد قيل لـ عبد الملك للحارث: أيّ البلاد أحبّ إليك؟ قال: ما حسنت فيه حالي وصين وجهي، ثم قال: لا كوفة امّي ولا بصرة أبي ولست كمن يثنيه عن وجهه الكسل
وقال ابن أبي الحديد في شرحه للنهج: وذهب كثير من الناس إلى غير هذا المذهب فجعلوا مسقط الرأس أحقّ به، قال:
أحبّ بلاد اللَّه ما بين منبج إليّ وسلمى أن يصوب سحابها
بلاد بها نيطت عليّ تمائمي وأوّل أرض مسّ جلد ترابها
وكانت العرب إذا سافرت حملت معها من تربة أرضها ما تستنشق ريحه وتطرحه في الماء إذا شربته، وكذلك كانت فلاسفة اليونان تفعل.
قلت: ما ذكره أعمّ، فإنّ الوطن من حيث هو أحق من غيره، وكلامه عليه السّلام فيما إذا لم يحمله وطنه فاختياره حينئذ سفاهة، وقال البحتري:
اضيع في معشر وكم بلد يعد عود الكباء من حطبه. بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، ص103.
وقد جاء عنه عليه السلام: عمّرت البلدان بحب الأوطان، فلولا غريزة حب الوطن التي وجدت في باطن الإنسان، لما دافع الفرد عن شبر واحد عن وطنه وما عمرت البلدان، لان كما ورد في الحديث: شر الأوطان ما لم يأمن فيه القطان.
فالوطن ليس مسقط الرأس فقط، بل كل ارض لك هي وطن ان وجد فيه الأمن الأمان والعدل والحرية ولهذا ورد في الحديث: ليس بلدٌ بأحقَّ بك من بلدٍ، خير البلاد ما حملك.
وجاء في الحديث: لا خير.. في الوطن إلا مع الأمن والسرور او المسرة. فالذي حملك هو الوطن فمن حقك إن تحن إليه وتدافع عنه وتطلب العودة إليه، وليس في الغربة عار إنما العار في الوطن والافتقار.
قال الشيخ حسن الصفار: فإذا لم يشعر الإنسان بالأمن في هذا الوطن ومع كل انشداده النفسي والطبيعي، سيكون مضطراً إلى الخروج منه، لأن عدم الأمن يحرمه نعمة الاستقرار المكفولة لإنسانيته.
إن هذا المثال في فقدان الأمن في الأوطان لا زال يتكرر في كل زمان ومكان مادام الصراع بين الحق والباطل قائماً، وكما نرى في عالمنا المعاصر كم من الناس يعيشون مشكلة اللجوء في بلدان أخرى غير بلدانهم، بسبب عدم توفر الأمن والسلامة على أنفسهم وأموالهم وأهلهم، وذلك إما لسيطرة عدو ظالم أو وجود فتن ومظالم فيضطرهم ذلك إلى ترك أوطانهم والبعد عنها.
فإذا غاب حب الوطن فلا عمران ولا امن ولا أمان ولا عدل ولا حرية ولا عيشاً كريمٍ، فالوطن هو الذي يمنحك الشعور بالأمن والأمان والانتماء والعز والافتخار.
كثيراً ما يضيق حال الانسان في وطنه المألوف وبلده المأنوس، فيضطرّ إلى الرّحلة إلى بلاد اخرى، ومن ذلك مهم الهجرة الّتي شرعت بعد هجرة النبيّ(ص) وجوبا وتعقبها هجرة المسلمين وراء الجهاد والفتوح الاسلامى إلى بلاد شاسعة، والهجرة من مشاق التكاليف ومفارقة البلد صعب على أكثر النفوس، فجاء كلامه عليه السّلام تسلية للمهاجرين من الأوطان وبيّن أنّ خير البلاد ما حمل الانسان ووافقه في سنن معاشه والتهيّة لمعاده. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة.
وقد قال الشيخ مغنية في شرحه للنهج: ليس المهم أن تعيش في هذا البلد دون ذاك، فأي بلد تعيش فيه كإنسان، له حريته وكرامته لا كحيوان مسخر للطغاة والمستغلين فهو بالقياس اليك خير مقر ووطن. وبكلمة، المهم كيف تعيش لا أين تعيش؟. في ظلال نهج البلاغة، ص471 .
وقال احدهم: خير البلاد ما حملك، اي خير البلاد ما استوعبك رزقاً ... حرية ... كرمة ... جمالاً ... احتراماً ... أُلفة ... فكراً... فليس بالخبز وحده يعيش الانسان!
نعم... ربما الخبز مقدمة، لان القوة الغذائية كما يقول ابن باجه وقبله ارسطو في كتابه النفس مقدمة للقوة الحساسة ومن ثم القوة الناطقة. ولكن، ماذا لو امتدت يد القوة الغاشمة مباشرة إلى القوة الناطقة وخنقتها، زهقتها، أرهقتها، قمعتها؟
الدعوة الى الهجرة في سبيل عيش أرغد، حرية أرحب، مجال أكثر أمنا، وأكثر تفاعلاً مع الفكر والعلم، هجرة ميمونة. ولكن هل مسؤولية الانسان تجاه وطنه معدومة؟ لا بطبيعة الحال.
وهناك حكمة هندية تقول: حرمة بلدك عليك كحرمة أبويك، كان غذاؤك منهما وأنت جنين، وكان غذاؤهما منك. أن العلاقة بين الوطن والانسان جدلية، ولكن الانسان أهم وأعز وآكد.
فعم فلولا هذه الغريزة ووجودها في نفس الإنسان لما عمرت وازدهرت البلدان ولما ارتقى هذا الإنسان إلى كمالاته الحضارية التي شهدتها هذه الأرض والتي لا تزال تشهدها، وسيبقى إعمار الإنسان لهذه الأرض تبعاً لوجود هذه الغريزة في نفس الإنسان وحياته، والتي بسببها نرى هذا الميل والانشداد الواضح والقوي لبلد هذا الإنسان ووطنه.
يقول أحد المفكرين: إن الانتماء الأكبر لا يعني إنكار وجود انتماءات ثانية وصغرى وفرعية.. فتلك حقيقة تشهد عليها الفطرة السليمة لدى الإنسان، فلدى المسلم السوي، الذي يمثل الانتماء الإسلامي هويته الأولى وجامعته العظمى، إحساس فطري بأن له انتماءات وولاءات صغرى وفرعية، تلي الانتماء الإسلامي، ولا تتعارض معه.. فالأمة الإسلامية كالجسد الواحد، لكن لهذا الجسد أعضاء، لا ينفي تميزها وتفاوتها وحدة هذا الجسد.
والفطرة الإنسانية تشهد على أن للإنسان منا ولاء وانتماء إلى الأهل بمعنى الأسرة والعشيرة.. وإلى الشعب في الوطن والإقليم الذي تربى ونشأ فيه.. وإلى الأمة التي يتكلم لسانها ويشترك معها في الاعتقاد الديني.. ثم إلى الإنسانية التي خلقه الله وإياها من نفس واحدة. المصدر: الوطن والمواطنة، ص12.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالاله الشبيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/11/23



كتابة تعليق لموضوع : خير البلاد ما حملك!...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net