صفحة الكاتب : عبدالاله الشبيبي

يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله...
عبدالاله الشبيبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قال تعالى ﴿وَمِنَ الناس مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ الله أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله﴾. يرد إشكال مفاده أن أولئك الذين اتخذوا من دون الله أنداداً هم محبون لله تعالى أيضاً على أن هذا الحب الذي هم عليه يمثل مرتبة من مراتب الحب الإلهي، وهذا ممدوح ومطلوب بحد ذاته؟.
نقول: ان هذا الحب وان كان يعتبر من مراتب اصل الحب وطبيعته ولكنه لا يمت بأي صلة الى اي مرتبة من مراتب الحب الالهي فإن اول مرتبة من مراتب الحب الالهي تبدأ بنفي الأنداد والأضداد والأغيار عنه ولو على مستوى الظاهر كما هو الحال في الكثير من الناس القائلين بالتوحيد فإنه بحسب ظاهر كل مسلم لا تجده يثبت لله تعالى نداً او شريكاً وان كان بحسب عمله وسلوكه يحصل منه ذلك ولكنه مع ذلك فإن ما هو عليه يمثل الحد الأدنى من مراتب الحب الالهي.
وعليه فإن مجرد اثبات الضد او الند هو اسقاط ونفي لأي مرتبة من مراتب الحب الالهي ظاهرا وباطناً وان نفي الأضداد عنه هو اثبات لأولى مراتب الحب الالهي ظاهرا واما باطنا فذلك متوقف على مطابقة الظاهر الذي هو عليه للباطن ولعل تشخيص ذلك ممكن للإنسان ﴿بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ ألقى مَعَاذِيرَهُ﴾. المصدر: معرفة الله، ج1، ص135.
فان مرتبة الحب الالهي ينبغي ان تبقى في قلب المؤمن محفوظة لا يشاركها في مرتبتها شيء وذلك هو التوحيد الالهي الصحيح اما اذا ضعف الحب الالهي في النفس او انعدم وبرز امر اخر من داخل النفس يحاول ان يسيطر على احساسها ويستولي على حبها وتقديسها ممالا يمي الى الجانب الالهي بصلة فان رضي الفرد بذلك فقد اشرك الله تعالى في اخلاصه وحبه مع امر اخر الذي هو لا يعدو ان يكون احد مخلوقاته وامراً متواضعاً حقيراً اذا نسب الى الوجود اللانهائي العظيم سواء كان هذا الامر هو المادة او الشهوات او الاغراض المنحرفة او غير ذلك من الامور. المصدر: اشراقات فكرية، ج3، ص203. 
وقد قال صاحب الميزان عن قوله تعالى:﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّه﴾، وفي التعبير بلفظ يحبونهم دلالة على أن المراد بالأنداد ليس هو الأصنام فقط بل يشمل الملائكة، وأفراداً من الإنسان الذين اتخذوهم أربابا من دون الله تعالى بل يعم كل مطاع من دون الله من غير أن يأذن الله في إطاعته كما يشهد به ما في ذيل الآيات من قوله: ﴿اذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾، وكما قال تعالى: ﴿وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ﴾، وقال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾، وفي الآية دليل على أن الحب يتعلق بالله تعالى حقيقة خلافا لمن قال: إن الحب ــ وهو وصف شهواني ــ يتعلق بالأجسام والجسمانيات، ولا يتعلق به سبحانه حقيقة وإن معنى ما ورد من الحب له الإطاعة بالائتمار بالأمر والانتهاء عن النهي تجوزا كقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾.
والآية حجة عليهم فإن قوله تعالى: ﴿أَشَدُّ حُبًّا لِلَّه﴾ يدل على أن حبه تعالى يقبل الاشتداد، وهو في المؤمنين أشد منه في المتخذين لله أندادا، ولو كان المراد بالحب هو الإطاعة مجازا كان المعنى والذين آمنوا أطوع لله ولم يستقم معنى التفضيل لأن طاعة غيرهم ليست بطاعة عند الله سبحانه فالمراد بالحب معناه الحقيقي.
ويدل عليه أيضا قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ ... أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾، فإنه ظاهر في أن الحب المتعلق بالله والحب المتعلق برسوله والحب المتعلق بالآباء والأبناء والأموال وغيرها جميعا من سنخ واحد لمكان قوله أحب إليكم، وأفعل التفضيل يقتضي اشتراك المفضل والمفضل عليه في أصل المعنى واختلافهما من حيث الزيادة والنقصان.
ثم إن الآية ذم المتخذين للأنداد بقوله: يحبونهم كحب الله ثم مدح المؤمنين بأنهم أشد حبا لله سبحانه فدل التقابل بين الفريقين على أن ذمهم إنما هو لتوزيعهم المحبة الإلهية بين الله وبين الأنداد الذين اتخذوهم أندادا.
ويضيف العلامة: يشهد بأن الذم لم يتوجه إلى الحب من حيث إنه حب بل من جهة لازمه الذي هو الاتباع وكان هذا الاتباع منهم لهم لزعمهم أن لهم قوة يتقوون بها لجلب محبوب أو دفع مكروه عن أنفسهم فتركوا بذلك اتباع الحق من أصله أو في بعض الأمر، وليس من اتبع الله في بعض أمره دون بعض بمتبع له وحينئذ يندفع الاستشعار المذكور، ويظهر أن هذا الحب يجب أن لا يكون لله فيه سهيم وإلا فهو الشرك واشتداد هذا الحب ملازم لانحصار التبعية من أمر الله، ولذلك مدح المؤمنين بذلك في قوله والذين آمنوا أشد حبا لله.
فقد بان بهذا البيان أن من أحب شيئاً من دون الله ابتغاء قوة فيه فاتبعه في تسبيبه إلى حاجة ينالها منه أو اتبعه بإطاعته في شيء لم يأمر الله به فقد اتخذ من دون الله أنداداً وسيريهم الله أعمالهم حسرات عليهم، وأن المؤمنين هم الذين لا يحبون إلا الله ولا يبتغون قوة إلا من عند الله ولا يتبعون غير ما هو من أمر الله ونهيه فأولئك هم المخلصون لله دينا. المصدر: تفسير الميزان، ج1، ص235.
ولم يتخذ المشركون هؤلاء الأنداد للعبادة فحسب، بل ﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ﴾، ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لله﴾، لأنهم أصحاب عقل وإدراك، يفهمون أن الله سبحانه مصدر كل الكمالات، وهو وحده اللائق بالحبّ، ولا يحبون شيئاً آخر إلاّ من أجله. وقد غمر الحبّ الإلهي قلبهم حتى أصبحوا يرددون مع أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام): فَهَبْنِي صَبَرْتُ عَلى عَذَابِكَ، فَكَيْفَ أَصْبِرُ عَلَى فِرَاقِكَ.
الحبّ الحقيقي يتجه دائماً نحو نوع من الكمال، فالإِنسان لا يحبّ العدم والنقص، بل يسعى دوماً وراء الوجود والكمال، ولذلك كان الأكمل في الوجود والكمال أحق بالحبّ.
لقد اشار الامام الباقر(ع) الى ان المقصود من الانداد في قوله تعالى ﴿وَمِنَ الناس مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ الله أَندَاداً﴾ هو: ائمة الظلم، كما ان منطق الفن يفرض مثل هذا التفسير. 
والدليل الفني على ذلك هو: الذي يقول ﴿اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّه﴾, فهذا التشبيه يقول بان المؤمنين يحبون اللّه تعالى اشد من حبهم لسواه, وحينئذ فان ما سوى اللّه تعالى لا يمكن ان يكون صنماً, لان المؤمن لا يحب الصنم, اساساً, فكيف تصح المقارنة حينئذ بين الحب للأصنام, وبين الحب للّه تعالى, وكون الحب للّه تعالى اشد من الحب للأصنام؟ اذن: لابد ان يكون المقصود من الانداد هم الناس وليس الاصنام. المصدر: دراسات فنية في سور القرآن. 
ان البعض يحبون الناس مثل حبهم للّه تعالى، ثم يواجهك تشبيه يقول: ان المؤمن هو الذي يحب اللّه تعالى اشد من حبه للناس, وبهذا تتضح لك حقيقة الموقف الذي ينطوي عليه هذان التشبيهان, حيث يتسقان تماماً مع طبيعة البشر الذين يضؤل لدى بعضهم الوعى, بحيث يحب الناس مثل حبه للّه تعالى, مقابل البعض الاخر الذي يحب اللّه تعالى اشد من حبه للناس, وهو: المؤمن.
وعليه تجد ان عبارة الانداد، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً﴾, قد تجيء بمعنى (النظائر والاشباه), وقد تجيء بمعنى (الاضداد), ولكل منهما امكانية التفسير الصحيح, لان البعض من الناس قد يتخذ (نظيراً) للّه تعالى من حيث درجة الحب, وقد يتخذ (ضداً) للّه تعالى من حيث انه جعل الناس (وهم مخلوقات) اضداداً للّه تعالى, فيكون حبه للناس حباً لما هو (ضد) للّه تعالى. المصدر السابق نفسه. 
ومن هنا فان المؤمن اشد حباً للّه تعالى من البعض الذي يساوي بين حبه للّه تعالى وبين حبه للناس, وعليك ان تستنتج بان المقصود هو ان المؤمن اشد حباً للّه تعالى من حبه للناس. 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالاله الشبيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/12/01



كتابة تعليق لموضوع : يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net