إيران‭ ‬وسياسة‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬العراق
حسن فحص

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تعاملت‭ ‬إيران‭ ‬بحذر‭ ‬واضح‭ ‬مع‭ ‬قرار‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬بالانسحاب‭ ‬من‭ ‬سوريا،‭ ‬ومحاولة‭ ‬رسم‭ ‬سيناريوهات‭ ‬لتداعيات‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬على‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬الإقليم

،‭ ‬خصوصا‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬الجانب‭ ‬التركي،‭ ‬وضرورة‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬أستانة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الترويكا‭ ‬مع‭ ‬روسيا،‭ ‬وبالتالي‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬الانتفاضة‭ ‬التركية،‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تبرز‭ ‬جراء‭ ‬التفويض‭ ‬الأمريكي‭ ‬للحكومة‭ ‬التركية‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬شرق‭ ‬الفرات‭ ‬السورية،‭ ‬واغرائها‭ ‬بالعودة‭ ‬للعب‭ ‬دور‭ ‬رأس‭ ‬الحربة‭ ‬لحلف‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بديلا‭ ‬عن‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وما‭ ‬يعنيه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬ما‭ ‬حاولت‭ ‬منعه‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬مسرح‭ ‬لنشاط‭ ‬وتواجد‭ ‬الناتو‭ ‬بشكل‭ ‬علني‭. ‬
الحذر‭ ‬الإيراني‭ ‬شمل‭ ‬أيضا‭ ‬محاولة‭ ‬رصد‭ ‬ردات‭ ‬الفعل‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تخفيف‭ ‬الانعكاسات‭ ‬السلبية‭ ‬للخروج‭ ‬الأمريكي‭ ‬وما‭ ‬يعنيه‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬سوريا‭ ‬هدية‭ ‬مجانية‭ ‬لإيران،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬أي‭ ‬بوادر‭ ‬عن‭ ‬إمكانية‭ ‬حصول‭ ‬أي‭ ‬انسحاب‭ ‬لقوات‭ ‬حرس‭ ‬الثورة‭ ‬الإيرانية‭ ‬والفصائل‭ ‬الحليفة‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭. ‬وبالتالي‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬ضوء‭ ‬أخضر‭ ‬أمريكي‭ ‬غير‭ ‬علني‭ ‬للجانب‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬باستئناف‭ ‬نشاطاتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬واستهداف‭ ‬المواقع‭ ‬الايرانية‭ ‬وتلك‭ ‬التابعة‭ ‬لحزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬ادى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬إحراج‭ ‬الجانب‭ ‬الروسي،‭ ‬الذي‭ ‬يقف‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬بين‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬والإيراني،‭ ‬لكنه‭ ‬أيضا‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬الاستخفاف‭ ‬جراء‭ ‬التجرؤ‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬على‭ ‬استهداف‭ ‬العمق‭ ‬السوري،‭ ‬بدون‭ ‬الأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬وجوده‭ ‬العسكري‭ ‬ودور‭ ‬الضابط‭ ‬الذي‭ ‬يقدم‭ ‬الضمانات‭ ‬لتل‭ ‬ابيب،‭ ‬ويؤكد‭ ‬على‭ ‬الشراكة‭ ‬مع‭ ‬الإيراني‭.‬
إلا‭ ‬أن‭ ‬الحذر‭ ‬الإيراني‭ ‬الرئيس‭ ‬لا‭ ‬يقف‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬الساحة‭ ‬السورية،‭ ‬بل‭ ‬يتمحور‭ ‬حول‭ ‬العراق‭ ‬والتداعيات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يتركها‭ ‬القرار‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬العراقية‭ ‬والدور‭ ‬والنفوذ‭ ‬الإيراني‭ ‬فيها‭. ‬فقرار‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬سوريا،‭ ‬وفّر‭ ‬لطهران‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الاسترخاء‭ ‬العسكري‭ ‬والسياسي‭ ‬وحتى‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬لأن‭ ‬استمرار‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬القوات‭ ‬داخل‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية‭ ‬شكل‭ ‬عائقا‭ ‬أمام‭ ‬تحقيق‭ ‬خططها‭ ‬في‭ ‬استكمال‭ ‬عملية‭ ‬وصل‭ ‬الطريق‭ ‬البري‭ ‬بين‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق،‭ ‬فمجرد‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬القوات‭ ‬داخل‭ ‬قواعدها‭ ‬يعد‭ ‬مصدر‭ ‬قلق،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬استطاعت‭ ‬طهران‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬فرض‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الحصار‭ ‬العسكري‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬القواعد‭ ‬لشل‭ ‬فعاليتها‭ ‬العسكرية‭. ‬
الهدية‭ ‬الامريكية‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬التي‭ ‬تضاف‭ ‬إلى‭ ‬الهدية‭ ‬اليمنية،‭ ‬جعلت‭ ‬القيادة‭ ‬الايرانية‭ ‬تنتظر‭ ‬هدية‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وهذه‭ ‬المرة‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬سوى‭ ‬العراق‭. ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬الرئيس‭ ‬الامريكي‭ ‬الإعداد‭ ‬والتمهيد‭ ‬لتقديمها،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الزيارة‭ ‬المفاجئة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬قاعدة‭ ‬عين‭ ‬الأسد‭ ‬في‭ ‬الأنبار‭ ‬العراقية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬بها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬وتشكل‭ ‬الدعم‭ ‬الخلفي‭ ‬لقاعدة‭ ‬تنف‭ ‬السورية،‭ ‬والعين‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬البري‭ ‬الذي‭ ‬يمر‭ ‬بالانبار‭ ‬باتجاه‭ ‬سوريا،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬معبر‭ ‬القائم‭. ‬فقد‭ ‬أثارت‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬والإشكاليات‭ ‬التي‭ ‬رافقتها‭ ‬دبلوماسيا‭ ‬وسياسيا‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬تحفضات‭ ‬لدى‭ ‬القيادة‭ ‬العراقية‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬المستويات‭ ‬الرسمية‭ ‬بتجاوزها‭ ‬لكل‭ ‬الأعراف‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬بين‭ ‬بلدين‭ ‬تربطهما‭ ‬علاقات‭ ‬واسعة‭ ‬ومتشعبة،‭ ‬لا‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬التحالف‭ ‬لمحاربة‭ ‬الارهاب‭ (‬طلب‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬عادل‭ ‬عبدالمهدي‭ ‬عقد‭ ‬لقاء‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬الأسد‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬بغداد‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬منتقدة‭ ‬وصلت‭ ‬حد‭ ‬التهديد‭ ‬القانوني‭ ‬وحتى‭ ‬العسكري،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأصوات‭ ‬التي‭ ‬دعت‭ ‬إلى‭ ‬مطالبة‭ ‬البرلمان‭ ‬العراقي‭ ‬بالتصويت‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬خروج‭ ‬القوات‭ ‬الامريكية،‭ ‬أو‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬من‭ ‬قيادات‭ ‬تتمتع‭ ‬بعلاقات‭ ‬جيدة‭ ‬مع‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬اعتبرت‭ ‬الزيارة‭ ‬خرقا‭ ‬لكل‭ ‬الاعراف‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬خصوصا‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تحترم‭ ‬سيادة‭ ‬العراق‭ ‬وحكومته،‭ ‬والتذكير‭ ‬بأن‭ ‬الوجود‭ ‬الامريكي‭ ‬مؤقت‭ ‬ولا‭ ‬يحق‭ ‬للرئيس‭ ‬الامريكي‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬بقاء‭ ‬قواته‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬انتهاء‭ ‬المعاهدة‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬عودة‭ ‬لغة‭ ‬التهديد‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬قادة‭ ‬فصائل‭ ‬في‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬باللجوء‭ ‬إلى‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬ضد‭ ‬هذه‭ ‬القوات‭ ‬وإجبارها‭ ‬على‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬العراق‭. ‬ومن‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬يساهم‭ ‬استخفاف‭ ‬الرئيس‭ ‬الامريكي‭ ‬بالضوابط‭ ‬الأمنية‭ ‬والعسكرية،‭ ‬في‭ ‬فضح‭ ‬شخصيات‭ ‬قادة‭ ‬وعناصر‭ ‬القوات‭ ‬الامريكية‭ ‬المنتشرة‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬في‭ ‬تسهيل‭ ‬مهمة‭ ‬أي‭ ‬جهة‭ ‬أو‭ ‬طرف‭ ‬عسكري‭ ‬عراقي،‭ ‬خصوصا‭ ‬فصائل‭ ‬الحشد‭ ‬المعادية‭ ‬للوجود‭ ‬الأمريكي،‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬هذه‭ ‬العناصر‭ ‬إلى‭ ‬أهداف‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لإجبارها‭ ‬على‭ ‬الانسحاب‭. ‬

من‭ ‬هنا‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬تعد‭ ‬طهران‭ ‬نفسها‭ ‬بهدية‭ ‬عراقية‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬الامريكي‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬المقبلة،‭ ‬تسمح‭ ‬لها‭ ‬بتعويض‭ ‬ما‭ ‬فقدته‭ ‬من‭ ‬إحكام‭ ‬قبضتها‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬العراقي،‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬طموحاتها،‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬القوى‭ ‬الحليفة‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬نفسها‭ ‬رقما‭ ‬صعبا‭ ‬في‭ ‬معادلة‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬أفرزتها‭ ‬الانتخابات‭ ‬البرلمانية،‭ ‬يسمح‭ ‬لها‭ ‬بتحديد‭ ‬مسارات‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬عقد‭ ‬تحالفات‭ ‬وتقديم‭ ‬تنازلات‭. ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬الانسحاب‭ ‬الامريكي‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬مستبعدا‭ ‬في‭ ‬القراءة‭ ‬الإيرانية،‭ ‬لتطور‭ ‬ومسارات‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬اتخذها‭ ‬ترامب‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬الأهداف‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬وراءها‭ ‬واشنطن‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬اي‭ ‬تهديد‭ ‬حقيقي،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬ضمانات‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ “‬الشريك‭ ‬الروسي‭”‬،‭ ‬وغير‭ ‬مباشرة‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬كلام‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الايراني‭ ‬محمد‭ ‬جواد‭ ‬ظريف‭ ‬عندما‭ ‬تساءل‭ “‬متى‭ ‬قلنا‭- ‬أي‭ ‬إيران‭- ‬إننا‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نمحي‭ ‬اسرائيل‭ ‬من‭ ‬الوجود‭”. ‬وطالما‭ ‬أن‭ “‬الغريم‭” ‬الإيراني‭ ‬يرغب‭ ‬ويسعى‭ ‬لتولي‭ ‬مهمة‭ ‬ضبط‭ ‬وترتيب‭ ‬البيت‭ ‬الداخلي‭ ‬العراقي،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬استقرار‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مساعيه‭ ‬لفرض‭ ‬استراتيجيته‭ ‬الإقليمية‭ ‬وإبعاد‭ ‬التهديد‭ ‬الارهابي‭ ‬عنه،‭ ‬محكوما‭ ‬بالخوف‭ ‬من‭ ‬انتقال‭ ‬هذا‭ ‬التهديد‭ ‬إلى‭ ‬الداخل‭ ‬الايراني‭ ‬أو‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬حدوده،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬افغانستان‭ ‬التي‭ ‬أعلنت‭ ‬طهران،‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬سكرتير‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭ ‬الادميرال‭ ‬علي‭ ‬شمخاني،‭ ‬عن‭ ‬مفاوضات‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬طالبان‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬الإعلان‭ ‬الامريكي‭ ‬عن‭ ‬مفاوضات‭ ‬مماثلة‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الإماراتية‭ ‬ابو‭ ‬ظبي‭. ‬فإن‭ ‬ترامب‭ ‬سيجد‭ ‬الفرصة‭ ‬لتطبيق‭ ‬المنطق‭ ‬والسياسة‭ ‬التي‭ ‬اعتمدها‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬وهذه‭ ‬المرة‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬خفض‭ ‬النفقات‭ ‬العسكرية‭ ‬وتسليم‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬مهمة‭ ‬قتال‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬رفضه‭ ‬لأن‭ ‬تكون‭ ‬أمريكا‭ ‬شرطيا‭ ‬لحماية‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭.‬
التعقيدات‭ ‬التي‭ ‬واجهتها‭ ‬طهران‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬الجديدة،‭ ‬دفعت‭ ‬المعنيين‭ ‬بالملف‭ ‬العراقي‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬تقويم‭ ‬المرحلة‭ ‬السابقة‭ ‬وطريقة‭ ‬وأسلوب‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬العراقي،‭ ‬والتوصل‭ ‬إلى‭ ‬نتيجة‭ ‬واضحة‭ ‬تفرض‭ ‬على‭ ‬طهران‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬قنوات‭ ‬العلاقة،‭ ‬ولغة‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تفادي‭ ‬أزمات‭ ‬مماثلة‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭. ‬وتعترف‭ ‬طهران‭ ‬بأن‭ ‬العراق‭ ‬مثل‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المحيطة‭ ‬بإيران،‭ ‬يفتقر‭ ‬إلى‭ ‬استقرار‭ ‬وسلام‭ ‬راسخين،‭ ‬وتعترف‭ ‬أيضا‭ ‬بأنها‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬وصفا‭ ‬ثابتا‭ ‬ودائما‭ ‬لأي‭ ‬شخصية‭ ‬سياسية‭ ‬عراقية‭ ‬مطروحة،‭ ‬فسلوكيات‭ ‬السياسيين‭ ‬العراقيين‭ ‬ترتبط‭ ‬بالظروف‭ ‬الخاصة‭ ‬بهم،‭ ‬وعليه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬وصف‭ ‬هذه‭ ‬الشخصيات‭ ‬بأنها‭ ‬مرتبطة‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬بايران‭. ‬فقد‭ ‬يعمد‭ ‬البعض‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬بأسلوب‭ ‬غير‭ ‬مناسب،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬بعدم‭ ‬أخذ‭ ‬هويتهم‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬البرلمانية،‭ ‬وتشكيل‭ ‬الحكومة،‭ ‬وما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الشخصيات‭ ‬أو‭ ‬التيارات‭ (‬مقتدى‭ ‬الصدر‭ ‬وحيدر‭ ‬العبادي‭) ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬لا‭ ‬تعطي‭ ‬إيران‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬استبعادهم‭ ‬كليا،‭ ‬وانطلاقا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القراءة،‭ ‬تعتقد‭ ‬إيران‭ ‬أن‭ ‬المطلوب‭ ‬وضع‭ ‬تصور‭ ‬ورؤية‭ ‬لإدارة‭ ‬البيت‭ ‬الشيعي،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬فهي‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬التنافس‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الشيعية‭ ‬وبيوت‭ ‬المرجعيات،‭ ‬تصل‭ ‬حد‭ ‬تسقيط‭ ‬وتشويه‭ ‬وفضح‭ ‬بعضها‭ ‬بعضا،‭ ‬وقد‭ ‬تصل‭ ‬الأمور‭ ‬بأحد‭ ‬الأطراف‭ ‬حد‭ ‬اتهام‭ ‬خصمه‭ ‬لضرورات‭ ‬تكتيكية‭ ‬بالعمالة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الحقيقة‭ ‬والواقع‭ ‬خلاف‭ ‬ذلك‭.‬
وترى‭ ‬طهران‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬الرؤية‭ ‬الشاملة‭ ‬ومعادلة‭ ‬السلطة‭ ‬داخل‭ ‬العراق،‭ ‬التي‭ ‬تتجه‭ ‬لصالح‭ ‬تراجع‭ ‬الوزن‭ ‬السياسي‭ ‬لأمريكا‭ ‬وشركائها‭ ‬الإقليميين،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يدفع‭ ‬اللاعبين‭ ‬العراقيين‭ ‬للانتقال‭ ‬إلى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬منطق‭ ‬خاص‭ ‬بهم‭. ‬وتتوقف‭ ‬الرؤية‭ ‬الإيرانية،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬أمام‭ ‬تجربة‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الزعيم‭ ‬الكردي‭ ‬مسعود‭ ‬بارزاني‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬شخصية‭ ‬سياسية‭ ‬واسعة‭ ‬النفوذ‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وعدم‭ ‬تطابق‭ ‬مواقفة‭ ‬مع‭ ‬مواقف‭ ‬ايران،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المعارك‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬يخوضها‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الداخلية‭ ‬الكردية،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬قيادات‭ ‬أخرى‭ ‬تعتبر‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬وما‭ ‬يتمتع‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬علاقات‭ ‬دولية،‭ ‬إلا‭ ‬انه‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬لا‭ ‬يجهر‭ ‬العداء‭ ‬لايران‭.‬
تقويم‭ ‬إيران‭ ‬لتجربة‭ ‬بارزاني،‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬القراءة‭ ‬البراغماتية‭ ‬للساحة‭ ‬العراقية‭ ‬ومواقف‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬قياداتها،‭ ‬فالتجارب‭ ‬التي‭ ‬خاضها‭ ‬بارزاني‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬مختلفة،‭ ‬خصوصا‭ ‬التجربة‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬استفتاء‭ ‬الانفصال،‭ ‬رسخت‭ ‬لديه‭ ‬قناعة‭ ‬حسب‭ ‬اعتقاد‭ ‬طهران،‭ ‬بأن‭ ‬حياته‭ ‬السياسية‭ ‬ومقتلها‭ ‬ترتبط‭ ‬بمدى‭ ‬علاقته‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬بدون‭ ‬أن‭ ‬يتخلى‭ ‬عن‭ ‬اتخاذ‭ ‬مواقف‭ ‬لا‭ ‬تنسجم‭ ‬مع‭ ‬مواقفها،‭ ‬أو‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬صراعاته‭ ‬السياسية‭ ‬مع‭ ‬المنافسين‭ ‬أو‭ ‬المكونات‭ ‬الاخرى‭. ‬والمنطق‭ ‬الذي‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬الشيعية‭ ‬والكردية،‭ ‬ينطبق‭ ‬ايضا‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬والشخصيات‭ ‬السنية،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬نسبة‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬صادقة‭ ‬بإيران‭ ‬10%،‭ ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فإنها‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تصاعدية‭ ‬لدى‭ ‬السنة‭ ‬والشخصيات‭ ‬والأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬المنتمية‭ ‬لهذا‭ ‬المكون،‭ ‬والساعية‭ ‬للبقاء‭ ‬في‭ ‬معادلة‭ ‬السلطة،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يستثني‭ ‬تيار‭ ‬البعث‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬للبقاء‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬اعتقاد‭ ‬طهران‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬ملتزمة‭ ‬بالموقف‭ ‬الإيراني،‭ ‬وعليه‭ ‬فإن‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬70%‭ ‬منهم‭ ‬الآن‭ ‬يقفون‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬الالتزام‭ ‬أو‭ ‬الصداقة‭. ‬
التوجه‭ ‬لاعتماد‭ ‬هذا‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المكونات‭ ‬العراقية‭ ‬بكل‭ ‬تنوعاتها،‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬مبدأ‭ ‬إيراني‭ ‬يقول‭ ‬بوجوب‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬إلى‭ ‬تخفيف‭ ‬آلام‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬للاعداء‭ ‬المشتركين‭ ‬باستغلال‭ ‬العراق‭ ‬وشعبه،‭ ‬وبالتالي‭ ‬التمهيد‭ ‬للمرحلة‭ ‬المقبلة‭ ‬التي‭ ‬تعتقد‭ ‬طهران‭ ‬أنها‭ ‬ستكون‭ ‬مرحلة‭ ‬الانسحاب‭ ‬الامريكي‭ ‬وتراجع‭ ‬نفوذها‭ ‬ونفوذ‭ ‬حلفائها‭ ‬لصالح‭ ‬تقدم‭ ‬محور‭ ‬إيران‭ ‬ورؤيتها‭. ‬
كاتب‭ ‬لبناني


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسن فحص

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/01/01



كتابة تعليق لموضوع : إيران‭ ‬وسياسة‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬العراق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net