صفحة الكاتب : زعيم الخيرالله

السلطة بين الضرورة والتحسين
زعيم الخيرالله

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 هناك صيحات صاخبة ، ودويّ وضجيج .... وهذه الصيحات تدعو وتطالب باسقاط كل سلطة ، سواء كانت سلطة نص اوسلطة معرفية ، اوسلطة دينيّة ، اوسلطة حكوميّة ، اوسلطة اب في اسرة ، او سلطة توجيه ، او اية سلطة حتى لو كانت معنوية او ادبية . 
يريدوننا ان نعيش في عالم لاسلطة فيه ، ولاوصاية من احد عليه ، ولاهيمنة من اية جهة .
فهل السلطة امر تحسينيّ تكميليّ يمكن الاستغناء عنه ، ام انها ضرورة اذا تخلى المجتمع عنها سار الى هلاكه المحتوم .
الضرورة والحاجة والتحسين
---------------------------
وانا اتحدث عن ضرورة السلطة ، وانها امر لابد ، وبدونها يغرق المجتمع بالفوضى التي تؤدي الى هلاكة ، والمجتمع مثل الفرد ، له حياة وموت ، طفولة وشباب وكهولة ، وتقدم وتاخر ، ومرض وصحة ، لابد لي ، وانا اطرح عنوان : ( السلطة بين الضرورة والتحسين ) من انّ استعير مصطلحات الاصولييّن في ترتيبهم للاولويات ، والتفريق بين الضروري منها ، والحاجّي ، والتحسيني.
الضرورة عند الفقهاء يراد منها الحفاظ على الحياة ، ودفع الهلاك عن النفس ، كمن اشرف على الهلاك وليس امامه الا الميته . الضرورة تبيح له ان يأكل من الميتة ليدفع الهلاك عن نفسه ويبقي على حياته . اما الحاجة فلا تدفع هلاكا ، وانما تدفع حرجا ومشقة ، فالجائع الذي امضّه الجوع ، وجوعه لايسبب له هلاكا لنفسه ، ولاتلفا لعضو من اعضائه ، يستطيع ان يصبر على الطعام ولكن بحرج ومشقة . هذه الحالة يصطلح عليها الفقهاء بالحاجة . واما الامر التحسيني ، فهو لايدفع ضرورة ، ولايزيل حرجا ، وانما هو امر تكميلي تستكمل به النفس ، وبامكانها ان تستغني عنه ، وهذه الحالة تدخل في دائرة التحسينيات.
فهل السلطة ، ونظم الاجتماع البشري ، يدخلان في دائرة الضرورة التي لايمكن الاستغناء عنها ، ام تدخل في دائرة الحاجة ، ام هي امر تحسيني يمكن الاستغناء عنه ؟
ضرورة السلطة
---------------
السلطة عنصر اساس من عناصر الدولة ، ولايمكن للدولة ان تقوم وتستقر من دون سلطة سياسية ، لان البديل عن السلطة هو الفوضى والهرج والمرج . يقول الامام علي (ع) في ضرورة الامرة والسلطة السياسية:
( لابد للناس من امير بر اوفاجر ، يعمل في امرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر ، ويبلغ الله فيها الاجل ، ويجمع به الفيء ، ويقاتل به العدو ، وتأمن به السبل...) . 
السلطة مسألة ضرورية وليست امرا تكميليا تحسينيا ، يمكن الاستغناء عنه .وقد قال جميع المسلمين بوجوبها سواء بالعقل اوبالشرع ماعدا النجدات من الخوارج الذين لم يقولوا بحاجة الناس الى سلطة تسوسهم ، فيما لو كانوا بمستوى يؤهلهم لرفع اختلافاتهم .
وهذا الراي قال به ابن باجة ، فقد جاء في ( تدبير المتوحد ) ، ص 62 ، ان ابن باجة يرى ان مدينته الفاضلة ، ليس بها قضاة ؛ لان اهلها تسودهم المحبة .
نزعة الانسان للسلطة نزعة متأصلة
----------------------------------
وهذه النزعة المتاصلة للسلطة ، هي نزعة عميقة في اعماق النفس الانسانيّة ، وهي تولد مع الانسان ، من خلال غريزة حب التملك والسيطرة ، وقد تنبه هوبز لتلك النزعة بقوله:
( البشر جميعا تتملكهم رغبة لاتهدا في ان تكون لهم السلطة تلو الاخرى ، ولاتتوقف تلك الرغبة الا بالموت ....) . (باري هندس : خطابات السلطة من هوبز الى فوكو ، ص 69-70 ) . 
والماركسيّة عاكست منطق الاشياء ، ومنطق الفطرة بزعمها ، ان العالم سيستغني عن السلطة ، حين تصل البشرية المرحلة الاخيرة من التاريخ ( مرحلة الشيوعية ) .
والغاء السلطة يجد مبرراته في بعض الفرضيات والنظريات العلمية ، كنظرية الانفجار الكبير ، التي تصور ان لاسلطة تدبر امر الكون بل تشكل الكون من انفجار عظيم وفوضى كونيّة ادت الى تشكل هذا النظام الكوني المذهل . ونظرية دارون التي الغت وجود سلطة للحياة وقوة مدبرة اتقنت ترتيب الكائنات الحيّة ، بافتراض ان الحياة انطلقت من فوضى وعشوائية ، خالية عن الهدفية والقصد ؛ لتكوّن هذا النظام المتقن للكائنات الحيّة 
ومافكرة الفوضى الخلاقة الا صدى لهذه الافتراضات ؛ فالفوضى الخلاقة من اسمها تدعو الى اسقاط الانطمة ، لتخلق الفوضى التي اطلقوا عليها خلاّقة ، انطمة ارقى تنظيما ، واكثر امنا واستقرارا.
السلطة والتسلط
---------------
السلطة ضرورة من الضرورات ، وليست امرا تحسينيا تجميلا يمكننا الاستغناء عنه . والمفكرون الاوربيون ادركوا هذه المسالة ولكن كانت لديهم مخاوف وهواجس من ان تتحول السلطة الى تسلط واستبداد ، وقهر وقمع .
فنظرية العقد الاجتماعي هي محاولة لكبح تغول السلطة وتحولها الى قمع وقهر وتسلط ، وكذلك الامر مع الفيلسوف الامريكي جون ديوي الذي دعا الى الديمقراطية لحل اشكالية حرية الافراد مع سلطة الدولة عن طريق الديمقراطيّة التي حلّت مشكلة التداول العنفي الدموي على السلطة وابدلته بتداول سلمي خال من العنف والدماء.
الاشكاليّة ليست في السلطة ، فهي ضرورة ، ولكن الاشكالية في تمدد السلطة وتغولها وتحولها الى اداة قمع وقهر .
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


زعيم الخيرالله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/01/02



كتابة تعليق لموضوع : السلطة بين الضرورة والتحسين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net