صفحة الكاتب : زيد شحاثة

محنة السنة في العراق.
زيد شحاثة

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بالرغم من تعرض مختلف طوائفه وقومياته, لمحن عديدة خلال تقلب دول الحكم وأدوار السلطة في العراق, لكن محنة السنة تختلف نوعيا وشكليا عن غيرهم.

بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة, أبان سيطرة الإنكليز على مقادير البلد في بداية عشرينيات القرن الماضي, نجح زعماء من السنة, في نيل السلطة والتمسك بها بقوة, مستغلين علاقتهم الجيدة مع المحتل.. لكنهم أرتكبوا خطأ فادحا حينها, بإستبعاهم بقية المكونات عن المشاركة في الحكم, بالرغم من كونهم الأقل عدديا.. بل وأستخدموا الشدة في ذلك, ربما جراء تأثير الحاكم الأجنبي الذي كان متحكما بمقادير البلد.

بعد قيام الجمهورية وتولي العسكر للسلطة, وبحكم كون أكثرهم كانوا سنة, إستمر تحكمهم بالسلطة, لكنهم لم  يعملوا على  معالجة خطأ أسلافهم, ولم ينجحوا في إقامة حكم رشيد.. وكان خاتمة سيطرتهم, عندما تولى البعثيون الحكم لفترة قصيرة, لينفرد بعدها صدام حسين بالحكم ويستبد به بشكل لا نظير له.

وقع السنة في ورطة وخطأ أكبر من سابقيهم, فبحكم عقلية صدام البدوية العشائرية, حاول تقريب جهات وعشائر معينة, له علاقات قربى أو مصاهرة مع بعضها, رغم أنها كانت مختلفة فيما بينها, لكنها كانت من الطائفة السنية بمجملها, وهنا كانت ورطتهم الكبرى.. فأخطاء النظام حسبت عليهم, بحكم أنها نفذت على أيدي أبنائهم فصاروا أداة للنظام, أو هكذا كان يراهم العراقيون.

 بالرغم من حدوث بعض التذمر ووجود تحرك لتنفيذ إنقلاب من قبل ضباط سنة, وقمع بقسوة ووحشية شديدة, على أيدي ضباط سنة أيضا.. لكن كل ذلك لم يعفهم من مسؤولية وتهمة مساندة النظام, أو تبرئتهم من جرائمه, رغم أن هذه التهمة تشمل عددا محددا من أبنائهم, بحكم إستفادتهم من إدعاء صدام أنه" سني المذهب" رغم إبتعاده عن الدين والتدين جملة وتفصيلا من الناحية العملية.. إلا من مظاهر شكلية للتسويق وإلاستهلاك إلاعلامي.

بعد سقوط نظام البعث على أيدي القوات الأمريكية, تخوف السنة من رد فعل الشيعة والكرد ضدهم, بحكم ما جرى عليهم سابقا من تنكيل ومطاردة وتهجير وقتل, وتوليهم السلطة وبحكم كونهم الأكثرية.. لكن كثرة إشارات التطمين جعلت الأمور هادئة في أول عام أو اثنين.. أو هكذا كانت تبدو ظاهرا.

دخول العامل الإقليمي على خط القضية, وعدم تقبله لنظام الحكم الجديد, الذي يمسك بزمامه الشيعة والكرد, ويشارك فيه سنة معارضون كانوا قريبين من الغرب, دفعهم لإقناع كثير من قادة وزعماء السنة لمعارضة هذا النظام وعدم المشاركة فيه, مما أتاح الفرصة لشخصيات ليست مؤثرة في الساحة السنية ولا تاريخ لها.. أن تنجح في دفع الشيعة والكرد لتمكينها من زمام تمثيل السنة, يضاف لهذه العوامل, أموال ضخمة كانت تضخ من الخارج لدعم أمثال هؤلاء.. فنجح هؤلاء في سرقة تمثيل السنة, وحققوا مكانة وسلطة صارت أقرب لهيمنة على مفاتيح تمثيل السنة.

تلك العوامل, وفشل الحكام الجدد من الشيعة والكرد, في تطمين الشارع السني, والدفع بإتجاه بروز قيادات حقيقية, ومشاكل تتعلق بالتشارك بالفساد وتقاسم المشاريع والمناصب, دفع الشارع السني للقبول بقادة الأمر الواقع, والتعامل معهم وتخوفه وقلقه المتراكم, نتيجة لأخطاء الحكام الجدد, وخصوصا تصريحاتهم الإعلامية النارية التي كانت تدفع بإتجاه نار الفتنة طلبا لمكاسب سياسية وإنتخابية ساذجة.. أتاح ذلك للأجندة الإقليمية أن تتدخل وتصبح لاعبا رئيسيا في المناطق السنية.. وقامت بأحداث جسام غيرت مجرى الأحداث في البلد, ودفعت الشارع السني في معظمه للإصطفاف بإتجاه مضاد لمشروع الدولة الوليدة الجديدة.. وقابل هذا إصطفاف شعبي معاكس من جماهير الطوائف والقوميات الأخرى, كرد فعل عاطفي طبيعي للأحداث التي كادت أن تودي لحصول حرب أهلية طائفية طاحنة كاملة الأركان, توجها سيطرة تنظيم القاعدة على مناطق نفوذ مؤثرة ومحورية في مناطق سنية كبيرة.

كنتيجة طبيعية لتطور الأحداث, وحصول ضرر كبير في الوضع الإجتماعي للعراق, مثّل ظهور داعش قمة الإحتقان ورد الفعل العاطفي المشحون ذاتيا وخارجيا, مما دفع الجمهور السني للتفاعل مع التنظيم الإرهابي, تأييدا عن قناعة متطرفة أو رضوخا لأمر واقع.. في الأقل سكوتا وقبولا.

بعد كل الدماء العراقية التي سالت لتحرير مدنهم, والدمار الكبير والأوضاع المأساوية التي يعيشها مهجروهم برغم كل الجهود المبذولة لتحسين أوضاعهم ولم تفلح.. لا زالت محنتهم مستمرة, بوجود قادة وزعماء يتاجرون بهم وبقضيتهم ويسيئون لهم.. ولنا في نماذج الترشيح للوزارات دليل واضح.. فهل من المعقول أن تلك الطائفة الكبيرة, تخلوا من كفاءات لترشح نماذج عليها مؤشرات أمنية أو ملفات فساد؟!

هل من المعقول أن الكفاءات السنية الكثيرة خلت, لتظهر علينا سياسية تتفاخر بإطلاقها النار في حفلة عرس, في مخالفة واضحة وصريحة لقانون تدعي تمثيله والدفاع عنه؟!

هل من المنطقي أن يختزل المكون كله في هكذا نماذج؟! أم أن القضية مقصودة  لتحطيم روح الأمة والمشاعر الوطنية, دفعا لتحييد دورهم في العراق الجديد؟!وإبقاء للعراق في دوامة القلق المستمرة؟!ولمصلحة من تستمر محنة السنة في العراق؟!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


زيد شحاثة
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/01/03



كتابة تعليق لموضوع : محنة السنة في العراق.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net