صفحة الكاتب : د . عبد الهادي الطهمازي

مراجع التقليد حصن الإسلام المنيع
د . عبد الهادي الطهمازي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كانت المرجعية الدينية الكريمة والحوزة العلمية الشريفة -ولا زالت-، مرمى لسهام الأعداء، ومصبا لحمم الحقد والبغضاء من قبل جهات كثيرة خارجية وداخلية، والأمر ليس بجديد فقد استخدم الأعداء هذه الوسائل منذ زمن بعيد، فما أكثر ما روجت الشائعات ضد علماء الدين، وما أكثر ما تعرضوا الى السجن والاعتقال والتصفية الجسدية والأقصاء والتهجير، وحرمان الجماهير المؤمنة من الاتصال بهم والتواصل معهم.
واليوم أخذت مخططات الجهات المعادية لمذهب آل البيت ع منحى آخر، منحى يتخذ مظهرا وقورا يعتمد على التنظير وإقامة الدلائل والبراهين على حرمة تقليد علماء الدين ومنهي عنه في القرآن، وأن كل مكلف يستطيع أن يفهم أحكام الدين من القرآن والأحاديث الشريفة، وبالتالي لا حاجة لوجود المرجع الديني، ولا حاجة الى الرجوع إليه في معرفة إحكام الدين.
والشبهة الأخرى أن الأئمة أباحوا الخمس لشيعتهم وبالتالي لا يجب إعطاء الخمس للعلماء.
يرافق كل ذلك تشويه متعمد لصورة رجال الدين، ومحاولات حثيثة لتنفير المؤمنين منهم.
وراحت هذه الشبهات تتغلغل في نفوس بعض الشباب، فخدعوا بالعناوين البراقة والكلمات المنمقة التي يغلف بها مروجو هذه الأفكار بضاعتهم، فارتد الكثير من الشباب عن تقليد علماء الدين في المسائل الفرعية.
ولا أريد أن أبين في هذه المقالة أدلة وجوب التقليد في المسائل الفرعية، من القرآن والسنة والسيرة العملية لآل البيت ع بل والعقلاء عموما، ولكن سأذكر الأهداف التي يسعى ورائها مروجو هذه الشبهات؛ ليكون المؤمنون وخاصة الشباب الأعزاء منها على حذر.
1-إفقاد مراجع الدين مركزيتهم
إن المرجع الديني في الطائفة الشيعية الشريفة لا يمثل مجرد ناقل للفتوى أو باحث فيها فحسب، وإنما يمثل امتداد لأئمة آل البيت ع، ونموذجا للمؤمنين وقدوة حسنة للصالحين، وبذلك يتمتع المرجع الديني بمكانة سامية في القلوب لا يرقى إليها أحد من البشر سوى آل بيت العصمة ع.
كما لا يمثل المرجع مرجعية في الفتوى الفقهية وحدها، بل هو مرجع للمؤمنين في كافة أفعاله وأقواله وسلوكياته السياسية والأخلاقية والاجتماعية (جماعة مرجعية بحسب تعبير علماء النفس الاجتماعي)، ومن هنا كان موقع المرجع الديني موقعا مهما وحساسا، ولا يكتفي الناس أن يروا فيه سيرة المعصومين ع، بل يريدون أن يجدوا فيمن حوله أيضا سيرة الأئمة الأطهار ع.
فدور المرجع في حياة شيعة آل البيت ع دور محوري ومركزي، حيث يرون في شخص المرجع شخصية الإمام المعصوم ع، وهذا ما ينص عليه المراجع الكرام أنفسهم بأن المرجع يجب أن يكون على درجة عالية من التقوى والعدالة والعلم بأمور الشريعة.
ولا يحقق هذه النظرة –أعني مركزية المرجع- إلا تقليد المجتهد فيما ثبت وجوبه في الشريعة الإسلامية بالنسبة لمن لا قدرة لهم من المؤمنين على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها.
فالدعوى التي تُروَّج الى الشباب بحرمة تقليد العلماء تندرج في هذا الإطار، أعني تشتيت أنظار الشباب عن علماء الدين، وإيجاد بدائل لهم (جماعات مرجعية) على كافة المستويات –سياسية، فكرية، عقائدية...-.
وتتم عملية إخراج الشباب من دائرة مركزية العالم عبر مرحلتين، الأولى: إقناع الشباب بقدرتهم على فهم أحكام الدين بنفسهم، وأن لا حاجة للرجوع للعالم بذلك، وهذه المرحلة الأولى ويمكن أن نسميها مرحلة (التغرير والخداع) الذي يتخذ من غطاء القدرة الذاتية على فهم الأمور الشرعية عنوانا جذابا للشباب.
وأما المرحلة الثانية فتتمثل بتقديم مرجعيات بديلة عن علماء الدين، إذ لا غنى للإنسان مهما سما فكره، وارتقت مقدرته العلمية عن الرجوع الى غيره أحيانا، بل حتى مراجع الدين يرجعون لأهل الاختصاص والعرف في تحديد بعض الأمور.
فكل فرد يشعر فطريا بالحاجة الى جهة تقوم بتقييم سلوكه، ويأمل أن يكون متوافقا مع تلك الجهة المركزية ومرتبطا بها نفسيا، وروحيا على وجه الخصوص في العالم الديني.
فما يخدع به الشباب بأن يكونوا مراجع لأنفسهم ما هو إلا تضخيم خادع لذواتهم، وأن هناك مرجعيات بديلة معدة سلفا سوف يشغلون بها أذهانهم في المرحلة الثانية.
2-تسطيح الفكر الديني
من الواضح إن لكل علم أصولا وقواعد وقوانين ربما يفني الإنسان عمره وهو لا يزال بحاجة الى الاستزادة في معرفتها لاكتشاف أمور مجهولة فيها، وهذا لا ينطبق على علوم الشريعة وحدها بل كل العلوم هذا شأنها.
ولو ترك الأمر لغير المتخصصين بأن يدلوا دلوهم فيها لضاعت الأصول العامة للعلوم، وتنطع لارتقاء أعلى المناصب فيها من ليس بأهل، فغير المتخصص في أي علم كان أو الحاصل على شيء يسير منه يبقى محدود التفكير والنظر فيه مالم يتعمق في ذلك العلم، وبطبيعة الحال للمدة الزمنية للتحصيل ومستوى الذكاء دورا كبيرا في الحصول على أكبر قدر ممكن من الأدوات لفهم ذلك العلم والتعمق فيه، وإلا لو ترك المجال لأنصاف المتعلمين لقضي على التراث الأصيل لتلك العلوم، فهل يمكن أن نسمح لكل أحد يفتح عيادة بزعم أنه طبيب لمجرد أن لديه معرفة بسيطة في الطب؟
وهل يمكن أن نفسح المجال لكل أحد يزعم أن لديه خبرة في الهندسة لمجرد معرفته لبعض الأمور فيها؟
وعلم الدين أيضا هذا شأنه، له متخصصون فيه ولولاهم لادعى كل من هب ودب المعرفة الدينية، وأضل الناس على غير هدى، لذا فإن العلماء في نظر الإمام الصادق ع هم ورثة الأنبياء وصمام الأمان للأمة من الضلال، وحصون الإسلام المنيعة، فلولا العلماء لشمَّر المحرفون عن سواعدهم لمحق الدين، يقول ع: ((إن العلماء ورثة الأنبياء، وذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظا وافرا، فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه؟ فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)).
فحيثما وقعت الفتن واختلطت الأمور واحتاج الناس إلى المصلح والقائد ولم يجدوا أنبياء الله ورسله، ولا الإمام ع، يجب عليهم أن يقصدوا ورثتهم الذين يقولون بقولهم، ويدلُّون على هديهم، وليست تلك المنزلة لغيرهم، والسبب في ذلك واضح، حيث يقول تعالى: ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)) (الزمر: من الآية:9)
3-حرمان الحوزة من مقومها الاقتصادي
الهدف الثالث الذي يسعى لتحقيقه مثيرو شبهة حرمة التقليد هو حرمان الحوزة والمرجعية من أموال الخمس، فمن لا يقلد لا يعطي الفقهاء خمس أمواله، والنتيجة إضعاف الحوزة والعلماء ماديا.
لقد كانت الحوزة الشريفة ولا زالت مستقلة في قرارها عن الحكام، وعن ميول وأهواء السياسيين بفضل وجود هذا الواجب الشرعي أعني الخمس الذي يلتزم بأدائه بعض المؤمنين.
وأقول بصراحة إن عدد المؤمنين الذين يلتزمون بأداء خمس أموالهم لا يتجاوز 10% من أبناء المجتمع الشيعي، ولكن خير دليل على قبولها من قبل الله تعالى من المؤمنين هذه البركة العظيمة التي جعلها الله فيها، فرغم قلتها إلا أنها تغطي الكثير من جوانب الأمور الدينية.
فهذه الأموال التي يتسلمها مراجع التقليد من المؤمنين تصرف في أمور تعود بالنفع على الدين والمسلمين غالبا، ولا أقول أن هناك عصمة من الاشتباه في وضع هذه الأموال في محلها، لكن في الغالب تصرف في مواضعها الصحيحة: من الانفاق على طلبة العلم، وإنشاء المدارس الدينية، وإعانة فقراء المؤمنين ومحتاجيهم، بل حتى في بعض الموارد التي يجب أن تقوم الحكومة بها فلما تقاعست عنه، قامت الحوزة الشريفة بتغطية تلك النفقات، وهذه كلها أمور تعود بالنفع على المجتمع.
فهذه أيها الشباب أهم الأهداف التي يسعى مثيرو شبهة حرمة التقليد الى تحقيقها، فليكن شبابنا المؤمن منها على حذر


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الهادي الطهمازي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/01/20



كتابة تعليق لموضوع : مراجع التقليد حصن الإسلام المنيع
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net