لا معنى للاصلاحات السعودية بدون إلغاء ولاية الرجل
د. سعيد الشهابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في العام 1980 بثت قناة «آي تي في» البريطانية فيلما بعنوان: «موت أميرة» يروي قصة إعدام الأميرة السعودية مشاعل بنت فهد بن محمد آل سعود ونجل السفير السعودي في بيروت آنذاك بسبب العلاقة الغرامية بينهما. وبرغم الضغوط السعودية على السيدة مارغريت ثاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا آنذاك لمنع بث الفيلم، إلا أنها لم تفلح. وبعد بثه سحبت السعودية سفيرها لدى بريطانيا، واستمرت العلاقات متوترة حتى منتصف الثمانينيات عندما عقدت اكبر صفقة عسكرية في التاريخ لتزويد السعودية بطائرات «تورناندو». ما علاقة هذا الفيلم بالتشريعات التي فرضت «ولاية الرجل على المرأة»؟ وقائع الفيلم حدثت قبل ذلك بثلاثة اعوام. ففي العام 1977 اكتشفت العلاقة المذكورة وصدر الحكم باعدامهما فقتلت الأميرة بالرصاص وأعدم عشيقها بالسيف. ويبدو ان تلك القضية دفعت الحكم السعودي لاتخاذ اجراءات للحد من حرية المرأة وتقييد حرياتها في السفر والشؤون الحياتية الأخرى. فمنذ ذلك العام بدأت الاجراءات لسن قوانين صارمة جعلت ولاية الرجل على المرأة مطلقة.
في الأسبوع الماضي مرت الذكرى الأولى لبدء تنفيذ قرار منح المرأة حق قيادة السيارة للمرة الأولى بعد عقود من النضال المتواصل لتخفيف الضغوط المفروضة على الجنس الآخر في الجزيرة العربية. وتحقق ذلك بجهود متواصلة خصوصا من الناشطات السعوديات اللاتي رفضن أن تستمر معاملة المرأة وكأنها كيان بلا وجود. ولكن اللافت ان النساء اللاتي تصدرن المشهد النضالي في هذا المجال يرزحن وراء القضبان، ومنهن: لجين الهذلول وإيمان النفجان وسمر بدوي ونسيمة السادة وعزيزة يوسف وعايشة المانع ومنال الشريف والدكتورة هتون الفاسي. كان لنضال هذه الثلة من النساء في بلد لا يسمح بالاحتجاج أو تحدي السلطات بأي شكل دور أساس في فرض إعطاء المرأة حق قيادة السيارة.
يمكن اعتبار نظام «ولاية الرجل» الذي يطبق بقسوة في السعودية واحداً من أكبر القضايا الإنسانية التي تستوجب اهتمام المجتمع الدولي خصوصا نشطاء حقوق الانسان. فقد تحولت المراة في العقود الاربعة الاخيرة الى كيان بلا وجود، ومواطنة بلا حقوق. فحتى لو حصلت هذه المرأة أعلى مستويات التعلم فانها لا تستطيع ممارسة المهنة بحرية. فلو كانت محامية فعليها ان تحضر «ولي امرها» لتصريف امورها حتى دخول المحكمة، وعليها إحضار جواز سفرها كذلك. انها لا تستطيع استحصال رخصة من أية وزارة إلا بحضور ولي أمرها، ولا يسمح لها بتصريف شؤونها في أية دائرة حكومية بدون ذلك. كما لا تستطيع السفر خارج المملكة إلا برفقة أحد أرحامها. بل ان المعتقلة اذا صدر قرار بالافراج عنها لا تستطيع مغادرة السجن إلا بحضور «ولي أمرها»، فان كان منزعجا منها لم تغادر السجن. وبرغم حملات العلاقات العامة والدعاية الاعلامية بقيت المرأة رهينة لدى المؤسسة الرسمية من جهة ولدى الرجال من ارحامها من جهة اخرى. وفقدت بذلك هويتها وشخصيتها الاعتبارية.

ولك أن تتصور كيف ان المرأة تربي طفلها فاذا ترعرع ولم يكن هناك رجل آخر في حياتها، اصبح هو ولي أمرها! وبالنسبة الى العديد من السعوديات، لا يكفي حق قيادة السيارة لكي تعتبر المرأة مساوية للرجل في مجتمع ذكوري. ونقلت وكالة فرانس برس عن امرأة سعودية قولها: «كيف يمكن وصف هذه الخطوة (قيادة السيارة) بأنها تقوّي المرأة؟ هذا نفاق. أستطيع ان أقود في بلدي، لكنني لا أستطيع ان أغادره الا بموافقة ابني؟». وأضافت «نحن أغنياء، ومتعلمون، ومع ذلك لا ننتمي للنظام ذاته. نحن (النساء) دوما تحت رحمة الأب (…) أو الزوج». وقالت إمرأة أخرى إنها عاجزة عن التحرر من زواج لم تعد تريده، لأن زوجها يرفض الطلاق ويحتجز جواز سفرها، بينما يقيم أهلها في الخارج. وتابعت: «يرددها أمامي كل يوم: باتصال واحد، لن تعودي قادرة على مغادرة السعودية والالتقاء بأهلك». وهذا ما يدفع بعض النساء للتمرد حتى على الاعراف والقيم الدينية، كما فعلت رهف القنون.
ولكن برغم ضغوط المنظمات الحقوقية الدولية لا تزال السعودية ترفض الغاء ذلك القانون. فمنظمة هيومن رايتس ووج التي رحبت بقرار الغاء حظر قيادة المرأة للسيارة طالبت بذلك مراراً. وفي أيلول/سبتمبر 2017 قالت مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة، سارة ليا ويتسن «على السلطات السعودية التحرك الآن لتفكيك نظام ولاية الرجل بالكامل. إنه أكبر عائق أمام ممارسة المرأة حقوقها». وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي اتهمت منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش السعودية بإخضاع عدد من النشطاء منهم بعض المدافعات عن حقوق الإنسان المعتقلات منذ مايو/ أيار الماضي للتعذيب وسوء المعاملة. وقالت المنظمتان إن المعتقلات تعرضن لـ «التحرش الجنسي». وذكرت منظمة العفو الدولية إن شهادات ثلاثة أفراد جمعتها المنظمة تشير إلى أن بعض النشطاء المعتقلين «تعرضوا للتعذيب مرارا بالصعق الكهربائي والجلد» مما ترك بعضهم «غير قادر على السير أو الوقوف بشكل سليم». وذكرت المنظمة كذلك أن بعضهم تعرض للتحرش الجنسي. وفي بيان مماثل، نقلت منظمة هيومن رايتس ووتش عن «مصادر مطلعة» قولها إن المحققين السعوديين عذبوا ما لا يقل عن ثلاث ناشطات سعوديات. وقالت لين معلوف مديرة أبحاث الشرق الأوسط بالمنظمة في بيان: «بعد أسابيع قليلة فقط من قتل جمال خاشقجي بطريقة وحشية، تكشف هذه التقارير الصادمة عن التعذيب والتحرش الجنسي وغيره من أشكال إساءة المعاملة -إن صحت- عن مزيد من انتهاكات السلطات السعودية الشائنة لحقوق الإنسان». وكانت مجموعة من خبراء الأمم المتحدة طالبت الشهر الماضي بالإفراج الفوري عن ست مدافعات عن حقوق الإنسان قالت إنهن ما زلن محتجزات في المملكة بمعزل عن العالم الخارجي.
هذه الحقائق تؤكد ان المرأة السعودية تعاني أسوأ اضطهاد في العالم، فهي كائن بلا هوية او ارادة او قرار، وهذا يلغي انسانيتها تماما. ان نظام الولاية في نسخته السعودية يسقط هذه الإنسانية وبالتالي يصبح اكثر من نصف المجتمع السعودي مصنفا خارج الجنس البشري بسبب الاضطهاد ومصادرة الحق الطبيعي والديني للمرأة. وعليه فان أية اجراءات او قرارات لا تلغي ولاية الرجل فهي هامشية وشكلية توفر للنظام دعاية إعلامية لكنها لا تعيد الإنسانية للمرأة المضطهدة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د. سعيد الشهابي

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/01/28



كتابة تعليق لموضوع : لا معنى للاصلاحات السعودية بدون إلغاء ولاية الرجل
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net