صفحة الكاتب : عبدالاله الشبيبي

قراءة في كتاب مشكلة الحب
عبدالاله الشبيبي

كتاب مشكلة الحب من تأليف الكاتب المصري زكريا إبراهيم، الكتاب متكون من 288 صفحة منشور على الانترنت(الناشر مكتبة مصر)، يتضمن الكتاب مجموعة من الفصول يتناول فيها الكاتب مشكلة الحب واشكاله وانماطه واطواره بطريقة فلسفية معمقة وممتعة، معززها بأقوال وحكم الفلاسفة الذين تحدثوا عن فلسفة الحب وصورة وانواعه، يقول في مقدمة الكتاب سأقول لك كيف خُلق الانسان من طين؟ ذلك ان الله عزوجل نفخ في الطين انفاس الحب!.
بعد المقدمة الاولى يذهب بك الى تصدير الكتاب بذكر مقدمة اخرى يتناول فيها موجز عن الفلاسفة وما قالوه حول الحب، وقال كان القدماء يفهمون الفلسفة على انها (الحب) الحكمة، الا الفيلسوف الالماني هيدجر يقلب الوضع ويقول ان الفلسفة هي حكمة الحب، والفيلسوف هو الحكيم الذي تخصص في الحب. ومن ثم يبدأ المؤلف في تقسيم الكتاب الى عدة فصول:
في الفصل الاول: يتحدث عن حب الذات، وان اول صورة اعرفها من صور الحب حبي لذاتي، والخوض في غمار الانا وما يعنيه الذات. كما عبر بعض الفلاسفة عن الشفقة على انها صورة المحبة والتي تدعو الى الحب الحقيقي الذي لا ينشأ الا في جو ملؤه الالم.
وفي الفصل الثاني: عرج الى توضيح مفهوم الشفقة وماذا قال عنها الفلاسفة، كما حاول البعض استخلاص المحبة من الشفقة، فنراه يقرر اننا لا نحب الاخرين الا بقدر ما نراهم يتألمون وبالتالي يقرر ما نتعاطف معهم ونحنو عليهم تحت تأثير تلك الالام نفسها. كما ان العناية لا تعني الشفقة من حيث ان العناية تحمل معاني المساواة. وعليه فان المحبوب هو في حاجة الى رعاية المحب وعنايته، وليس في حاجة الى رحمته او شفقته.
وفي الفصل الثالث: يتكلم عن التعاطف، هو ان تشعر بان الاخر موجود بشري يمتلك قيمة مماثلة لتلك التي املكها، وهو ليس مجرد مشاركة وجدانية في الالم والسرور بل هي وظيفة حيوية هامة تشعرني بان ثمة تساوياً في القيمة بين ذاتي وذوات الاخرين، وان تعاطفي من الاخرين لا يعني ان سرورهم قد اصبح سروري وان المهم اصبح المي بل هو يعني انني اشارك في مسرات الاخرين وآلامهم بوصفها مسراتهم وآلامهم، وهذا ليس تقمص وجداني بل لابد من ان تظل المسافة الفنولوجية قائمة.
وفي الفصل الرابع: تحدث عن الاموية او حب الام لطفلها، وهو احد اشكال الحب، وان للحب علاقة شخصية قوامها التبادل بين الانا والانت... وتحدث عن علاقة الام بطفلها فهي ليس من جانب الغريزة والعناية لا بل من جانب الحب والحنان، كما ان للدافع الغريزي صله ببعض الحاجات العضوية الضرورية الفسيولوجية، وقد تختلف ظاهرة الاموية باختلاف الفصيلة التي ينتسب اليها النوع سواء كان انسان او حيوان، وان دافع الاموية عند الحيوان هو مجرد مظهر غريزي، واما لدى الانسان فان الدافع يرتبط بالكثير من الارجاع الانفعالية.
وليس هذا ان الاموية لا تخضع لمجموعة من الشروط الهرمونية والفسيولوجية، وان بعض العوامل الحضارية والاجتماعية قد انضافت الى غريزة الاموية عند الانسان، وان حب الطفل لامة ليس غريزة بل هو عاطفة او حالة وجدانية، فالأمومة الصحيحة هي رابطة وجدانية عميقة تغيير من السمات الشخصية لكل من الام والطفل.
وفي الفصل الخامس: يتناول الاخوة او حب الانسان لأخية الانسان، وهو احد اشكال الحب، ولابد ان تتسم بسمات التجانس والتساوي والتبادل والائتلاف، والمهم في الصلة القائمة على الاخوة انها صلة شخصية تدرك فيها الاخر لا باعتباره موضوعاً بل باعتباره ذاتاً، كما لا يمكن ان انظر الى اخي الذي تجمعني به صلات القربي على انه مجرد وسيلة او شيء فاذا نظرنا له على انه مجرد وسيلة لا يبقى بين ايدينا سوى غلافة الخارجي، والواقع ان محبة القريب ليس مجرد صورة من صور الذات، وانما هي مظهر من مظاهر حب الذات من اجل الاعتراف بقيمة الاخرين.
وفي الفصل السادس: عرجل الى العبادة او حب الانسان لله، وتحدث عن ممارسة العبادة وهي اجمل صور التعبير عن الحب، فالمحب يعتبر نفسه بمثابة عبد يأتمر بأوامر المحبوب او عابد يعفر جبهته عند اقدام معبودة، وبعض الفلاسفة قد تصوروا الله بصورة عقلية صرفة فجعلوا منه الخير الاسمى الذي تنزع نحوه الموجودات جميعاً دون ان تكون علاقتها به علاقة الانا بالانت بل علاقة الجزء بالكل، ونحن نلاحظ بين الحب والرغبة فارق، فان الحب هو الميل او الاشتهاء الذي يجعل من هذا الشيء او ذاك خيراً، وليس الغاية التي يهدف اليها الحب سوء السعادة مادام الخير هو بالضرورة موضوع الرغبة.
وفي الفصل السابع: تحدث عن العشق او الايروس، وهو احد انماط الحب، بعد ان اكمل اشكال الحب ليكشف عن اساليب مختلفة من الحب وهي بمثابة طرق متباينة في النظر الى الحب، وكلمة ايروس تستعمل عادة للإشارة الى الحب الجسدي في حين جرت العادة باستخدام كلمة اجابية للإشارة الى الحب الروحي، وان اهل اليونان كانوا يجمعون بين اله الحب واله الخمر، وكانوا يتخذون من الحب مطيه الى الاستمتاع بمباهج الحب.
وفي الفصل الثامن: يتعرض الى المحبة، والتي هي احد انماط الحب او اجابية، وهو النمط المسيحي الذي اطلق عليه، وهي تختلف اختلافاً جذرياً عن الايروس فالأول يقوم على التبادل والمشاركة والثاني يقوم على العشق الذاتي والاندفاع المستمر، واحد الدعوات المسيحية القائلة ما يجمعه الله لا يفرقه الانسان، وجاءت الاجابية التي تنادي بعبادة الوحدة، وتقرر ان الحب رسالة الاحسان والرحمة والحياة، وقد ظهرت محاولات عديدة من اجل التألف بين الايروس والاجابية.
وفي الفصل التاسع: يتحدث عن الصداقة وهي احد انماط الحب، وان لصداقة صلة وثيقة بالحب فلا تجعلها مجرد تجانس بين اشباه او تجاذب بين اضداد بل يربطها بالمحبوب الاسمى الا وهو الخير، فالصداقة هي الرابطة الخلقية او علاقة روحية تجمع بين المواطنين الاخيار هي حب واحد، فنؤلف بين قلوبهم وان الصداقة هي علاقة انسانية، وقد قسم ارسطو الصداقة الى ثلاثة انواع صداقة تقوم على المنفعة، وصداقة تقوم على اللذة، وصداقة تقوم على الخير او الفضيلة، واخيرهم التي تتصف بطابع الدوام والاستقرار فهي تلك التي تقوم بين الاخيار من الناس.
وفي الفصل العاشر: يتكلم عن مولد الحب الذي هو احد اطوار الحب، اذ يأخذك المؤلف في رحلة جميلة وشيقة ويسرد كلام في غاية الروحية والجمالية، يقول ان المجتمع قد جاء فثبت هذا الاتحاد عن طريق انظمة الزواج، ولكن ارتباط الجنس بالحب قد اظهرنا منذ البداية على ان مشكلة الحب هي في صميمها مشكلة الثنائية البشرية او الازدواج الانساني والحب لا يبدأ الا بالحب، وان العلاقة تتوطد بمرور الزمن تقوى شيئاً فشيئاً تحت تأثير التعود والمشاركة والتأمل. وثمة حب يتولد عن طريق الاحترام والتسامي باللذة او قد ينشاً عن بعض المشاعر الاخوية، فالحب الخالص لا يعرف التوفيق بين الـ نعم والـ لا كما انه لا يعرف بالحدود والشروط.
وفي الفصل الحادي عشر: يتحدث عن حياة الحب وهو احد اطوار الحب ايضاً، اذ يقول كما كتب احدهم ان الحب لهو دائماً يبدأ وليد صغير لم يعد التكوين، وقد صور الكثير ان الحب كالطفل لأنه يحمل البراءة الطاهرة وكأن المحبين يولدون من جديد ويشهدون العالم سوياً للمرة الاولى، وينعمون معاً بسعادة البساطة المقدسة، وان جميع الناس قد كانوا اسخياء مره واحده على الاقل في حياتهم ابان فترة الحب الالهية. فالحب يمنح ذاته للمحبوب، والمحبوب بدورة انما يضع نفسه تحت تصرف المحب والاهل، وفي ذلك تستلزم الايثار والتضحية.
وفي الفصل الثاني عشر: يعرج على موت الحب وهو احد اطوار الحب، ويستند في ذلك الى مقولة الفيلسوف ارسطو: ان حباً امكن يوماً ان ينتهي لم يكن في يوماً ما من الايام حباً حقيقياً، كيف وان الشعراء يميل الى الحديث عن خلود الحب، وان من يحب شخصاً فكأنما يقول له انك لا يمكن ان تموت بالنسبة لي، فلابد لكل ذات ان تكتب في هذا الوسط الروحي قيمة انطولوجية، فالأصل في الحب انه مشروع يراد به التأثير على حرية الاخر، وان كل طرف ان يكون مجرد شيء بالنسبة الى الطرف الاخر، ولكن الحب الحقيقي ليس نزوعاً نحو الامتلاك الجسمي بل هو رغبة في الاستيلاء على حرية الاخر، والحق ان ما يريد الحب امتلاكه انما الشعور او الضمير لا الجسد او الحقيقة المادية.
الخاتمة: عرض فيها موجز سريع لما ذكره في هذه الاسطر التي تناولها وان مشكلة الحب هي صورة من صور الوصال الانساني اعمقها واعقدها جميعاً، وحيث التوازن الذي يتطلب الاختلافات، وقد قال فقد تناقض الفلاسفة في فهمهم للحب واشكاله وانماطه واطواره، وان ادعياء العمق سوف يقولون ان الحب ليس الا انانية مقنعة، وهناك علاقة حية توجد بين الانا والانت وحين تتسع هذه الدائرة يستحل الحب اشعاع كوني، والحب الحقيقي هو اشبه ما يكون بالانسجام الرقيق بين الحاجات الحيوية والعواطف الوجدانية، وهذا هو السبب في اننا نجد دائماً للحب الحقيقي الصادق عوامل عده منها المعرفة والاحترام الرعاية والمسؤولية قائمة كلها جبناً الى جنب.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالاله الشبيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/02/16



كتابة تعليق لموضوع : قراءة في كتاب مشكلة الحب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net