صفحة الكاتب : د . عبد الهادي الطهمازي

كيف تكتب بحثا أو مقالة
د . عبد الهادي الطهمازي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

للكتابة وحفظ المعلومات ونشرها أهمية كبيرة في المنظور الإسلامي، لذلك جاء التأكيد في بعض الآيات الشريفة على أهمية الكتابة والتدوين، قال تعالى: ((ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ))، وقال: ((اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)).
والأحاديث في أهمية تدوين العلم وكتابته وحفظه كثيرة، نذكر المهم منها: ما عن رسول الله ص قال: ((المؤمن إذا مات وترك ورقة واحدة عليها علم، تكون تلك الورقة يوم القيامة سترا فيما بينه وبين النار، وأعطاه الله تبارك وتعالى بكل حرف مكتوب عليها مدينة أوسع من الدنيا سبع مرات، وما من مؤمن يقعد ساعة عند العالم، إلا ناداه ربه عز وجل: جلست إلى حبيبي، وعزتي وجلالي لأسكننك الجنة معه ولا أبالي)).
وعن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ((اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا)).
واليوم هناك فرصة لحملة الشهادات وكل المتعلمين للكتابة والنشر خصوصا في عصر أجهزة الحاسوب، وانتشار الصحف الإلكترونية.
وعلى الباحث أو كاتب المقالات أن يتوفر على مجموعة من الأدوات، أذكرها بشكل سريع:
1- الأدوات الإملائية
يعني أن يتعلم كيفية كتابة الحروف والكلمات بشكل صحيح؛ فإذا الإملاء غير صحيح ينقص من قيمة بحثه. فعليه أن يعرف مواضع الألف الممدودة من المقصورة، وكيفية كتابة الهمزة في حالات الأعراب الثلاث، والتاء المربوطة والمفتوحة وهكذا.
2- علامات الترقيم
مثل الفوارز، والفوارز المنقوطة، والنقطتين، والشارحة، ومتى يستخدم القوسين، والنقاط.....
3- إجادة النحو العربي
ليعرف مواضع النصب والرفع وغير ذلك.
4- اسلوب البيان
لأن الاسلوب العلمي يختلف عن الاسلوب الأدبي، فالثاني يعتمد على الصور الفنية من تشبيه وكناية واستعارة وغير. 
أما الاسلوب العلمي فيعتمد على مباشرة الموضوع باستعمال المفردات الحقيقية لا المجازية.
الثاني: على الباحث او الكاتب أن يراعي أثناء البحث عدة خطوات:
الأولى: اختيار الموضوع
إن عملية اختيار موضوع البحث أو المقالة من الأمور الصعبة والمعقدة؛ ولذلك ترون المربين من معلمين ومدرسين يقومون بطرح فكرة الموضوع على الطالب. لكن هذا لا يتاح لك دائما فيجب أن يتعلم الإنسان كيفية اختيار موضوع البحث أو المقالة.
وموضوع البحث يجب أن تتوفر فيه الخصائص التالية:
1-أن يكون جديدا، لا مكررا قد تناوله الآخرون عدة مرات؛ لأن الموضوع المكرر فاقد القيمة.
2-مفيدا للقراء، فلا فائدة من كتابة موضوع أو بحث لا فائدة فيه للقراء. 
3-تحديد عمق البحث أو المقال، بمعنى تحديد فئة القراء، هل هو يكتب للمثقفين أم لعامة الناس، أم لطلبة المدارس وهكذا.
4-أن تكون مصادر البحث أو الموضوع متوفرة لديه أو قادر على توفيرها، فإن كانت تنقصه المصادر سيضيع منه الكثير من الوقت والجهد.
5-أن يناسب البحث أو المقالة مع مستواه العلمي والثقافي، فلا يكتب شيئا هو فوق مستواه العلمي، أو غير قادر على فهم مردات الباحثين فيه.
الثاني: وضع خطة البحث
خطة البحث هي أشبه بالهيكل العظمي للموضوع، فبعد اختيار الموضوع لابد من وضع تصور عن كيفية سير البحث أو المواضيع الفرعية التي سيتناولها البحث.
فإذا أراد أن يكتب مقال أو بحث عن الطلاق، أوعن ظاهرة تعاطي المخدرات، أو عن ظاهرة السرقة، أو التسرب من المدرسة، لابد أن يضع هيكل أو قوالب، ثم يقوم بملئ هذه القوالب بالمعلومات.
فموضوع الطلاق على سبيل المثال: يضع لها خطة بحث هكذا.
1-تعريف الطلاق. في اللغة، وفي اصطلاح الفقهاء والقانونيين.
2-خطورة ظاهرة الطلاق في المجتمع.
3-أسبابها، فيذكر عددا من الأسباب التي توصل إليها، وما هو دليله على هذا سبب للطلاق؟
4-الحلول، ما هي الحلول التي يتصورها لهذه المشكلة؟ فيذكر عددا من الحلول حسب ما يصل إليه فكره أو المعلومات المتوفرة لديه.
5-خاتمة الموضوع، وهي مختصر لما سبق وأن ذكره.
ومثلا موضوع التسرب من المدرسة
1-يعرِّف المقصود من التسرب . 2-ما هي أسبابه. 3-الحلول. 4-خطورة ظاهرة التسرب على العملية التعلمية. 5-خاتمة البحث.
ومثلا (مقال أدبي) الحكمة في شعر الإمام علي (ع)
يبدأ خطة البحث هكذا: 1-مقدمة عن شعر الإمام علي ع. 2-تعريف الشعر الحكمي. 3-نماذج من أشعاره الحكمية. 4-خاتمة البحث.
ومثلا في (مقال تاريخي) عن نشأة مدينة البصرة: خطة البحث. 1-تحديد موقعها الجغرافي.2-سبب تسميتها. 3-المصادر التي اعتمد عليها في البحث. 4-ثم يسرد للقارئ كيفية نشأة المدينة، ويحلل ويقارن بين أقوال المؤرخين، ليصل الى النتيجة النهائية من البحث.
ويجب أن لا ينسى أن يترك فراغا لكل موضوع رئيسي في الخطة، مثلا: 1-مقدمة عن شعر الإمام علي ع. ثم يترك من الورقة مقدار خمسة أو ستة أسطر، ثم يكتب 2-تعريف الشعر الحكمي، ويترك فراغا بضعة أسطر؛ لأن هذه الفراغات في ورقة خطة البحث تنفعه عند جمع المعلومات.
الثالث: جمع المعلومات
بعد أن يضع خطة البحث يقوم الكاتب بجمع المعلومات التي تهمه في البحث، وهنا لابد أن يجمع كمية من المصادر لكي يستقي منها بحثه أو مقاله.
فيبدأ بقراءة هذه المصادر واحدا بعد الآخر، ويقوم بالإشارة الى المعلومة التي تنفعه في موضوع بحثه، فيؤشر عليها بقلم الرصاص، ولا بأس أن يدون ذلك في خطة البحث.
مثلا (أسباب الطلاق): يكتب السبب الأول: تدخل الأهل، ويكتب في خطة البحث راجع الكتاب الفلاني ص كذا.
السبب الثاني: عدم معرفة كل من الزوجين حقوقه وواجباته. ويكتب في خطة البحث راجع الكتاب الفلاني ص كذا.
وهكذا مثلا موضوع (تعريف الطلاق): يقرأ تعريف الفقهاء للطلاق ثم يرى أي تعريف منها أدق ومناسب، فيكتب في الخطة تعريف المرجع الفلاني ص كذا. وكذلك يقرأ تعريفات القانونيين للطلاق وينظر الأنسب منها فيختاره، ويوشر عليه في الكتاب، ثم يأتي الى ورقة الخطة ويكتب فيها تعريف فلان في الكتاب الفلاني ص كذا.
ولا يفوتني أن أذكر أن مصادر كل بحث أو مقال نوعين:
1-مصادر أولية. 2-مصادر ثانوية. 
في التاريخ (مثلا) تعتبر الكتب التاريخية القديمة كتاريخ الطبري وابن الأثير والمسعودي وغيرهم مصادر أولية، وهناك كتبت تاريخية لكنها ألفت حديثا وهذه تسمى مصادر ثانوية.
في الحديث (مثلا) يعتبر الكافي ووسائل الشيعة مصدرا أوليا، فإذا أردت أن تكتب في موضوع الطلاق وكان لديك كتب لباحثين إسلاميين ينقلون روايات عن الكافي وعن الوسائل، فإنه يجب على الباحث الرجوع الى المصادر الأولية، لاحتمال أن يكون الكاتب في المصدر الثانوي قد اشتبه في النقل.
وربما يحدث أن يتعمد النقل خطأ، أو ينسب المعلومة الى مصدر مهم كذبا حتى يقال أن معلومته لها أساس ودليل، وقد وقفت على ذلك بنفسي خصوصا في كتب الأنساب المعاصرة، فيذكر مثلا شخصية بارزة في التاريخ وينسبها الى قبيلة معينة، ويذكر مصدرا تاريخيا أو نسبيا مهما لتلك المعلومة، ولكن عندما تعود الى المصدر الأصل قد تجد اسم الشخص لكن دون نسبته الى تلك القبيلة!
الرابعة: تدوين المعلومات
بعد جمع المعلومات يشرع في الكتابة، ويدون المعلومات المناسبة لكل حقل حسب خطة البحث، ولابد أن يكتب مسودة أولا إذا كان يكتب على الورق، ثم بعد الاتمام يراجع ما كتب، ويحوله بعد ذلك الى الشكل النهائي للبحث أو المقال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواد البحوث
المواد التي يحتاجها الباحث أو كاتب المقال كثيرة، لكن نذكر المهم منها:
أولا: التعريف
فالكاتب أو الباحث كثيرا ما يحتاج تعريف الموضوع الذي يريد الكتابة عنه، وقد ذكرنا أن التعريف لغوي واصطلاحي، وفي التعريف اللغوي عليه أن يراجع القواميس اللغوية. أما في التعريفات الاصطلاحية فعليه مراجعة الكتب الخاصة بذلك الموضوع ككتب العقائد إذا كان المصطلح عقائدي أو كتب الفقه إذا كان المصطلح فقهي، وكتب الأخلاق إذا كان الموضوع أخلاقي، وكتب السياسة إن كان الموضوع سياسيا وهكذا.
ثانيا: التقسيم
قد يحتاج الباحث أحيانا الى تقسيم الموضوع، وفائدة التقسيم هو أنه يكشف المهارة التنظيمية للباحث، ويزيد من وضوح الموضوع عند القارئ.
ثالثا: التمثيل
والتمثيل له عدة معاني
الأول: التمثيل بمعنى التشبيه أي تشبيه شيء غير محسوس بشيء محسوس، ومن أمثلة ذلك: تشبيه القرآن لمن يتخذون أولياء من دون الله ببيت العنكبوت. وتشبيه الذين يحملون التوراة دون أن يفهموا منها بالحمار يحمل اسفارا. والهدف منه تقريب المعنى الى ذهن السامع. 
الثاني: التمثيل بمعنى ضرب الأمثلة للتوضيح، ويعبر عنه في المنطق التعريف بالمثال، فمثلا تقول المثلة بالميت حرام في الاسلام، والمثلة هي: قطع رأس الميت أو قطع يده أو قلع عينه أو جدع أنفه. 
رابعا: الاستدلال 
بمعنى أن يذكر الكاتب دليلا على صحة دعواه، أو شاهدا على ما يقول، فقد ذكرنا أنه إذا أراد الكتابة عن الحكمة في شعر الإمام علي ع فإنه يجب عليه أن يذكر شواهد من شعره ع على مدعاه.
والشواهد أو الأدلة ستة أنواع:
1-الآيات القرآنية. 2-الأحاديث الشريفة. 3-أقوال العلماء والمتخصصين في موضوعه، فإذا كان موضوعه طبي يستشهد بأقوال الأطباء، وإذا كان تربوي استشهد بكلام التربويين وهكذا. 4-الشعر، فإنه مهم في الإقناع خصوصا في المقالات ذات الطابع الشخصي أو الذاتي. 5-القصص. 6-الحكم والأمثال السائرة بين الناس.
خامسا: المقارنة
وهي اسلوب قد يحتاجه الكاتب أثناء العرض لإثبات صحة كلامه، أو لتأكيد المعنى في نفس القارئ، فيعقد مقارنة بين موضوعين أو شخصين أو زمانين.
مثلا اذا اراد ان يتحدث عن حكومة أمير المؤمنين ع وعدله ويذكر حسناتها، ثم يذكر سيئات حكومة معاوية وجورها، حتى يتضح الفارق بين الحكومتين للمتلقي.
سادسا: التفنيد
ونعني به إبطال أدلة أو حجة الخصم، وهو أمر يحتاجه الكاتب إذا كان في معرض الرد على الشبهات والاعتراضات (مثلا) على عقيدة الشيعة أو على العقيدة الإسلامية كلها. وسواء أكانت من الغرب أو من الوهابية أو من بعض ابناء المذهب حيث يستشكلون على بعض الشعائر أو قضايا من العقيدة تتعلق بالإمام الحجة ع أو غير ذلك، فيذكر دليل الخصم ثم يقوم بإبطاله ورده، ويثبت كلامه بدليل معاكس لدليل الخصم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الهادي الطهمازي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/02/23



كتابة تعليق لموضوع : كيف تكتب بحثا أو مقالة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net