صفحة الكاتب : د . عبد الحسين العطواني

التحولات السياسية وأساليب التغيير
د . عبد الحسين العطواني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 إن السقوط التاريخي , وبغض النظر عن العوامل والظروف والدوافع التي تشترك في إحداثه , يجب أن لا يستثمر ايجابيا , بالتصفيق والتهليل والفرح الفارغ بزوال عهد بائد وقيام عهد جديد أو بانتصار ثورة وسقوط عرش ولا بصراعات المصالح الشخصية والإيديولوجية , بل بالعمل الجاد على تخليص نفسية الإنسان من الاستسلام لممارسات الاستغلال المغلف بألوان الحرية والتغيير , فقد تتعالى العروش وتصعد الدول وتنبعث الحضارات ثم ما تلبث آن تتهاوى وتتساقط وتندثر , في حركة عكسية لامناص من الاستسلام لها , لتبدأ دورة صمود جديد على أنقاض ذلك السقوط , وبين ميكانيكية الصعود والسقوط أو الانبعاث والاندثار تتداخل في تسيير هذا الحراك التاريخي يد البشر المستخلفة , وهي المتأرجحة بين السداد والتخبط وبين العدل والحيف , مع اليد الآلهية .
اليوم ومن خلال متابعة إحداث المشهد السياسي العراقي , لم يشير الواقع على انه يحمل في جوفه شيئا من الايجابيات , لان بعض الأحزاب والكتل أو الزعامات , قد توضحت حقيقة صورتها المختبئة , وبهذا انقشع الكثير من الغش عن بصائر الشعب , وبدأ يعي حجم الخداع والتضليل والتضبيب الذي مورس ضده منذ تغيير النظام عام 2003 . 
وكما هو واضح وينقل التاريخ أن المهمات التغييرية الصانعة للتحولات العظمى , دائما ما تحمل أعباءها شخصيات قيادية , فقد يكونون أحيانا مصلحين , وأحيانا يكونون قادة سياسيين أو عسكريين , ربما تختلف لديهم الخلفيات والدوافع والاستعدادات والميول والمبادئ والقيم , ولكنهم يتفقون في حركتهم جميعا باتجاه الهدف , وفي عقلية التغيير , وفي آلية العمل ألتغييري , لان الخروج من المغامرة بأقل الخسائر الممكنة وبأكبر المكاسب الممكنة لا يتأتى إلا بذكاء حضاري يتسم بالرغبة الحقيقية في المساهمة الحضارية مع التحلي بالقدرة على التمييز الرشيد والانتقائية الحكيمة , ومن خلال إخضاع جميع المدخلات لعملية تقييم ممنهجة ودقيقة وسريعة مبنية على قيم المجتمع وثوابته وثقافته وخصوصياته , كما تفعل جميع المجتمعات المتقدمة التي تمارس نوع من التعتيم الإعلامي والانتقائية الفكرية على تاريخها الحضاري , ولكن ليس بأسلوب إغلاق الأجواء أمام المدخلات القادمة من البيئات الاجتماعية الأخرى , بل بضخ زخم إنتاجي ثقافي وإعلامي وفكري لا يدع مساحة زمنية أو معرفية كافية للمدخلات القادمة من خارجها لتمارس تأثيرها النفسي والفكري والثقافي المباشر والكامل , وهذا كله يحتاج في حد ذاته إلى أرضية من الأصالة ومن المعرفة ومن الثقافة العميقة ومن المهارات البشرية المخلصة والمتمكنة , وان لا يكون الاهتمام التمسك بالحكم وبقائه في الهرم السياسي لأطول فترة ممكنة , وعلى تفاعل النظام مع الشعب كحارس وليس كحكومة لدولة , وعلى تبعية سياسية إلى توجهات واستراتيجيات القوى العظمى , فغالبا ما تكون مشكلة الأنظمة عندما تُهزم أنها تبقى تقيم في التاريخ إلا بعد أن تكون الأحداث قد تجاوزتها , فهي لا تقدم على التنازل بخيار حرّ منها , وعندما تقدم عليه يكون الوقت قد فات .
وتجدر الإشارة هنا أن من أولى أخطاء الحكم عندما يعتقد بقدرته في إدارة الصراعات الداخلية واللعب على تناقضاتها , فيما هذه المتناقضات تتوحد في معاناتها من نظام حكم الحزب الواحد . فقد قام مفهوم الدولة التقدمية العربية على أساس ضرب من التصنيفات الأمنية بين الأصدقاء والأعداء , وأهملت هذه الدولة المشروع الليبرالي السابق عليها , بل وتنكرت له وحاولت تغييبه . كما أن التواطؤ على تصديق الشعارات يؤول إلى إظهار العجز عن التغيير , فالذي يصدق أن الاستقرار لا يتناسب مع إطلاق الحريات أنما يعيش في الوهم الذي أرساه نظام الاستخبارات , ولابد من الانطلاق نحو هذا التغيير من ضرورة فهم ما كان يحدث وذلك تبعا للقاعدة التي اعتمدها كارل ماركس الذي كان يرى أن ( ليس بالإمكان تغيير العالم إلا بعد فهمه ) , كما أن التغاضي عن الشرط الأساس لممارسة الدولة لسيادتها واحتكارها في استعمال عناصر القوة , ثم الارتباط الملزم بالأنظومة الإقليمية , لتصبح الدولة قوية وقادرة على أن تعيد امتلاك قرار الاستقلالية كل هذه الأمور تتناقض مع الالتزام بالسياق العام وبالحد الأدنى الذي تفرضه المسلمات الأساسية لوجود أي دولة , وبالتالي من شأن ذلك أن يعيد طرح المشاركة الحزبية التي إذ ذاك من الممكن أن تقاس عليها أحجام القوى , أما أن يتم استخدام التعددية الحزبية عندما تحدث التحولات السياسية والتغيير في إطار يعاكس لقيام الدولة وتأمين مرتكزاتها , فذلك يعني آن هذا الأساليب سوف تخدم نظاما يناقضها وهو آخذ في التشكيل .

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الحسين العطواني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/03/26



كتابة تعليق لموضوع : التحولات السياسية وأساليب التغيير
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net