صفحة الكاتب : امجد الدهامات

نشيدنا الوطني بثلاثة لغات؟! ..... يا للهول!
امجد الدهامات

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يتصرف أغلبنا، نحن العراقيون، وكأننا نعيش بمعزل عن العالم، لا نقبل أو نتقبّل أشياء كثيرة مارستها البلدان والشعوب الأخرى بشكل عادي جداً منذ زمن طويل، ولكننا نرفضها ونتحسس منها ونعتبرها شيء غير طبيعي، بل ونستغرب منها كثيراً.

أكتب هذا بمناسبة الجدل الكبير الذي يبرز بين فترة وأخرى حول موضوعة النشيد الوطني العراقي التي نتعامل معها بحساسية كبيرة وتشدد مفرط، ومع أعترافي بأهمية النشيد الوطني لكل دولة، لكن بعض الناس حمّل هذا الموضوع أكثر من طاقته، خاصة أولئك الذين يريدون نشيداً وطنياً عراقياً (خالصاً) من حيث الكلمات واللحن، أنهم يستغربون من أشياء هي في حقيقتها طبيعية جداً وليست غريبة، منها:  

يتسائلون بأستغراب: كيف يكون نشيد العراق الوطني مكتوباً بأكثر من لغة واحدة؟!

أنهم يجادلون بأن الأغلبية في البلد هم من العرب الاقحاحِ ويجب أن يكون النشيد الوطني بلغتهم العربية حصراً وخالٍ من كلمات باللغات العراقية الأخرى، مثل: الكردية، التركمانية، الاشورية، السريانية، المندائية والشبكية.

أقول: أيها السيدات والسادة لسنا أصحاب هذه (البدعة) وبالتالي فلا نتحمل وزرها، إذ سبقتنا إليها دول كثيرة تحرص على تمثيل مكونات شعبها المتعددة في رموزها الوطنية مثل العلَم والشعار والنشيد الوطني، فلماذا تستغربون من ذلك؟ أليستْ هذه المكونات جزءاً اصيلاً من شعبنا ومن حقها أن تتمثل بالنشيد الوطني؟

هل تريدون مصداقاً لكلامي؟ حسناً ... هاكمْ هذه الأمثلة:

نشيد أيرلندا الوطني وعنوانه (The Soldier's Song) مكتوب باللغتين الرسميتين للبلاد وهما الأيرلندية والإنجليزية، ونشيد نيوزيلاند الوطني (God Defend New Zealand) مكتوب باللغة الإنجليزية ولغة محلية هي (Māor)، نشيد دولةَ سورينام (God be with our Suriname) مكتوب باللغة الهولندية ولغةٌ محليةٌ اسمها (Sranan Tongo)، نشيد جزر فيجي (God Bless Fiji) باللغتين الإنجليزية والفيجية، نشيد كندا (O Canada) بثلاث لغات هي الإنجليزية والفرنسية ولغةُ الشعوب الاصلية (Inuktitut)، نشيد بلجيكا (La Brabançonne) مكتوب بثلاث لغات هي الهولندية والفرنسية والألمانية، نشيد زمبابوي (Blessed be the Land of Zimbabwe) مكتوب بلغة البلد الرسمية (Shona) وله ترجمات رسمية باللغة الإنجليزية ولغةٌ محليةٌ اسمها (Ndebele)، نشيد سنغافورة (Onward Singapore) المكتوب باللغة الملاوية له ترجمات رسمية باللغات الإنجليزية والماندرينية والتاميلية، نشيد سويسرا (Swiss Psalm) مكتوب بأربع لغات هي الفرنسية، الألمانية، الإيطالية والرومانية، اما نشيد دولة جنوب افريقيا (Lord Bless Africa) فمكتوب بخمس لغات هي (الهاوسا، الزولو، السيسوتو، الأفريكانس، والانجليزية).

والأكثر غرابة أن الأناشيد الوطنية لبعض الدول لم تُكتب بلغتها الرسمية اصلاً، مثل أناشيد: فنلندا (Our Land) مكتوب باللغة السويدية، الفاتيكان (Papal Anthem) باللغة اللاتينية، الهند (Jana Gana Mana) باللغة البنغالية، الباكستان (Qaumi Taranah) باللغة الفارسية، الفلبين (Chosen Land) بالإسبانية، بروناي (God Bless the Sultan) بالماليزية، أنغولا (Onwards Angola) بالبرتغالية، موزمبيق (Pátria Amada) وغينيا الاستوائية (Let Us Tread the Path of Our Immense Happiness) بالإسبانية، اما أناشيد دول: ناميبيا (Namibia, Land of the Brave)، الكاميرون (O Cameroon, Cradle of Our Forefathers)، مالي (Mali)، ليبريا (All Hail, Liberia, hail)، وجنوب السودان (South Sudan Oyee) فقد كُتبت باللغة الإنجليزية.

ويتسائل الذين يريدون نشيداً عراقياً (خالصاً) من جديد: كيف يكتب نشيدنا شاعر غير عراقي؟!

ولكن، أيها الأعزاء، هذا أمر عادي جداً وحاصل فعلاً في كثير من الدول، وإليكم الدليل:

النشيد الوطني السوري الأول لعام (1923) وعنوانه (سوريا يا ذات المجد) كتب كلماته الشاعر اللبناني مختار التنّير، نشيد ليبيا الأول (يا بلادي) لعام (1955) مؤلفه التونسي البشير العريبي ونشيدها الثاني (الله أكبر) لعام (1969) من كلمات المصري عبد الله شمس الدين، انا أناشيد: تونس وعنوانه (حماة الحمى) فقد كتبه المصري مصطفى صادق الرافعي، الفاتيكان كتبه الفرنسي (Charles Gounod)، فنلندا كتبه السويدي (Johan Runeberg)، استراليا (Advance Australia Fair) من كلمات والحان الاسكتلندي (Peter Dodds)، بنغلادش (My Golden Bengal) كتبه ولحنه الهندي (Rabindranath Tagore)، ليسوتو (Lesotho, land of our Fathers) كتبه الفرنسي (Francois Coillard)، أما البارغواي (Paraguayans, Republic or Death) فقد كتب نشيدها الشاعر (Francisco de Figueroa) وهو من دولة اورغواي.

ويتسائل الذين يريدون نشيداً عراقياً (خالصاً) مرة أخرى: كيف يلحن نشيدنا ملحن غير عراقي؟!

وهذا ايضاً طبيعي جداً، وتكرر مرات كثيرة، وهذه امثلة تُثبت ذلك:

النشيد الوطني السوري الثاني لعام (1938) وعنوانه (حماة الديار) من ألحان الموسيقار اللبناني (محمد فليفل)، نشيد ليبيا الأول من ألحان الموسيقار المصري محمد عبدالوهاب بينما نشيدها الثاني من ألحان المصري محمود الشريف، نشيد تونس من توزيع محمد عبد الوهاب ايضاً، اما أناشيد: الأردن وعنوانه (عاش المليك) فهو من ألحان اللبناني عبد القادر التنّير، الجزائر (قسماً) من ألحان المصري محمد فوزي، موريتانيا (بلاد الأباة الهداة) من ألحان المصري راجح داود، الامارات (عيشي بلادي) من ألحان المصري سعد عبدالوهاب، فلسطين (فدائي) لحّنه المصري علي إسماعيل، نشيد السعودية الأول لعام (1945) وعنوانه (يعيش ملكنا الحبيب) من ألحان المصري عبدالرحمن الخطيب، المغرب (النشيد الشريف) لحّنه الفرنسي (Léo Morgan)، عُمان (النشيد السلطاني) لحّنه (James Frederick Mills)، الصومال (يا صومال استيقظي) لحّنه الإيطالي (Joosub Blanc)، نشيد السنغال (Everyone Strum Your Koras) ونشيد دولة إفريقيا الوسطى (La Renaissance) من ألحان الفرنسي (Herbert Pepper)، نشيد تشاد (The Chad Song) من ألحان الكندي (Paul Villard)، اندونيسيا (Indonesia Raya) من ألحان الهولندي (Jozef Cleber)، المالديف (Qaumii Salaam) من ألحان السريلانكي (W. D. Amaradeva)، ألمانيا (Song of Germany) من ألحان النمساوي (Joseph Haydn)، فنلندا من ألحان الألماني (Fredrik Pacius)، البانيا (Hymn of the Flag) من ألحان الروماني (Ciprian Porumbescu)، المكسيك (Mexicans, at the cry of war) لحّنه الاسباني (Jaime Nunó)، الارجنتين (Patriotic March) لحّنه الاسباني (Blas Parera)، كولومبيا (O Unfading Glory) من ألحان الإيطالي (Oreste Sindici)، بوليفيا (Bolivians, a most Favorable Destiny) لحّنه الإيطالي (Leopoldo Vincenti)، تشيلي (National Song) من ألحان الاسباني (Ramón Carnicer)، اما نشيد السلفادور (Let us salute, the Motherland) فهو من ألحان الإيطالي (Juan Aberle). 

ولكي أزيد من استغرابكم أقول لكم أن هناك دول لها نشيدان وطنيان في وقت واحد، مثل: فلسطين التي لها نشيد رسمي عنوانه (فدائي) ونشيد شعبي عنوانه (موطني) وهو نفس النشيد الوطني العراقي الحالي، الدنمارك لها نشيدان عنوانهما (There is a lovely country) و (Kong Christian)، النرويج (Yes, we love this country) و (Sons of Norway)، نيوزيلندا (God Defend New Zealand) و (God Save the Queen)، بل أن اليونان وقبرص لهما نفس النشيد وهو (Hymn to Liberty)، مثلما كان نشيد (والله زمان يا سلاحي) للشاعر المصري صلاح جاهين نشيداً مشتركاً بين مصر خلال الفترة (1979-1961) والعراق (1981-1963)، أما نشيد استونيا (My Fatherland, My Happiness and Joy) فيشترك باللحن نفسه مع نشيد فنلندا، وكذلك نشيد امارة ليختنشتاين (High on the Young Rhine) فهو يشترك باللحن مع نشيد بريطانيا (God Save the Queen).

كما أن أناشيد بعض الدول عبارة عن موسيقى فقط بدون كلمات مثل: اسبانيا (Royal March)، البوسنة (Intermeco)، سان مارينو (Inno Nazionale)، كوسوفو (Europe)، اما الاتحاد الأوربي فقد اختار مقطعاً من السمفونية التاسعة (Choral Symphony) للموسيقار الشهير (Ludwig van Beethoven) نشيداً وطنياً له.

ومع حقيقة أن العراق من أكثر الدول التي بدلت نشيدها الوطني، (تم تغيير النشيد خمس مرات بينما النشيد الوطني الهولندي "The William" لم يتبدل منذ عام 1572)، اعتقد أن الحل الأمثل للخلاص من هذه المعضلة هو:

  1. إطلاق مسابقتين دوليتين لكتابة وتلحين نشيد وطني متعدد اللغات.
  2. عند تعذر الاتفاق على المقترح الأول، أقترح إطلاق مسابقة دولية لتلحين نشيد وطني يتكون من موسيقى فقط بدون كلمات، لكون الموسيقى محايدة ولا تثير حفيظة أحد.

عندها ربما تنتهي أحدى مشاكل بلدنا المزمنة!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


امجد الدهامات
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/04/03



كتابة تعليق لموضوع : نشيدنا الوطني بثلاثة لغات؟! ..... يا للهول!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net