صفحة الكاتب : حيدر كوجي

ناتـفــو الـريـش
حيدر كوجي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

واحدةٌ من أساليب إرغام الشعوب على اتباع الحاكم، بغض النظر عن قناعتهم بعدالته أو ظلمه، هي تطبيق سياسة التجويع وربط قوت المواطنين بشخصه، وإيهام الشعب بأن هذا النزر القليل الذي لا يكاد يسدُّ رمقهم هو أفضل ممَّا سيؤول إليه الوضع في حال زوال النعمة المرتهنة ببقاء صاحبها الذي إن لم يكن عادلاً لكن في بقائه (شرٌّ هيِّنٌ) أفضل من (بلاءٍ غير بيِّنٍ) سينزل في حال تجرأ الشعب بالتفكير بتغيير ولي النعمة أو الاعتراض على مستوى الخدمات المُقدَّمة أو التمادي بطلب الحقوق ومحاولة محاكاة بلدان أخرى تعيش البحبوحة في ظل حكوماتها.

وإن كان هذا الأسلوب من الأساليب التقليديَّة القديمة المُتَّبعة في إدارة الدولة وباتت من المفاهيم المنقرضة تقريباً، ولا سيما بعد تنامي الوعي الشعبيِّ وتلاقح الحضارات وتطوُّر وسائل الاتصالات وتراجع الأساليب الاستبداديَّة في إدارة الدولة وظهور نماذج جديدةٍ تعتمد مبدأ تكافؤ الفرص والشفافية والتداول السلمي للسلطة، واعتماد المأسسة والتنافس بين القطاعين العامّ والخاصّ.

ولكن لا أعلم سبب إصرار العديد من الحكام والمسؤولين على سلوك هذا الطريق، وإن لم يعلن ذلك صراحة، فالذي يتتبَّع خطواتهم في الإدارة يقتنع صراحةً بأنَّ أسلـوب التجـويع وربـط قـوت المواطن بالحاكم والمسـؤول مازال قائماً ومُتبعاً، رغم رفع شعارات الديمقراطيَّة والتداول السلمي للسلطة، ورغم وجود دستور وقوانين و برلماناتٍ يُفترَضُ أنها تنظم عمل حكوماتها وتحافظ على حقوق المواطن وتمنع التجاوز عليها من أيَّة سلطةٍ كانت.

فالمراقب للحملات الانتخابيَّة للأحزاب والكتل ينتهي إلى أنَّ الجميع يؤمن بالديمقراطيَّة والتداول السلمي والمأسسة في وقت إن تلك البرامج تتغيَّر عملياً بعد تسنُّم السلطة، إذ تبدأ مظاهر التشبُّث والتمسُّك وربط قوت المواطن بالمسؤول تظهر بشكلٍ واضحٍ من خلال الأساليب المُتَّبعة في إدارة الدولة ومُؤسَّساتها.

صوَّت العراقيُّون على الدستور الدائم الذي يضمن لهم حقوقاً كثيرة، منها السكن والتعليم والعلاج والعمل كذلك مبدأ تكافؤ الفرص لجميع أبناء الشعب والعديد من الحقوق، وكذلك الواجبات التي جاء بها الدستور بيد أن العراقيين الذين ينتخبون كلَّ أربع سنواتٍ مُمثّلين عنهم لاختيار الحكومة وسنّ القوانين التي ترعى مصالحهم، بيدانهم لم يلمسوا ذلك فنحن نجد أن اللاعبين السياسيِّين لايلجأون إلى مضامين الدستور إلا من أجل حلِّ صراعاتهم على المناصب وتمديد مدد بقائهم في موقع المسؤولية، ولا نجد منهم من يلجأ إلى فقرات الدستور التي تشير إلى حقوق المواطن ... وإن فكر أحدهم في ذلك فإنه يعدُّها مكرمة من مكارمه وميزة له ولحزبه، يمكن له أن يلوح بها عالياً إذا ما سُئلَ عن إنجازاته الشخصية وإنجازات حزبه أو كتلته.

مازال الكثيرون من المسؤولين يفكرون بعقلية ذاك الحاكم الذي جمع في يومٍ من الأيام قادته؛ من أجل إعطائهم درساً في إدارة الدولة، فطلب منهم إحضار دجاجةٍ، ثم بدأ بنتف ريشها ريشةً بعد أخرى، وهي تحاول الإفلات من قبضة يده دون جدوى إلى أن أكمل نتف ريشها كله، بعدها وضع الدجاجة على الأرض وبدأ يومئ لها بحبات الشعير التي كان يحملها بيده، فسارعت الدجاجة المنتوف ريشها نحو الحاكم متناسيةً الآلام التي سبَّبها لها... بهذه الطريقة تُدارُ الشعوب ردَّد الحاكم مُتفاخراً فصفق له قادته.

ربما يعلن جميع المسؤولين اليوم امتعاضهم وشجبهم وتقاطعهم مع هذه الطريقة أو الأسلوب المنقرض في إدارة الدولة، ولكنهم في دواخلهم يؤمنون إيماناً عميقاً بها، والدليل هو ما تمخَّضت عنه سنوات توليهم للمسؤولية ونتائجها والصراع الذي ينشب بعد انتهاء المُدد المُحدَّدة لتولِّي المسؤوليَّة والاستماته؛ من أجل البقاء في موقع المسؤوليَّة حتى وإن اضطر البعض إلى خرق الدستور والقوانين وطرق أبواب المحكمة الاتحادية.. والأهمُّ من ذلك عدم اكتراثهم برأي الشعب بهم وبأدائهم.

بعد ستة عشر عاماً من سقوط الدكتاتور وحدوث التغيير الذي لم يجنِ الشعب ثماره رغم تقديمه التضحيات الجسام بات لازماً تغيير بعض المفاهيم التي نجدها مازالت مُترسِّخـةً في عقليَّـة بعـض المسـؤولين؛ لأنَّ يـوم الحساب آتٍ لا شكَّ في ذلك، وواهمٌ من يعتقد أنه في منأى من الحساب والقصاص، فعليكم مغادرة عقليَّة ناتفي الريش، ولكم في أحداث الجزائر والسودان القريبة لعبرة.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر كوجي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/04/17



كتابة تعليق لموضوع : ناتـفــو الـريـش
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net