صفحة الكاتب : نادية مداني

شقراء لرجل أحدب
نادية مداني

 تتبرج الكلمات وتلبس ثوب الرَّدة،تنسحب رويداً،رويداً وتختفي خلف الجمل العملاقة...وبعد الجمل الاعتراضية وعند عتبة الفهم ينزلق الحرف، فتتكسر المعاني وتقرع الأجراس لعقد قران الشقراء لذاك الأحدب ...ينسج التاريخ عباءة من ترهات المفقودين، وتخلع الطبيعة رداءها الأخضر، وتنحني الجبال فتعانق زهور الجبل الحشائش البحرية...حينها تصرخ الأطفال فيرسم الحليب ساقية الخطيئة...إنها اللعبة المحكمة التخطيط ،الكل يتجاوب ويغير الأدوار والمعادلة نفسها بمجهول واحد...
ماذنب القوافي عندما تعتقل وتعدم بذنب تجريد النفس من روح الضياع...ماذنب الكلمات عندما تقاد أسيرة إلى سجون أصحاب الأقلام الجائعة، فتصبح أمة تمارس عليها كل المحرمات ،وتدرج جارية تحت الطلب،ضائع أنا بقلمي المسبل الذي يزج به في حرب غير عادلة،فهو لن يصمد في مختبرات الحداثة لأنه رجعي الهيئة بألوان رسمية تزوره بين الفينة والأخرى قهقهات المجانين كنوع من الهروب جراء الصدمة الكهربائية،نتيجة احتكاكه بصاعقة الشهرة المبجلة...الشهرة التي أنا هنا من أجلها، صاحبت مدن باريس لأحيا ،فمن يصاحب الوضوح يموت جوعا لجوع أهله...لطالما حذرني أصدقائي من المغامرة في الكتابة المباشرة غير المغلفة، التي تتسم ببعد الغموض،وقوة الكلمة،لا أنكر أني حاولت مرارا التقمص،لكن شخصية ذات الجذور العربية التي لا تخجل ولا يرعبها شبح الحقيقة ، تأبى الظهور ببدلات الغرب والأكل من فتات الموائد،إن من يحمل أجداده السلاح لفترة قرن وأكثر يخجل أن يتعرى قلمه خلف الأوراق وبين السطور ،ويتنكر فكره لأكثر من الحقيقة،لقد جادت الأقدار بمراسيلها فبعثت لي صديقاً قديماً،إلتقيته صدفة في معرض للكتاب حين رآني جاحظ العيون أمام كاتب انسلخ مؤلفه من كل شيم الأخلاق ، حيث ترجمة الصورة الموجودة في مقدمة الكتاب كل فحوى ما كتب فيه ،فأجبته: لا أدري يا صديقي...!لماذا تكون الشهرة من نصيب هؤلاء؟ فهم الصديق كلامي وربَّت على كتفي
قائلا:ليس كل ما يلمع ذهبا وليس كل ما ينشر أدبا، ويتبع قوله بكلمة:دعك ياصديقي من هذه الترهات وحدثني عنك،ماهي أخبارك؟ وكيف أحوال قلمك الذي فقد كل شيء سوى مداده الشفاف..
جاءت كلماته بردا وسلاما على قلبي ،وعزاءً ما بعده عزاء لوحدتي الفكرية، فوجدت فيه ضالة المنشودة ووعاءً أفرغ فيه كل ما تراكم من بقايا ذاكرة الحافلة بانتقادات من يحملون أفكارهم بجوارب أحذيتهم،خوفا عليها من الضياع،لأن من يحترف الادعاء يحترف البخل عن طيب خاطر...فيتصدقون عليك بانتقاداتهم الهدامة ثم يندمون،ربما يخافون عليك أن تخرج كالعنقاء من الرماد...
يرجعني صديقي مرة أخرى لذاكرتي الأصلية وأصلي...ويثني كثيرا على أخلاق في الصغر،لأنه يؤمن أنه من شب على شيء شاب عليه، ويرثى لحالي وفاقتي فيحن قلبه وتثمر سنوات الصَّبا فيه، مكانك ليس هنا ، أعرف مدير مجلة بباريس وسأجد لك عملا هناك و بالعملة الصعبة تحقق رأس المال، وتعود لوطنك وتنجز مشاريعك، أعرفك جيدا أنت لها وأكثر...نعم وفى بوعده وأنا هنا بفضله أمارس مهنة أخرى لكن بآدات أخرى، لا تتقن فن الغموض...تراني بالغت بوصف للضياع...أم قصرت بجهل لفن التصنع...!؟
ينهي قس الكنيسة مراسيم الزواج وتفرغ الأقداح من الخمور لتستقر ببطون اليقظين...
-كانت حفلة تنكرية رائعة وكانت الشقراء فاتنة جدا والأحدب فاغرا فاه لايصدق ، فهو يحمل عاهته على ظهره وكل ذي عاهة جبار...هكذا تخضع الجميلات لسلطة الإغراء والاستدراج ، الكل منسجمين بارعين في أداء الأدوار، تنزع الأقنعة،يخترق الحصن...أرض الوغى تحت أحذيتهم الحديدية...تنتهي المعركة لصالح القراصنة...هل كنت المقصود من هذا الهجوم؟ لأني أحمل بطاقة صحفي يمارس مهنته الفضولية تحت أضواء شاحبة...هل لشخصيتي كل هذا الاهتمام،فتحاك مؤامرة ضدي؟ أنا مجرد صحفي مطلوب منه تغطية حفلات الزواج ونقل بعض الشطحات...ماذا كان سيحدث لو كتبت في صفحة السياسة مثلا أو الفن...!؟
فوجود لباس تنكري للقراصنة في حفل زواج يوحي بالدعابة...من كان يصدق أن القراصنة المزيفين، مجموعة من المافيا جندت لحراسة العروس، ولما كل هذا الخوف من اختطافها...أسئلة كثيرة لم أجد لها إجابة تحت تأثير التهديد ومطالبة البوح بالحقيقة...
أم أن تلك الكتلة الموجودة بظهر العريس لا تحتمل قوة ضوء الآلة...!؟
في غمرة الدهشة وفزع الخوف وروعة الفضول ،وضعت حياتي ثمنا لأعرف سر اختطافي وبالتالي لفت انتباهي، لم أتفطن من دهشتي إلا ولكمة على وجهي يتصدق بها أحد المختطفين الذي كان يشبه إلى حد ما مدفع بقاعدة ثابتة وصوت له القدرة على زعزعة الجبال،حيث تلاصق حاجباه وشكلوا قوس رماني برمح لا يحمل ذرة الرحمة ولا دعابة المزحة وينحني فتحدث حركته زوبعة رملية فتنثر رائحة العرق ،لتتسلل إلى
جيوب الأنفية وأحاربها بعطسة أحدثت بلبلة وجعلته يكتشف ما يوجد تحت قدمي، وماهي إلا لحظات حتى سحب ما تحتهما وقال: وما هذا؟ هل هي قنبلة على شكل قلم؟ أم قنبلة ضوئية تفضح همساتنا وحركاتنا ؟ ثم يحدث جعجعة ويسعل ليرمي على ما تحصل عليه من لعاب بفمه على مقربة من وجهي ويرمي بقلمي تحت قدميه، حتى تحطم ذلك الصديق الوفي الوحيد الذي كان يرصد حركاتي وهمساتي ،وكنت أمشي أمامه بخلقتي الأولى دون أن ألتحف بعباءة التستر ولا برداء الحقيقة الدبلوماسية،لقد تحطمت أيها الصَّديق العتيق ، من تحمل بشذا عطر مدادك عبقا من رائحة أصالتي،لقد بتروا أعضاءك وأنت الآن ترتمي بين ناظري شهيدا ممزق الأطراف،مهلا أيتها الأقدام السوداء وأمهليني البعض فقط من السنوات العجاف وأحقق الرؤيا المقدسة ، أنا الآن سجين الشك أسير المرايا المحدبة ، لأنك كنت مرآتي السطحية الثابتة ،النَّاصعة اللمعان ،قضوا عليك بالتدرج..!؟ وأهملوا بريقك حتى بدا باهتا ثم درجوا فشقوا مراياك وأحدثوا بها انكسارات فسقطت ذراة ،ذرات وهي الآن تحت أقدامهم القذرة،ياالهي هل من مستجيب لآهات العاشق الذي يرى محبوبته تشوه وتختفي ملامحها...ياإلهي رحمتك وسعت كل شيء،ولم أكمل دعواتي،حتى دخل قائد وقال:أتركوه، المخابرات أكدت أن لا صلة له بالأمر، تنفست الصعداء ولم أحس بوقع أقدامي إلا وأنا أتابع باهتمام بقية الحفل بآلتي الطبيعية وبقلبي ألف قسم أن أعرف كل شيء،فحنكة في التحقيق ليست بالسهلة وأشكر سنوات الجامعة وتلك الشهادة من مدرسة خاصة لتعليم فنون القتال والدفاع عن النفس منحتني فرصة المتابعة وإعطاء حق القسم..
وأقسم أن جمال العروس وبشاعة العريس تجعلك تبحث بملفات ذاكرتك عن سيرتهما فتقرأ لك بأن"روزا ميلا نوا" العروس الفاتنة يجهل سرُّ طفولتها،مايعرف عنها أنها تعيش لوحدها بعد فقدان والديها، ويقال: أن الأم توفيت بمرض عضال ولحق بها الأب ببضع سنين في حادث مرور عند عودته من سهرة قمار، وكان ثملا ضائع الخواطر تلاعبت به السنين وشبع الفقر من ملامحه ،فيبدو لك وأنت تتصفح أوراق ذاكرته وتقلب بمسمعيك تفاصيلها في أقل من دقيقة، أنه اللحظة سيقضي أجله، لكن الموت بطل مراوغ تخشى ضرباته غير المتوقعة ، لقد رحل به بعيدا وهاهي "روزا ميلا نوا" تحيا شبابها في الوحدة حتى تم قرانها نب"جون تامسون"صاحب الإعاقة والذي جعل الكل يتساءل وأرفع ألف رهان أن من حضر الحفلة لم تفارقه علامة الاستفهام؟ ولم تتردد أن تلعب بفضوله علامة التعجب...!
_ "جون تامسون" هذا الشاب صاحب النظرات الجريئة والثقة بالنفس التي تجعلك تقيم له ألف حساب،لما يتمتع به من صلابة في إثبات وجوده ومرونة في كسب ودك، لأنه يملك معادلة اجتماعية ترشحه لنيل الكرسي الأول في السياسة إن أراد ذلك، لطالما استمال"روزا ميلانوا" بأحاديثه الرائعة ومراوغاته الساذجة أحيانا، تتخللها بعض الأكاذيب التي تعطيها طعم الشهد، ربما نتلذذ بالأكاذيب لحرمتها ونجوع مللا من الحقيقة في عيون الصادقين ، ذلك النهر الذي لا ينضب،حيث نجد به ما ضاع منا وما نبحث عنه ، عكس البحر الذي يأخذنا موجه المراوغ إلى قلب المحيط ونضيع غرقا في بحثنا عن أشياء لن تطفو على السطح لأن ثقل معانيها غاص بها إلى الأعماق.....
- الحقيقة التي يخشاها الكثير ويسعى إلى تزييفها في لعبة خداع للنفس، لكن سرعان ما تنقشع سحابة الوهم وتظهر مخلفاته وبذلك نكون خسرنا الباقي المتبقي من كينونتنا،أن تكون صريح معناه أن تخسر وتبقى معادلتك صعبة الحل،لكنك في المقابل ربحت لأن الخاسر في الحب رابح..
في وله التفكير اللامرئي وفي بحث الدائم على حل جميع المعادلات والغوص في دهاليز النفس العميقة من خلال مرآتي المحجوزة ومراياي الظاهرية، أجد نفسي عالم بدرجة دكتوراه رشحته الملاحظة لاكتشاف خبايا البشر المجهولة وأنا غارقا في عالم الاكتشاف،تهتز أعضائي ويأتي اسمي برنة رصاص يغير اتجاه نظراتي لتقع على وجه ملائكي،إنه أحد أطراف معادلة الماضية،وجه رفضني لفاقتي وهاهي الأقدار بطل آخر يدفعك عنوة لحلبة الصراع ، صراع مع القدر وصراع مع الزمن وحتى مع الحنين....
"نورهان" زميلة دراسة سابقة لطالما طاردني طيفها في شبابي وجرح شعوري جمالها المتمرد،كانت تشبه الأميرات لنعومة ملامحها حيث تأخذك رقتها إلى نشوة الهذيان وتطربك أنغام عذابها بلحن المدمن الذي يهوى خسران لبه فداءً لذكرى محبوب،"نورهان" تجمع في صفاتها نساء العالم ويبقى جمالها مميز فهي الشقراء السمراء في الوقت ذاته، ذات عيون واسعة ضيقة، ترى الحزن في ابتسامتها، تذوب شوقا لأن تجلس معها فتأخذك حكاياتها إلى عالم ألف ليلة وليلة...
ثرثرتها صمت وصمتها قاتل، بحيث ترميك بنظرة تجعلك أسير الطيف الذي دوخني سنيين وأعوام وأنا في انتظار أن يصبح حقيقة...لكن غريبة سماء باريس حين تجمع رفات حب قديم بين أحضان سحبها ،وبدخان قدرها الساخن تمطر الأيام أوجاعا، إنَّها الأوجاع التي تجعل الألم ينتصر ويجعل منك عملاقا في وجه الرَّيح...الألم أستاذ مراوغ في ملعب الأيام وقلبك كرة مطاطية تصدم بأرض الواقع،فترجع لترتفع ويكون رهطك للمرة المليون والنصف مليون في وجه المدفع، ليترك الألم هذه المرة أثره ومهما حاول الزمن أن يلعب دور الممحاة على ورق كله بقع من الزيت فتلك هي المهمة المستحيلة أمام وحش الماضي الذي يأخذ أكثر من شاكلة على مسرح الحاضر، ويستبدل الأقنعة التي يريد...للماضي أيادي حريرية الملمس،تدغدغ نشوة الهذيان فيك،تتحسس نقاط ضعفك بقوة ذاكرة تمتد إلى خروج آدم من الجنة ونزوله الأرض،بعدما ترك النعيم وراءه في مقابلة قدرية مع الشقاء، الماضي حواء حين تغوينا فنعود إليه مستسلمين منقادين، نحاول في جلسة وهمية أن نسترجع لحظة سحرية ،لطالما طاردتنا في حاضرنا مطاردة التائه في الصحراء لسراب قدري بأيادي ذات مخالب مسمومة بنفث الحب الأفلاطوني الذي حيرى العشاق
واستدرجهم إلى هاوية الضياع ...عندما يصبح الماضي صوت أخرس حين تخترق ذبذبات حركاته حاضرنا، بنظرة مغرورة وكلاما لم يعد موجود في قاموس عاطفتي ويعرض عضلاته الصوتية على مسمعي:
- "شريف"،ماهذه المفاجأة ، أنت هنا؟
-أقول في أعماق نفسي:وما تظن نفسها، وحدها من تملك حق العيش في باريس.
-تقول "نورهان" بنبرة ثقة: صباح الخير
-وأرد أنا بوجع هزة: وأنت بألف صباح
ويأخذ الحوار لغة الحرب وتوجه بأسلحتها الفتاكة صوبي وأستعين أنا بمراوغتي الكلامية بمنهج حرب نفسية وأنجح بإفراغ أول رصاصة من تهكمها
لتقول: مرَّت سنين على فراقنا ، من أتى بك إلى هنا؟
- أقول باستهزاء متعمد: الأقدار...!؟
أليست هذه هي الكلمة التي فرقتنا
ترد لتفرغ رصاصة ثانية وثالثة..: إنه المكتوب يا"شريف"
- تحضرني جملة هاربة لـ صاحبة القلم الحساس:" إنَّها أفعال البشر ويلقبونها بالأقدار، ربما ليخفو غموض شرعيتها" وبذلك أفجر مبرراتها بجملة...
- فتهرب من هول الشظايا وتقول: دعك من العتاب وتغتال شخصي وتلغي ذاتي بوهم مخيلتها بسؤال يكون آخر رصاصة بمسدس عجرفتها: لماذا تقبل لنفسك بهذه المهنة البخس،إنها أدنى مهنة في عالم الصحافة...!؟
- أستلم راية ضعفها وأشهر أقوى أسلحتي بجواب هجومي وأصيب عزتها برمية حقيقية موفقة: العمل ليس عيب، العيب أن نرتزق على حساب مشاعر الغير، آه نسيت: كيف حال زوجك البرجوازي؟
الذي باع زوجته الفرنسية وشريكة حياته وسر وجوده...وبقاءه..وأم أولاده، نحن كلنا في الإنسانية إخوة، لماذا تقبلين أن تبني سعادتك على حساب سعادة غيرك، من البداية كان زواج مصلحة.
تقول"نورهان" والانهزام يسدل بأشعته السوداء على بريق كرامتها:آه"شريف"،لازلت كما أنت صريح مهاجم ولا تفكر في العواقب، نعم كان زواج مصلحة وهل تريديني أن أبقى في الجزائر بشهادة صحافة وأعمل بأجر بخس، الموت أهون لي ، إن هذه الحياة معركة والفوز"للقافز" يعني للذكي...
- لازلت لهجتك تحتفظ ببعض الكلمات الشعبية، غريبة هذه الأمثال... إنَّها تلازمنا كصديق وفي وتظهر في اللاشعور، ما ينبئ بأنه لا يزال رمل ترابنا يسبح بطهر في خلجات الذات...لكن وقع الكلمة على مسامع حسي لا تجد لها صدى لأن لحنها به تحريف... إنَّها تخنق كلمة القدر...وستأتي على أنفاسي، وأصرخ وامعتصماه بجحوظ فكري وأطلب النجدة من ذخيرة القواميس فتسعفني مفردة فحلة:" العربي القح" يدخل المعارك بالتَّوكل لا بالتوسل..
ترد وغضب يمزح على وتر ذكائها:تلاحظ كل شيء، تعلق على أتفه شيء وهذا سيجعل الناس تنفر منك، الحقيقة ليست دائما مرغوبة، البعض من المجاملة قد يسهل عيشك، المهم أنا هنا في باريس وصداقتك القديمة تحتل جزء من حياتي، وإن احتجت لأي معروف لاتتردد،أنا هنا في الخدمة إنه من باب نخوة " ولاد لبلاد"....
- ترحل "نور هان" وأرحل أنا إلى عالمي الآخر، أدقق في عاهة العريس، فتبدو أكبر من حجمها، إن "جون تامسون" محظوظ ليفوز بفاتنة مثل "روزا ميلانوا" كما قالت " نورهان" مصلحة،ذكاء اجتماعي ، مؤامرة...
تعددت المصطلحات والقران واحد.....
نعم لقد وجدت رأس الخيط إنها المصلحة ...ومن يجعل فتاة مادية كما عرف عنها أن تقبل بـ " جون تامسون" لكن حسب علمي "جون تامسون" ليس غني ...! إنه اللغز ويجب أن أفك طلاسمه ، المزيد فقط من التدقيق وملاحظة الحضور، آه ماهذا وتثب نظراتي رمحا فتيا وتنطق: هناك بالطَّاولة القريبة مني أشخاص لاتبدو على ملامحهم مظاهر أحد يحضر عرس،بل يظهر للمتأمل بعين الفطنة أنهم على استعداد للهجوم في أي لحظة ، إني أراقب عيونهم والله العيون هذه معجزة إلهية ، إنها تفضح دائما أحوالنا النفسية وتسهل على فضولي مثلي أن يتم مهمته السرية ويمارس في الخفاء موهبته الربانية ، لأقترب منهم قليلا ، ربما أجد في كلماتهم اللاشعورية من يدلني على معرفة حل اللغز...
أقترب أكثر فأكثر ليلتصق طيف جسدي بطيف حذرهم وأقول بصوت مرتفع غير مبالي: صباح الخير ياجماعة والله جلستكم مثيرة وخمركم يدعوني أن أقَبَّل تلك الكأس الفاتنة، هلا سمحتم لي بصحبتكم.
يقول من يتوسط الجلسة ومن تكون يا صاح ؟ هل أنت من أهل العريس أم العروس؟
أرد:أنا من أهل " جون تامسون" إنه ملك هذه الليلة ألا تلاحظ أنه محظوظ وأصحب كلامي بضحكة هستيرية قصيرة جوفاء، لأرطب الجو وأجلب ثقة الجالسين، لطالما كان الضحك بالنسبة لي فلسفة وعلم يحتاج لأكثر من مجهر لتشريحه ودراسته، لكني سرعان ما انسحبت وهمت فجأة في شرود..أناغي نغما قديما وفي قلبي سؤال يلفظ أنفاس الحيرة: أليس الوطن ضحكة ثغر؟ والصبر بلغة بسمة؟ ودرعا لصد سلاح العدو؟ هل هو حبا يجتاحني ويقتلني في لحظة صمت لأنطق بسبعة..؟ يرسم زهرا على شراشف روحي التي غطت على ملامحي وجهي المتشائم...
إني وجها لوجه أمام الموت ، من تكونين يافاتنة عمري ولغزي الذي يبحث عن حل ، من أجلك سأخسر ألف حب إن كان هذا الحب سيبعدني، يا عمري الدمشقي والبغدادي ياروحا تسبح بطهر في قطرات دمي، بيروت أنت أم فلسطين ، إنك أم القرى حين تسجدين للحزن في كبرياء..
تترجلين الخطوات بحثا عن المجهول ، من يرحل في متاهات شوارع مدينتك المدفونة، من يحفر بملامس من بلور على حواف لغزك الذهبي ، القيروان أنت حين توحدين بمخارج متاهاتك الأبواب المخفية ، يا عذراء التاريخ ، يا من جمعت بوجهك الأسطوري ملامح الأجناس البشرية وهمت في جغرافيا العالم وغيرت خارطة التاريخ وجعلت الجبال تتصافح، يا جنينا يتشكل في رحم الحضارة ، منك انطلقت وإليك تعود، القمح سلح نفسه على أرضك الطيبة وناسك بقلب عنيد ومن قال أن التاريخ يكتب سنقرؤك تحت ألف عنوان لأن التاريخ سيعيد نفسه
يا قصيدة لم تكتب بك القصائد محفورة برخام الجدران ، فسيفساء خلابة ورواية مستحيلة بك الأسطورة ترقد بسلام...
من يفهمني ، من يخلع عني الحزن الموروث، من يفك طلاسم خاطرتي ويفقه قافيتي...كتبتك خاطرة لا شعرا ، لأنك بالخاطر تسكنين ، أنت رملا يتبختر يسخر من سراب مجنون ، أنت بحرا قد ينفذ إن كان مدادا لوصف هذياني عاشقك المفتون ، بالسليقة قد أكتب من الممكن أن أبدع إن كان التنظير هو الحل لأبرع سيكون أسلوبي من اليوم...
إني وجها لوجه أمام الموت، أمام طاولة تجمع بين أعدائك ، هم الآن يرتشفون السم الذي بك سيقتلون، نظراتهم الثملة وخطواتهم التي تتبعثر تترك على الأرض جرمهم العفن... كيف السبيل لأسرارهم ،لفض بكارة خلوتهم والشرب من دم تواطئهم...
يهتز جسدي للمرة المليون والنصف مليون ورائي ، فيسحبني الماضي ويجعلني وجها لوجه أمام الموت...

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نادية مداني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/01/20



كتابة تعليق لموضوع : شقراء لرجل أحدب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net