صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (٦)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ* فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}.
   التَّنافس أَو التَّسابق مؤَشِّرٌ على أَربعةِ أَشياء مهمَّة تُشكِّل صُلب عمليَّة البناء والتَّنمية البشريَّة؛
   الشَّيء الأَوَّل؛ هو الحريَّة.
   الشَّيء الثَّاني؛ هو تكافُؤ الفُرص.
   الشَّيء الثَّالث؛ هو سلامة المعايير.
   الشَّيء الرَّابع؛ هو قيَم الحماس والمُثابرة والعزيمة والإِصرار والصَّبر لتحقيقِ الأَهداف.
   وهذه كلَّها يخلقها مبدأ الإِحترام الذي يسود المُجتمع، إِحترام النَّجاحات وتقدير الإِنجازات، والتَّمييز بينَ النَّاس على أَساسِ الإِحسان والإِساءة كما يَقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) في عهدهِ للأَشترِ لمَّا ولَّاهُ مِصر {وَلاَ يَكُونَنَّ الْـمُحْسِنُ وَالْمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَة سَوَاء، فَإِنَّ فِي ذلِكَ تَزْهِيداً لاَِهْلِ الاِْحْسَانِ فِي الاِْحْسَانِ،تَدْرِيباً لاَِهْلِ الاِْسَاءَةِ عَلَى الاِْسَاءَةِ، وَأَلْزِمْ كُلاًّ مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ}.
   فعندما يَكُونُ هناكَ [سابقٌ] يعني أَنَّ هناك آخَرٌ متأَخِّرٌ عَنْهُ، ولا يتحقَّق ذلك إِلَّا بالتَّسابق والتَّنافس، الذي يُشيرُ إِلى الأَشياء الأَربعة الآنفة الذِّكر.
   فلولا أَنَّ المُتنافسينَ يتمتَّعونَ بالحريَّة التي تُمكِّنهم من التَّنافس لما تحقَّق الفوز والخسارة أَو التقدُّم والتأَخُّر، ولذلكَ حرصَ المُشرِّع على تكريسِ قيمة الحريَّة في المُجتمعِ بإِزالة كلِّ العقبات التي تُكبِّل الإِنسان ليتمتَّع الجميع بفُرص التَّنافس كلّاً حسبَ إِختصاصهِ أَو رغبتهِ وطموحهِ.
   فقالَ تعالى متحدِّثاً عن تنظيف الطَّريق من العقباتِ ليكونَ سالكاً إِلى الحريَّة {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
   ثمَّ يدعوهم للتَّنافس بقولهِ {خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}.
   فلا تنافُساً حقيقيّاً قَبْلَ التمتُّع بالحريَّة وتحديداً الإِرادة الحُرَّة ليقدر المُتنافس على إِختيار الإِختصاص برغبتهِ وفِي الزَّمان والمكان المَعلومَين!.
   كما أَنَّ القُدرة على التَّنافس الحقيقي ستختفي من المُجتمع إِذا لم يتمتَّع الجميع بنفسِ الفُرص وفِي كلِّ وقتٍ، فإِذا احتكرت مجموعةٌ ما فُرص التَّنافس فلن يكونَ بإِمكان الجميع المُشاركة في التَّنافس وبالتَّالي فإِنَّ الفَوز والخسارة أَو التقدُّم والتأَخُّر ستكونُ بِلا معنىً حقيقيٍّ لأَنَّها بالتَّزكيةِ والنَّتائج تَكُونُ، بهذهِ الحالةِ، معروفةٌ سلفاً.
   وهذا شرطهُ سلامة معايير التَّنافس، فإِذا حكمت الفُرص معايير الغشّ والرَّشوة والحزبيَّة والمحسوبيَّة فلن يكونَ بإِمكان الجميع أَن يُشاركَ في التَّنافس وتالِياً فستكونُ النَّتائج كذلكَ محسومةٌ سلفاً، إِذ ليسَ بإِمكانِ كلِّ مَن يُشارك في التَّنافس أَن يرشي أَو أَن يكونَ بالضَّرورة محميّاً مِن حزبٍ حاكمٍ مثلاً أَو عشيرةٍ مُقتدرةٍ أَو ما إِلى ذَلِكَ.
   إِنَّ التَّنافس الحقيقي الذي يرفع الكفُوء إِلى المَوقع الطَّبيعي الذي يستحقَّهُ هو الذي يعتمد على قِيَم المُفاضلة الحقيقيَّة من العِلم والقُدرة والكفاءة والخِبرة والنَّزاهة والتَّجربة وسجلِّ النَّجاحات وغير ذلك، أَمَّا التَّنافس الذي معاييرهُ الولاء الحزبي والمُحاصصة فهو تنافسٌ غَير حقيقي وهو ليس أَكثر من مُحاولةٍ من قِبَلهم لذرِّ الرَّماد في العُيون لغُشِّ وخِداعِ الرَّأي العام!.
   وأَخيراً؛ فإِنَّ كلَّ هَذِهِ الأُسس تبقى في مهبِّ الرِّيح وحبرٌ على ورقٍ ومجرَّدُ تنظيرٍ إِذا لم يتمتَّع المُتنافس نفسهُ بالحَماسِ والمُثابرةِ التي بها يحقِّق طموحهُ، فإِذا كان خائفاً من التَّنافس أَو متردِّداً من المُشاركة أَو شاكّاً في قُدُراتهِ أَو يائِساً من إِحتمالِ منحهِ الفُرصة اللَّازمةِ أَو أَنَّهُ يدخل الحلبةَ من دونِ استعدادٍ أَو بِلا عِدَّتِها وأَدواتِها فإِنَّهُ سوفَ لن يحقِّق شيئاً حتى إِذا شارَكَ في المُنافسةِ لأَنَّ المهزُوم داخليّاً [نفسيّاً] والذي لا يتمتَّع بالإِندفاعِ الذَّاتي لن يحقِّقَ نصراً أَو فوزاً ماديّاً على الأَرْضِ أَبداً! وتلكَ هي طبيعة الأَشياء في هَذِهِ الحياة الدُّنيا!.
 لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/05/12



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (٦)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net