صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تأملات في القران الكريم ح425 سورة الجن الشريفة
حيدر الحد راوي

للسورة الشريفة جملة من الفضائل والخصائص , لعل ابرزها ما جاء في كتاب ثواب الاعمال عن الأمام الصادق عليه السلام : من أكثر قراءة قل اوحى لم يصبه في الحياة الدنيا شيء من أعين الجن ولا من نفثهم ولا من سحرهم ولا من كيدهم وكان مع محمد صلى الله عليه واله فيقول يا رب لا اريد بهم بدلاً ولا اريد أن ابتغي عنهم حولاً .

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً{1}

تستهل السورة الشريفة بمخاطبة الرسول الكريم محمد "ص واله" (  قُلْ ) , لهم يا محمد "ص واله" , يختلف المفسرون في الجهة المخاطبة , نذكر ثلاثة اراء :

  1. ان يكون المخاطب عموم الناس على بعض الترجيح .
  2. ان يكون المخاطبين المؤمنين , ليزدادوا ايمانا , اذا علموا ان قوما من الجن استمعوا للقران واجابوا الداعي واسلموا .
  3. ان يكون المخاطب الكافرين , ولذلك فائدتين او حجتين او اكثر :
  • فأنهم يؤمنون بالجن , رغم عدم تمكنهم من رؤيتهم , لكنهم موقنون من وجودهم , أي انهم يؤمنون بما لم يروه .
  •  وايضا كان كهانهم وعرافيهم يعتمدون على الجن في جلب اخبار السماء , فبعد بعثته "ص واله" انقطع ذلك , وهذا وحده كافٍ لان يكون حجة الى ما لدى الرسول الكريم محمد "ص واله" من الحجج والبراهين .     

(  أُوحِيَ إِلَيَّ ) , اخبرت عن طريق الوحي , (  أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ ) , ان رهطا من جن نصيبين في اليمن او هم من نينوى (على اختلاف الاراء) , استمعوا الى قراءتي للقرآن , وكان ذلك وقت صلاة الصبح , (  فَقَالُوا ) , فقال هؤلاء الى قومهم , لما رجعوا اليهم , (  إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً ) , بديعا في الفصاحة والبلاغة , غزير المعاني , حسن ودقيق النظم , بعض المفسرين يرون ان هذا الرهط من الجن هم نفسهم الذين اشارت لهم الآية الكريمة { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ }الأحقاف29 .  

 

يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً{2}

تستمر الآية الكريمة على لسانهم (  يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ) , هذا القرآن يهدي الى الحق والصواب , وهذا الكلام في محل التقرير , (  فَآمَنَّا بِهِ ) , اقرار , صدقنا به , (  وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً ) , بعبادة الله تعالى شيئا .  

 

وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً{3}

يستمر كلامهم في الآية الكريمة مضيفين :

  1. (  وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا ) : تعظيما له جل وعلا , بهذا الخصوص يروي الفيض الكاشاني في تفسيره الصافي وكذلك القمي في تفسيره ( عن الباقر عليه السلام إنما هو شيء قالته الجن بجهالة فحكى الله عنهم وقرئ إنه بالكسر وكذا ما بعده إلا قوله ان لو استقاموا وان المساجد ) .
  2. (  مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً ) : ما اتخذ جل وعلا صاحبة ولا ولدا , كما ادعى اهل الكتاب , فيعلم انهم (أي ألئك الجن) كانوا كتابيين .    

 

وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً{4}

يستمر كلامهم في الآية الكريمة مضيفين (  وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا ) , جاهلنا , او ابليس "لعنه الله" , على اختلاف الآراء , (  عَلَى اللَّهِ شَطَطاً ) , قولا بعيدا عن الحق , ومن قول السفيه الباطل انه جل جلاله اتخذ الصاحبة والولد تعالى عن ذلك علواً كبيراً .  

 

وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً{5}

يستمر كلامهم في الآية الكريمة (  وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً ) , اننا حسبنا ان لا احدا من الجن ولا من الانس كان يكذب بنسبة الصاحبة والولد وغير ذلك اليه جل جلاله , وهذا الكلام منهم في محل الاعتذار . 

 

وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً{6}

يستمر كلامهم في الآية الكريمة (  وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ ) , كان رجال من الانس يستعيذون "يلجئون الى الجن طلبا للحماية والامان" بالجن في اسفارهم , او اذا دهمهم امر مخيف , فمما توارثه التراث العربي , اذا نزل المسافر منهم في مكان قال " أعوذ بسيد هذا المكان من شر سفهائه" , او يلجئون الى الكهان والعرافين طلبا للعلاج او دفع بلية , الى غير ذلك مما هو مدون في التراث العربي الجاهلي , بل وحتى غير الجاهلي ! , (  فَزَادُوهُمْ رَهَقاً ) , كبرا وعتوا وطغيانا .   

 

وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً{7}

يستمر كلامهم في الآية الكريمة (  وَأَنَّهُمْ ) , أي الانس , (  ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ ) , ايها الجن , ويصح العكس , (  أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً ) , بعد النبي والمرجح عيسى "ع" . 

 

وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً{8}

يستمر كلامهم في الآية الكريمة (  وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء ) , التمسنا بلوغها او طلبا لاستراق السمع , (  فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً ) , فاكتشفنا ان السماء قد ملئت بالحرس الشديد من الملائكة , والشهب المحرقة , يرى بعض المفسرين ان ذلك كان بعد بعثته "ص واله" .  

 

وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً{9}

يستمر كلامهم في الآية الكريمة (  وَأَنَّا كُنَّا ) , قبل مبعثه "ص واله" , (  نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ ) , مواضع خالية توفر لنا استماعا جيدا , وذلك قبل الحرس الشديد والشهب , (  فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً ) , اما الان , فمن يحاول منا ان يسترق السمع , يرصده شهابا , فيحرقه .  

( عن الصادق عليه السلام في حديث يذكر فيه سبب أخبار الكاهن قال وأما أخبار السماء فإن الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك وهي لا تحجب ولا ترجم بالنجوم وإنما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الارض سبب يشاكل الوحي من خبر السماء ويلبس على أهل الارض ما جاءهم عن الله لإثبات الحجة ونفي الشبهة وكان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث من الله في خلقه فيختطفها ثم يهبط بها إلى الارض فيقذفها إلى الكاهن فإذا قد زاد كلمات من عنده فيختلط الحق بالباطل فما أصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به فهو ما أداه إليه شيطانه مما سمعه وما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه فمذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .   

 

وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً{10}

يستمر كلامهم في الآية الكريمة (  وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ ) , انا لا نعلم حقيقة الامر , ان كان الله تعالى اراد شرا بسكان المعمورة , (  أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً ) , ام اراد جل وعلا بهم خيرا , هذا الكلام انطوى على عدة معاني خفية واغراضا خاصة , منها :

  1. اشعاراً لقومهم بصورة مبطنة , ان من اختار طريق الكفر والضلال , سيحيق به الشر والهلاك , اما من اختار طريق الهداية , فلا ينال الا الخير .
  2. اعترافاً وتقريراً ان الجن لا يعلمون الغيب , او خوافي الامور , من قبيل الآية الكريمة { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ }سبأ14 .     

 

وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً{11}

يستمر كلامهم في الآية الكريمة (  وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ ) , ذوي صلاح , ابرار , متقون , (  وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ ) , أي غير صلحاء , لاحظ في كلامهم انهم لم يقولوا "ومنا فاسدون او كافرون او ضالون...الخ" , بل اكتفوا بـ (  وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ ) تأدبا او ملاينة لقومهم , (  كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً ) , مذاهب ومسالك مختلفة . 

 

وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً{12}

يستمر كلامهم في الآية الكريمة (  وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ ) , علمنا اننا لسنا فائتين , اين ما كنا في الارض , (  وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً ) , ولا هربا في السماء , يدركنا الله تعالى اينما هربنا وتوجهنا .  

 

وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً{13}

يستمر كلامهم في الآية الكريمة (  وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ ) , هدي القرآن والرسالة , آمنا وصدقنا به انه من عند الله تعالى , (  فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ ) , فمن آمن بالله تعالى يضمن له :    

  1. (  فَلَا يَخَافُ بَخْساً ) : فلا يخاف نقصان ثوابه . 
  2. (  وَلَا رَهَقاً ) : ولا ترهقه الذلة , او ان يزاد في عذاب لا يستحقه .   

 

وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً{14}

يستمر كلامهم في الآية الكريمة (  وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ ) , الخاضعون لله تعالى , المنقادون اليه جل وعلا , (  وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ ) , ومنا الجائرون بالكفر والطغيان , (  فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً ) , فمن اسلم منا , فأولئك توخوا الرشد والصواب , ما يبلغهم الثواب الجزيل في دار الجزاء , او كلا الدارين على اراء اخرى , كون الايمان بالله تعالى لا يختص ثوابه وخيره في الاخرة فقط , بل يشمل الدنيا ايضا , كما اشارت الى ذلك بعض الآيات الكريمة , من قبيل (  وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً{16} ) .    

 

وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً{15}

يستمر كلامهم في الآية الكريمة (  وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ ) , الجائرون والطغاة و الخارجون عن طريق الحق , (  فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً ) , أي يحرقون فيها , أو توقد بهم نار جهنم . 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/05/24



كتابة تعليق لموضوع : تأملات في القران الكريم ح425 سورة الجن الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net