صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (٢٦)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   {اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.
   هذا يعني أَنَّهُ من المستحيلِ أَن يتَّفقَ النّّاس على كلِّ شَيْءٍ في هذه الحياةِ! فالكثيرُ من الأَشياء التي نختلف عليها لن نصلَ فيها إِلى نتيجةٍ ترضى بها كلِّ الأَطراف.
   بمعنى آخر، فإِنَّ الإِختلاف في الرَّأي سيَستمر معنا كلَّ حياتنا ولن ينتهي أَبداً في هَذِهِ الحياة! حتَّى يحكمَ الله تعالى بهِ في الْيَوْم الآخِر!.
   فإِذا كان الأَمرُ كذلك فلماذا، إِذن، نتخاصم ونتقاطع ونتشاجر على كلِّ قضيَّةٍ نطرحها للنِّقاش؟!.
   لماذا لا نترك المساحات المُختلف عليها ونلتزم بالمُشتركات؟!.
   إِذا كانت بعض القضايا تشبهُ قضيَّة القِبلة التي حدَّثنا عنها ربُّ العِزَّة بقولهِ {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ۚ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ۚ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ} فلماذا نصرُّ ونلحُّ لإِقناع الآخر بكلِّ وجهاتِ النَّظر التي نتبنَّاها؟!.
   إِنَّ أَيَّ حوارٍ مع الآخر تنقسمُ نتائجهُ إِلى ما يلي؛
   *فقسمٌ يتمُّ الإِتِّفاق عليهِ، وهذا شيء حَسن.
   *وقسمٌ يمكنُ الذِّهابُ بهِ إِلى مُنتصفِ الطَّريق من خلال تقليصِ نقاط الخلاف، فكلُّ طرفٍ يتنازل عن شَيْءٍ من قناعاتهِ للتوصُّل إِلى نِصف حلُولٍ أَو إِتِّفاق، كما يقولُون، وهذا، كذلكَ نصفُ حَسن، وهو بحاجةٍ إِلى مرونةٍ من الطَّرَفَينِ.
   *وقسمٌ لا يمكنُ بل من المُستحيل الإِتِّفاق عليهِ وهذا سببهُ، رُبما، طبيعةُ الإِنسان بشَكلٍ عام، كما يصفهُ القرآن الكريم {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} فهو لا يرغبُ بل يرفضُ رفضاً باتّاً أَن يخسر كلَّ شَيْءٍ في الحوار، ولذلك يتشبَّث بذَيلِ الحديث في نِهاية المطاف حتَّى لا يُقالُ عَنْهُ أَنَّهُ خسِر كلَّ شَيْءٍ! وبالتَّالي فسيلاحقهُ العار جيلاً بعد جيلٍ!.
   يَقُولُ تعالى عن هَذِهِ الصِّفة البشريَّة {قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ}.
   فكلُّ واحدٍ منَّا [قافل] على جزءٍ من قناعاتهِ وهو يعرفُ جيِّداً أَنَّها خطأٌ لأَنَّ كرامتهُ لا تسمح لَهُ بأَن يتنازل عن كلِّ شَيْءٍ!.
   ذاتَ مرَّةٍ كنتُ أُحدِّث أَحداً في أَمرٍ ما بالأَدلَّةِ والإِثباتات والبراهين العقليَّة والنقليَّة، وعندما انتهيتُ من كلامي، سأَلتهُ؛ ما رأيك؟! أَجابني على الفَور وحتَّى من دونِ أَن يُناقش الفِكرة أَو يأخُذ ويعطي معي كما يقولُون؛ كلامك هذا دَخَلَ من أُذُني اليُمنى وخرجَ من أُذُني اليُسرى!.
   آخر قال؛ إِذا تتصوَّر أَنَّ بإِمكانكَ أَن تقنعني فأَنت على خطأ!.
   عندها فهمتُ أَنَّهُ [قافل] يحملُ في ذهنهِ أَحكاماً ومواقف وآراء مُسبقة من غيرِ المُتوقَّع أَنَّهُ سيُغيِّرها فيتنازلَ عنها!.
   طبعاً لا ننسى فإِنَّ بعض النَّاس يرفض الإِصغاء، مجرَّد الإِصغاء! حتَّى لا يضطرَّ إِلى أَن يغيِّر قناعاتهِ! أَي أَنَّهُ يخشى النِّقاش خوفَ التأَثُّر الذي قد يحرِّضهُ ويُجبرهُ على تغييرِ قناعاتهِ! وشعارهُ [الباب التي تأتيكَ مِنْهُ الرِّيح سدَّها واستريح].
   يحدِّثنا القرآن الكريم عن هذا النَّوع من النَّاس بقولهِ {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}.
   وإِنَّ أَكثر هذا النَّوع من النَّاس هم الذين يعبدُون [القائد الضَّرورة] و [الزَّعيم الأَوحد] فهؤلاء الهتَّافين والمُطبِّلين يتحاشَون الحِوار خَشية التأَثُّر!.
   ولا ننسى ما للشَّيطان من دورٍ في تعميقِ الخِلافات وإِثارة النَّعرات وتشويهِ الحقائق ليخلط الأُمور فيدخل النَّاس في دوَّامةِ النِّقاشِ العقيمِ!.
   يَقُولُ تعالى {قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ* قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}.
   إِنَّ الشَّياطينَ ليثيرُون الفِتن في الجماعاتِ الضَّعيفةِ المهزوزةِ من خلالِ أَوليائهم كما يصفُ لنا القرآن الكريم بقَولهِ {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ۖ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}.
   فكم من مشروعٍ إِنهار لأَتفهِ خلافٍ بين المُشرفين عليهِ! كانَ يمكنُ تجاوزهُ بسِعةِ الصَّدرِ وتحمُّلهم لبعضهِم بعيداً عن العصبيَّة والتعصُّب الأَعمى؟! وكم من إِجتماعٍ تحوَّل إِلى عراكٍ بالأَيدي والأَرجل ورُبما بالسِّلاح أّعقبتهُ قطيعةً طويلة الأَمد لأَتفهِ خلافٍ في وُجهات النَّظر بَين الحاضرين!.
     


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/05/31



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (٢٦)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net