صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

الضفة الغربية في مواجهة يهودا والسامرة
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لم يأتِ المستوطن الصهيوني والجندي الإسرائيلي والسفير الأمريكي المتطرف لدى الكيان الصهيوني ديفيد فريدمان بجديدٍ في تصريحاته الأخيرة حول الضفة الغربية، إذ شجع فيها الحكومة الإسرائيلية على ضم أجزاء منها، وسلخها عن المناطق الفلسطينية، وبسط السيادة الإسرائيلية عليها، والاعتراف بها جزءً من الكيان، لا تتخلى عنها ولا تفرط فيها في أي مفاوضاتٍ قادمةٍ، ولعل دعوته الوقحة هي أحد أهم بنود صفقة القرن الموهومة، حيث تشير أغلب التسريبات الأمريكية وغيرها إلى نية الحكومة الإسرائيلية التي تعذر تشكيلها، إلى عزم سلطات الاحتلال التدرج في ضم مناطق من الضفة الغربية إليها، على أن تبدأ بالمستوطنات الكبرى وما يتبعها من مواقع عسكريةٍ وطرقٍ التفافية، تمهيداً لإعلانها كلها جزءً من أرض "دولة إسرائيل".

هذه الأفكار الصهيونية ليست جديدةً على القادة السياسيين والعسكريين والكتاب والمفكرين وغيرهم في الكيان الصهيوني، إذ أنهم يكشفون من حينٍ لآخر عن نواياهم، ويسفرون عن رغبتهم في بسط كامل سيادتهم على الضفة الغربية، ودفع دول العالم إلى الاعتراف بها جزءً من كيانهم، فهذا حلمٌ قديمٌ يراودهم، وأملٌ يتجدد ويعيش معهم، وهي أفكارٌ قديمة ومخططاتٌ موجودة، تنسجم مع توراتهم وتتوافق مع تلمودهم، إذ أنهم يعتبرون أن الضفة الغربية التي يطلقون عليها اسم يهودا والسامرة، هي قلب كيانهم ونواة دولتهم، فهي قلب ممالكهم البائدة، وفيها كانت حواضرهم القديمة ومدائنهم الزائلة، وفيها عاش أنبياؤهم وحكم ملوكهم، وفيها دفنوا وبني على قبورهم مقاماتهم.

ولأن أحلام الإسرائيليين الحقيقية وأطماعهم القديمة والجديدة هي في الضفة الغربية، فإنهم يعلمون ليل نهار، في العلن والصمت والخفاء، بالقوة وبالحيلة، وبالمصادرة أو بالشراء، للاستيلاء على المزيد من أراضي الضفة الغربية، التي باتت تشكل فيها الكتل الاستيطانية وغيرها أكثر من 40٪، وهي نسبةٌ آخذةٌ في التوسع والازدياد على حساب الممتلكات الشخصية للمواطنين الفلسطينيين، وقد ساعدتهم في استقرار مشاريعهم ونجاح مخططاتهم اتفاقيةُ أوسلو للسلام، إذ في ظلها تضاعف الاستيطان أضعافاً كثيرة، وزادت نسبة الأراضي المصادرة بدرجةٍ عاليةٍ جداً، مرةً بحجة الاستيطان، وأخرى بسبب الجدار الأمني، وغيرها لحاجاتٍ عسكرية وضروراتٍ أمنية وتسهيلاتٍ معيشية.

ولأن الحكومة الاسرائيلية تعرف أن الضفة الغربية هي قلب مشروعها الاستيطاني، ومحط أطماع أجيالهم، فإن جيشها وأجهزتها الأمنية يعلمون بكل قوة، ويتحركون بأقصى سرعة للقضاء على كل بادرة مقاومة، وتفكيك كل خلية عسكرية، واعتقال كل مجموعة تنظيمية وإحباط مخططاتها، ومصادرة كل قطعة سلاحٍ أياً كانت نارية أو بيضاء، ذلك لأنها تعلم يقيناً أن النار إذا اشتعلت في الضفة الغربية وجبالها، فإنها ستحرقها وستأتي على كيانها، وستقوض أساس مشروعها، ولهذا فهي تتمسك بالتنسيق الأمني وتحرص عليه ولا تفرط فيه، ذلك أنه بالنسبة لها أنجع وسيلةٍ لضبط الضفة الغربية، ومنع نشوء مقاومة فيها، أو تشكيل خلايا ومجموعات عسكرية تهدد أمنهم، وإلا فإنهم سيجدون أنفسهم مضطرين لمساكنة الخوف، والعيش في ظل تهديد المقاومة.

أما كيف يمكننا مواجهة المخططات الإسرائيلية، والتصدي للمؤامرات الأمريكية المكشوفة والمفضوحة، والآخذة في التمادي والوقاحة، فليس إلا الوحدة الفلسطينية، والاتفاق على برنامجٍ وطني نضالي جامعٍ وموحد، يحفظ الأرض، ويحصن الحقوق، ويصر على عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني، ويرفض التفاوض معه أو القبول به، ويستعيد الرهبة والاحترام إلى القضية الفلسطينية، التي كانت بثوابتها أقوى، وبتماسكها أصلب، حيث كانت موضع الإجماع في الأمة، ومحط التضحية والجود والعطاء بين أبنائها.

حينها ستكون الضفة الغربية وجبالها، ومدنها وبلداتها، وقراها ومخيماتها، أقوى سلاحاً في مواجهة خرافة يهودا والسامرة، وأكثر ثباتاً أمام رواياتهم الكاذبة وأساطيرهم الواهية، وأشد مقاومةً لمخططاتهم الخبيثة ومشاريعهم الاستيطانية الكثيرة، فالضفة الغربية قويةٌ برجالها، عظيمةٌ بأبنائها، زاخرةٌ بمقدراتها، عظيمةٌ بتضحياتها، معطاءةً بدمائها، فلن تسمح لصهيونيٍ حاقدٍ بأن يمس كبريائها، أو يزور هويتها، أو يصادر تاريخها ويغير حقيقتها، فالضفة الغربية في القلب من فلسطيننا، وفي مقدمة ثوابتنا، وهي أساسٌ في ثورتنا، وعمادٌ أصيلٌ في نضالنا، تتصدى لهذا الدعي وتسكته، وتواجه غيره وتلجمه، وستفاجئ بمقاومتها العدو وتربكه، فتحيةً إلى رام الله وخليل الرحمن، وإلى مدن الشمال ومهد الثورة جنين، وإلى بيت لحم وجبل النار، ومنهم إلى فلسطين كلها، شمالها وجنوبها وغزة عزتها والقدس عاصمتها.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/06/10



كتابة تعليق لموضوع : الضفة الغربية في مواجهة يهودا والسامرة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net