موقف الحيدري من الدين
حسين المياحي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كنت فيما مضى قد ناقشت (بدعة) الحيدري في جواز التعبد بجميع الأديان والمذاهب، وأثبت بالأدلة القرآنية أنها مخالفة بشكل فاضح للقرآن الكريم، وبديهيات الإسلام وأصوله وضرورياته.
ثم واجهت كلمة أخرى له في مقطع في ذات السياق، فنشرتها تتميماً للفائدة، لكنني فوجئت أن بدعته المذكورة لا تزال عالقة في بعض الأذهان.
لذلك رأيت من المناسب أن أكتب خلاصة ما في المقطع، مع بيان المغالطات التي أثارها:

يقول الحيدري ملخصاً:

(هناك مئات الأديان، إن لم نقل الآلاف... بينك ما بين الله، من أين عرفت أن الذي أنت عليه هو الحق، وما عداه باطل؟ هل تقول: عرفت بالدليل أن ما أنا عليه حق، وغيره باطل؟ والله إنه جهل مركب، سبعين مركب، هو أنت أسماءهن ما تعرفهن. نعم، قل: بحسب ما أستطيع، هذا الدليل أوصلني إلى هذا ... تواضع أعزائي... بينك ما بين الله لماذا البوذية باطلة؟ ماذا تعرف عن البوذية؟ هل تعرف من هو بوذا؟ وهل كان نبياً او لا؟ ومن قال: إنه ليس بنبي؟)

ثم يورد كلاماً غريباً حقاً فيقول: ( ولذلك لو طلب من الإنسان أن يعتقد بدين بالدليل، اطمأنوا يكون تكليفاً بما لا يطاق)..

ثم يبين أن من يطلع على بعض الأديان فسوف لن يستقر على دين، لوجود أدلة صحيحة عند جميع الأديان. وهذا ما يحصل بنسبة تسعين في المئة إن لم نقل مئة في المئة.

ولا بد أن نقف هنا عند مجموعة من القضايا التي تساعدنا على مناقشة كلامه، وهي:

١. هل هذا الكلام صادر من (محايد) أو (متدين بدين)؟
والفرق بينهما أن المحايد لا يؤمن بدين، ولا يعنيه ما هو حق أو باطل، أما المتدين فلا بد أنه يرى أن دينه هو الحق، وما عداه باطل، وإلا كيف انتسب إليه؟ 
قد تقول: أخذه بالتوارث، والتوارث بحد ذاته دليل على المعتقد، بغض النظر عن كونه دليلاً صحيحاً او فاسداً.
فالمشرك في زمن النبي ص احتج لدينه بعبادة الآباء والأجداد، وهو يرى هذا دليلاً صحيحاً على دينه، فهو ليس محايداً، إنما منحاز لدينه. فيصر على أن دينه هو الصحيح.
أما (اللاديني) فيرى أن جميع الأديان سواء، وهو خارج دائرتها، لا يعنيه باطلها من حقها.

ونحن أيضاً نسال الحيدري: هل أنت (محايد لا ديني) أو تؤمن بدين؟ 
إن كنت محايداً لا دينياً ولا تعنيك الأديان، فكلامك صحيح بلا إشكال، وإن كنت تؤمن بدين بعينه فهذا يقتضي منطقياً أن ترى دينك هو الحق، كما هو الحال في كل من ينتمي لدين.

٢. هل أن الدين (صناعة بشرية) كما يقول اللادينيين؟ أو هو نظرية إلهية كما تقول الأديان السماوية؟
فمن كان يرى أنه صناعة بشرية فلا شك أنه لا يرى فرقاً بين دليل البوذي ودليل الهندوسي أو المسلم، أما من يرى أن مصدر الدين هو الله، فيلزمه أن يعتقد أن كل دين غير دين الله باطل.
فمن أي الحزبين أنت؟

٣. هل أن الدين (اختيار خاص) من الإنسان؟ بحيث يختار أي الأديان يشاء بحسب ما يراه من دليل؟ أم انه خارج اختياره؟ بمعنى أن هناك من يرسم له مسار الدين وعليه أن يسير فيه بلا خيار في انتخاب غيره؟
فاللادينيون بشكل عام يقولون بحرية اختيار الإنسان لأي دين يشاء، أما من يرون أن هناك قوة اخرى هي المسؤولة عن تحديد الدين للإنسان، فلا يرون له اختياراً.

٤ - قوله: من أين عرفت أن ما انت عليه هو الحق ... جوابه مختلف من شخص لآخر، فالمسلم يقول: عرفته بالسماع والنقل من محمد، وعندي أن محمداً صادق لا يكذب، فأين وجه الجهل المركب في هذا الكلام؟
سيقول الحيدري: إنه أخذه عن الآباء والأجداد والمحيط، وليس بالدليل. نقول: هذا الأخذ بحد ذاته دليل ناهض وصحيح، لأنه يرى أن النقل تواتر عن رجل صادق، فصدّق به. فهل هذا جاهل مركب؟

٥. هل أنت تؤمن بالقرآن أم لا؟ إن قلت: لا، فكلامك الفائت صحيح. ولا كلام لنا معك. وإن كنت تؤمن به، فالقرآن هو الذي قال لنا: هذا صحيح وهذا باطل، فيكون ميزان الحق والباطل لمن يؤمن بالقرآن هو القرآن نفسه. فما معنى تساؤلك بعد ذلك عمن أخبرنا بالحق والباطل؟

٦. إذا كان التكليف بالدليل تكليفاً بما لا يطاق، فالقرآن الكريم حث العباد على التفكر والتدبر والبحث عن الأدلة، وساق بنفسه الادلة ، فهل كلفنا بما لا يطاق؟ 
الجواب كما في السابق: فقول من يؤمن بالقرآن شيء ومن لا يؤمن به شيء آخر.

والنتيجة: أن كلام الحيدري إن كان صادراً ممن لا يؤمن بدين، ولا قرآن، ولا نبي، ويرى أن الأديان كلها من صنع البشر، وأن الدين بالاختيار، إذ كلها متساوية، ولا دليل يرجح على دليل، فكلامه صحيح مئة بالمئة. ومن يؤيده في كلامه هذا عليه أن ينزع الربقة من القرآن والإسلام، وهذا من حقه.

وإن كان صادراً ممن يؤمن بذلك كله، فهو النفاق بعينه، إذ يلزمه التناقض الفاضح، فكيف يؤمن بالقرآن ومحمد ويعتقد جازماً بأن هذا هو الحق، ثم يسأل مشككاً: من قال إن هذا هو الحق؟
فليختر الحيدري ومن يؤيده في كلامه الكفر أو النفاق، وفي رأيي اختيار الكفر أفضل، لأنه سيكون صادقاً مع نفسه ومع غيره بخلاف المنافق.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسين المياحي

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/06/13



كتابة تعليق لموضوع : موقف الحيدري من الدين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : خالد علي ، في 2019/06/13 .

الذي يفهم من كلام السيد الحيدري انه يقول ان الانسان اذا كان عنده دليل على دينه الذي يدين به فهو معذور اي دين كان.. وهذا الكلام لاغبار عليه.. أما انك تضع الحيدري بين خيارين اما الكفر او النفاق فقد جانبك الصواب في هذا الحكم لان السيد لم ينكر ان الدين الإسلامي هو الحق وإنما أعطى عذر للمتدين بدين اخر مع وجود الدليل عند هذا المتدين على صحة دينه وشتان بين الأمرين ياسيدي




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net