وأنت تستمع الى أحد "الرفحاويين" وهو يروي قصة ذلك المعسكر البائس في صحراء "السعودية" -تقرأ مأساة عراقية للناجين من المقابر الجماعية، فتستعبر وتذرف بعض الدموع لتمتزج بالصور الموثقة، فترجع بك الذكريات الى تلك اﻷيام العصيبة من تاريخ أتباع أهل البيت عليهم السلام في ظل تلك الحكومة القاسية الظالمة.
تواصل البحث عن "رفحاء" فتسمع طبالاً وزماراً يعزف: "لامساس" من رفحاء، فتقرأ واحدة من ألف ليلة وليلة تروي ترف العيش، والحياة في "أوربا" وجنات تجري من تحتها الأنهار، وحور وقصور، فتقصر الطرف وتصدق التحسف على ماذرف من دميعات على مأساة يوحى إليك إنها خيالية!!
تواصل البحث لتجد من السادة والمشايخ من يشدد الأعتذار لرفحاء وأنه تجنى عليها ببعض كلمات خدعها التضليل، فتظل -من مجموع ذلك- تائهاً في فتنة يحار فيها الحليم.
من المفترض أن يكتنف الغبار ذلك الجو الصحراوي لرفحاء، لكن واقع قصة المحتجزين فيه -إضافة للغبار- أكتنفتها ضبابية كثيفة أقتضتها منطلقات المحب الغال والمبغض القال.
لكن كفة الإعلام الملون لابد أن تكون راجحة لعدم الحريجة لأصحابها في الدين، فتبقى صيحات المدافعين مبحوحة لإرتفاع أصوات المكاء والتصدية.
أساليب شيطانية ملتوية تطرق الكذب وتطرق حتى يقسى فيكون كالمسلمات يتهم منكرها بالسفاهة فينزوي صامتاً وهو يستمع ألوان الأفتراء وتفنى علاته للرد والدفاع عن الحقيقة.
أرتفعت الأصوات -هذه الأيام- منددة بقانون "رفحاء" وأمتيازات "الرفحاويين". قاد الحملة بعض النواب وبعض الإعلاميين، وكأنهم تحالفوا على ذلك، كانت إمتيازات "الرفحاويين" المبالغة لاتحتاج الى مبالغة، لم يتحر أو يراع فيها الأنصاف والحقيقة، وكانت للحملة أغراضاً مجهولة أو مشبوهة، ومن العجيب أنها إستهدفت من بين الفئات المستفيدة من الأمتيازات المبالغة "الرفحاويين" فقط دون غيرهم، حتى روج لوجود قانون خاص بهم سمي بقانون "رفحاء"، إلا إن الصحيح مخالف للمدعى.
صدر قانون مؤسسة السجناء عام 2006 وحدد الإمتيازات وشمل بها السجناء والمعتقلين السياسيين، وتم تعديل القانون عام 2013 ليشمل بالإمتيازات المحتجزين في معسكر رفحاء السعودي، أي إن إمتيازات "الرفحاويين" سبقهم إليها السجناء والمعتقلون السياسيون، كما يتمتع بمثلها ذوي ضحايا عمليات الأنفال، والمحتجزون من أهالي بلد والدجيل في مجمع -أو معتقل- "ليا" في صحراء السماوة، وغيرهم من الفئات.
مرر تعديل قانون مؤسسة السجناء بإضافة محتجزي "رفحاء" إليه بصفقة واحدة مع إقرار إطلاق رواتب تقاعدية للكيانات المنحلة للنظام السابق والتي شملت الجيش والقوى والأجهزة الأمنية والقمعية مع قول بشمول فدائيي صدام.
لاتختلف إمتيازات "رفحاء" عن غيرهم فلماذا الأصرار على قيادة الحملة ضدها؟
هل لأن مؤسسة السجناء السياسيين وجدت أن إمتيازات "الرفحاويين" نافست إمتيازاتهم وأرهقت تخصيصاتهم؟
هل لأن "الرفحاويين" هم المشاركون في الإنتفاضة الشعبانية؟ وإن هناك من يحمل الأضغان واﻹحن ضد الإنتفاضة؟
هل تم تمرير قانون التعديل ليمرر أقرار رواتب الكيانات المنحلة ثم يتم الإلتفاف في وقت آخر لإلغاء التعديل فتبقى رواتب تلك الكيانات دون مساس؟
هل أثيرت هذه الضجة للتشويش على ما أشارت إليه المرجعية الدينية من ضرورة "تبني مقترحات لمشاريع قوانين ترفع الى مجلس النواب تتضمن إلغاء أو تعديل القوانين النافذة التي تمنح حقوق ومزايا لفئات معينة يتنافى منحها مع رعاية التساوي والعدالة بين أبناء الشعب"؟ ذلك لصرف الأنظار عن الإمتيازات التي يتمتع بها النواب والوزراء وفئات من السياسيين.
تم تزوير إستفتاء بإسم المرجعية الدينية بخصوص إمتيازات "الرفحاويين"، وتم تكذيب ذلك الإستفتاء من مكتب سماحة السيد المرجع.
إن تكذيب الأستفتاء لايعني بالضرورة إن المرجعية الدينية تؤيد تلك الإمتيازات أو غيرها أو إنها بالضد منها أو أنها المقصودة ببيانها، لكن القدر المتيقن أن المرجعية أشارت الى إمتيازات المسؤولين صراحةً إذ شدد السيد المرجع -غير مرة- على أهمية تحقيق العدالة في منح رواتب موظفي الدولة، فيما إنتقد التفاوت الفاحش الحاصل في سلم الرواتب.
هل كان التشويش لصرف النظر عن التقصير وعدم رفع الحيف عن مستحقات ذوي الشهداء وكثير من طبقات المجتمع العراقي المحرومة والمسحوقة؟
هل كان الغرض من منح تلك الإمتيازات المبالغة هو التأسيس لشرخ بين فئات المجتمع العراقي؟
في الوقت الذي تقاد فيه حملة ضد أمتيازات "الرفحاويين" يتم الحديث عن مقترح لشمول المعتقلين في سجون الإحتلال الأمريكي!! ولاتخفى تداعيات أقرار ذلك وتداعيات آخرى عن المشمولين به.
إن كثيراً مما أشيع عن إمتيازات "الرفحاويين" هي إفتراءات مضللة لاتستند إلا الى مغالطات وإن تلك الإمتيازات لاتفرق عن إمتيازات السجناء والمعتقلين السياسيين وغيرهم.
كما إن هناك إمتيازات مبالغة لفئات كثيرة ليس من الإنصاف إن تستهدف فئة منها بعينها دون غيرها دون مبرر ظاهر، بل الإنصاف أن يعاد النظر بإمتيازات جميع تلك الفئات على حد سواء وبالأخص منها إمتيازات المسؤولين والتي هي القدر المتيقن مما أرادته المرجعية الدينية.
ومن الإنصاف أن تمنح بعض الأمتيازات لفئات أخرى مستحقة كذوي الشهداء وضحايا العمليات الأرهابية وغيرهم.
لا أريد الشد والجذب في تأييد أي من أقوال المؤيدين والمعارضين لكن كثيراً من أقوال المعارضين تضمنت مبالغات كثيرة أكثر من المبالغة في الإمتيازات الموجودة في الواقع، ولايعني ذلك التأييد لذلك، لكن إستثناء "الرفحاويين" دون غيرهم غير منصف. فلا يمكن بحال أستثناءهم، فلو تتبعت بتجرد وإنصاف لوجدت مايماثل أي من تفرعات وتفاصيل قضيتهم مع تفرعات وتفاصيل فئات اخرى غيرهم، فإن كان ثم إعتراض على ما منحوا من أمتيازات فينبغي أن يوجه الأعتراض ويتم السعي الى إلغاء أو تعديل كل القوانين التي تمنح إمتيازات لفئات معينة لتكون -حينئذ- فئة "الرفحاويين" أحدى تلك الفئات لامقصودة بذاتها.
تعرض "الرفحاويين" الى حملة شعواء قاسية ظالمة فسعى الإعلام المنحرف الى تشويه صورتهم أمام المجتمع العراقي.
الأنصاف: أن تتحرى الدقة والموضوعية والتجرد وعدم أطلاق الأتهامات دون دليل واضح بين.
الأنصاف: أن تشمل جميع الفئات بإلغاء أو تعديل القوانين التي تمنح أمتيازات مبالغة.
الأنصاف: أن تمنح الفئات المحرومة بعضاً من تلك الإمتيازات.
الإنصاف: أن تشمل العدالة والمساواة الجميع.
المطلوب: تنفيذ مطلب المرجعية الدينية العليا والتحري عن المقصود ب"تبني مقترحات لمشاريع قوانين ترفع الى مجلس النواب تتضمن إلغاء أو تعديل القوانين النافذة التي تمنح حقوق ومزايا لفئات معينة يتنافى منحها مع رعاية التساوي والعدالة بين أبناء الشعب".
وهو مطلب أغفل النظر فيه والإلتفات إليه وهو على حد تنصل المسؤولين من إلتزاماتهم، والذي ستكون نتيجته عواقب غير محمودة فيما يتوقع من وجه المشهد.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat