صفحة الكاتب : جعفر المهاجر

حرب وسجن ورحيل-57 / اعوام ما بعد الحرب - 2
جعفر المهاجر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

توالت الفصول المأساوية بعد تلك الحرب وأخذت تأخذ بخناق الشعب العراقي وخاصة طبقاته المحرومة  وتدمر كل مايصبو أليه الأنسان ليعيش حرا آمنا  يمتلك أدنى قدر من الكرامة في وطنه الذي يعتبر من  الدول الغنية في العالم ويحتل المركز الثاني في أحتياطي البترول.

منذ   أيلول  عام 2002 توالت فرق التفتيش الدولية على العراق بعد تلك الهزيمة العسكرية الساحقة التي مني بها النظام وفرض شروط الأستسلام عليه في خيمة صفوان  لتجوبه شرقا وغربا وشمالا وجنوبا وتدخل في كل مكان ترغب بتفتيشه بعد أن أصبح العراق بلدا فاقدا للسيادة تماما و مباحا بأجوائه وأرضه ومياهه وخاضعا للأوامر الأمريكية  وقد  صرح    (هانز بليكس )الرئيس التنفيذي للجنة الأمم المتحدة للمراقبة والتفتيش والتحقيق (أنموفيك )   قائلا: (لن يكون هناك أي موقع محصن من الزيارة في العراق فور بدء عمليات التفتيش . )   وقد تم له ماأراد وبدأت فرق التفتيش  تترى على أرض العراق وكان (باتلر ) وفرقه و(أكيوس ) وفرقه والياباني (هيرو يوكي )وفريقه وغيرهم الذين   وصل  عددهم بالمئات  يذهبون ألى أي مكان يرغبون في تفتيشه بصورة مفاجئة ولعدة مرات بمعزل تام عن السلطة الحكومية أو الخبراء العراقيين . وخضعت القصور الرئاسية والوزارات وحتى غرف نوم الرئيس ( المنتصر  ) حفيد نبوخذ نصر والقعقاع  ألى تفتيش دقيق. ولم يسلم أي مكان في العراق  من التفتيش وكانت الصور تلتقط والكامرات توضع  رغم الضجة المفتعلة التي كان النظام يثيرها بين آونة وأخرى بالأيعاز ألى أزلامه ليقوموا ب(مظاهرات ) و (أحتجاجات )   ضد  تلك الفرق والطلب منها بالخروج  من أرض العراق وكان كل ذلك للأستهلاك المحلي ولم يكن له أي تأثيرصعيد الواقع. واستمرت تلك العمليات حتى شهر كانون الأول عام 1998 ثم  عودة مجموعات أخرى من المفتشين مرة  أخرى ألى ماقبل سقوط الدكتاتور عام 2003 بيومين .  وقد تم  تفتيش مئات المواقع المدنية والعسكرية  في طول البلاد وعرضها ومن أبرزها معامل ومصانع لصنع المتفجرات واللقاحات  والأسمنت والفوسفات في بغداد والقائم  وشركة الفرات للصناعات الكيمياويه وكل  معامل التصنيع العسكري وما سمي  بمنشأة  (الكرامة ) حيث لاكرامة ولا هم   يحزنون  والكثير  من المواقع التي تحمل أسماء للنصر والكرامة  الأقتدار الذي مابعده اقتدار ودمرت عشرات الأطنان من الأسلحة  الجرثومية  والبايولوجية التي كان يخفيها النظام في تلك المواقع  وقد كان المواطن العراقي لايستطيع أن يقترب من تلك المواقع التي فتشت  تفتيشا دقيقا  لعشرات الكيلو مترات وقد  كان العراقيون يجدون كلمتي (ممنوع الوقوف )  في كل مكان يدلل على تلك    المواقع.لكنها استبيحت  جميعها وأصبحت خاضعة  لفرق التفتيش التي كان فيها الكثير من المنتمين للموساد الصهيوني  الذين استجوبوا حتى مستشاري رأس النظام للشؤون العسكرية ومنهم الفريق (عامر السعدي) و(الدكتور جعفر ضياء جعفر ) وغيرهما  وكانت تلك المعلومات التي يحصلون عليها تذهب مباشرة ألى مراكز صنع القرار في الكيان الصهيوني وقد ظهر جليا فيما بعد باعتراف العديد منهم .وكان رأس النظام يقبل بكل هذا لأنه كان يشعر بأن الكرسي الذي يجلس عليه بدأ يهتز أذا لم ينفذ تلك الرغبات الجامحة للولايات المتحدة وهذا أمر لايحتمله الدكتاتور أبدا لأن الكرسي أهم من الوطن بكثير . وتلك  هي صفات كل دكتاتور مهزوم لايجد ألا نفسه رغم كل الخراب الذي  ألحقه  بوطنه. لكنه لم  يتوانى  عن  زج العراق في حرب دموية ضارية استمرت ثمان سنوات مع أيران  حصدت مئات الآلاف من أرواح العراقيين بحجة أن أيران  زحفت  على بقعة أرض عراقيةجرداء  صغيرة لاحياة فيها أسمها (زين القوس .)!!! كان من الممكن حلها بالحوار  ولا يمكن لكرامة الدول أن تتجزأ وتصبح مهمة في شأن وغير مهمة في شأن آخرلكي  تصبح خاضعة لأهواء فرد مستبد يرى  بقاءه في الحكم فوق كل أعتبار وأذا سولت نفس شخص آخر ليتشبه بذلك الدكتاتور ويحكم العراق بنفس الأسلوب فلم تعد للعراق قائمة أبدا.  لقد  هلل لتلك الحرب كل أعداء الشعب العراقي و(أحباب القائد) من أعراب   الأمة العربية ودعاة النعرات الجاهلية   ونفخوا فيه لسنين طويلة ليخلقوا منه بطلا أسطوريا  قوميا منتصرا ألى اليوم الذي ابتلع أمارتهم فأصبحوا فيما بعد من ألد أعداء الشعب العراقي المغلوب على أمره حين رأوا أنفسهم كاليتامى في صحراء السعودية .لكن  أبناء عمومتهم في نجد والحجاز   ظلوا  على مواقفهم  وتغاضوا عن  سلوك الدكتاتور الأهوج الذي ألحق أفدح الأضرار بشعبه الذي نكب به وبأزلامه   لأكثر من عقد آخر من الزمن  ووقفوا موقف العداء للشعب العراقي الذي انتفض على ذلك الدكتاتورولم يرغبوا بأزالته لأسباب طائفية بحتة   كانت  كافية  لتدمير  البشروالشجر والحجر  في أرض العراق وهذا ماأرادوه هم وأسيادهم الأمريكان .

لقد كان الحصار يشتد تزامنا مع تقاطر فرق التفتيش بأيعاز تام من القطب الأوحد  الولايات المتحدة وحلفائها وأصدقائها الذين كانوا يتعمدون قتل الشعب العراقي قتلا ساديا  بطيئا  بتعمد أنهاء حياة الآلاف من  الأطفال بتلك الصورة الهمجية وحتى ترك الموتى في العراء ليتلذذوا بتعذيب الفقراء والمحرومين منه.حيث منعت حتى الأوراق الصحية   ومعدات العمليات الجراحية وقفازاتها والأقلام  ومستحضرات تنقية المياه وأدوية الصرع وغيرها وهاهم الصهاينة اليوم يجربون نفس الأسلوب على شعب  قطاع غزة المنكوب  أمام مرأى ومسمع مجلس الأمن .

 في خضم تلك المأساة الأنسانية  الكبرى كان أزلام النظام يزورون المدارس  ويأمرون المعلمين والمدرسين بأن يخصصوا نصف  الحصة الأولى من الدرس للحديث عن (انتصارات أم المعارك ) و(نتائجها الباهرة ) ودور (القائد المنتصر) في (أسترجاع الكرامة العربية )التي أهدرت لعقود طويلة من الزمن!!!   ويحثون وعاظ السلاطين في الجوامع لكي يبتهلوا ألى الله في خطب الجمعة وفي كل المناسبات  لكي ينصر(القائد المؤمن )على أعدائه من الصهاينةوالأمريكان!!!

ولم يقصر وعاظ السلاطين أبدا في تلك الحملة التي رافقت (الحملة الأيمانية الكبرى ) التي أطلقها (القائد عبد الله المؤمن) وكانت خطب الجمعة في معظم مساجد العراق تلهج باسم القائد وتدعو له بالنصر والظفر على الأعداء  وتنذر  بالويل والتبور وعظائم الأمور لكل من يرفع صوته ضد (الرئيس المؤمن ) أو يحتج على نتائج الحرب بدون أي فهم  وأدراك لنتائجها الرائعة !!! وقد  برع الوعاظ بأصواتهم الجهورية وخطبهم الرنانة  في  تسويق تلك الخطب  !!!والشعب يسمع ويتضور جوعا ويتلوى ألما والأطفال يموتون  في أحضان أمهاتهم نتيجة نقص الغذاء والدواء  ولم تسلم  الثروة الحيوانية  من تلك النتائج الباهرة ونفقت مئات المواشي  نتيجة عدم توفر اللقاحات والأعلاف وحصد الموت    الآلاف من القطط والكلاب والملايين من الطيور  نتيجة  الجوع  وانتشرت الأوبئة في كل مكان في العراق وبدأ  الآلاف من العراقيين يهربون بجلودهم خارج الوطن (الجحيم )بعد الحصول على جواز سفر بشق الأنفس وبقيمة (400) ألف دينار ألى أي مكان في العالم  يوفر لهم  المأوى.

 وفي هذا المقام يقول الدكتور علي الوردي في كتابه وعاظ السلاطين : ( ويبدو لي أن هذا هو دأب الواعظين عندنا  .فهم يتركون الطغاة والمترفين يفعلون مايشاؤون ويصبون جل اهتمامهم على الفقراء من الناس فيبحثون عن زلاتهم وينغصون عليهم عيشهم وينذرونهم بالويل والثبور في الدنيا والآخره. ويخيل لي أن الطغاة وجدوا في الواعظين خير معوان لهم على ألهاء رعاياهم وتخديرهم ، فقد أنشغل الناس بوعظ بعضهم بعضا فنسوا بذلك ماحل بهم على أيدي الطغاة من ظلم . ) ولا أعتقد أن الشعب العراقي ينسى الظلم والظالمين أبدا كما يقول  علي  الدكتور المرحوم الوردي رغم معظم آرائه السديدة .وستبقى تلك المآسي الكبرى ماثلة لعيون العراقيين تتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل.

أمر الدكتاتورأجهزته القمعية  بأن يجرى له (أستفتاء شعبي )ليعرف العالم مدى حب الشعب العراقي له بعد تلك المآسي الطويلة التي سببها  !!! فشمرت أجهزة الأمن والمخابرات وكوادر حزب البعث  عن سواعدها  لتقوم بذلك (الأستفتاء)  أو البيعة خير قيام   ولم تترك عائلة أو مؤسسة رسمية أو مدرسة لم  يطلب  منها الخروج يوم الأستفتاء والتصويت للرئيس المؤمن لكي يثبت كل عراقي (عراقيته) أمام العالم ولكي تعرف أمريكا وحلفاؤها جيدا  من هو صدام حسين ؟ والذي لايفعل  لايتنخب (الرئيس المفدى حفظه الله ورعاه )    لاينتمي لتربة العراق أبدا ولا يحق له أن يشرب من ماء دجلة والفرات  وعلى كل   شخص من أقصى قرية في الشمال والجنوب والشرق والغرب من العراق أن يقوم بهذا (الواجب الوطني المقدس) والذي لايفعل  هو  تحت نظرالسلطات التي لايخفى عليها شيئ أبدا والساهرة دوما لحماية مكتسبات (أم المعارك الخالده) ونتائجها (العظيمه). وماعليه ألا أن يلوم نفسه!!!

أجري   الأستفتاء في يوم الخامس عشر من تشرين الأول عام 1994 وأعد له أعداد محكما لكي تكون النتيجة باهرة ومذهلة للعالم وفعلا فقد جاءت النتيجة حسب مايشتهيها رأس النظام وكانت  9% 99  وقد دبجت المقالات وألقيت خطب الجمعة أحتفاء بهذا (النصر الألهي ) الذي ولد من( رحم) و(بركات) (أم المعارك الخالده)!!!

 وفي العاشر من تشرين الثاني 1994 أعترف مايسمى ب(البرلمان ) العراقي بحدود الكويت الجديدة التي زحفت على أرض العراق مسافة خمسة كيلو مترات في بعض الأماكن واقتطع   جزء من حدود العراق البحرية   وأجزاء من ميناء (أم  قصر) العراقي  واقتطعت عشرات   المليارات  وما زالت  تقطع   لحد  هذه اللحظه                  من قوت العراقيين  ويريد حكامها أن يبنوا علاقات (أخوية  سليمة ) مع العراق بمساعدة بعض الذين لاغيرة لهم على تراب العراق وكرامة شعبه   أولئك الذين  قاموا بعشرات الزيارات  المجانية الأستجدائية الخاوية  ألى شيوخ آل الصباح  فازداد تعنتهم وغرورهم وحقدهم  على الشعب العراقي ولم تبدر منهم أشارة بسيطة تدل على تغيير مواقفهم تجاه  هذا الشعب المظلوم والمتهم بجريرة حاكمه الجلاد.

أستمرت أعياد ميلاد القائد بعد ذلك الأستفتاء كأروع ماتكون الأعياد وسط معاناة الشعب الذي كانت جراحه تنزف  وهو يدفن  الآلاف من       الأطفال والنساء والشيوخ المرضى  يوميا وينظر   ألى تلك المهزلة بألم كبيروبغضب أكبربعد أن دفع دماء غزيرة في الأنتفاضة الشعبانية التي أجهزها النظام بمساعدة مباشرة من حكام السعودية. وقد  أصبحت  أعياد  ميلاد القائد تقليدا  سنويا   يتفنن به أزلام النظام وعلى رأسهم   (الجنرال المزيف)الهارب  عزت الدوري الذي كان يرأس تلك الأحتفالات ويقدم أحلى المظاهر الأحتفالية التي تثلج صدر (القائد المنتصر ).حيث كان ينتظر منه  القبول به والرضا عنه في منصبه كنائب لرئيس مايسمى مجلس قيادة الثوره.

ولم ينس (القائد المنصر ) شعبه بكعكات الميلاد الضخمه التي كانت تصنع له من أرقى أنواع الطحين الفرنسي  والمحاطة بالشموع والرفاق الذين كانوا يحضرون تلك الحفلات مع سيدهم وهم بتلك الأبتسامات العريضة الصفراء على وجوههم   ليقدموا  الشكر الجزيل  للشعب العراقي  الوفي  لقائده   والذي كان يأكل (تراب الحنطه )  نتيجة ذلك الوفاء (للقائد الكبير) و(بطل الأمة العربية ) و(حامل لوائها ) (الرئيس المؤمن) صدام حسين ولابد أن  تدون  فصولا أخرى شوهدت بالعين المجردة سنذكرها  فيما بعد  لتكون عبرة لكل دكتاتور  تسول له نفسه  حكم  العراق مدفوعا  بشهواته المحرمة وأغراءات السلطة   ناسيا أو متناسيا كل  تلك الفصول المأساوية التي مرت  على العراق في تلك الحقبة التأريخية  المثقلة بالمآسي والآلام والدموع وما زالت نتائجها واضحة لكل ذي  بصر وبصيرة .  

جعفر المهاجر/السويد


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جعفر المهاجر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/07/13



كتابة تعليق لموضوع : حرب وسجن ورحيل-57 / اعوام ما بعد الحرب - 2
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net