صفحة الكاتب : كاظم فنجان الحمامي

من حسن حظهم أنهم في العراق
كاظم فنجان الحمامي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

نظرية جديدة اكتشفها المواطن (صابر بن حيران) بنفسه, في اليوم الذي فقد فيه بطاقته التموينية, وراح يبحث عنها في الظلام الدامس, بين مكبات القمامة المتكدسة في ضواحي المدينة, التي انقطعت عنها الكهرباء, فدهسته عجلات المواكب الاستفزازية, وصعقته صفاراتها المزمجرة, وسقط مغشيا عليه في خنادق العصر الجلكاني, التي اعتاد السقوط فيها كلما قررت الحكومة المحلية إعادة تنفيذ مشاريع إكساء الأرصفة للمرة الخامسة أو السادسة, فاستيقظ في اليوم التالي على أصوات الانفجارات البعيدة, ليجد نفسه غارقا حتى رأسه في الوحل, وفجأة خرج من الحفرة, وراح يركض صوب مقر مفوضية النزاهة, تماما مثلما ركض ارخميدس عاريا في شوارع روما, وهو يصيح: (وجدتها, وجدتها). .

وجد ارخميدس القاعدة الفيزيائية التي تقول: (كل جسم يُغمر جزئيا أو كليا في الماء يفقد من وزنه بقدر وزن الماء المزاح) فدخل التاريخ من أوسع أبوابه. .

أما (صابر بن حيران) فقد وجد القاعدة الكونية التي تقول: (من حسن حظ الحكام وسوء حظ المواطنين أنهم في العراق, ومن سوء حظ الحكام وحسن حظ المواطنين أنهم في السويد), فرسب في مادة التاريخ, ولم يعد يفهم بالسياسة, وكان يولول بصوت مخنوق: (إذا أردت أن تعرف حجم الفساد في العراق ينبغي أن تعرف حجمه في السويد, وإذا أردت أن تعرف حجم الفساد في السويد ينبغي أن تعرف حجمه في العراق). .

بين العراق والسويد تباين كبير في مؤشرات العفة الإدارية, ولا مجال للمقارنة بينهما في المعيار القياسي الذي وضعته منظمة الشفافية العالمية, فالسويد تقف في طليعة البلدان المعروفة بالنزاهة والاستقامة, والعراق يقبع مع الصومال والسودان وموريتانيا, ويربض في مؤخرة البلدان المعروفة بتفشي الفرهود والرشا والفساد.

في السويد انقلبت الدنيا فوق رأس السيدة التي كانت تشغل منصب عمدة مدينة ستوكهولم, لا لشيء إلا لأنها ملئت خزان سيارتها الصغيرة بالوقود, ودفعت الثمن من دفتر بطاقات الحكومة, فاهتزت الأرض الاسكندينافية تحت أقدامها, وانهار مستقبلها كله, بسبب أقدامها على ارتكاب هفوة بسيطة, رأت الحكومة السويدية إنها تتنافى مع السياقات الصحيحة, فاتهمتها بالاستحواذ على المال العام. .

قالت في محضر دفاعها عن نفسها: (أنها اضطرت لذلك لأنها لم تكن تملك النقود في جيبها), فرد عليها القاضي مؤنبا: (هذا لا يبرر فعلتك الشنعاء, إذ كان بإمكانك أن تركني سيارتك, وتركبي الأوتوبيس), فأدانتها المحكمة بتهمة الفساد, واستغلال المال العام, فاستقالت من منصبها على الفور, وغادرت ستوكهولم إلى منزلها الريفي, وتوارت تماما عن الأنظار. .

عندنا في العراق صارت لأصحاب المناصب العليا معسكرات منزلية مؤلفة من مجموعة من البيوت الخشبية الجاهزة (كرفانات), على شكل ثكنات موزعة حول بيوتهم, والى جانبها رحبة صغيرة لإيواء سياراتهم المصفحة وعرباتهم المدرعة, ومولدة كهربائية كبيرة, ومعها مجموعة من المولدات الاحتياطية, وخلفها صهريج كبير ممتلئ بزيت الغاز, وصهريج آخر مشحون بالبنزين, وصهاريج أخرى لزيت التزييت, وبراميل لتخزين النفط الأبيض (الكيروسين), فضلا عن وجود أكداس من قناني الغاز, فالوقود متوفر دائما, وموضوع تحت تصرفهم لتعبئة سياراتهم ومولداتهم وتغطية احتياجاتهم كلها, صارت عندهم مستودعات للوقود والمحروقات منصوبة قرب مقراتهم أو مبعثرة في بساتينهم الريفية, تصرف أحيانا من موارد التشكيلات الحكومية التي يديرونها من دون رقيب ولا حسيب, فالمسؤولون عندنا في غاية السعادة والهناء والرخاء, ومن حسن حظهم أنهم في العراق وليسوا في مكان آخر من كوكب الأرض. .

في السويد زُلزلت الأرض تحت أقدام تلك الفاتنة الرقيقة بسبب بضعة جالونات من البنزين السويدي البارد, فطردوها من منصبها بعد أن طالبها القضاء بدفع قيمة الجالونات البنزينية من جيبها الخاص, ومن الطريف أن أذكر هنا, أن صديقي الذي رافقني بعد عودتي من رحلتي البحرية الأخيرة, ظهرت عليه علامات الأسى والتأسي عندما شاهد طلعتها البهية, فقال لي وقلبه يتفطر من الألم: (يا عمي أنا على أتم الاستعداد للتنازل عن حصتي من نفط حقل مجنون لهذه الحسناء الساحرة, ولها مطلق الحرية في تحويلها إلى بنزين أو كيروسين متى تشاء, ولن تحتاج بعد الآن للرضوخ لسلطة الحكومة السويدية), وقال آخر: (وأنا أتنازل لها عن حصتي في نفط الرميلة). .

كم كان (صابر بن حيران) على حق عندما قال: (من سوء حظ الحكام وحسن حظ المواطنين أنهم في السويد), لأن الحكام في السويد فقراء, قلقون مرهقون متعبون, أمناء على المال العام, يجهدون أنفسهم من أجل راحة المواطن, لا يفرطون بفلس واحد من خزينة المملكة السويدية, ولا يبخسون حق الشعب, تجدهم في خدمة الناس, يتنافسون على عمل الخير, ولا مكان بينهم لمن يخالف الدستور, أو ينتهك القوانين, ولا مستقبل عندهم لمن لا يحترم التشريعات النافدة.

 وقف السويديون كلهم ضد هذه المرأة, ولم يدافع عنها أبناء عشيرتها, ولا أبنا عمومتها, ولا أنصارها في الكتلة السياسية التي تنتمي إليها, ولم تتحذلق الفضائيات هناك في قلب الحقائق, وتزييف الوقائع من أجل تبرئة ساحة هذه المسؤولة, التي فرطت ببضعة جالونات من البنزين, فمتى نحذو حذو السويد, ونسعى لنشر الفضيلة, ونحارب الفساد والمفسدين بالطريقة التي أكد عليها أصحاب المناصب العليا, واقسموا على تطبيقها قبيل فوزهم بالانتخابات الماضية ؟. .

 

ثمرة سويدية

يقولون في السويد:

نحن نمشي ببطء, ولكن لم يحدث أبداً أننا مشينا خطوة واحدة إلى الوراء

 

حسرة عراقية

يقولون في العراق:

ما فائدة الحقول النفطية الغنية بالبترول إذا كانت جيوبنا فارغة


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كاظم فنجان الحمامي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/01/29



كتابة تعليق لموضوع : من حسن حظهم أنهم في العراق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net