صفحة الكاتب : كريم مرزة الاسدي

النجف الأشرف عاصمة للثقافة الإسلامية سنة 2012م
كريم مرزة الاسدي
الملخص الذي طرحته ارتجالا , لضعف بصري قراءة , ولكسب الوقت التهاما , وعلى عجالة - حسب  الوقت المتاح - عن النجف الأشرف خلال الندوة التي أقامها المركز الثقافي العراقي في واشنطن تحت عنوان " النجف الأشرف عاصمة للثقافة الإسلامية عام 1433هـ / 2012م " وذلك في يوم السبت المصادف  14/ 1 / 2012م ,  في قاعة المركز, ( ربما هنالك تغيير بسيط بين النص الخطابي - لا يوجد لدي -  والنص الكنابي , وذلك حسب ما تحتفظه ذاكرتي في الحالتين , والتدقيق في النصين  )  
1 - ألقيت مقطعا من قصيدة عن  العراق تتضمن استعارات وكنايات عن النجف :
وكان لنا غديرٌ في البراري     وما لهُ في  الدنا أبداً نظيرُ
لهُ فيءٌ يظللّنا جميعاً  وعبّقَ جوَّهُ الصافي عبيرُ
وتلهو في ملاعبهِ زهورٌ     فلا بدرٌ يضاهيها وحورُ
وبينَ الأيكِ مفترشٌ رحيبٌ  وفي محرابهِ الرجلُ الوقورُ
تلوذُ بهِ الاراملُ واليتامى      وينعمُ من تكرّمهِ الفقيرُ 
فكانَ غديرُنا خيراً مشاعاً    كريمُ النفس ِ معشرُهُ أثيرُ
وكانَ الصدرُ متسعاً لضيق ٍ  وإنْ لضبابنا ذُبحتْ( صدورُ)
وكم مرّتْ عصاباتٌ عليهِ     لقد زالتْ ومازالَ (الغديرُ)
بلادٌ أدمٌ فيها ونوحٌ        تطيرُ الكائناتُ ولا تطيرُ
فلو كان الهشاشة ُ ما بنينا     لما بقي الخورنقُ والسديرُ
ومثوى الدرِّ والذهبِ المصفّى     الا صلّوا  فيا نعمّ (الاميرُ)
ويا نعمَ (العراق) وأرضُ طيبٍ      يعلّي شأنهُ الباري القديرُ
ختاماً أيها الغالي  بجزم ٍ        لأنتَ البدءُ والمثوى الأخيرُ 
2 -  ثم ذكرت  مقدمة  خاطفة للمفاصل الرئيسية التي أراها ضرورية للبحث عن النجف الأشرف , إذ أن الكوفة وليدة الحيرة , والنجف وليد الكوفة ,فهنالك ترابط حضاري , ثقافي , اجتماعي , اقتصادي بينها :
 
أ - النجف لغة : قلت إنني لا أميل لما ذكره الشيخ الصدوق في كتابه ( علل الشرائع ) برواية عن الإمام الصادق (ع) من أن النجف قد جاءت من (ني جف) , أي بحر قد جف , وإنما قد ذكرها امرؤ القيس (ت 530 م) في بيت يخاطب به ناقته :
رأتْ هلكاً بنجاف الغبيط           فكادت تجدُّ لذاك الهجارا 
ثم استعملها  أبو كبير الهذلي كجمع للسهام عريضة النصل :
نجفٌ بذلتُ لها خوافي ناهضٍ      حشر القوادم ِكاللفاع الأطحل 
والنجف  هو مكان مرتفع مستطيل منقاد لا يصله الماء , ويكون ببطن الوادي 
 ب - تاريخ مرقد الإمام علي ( ع) حيث هو الأساس لولادة النجف الأشرف ونشوئها منذ وفاته منذ رمضان 40 هـ  , وهذا ما سنوضحه من بعد .
ج -  تاريخ الحوزة العلمية  منذ مجيء الشيخ  أبي جعفر الطوسي  إليها عام 448هـ ووفاته عام 460 هـ , ولو هنالك آراء ترجع تأسيسها إلى قبل قدومه الكريم , كما سيأتي 
د - ولو أن النهضة الشعرية تعود بتاريخها إلى الحيرة حيث عمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة اليشكري ,ولجوئهما الى عمرو بن هند لغرض التحكيم , ثم النابغة الذبياني والأعشى , وفي العصر الأموي الأخطل ( من الحيرة) والكميت بن زيد الاسدي , وفي العصر العباسي دعبل وأبو العتاهية (1) وأبو دلامة وصريع الغواني ( مسلم بن الوليد أستاذ دعبل ) , وانتهاء بالمتنبي , وكانت هنالك نهضة فكرية ...فقهية...والأهتمام بعلم الحديث والقراءات السبع حتى أن ثلاثة من القرّاء هم من الكوفة  الكسائي والزيات وعاصم بن أبي النجود, وبالرغم من أن البصرة سبقت الكوفة في علوم النحو واللغة الا أن الكوفة سبقت البصرة في علوم الحديث والتفسير كما يقول الدكنور المخزومي ,  وأن الرؤاسي الكوفي سبق البصريين في علم الصرف ,ومن علماء النحو في الكوفة الكسائي والفراء وابن السكيت وثعلب  , ولكن خفتت هذه النهضة حتى عصر السيد محمد مهدي بحر العلوم المتوفي 1212هـ حيث قامت معركة الخميس الشعرية ومن رجالها السيد صادق الفحام والسيد علي لعلاق والشيخ جعفر كاشف الغطاء الكبير والشيخ أحمدالنحوي والشيخ محمد رضا النحوي والشيخ محمد علي الأعسم والسيد محمد زيني البغدادي , وبعدها بقرن تقريباً تنهض جماعة العشرة المبشرة بالدور نفسه والنهوض الشعري على يد السيد محمد سعيد الحبوبي والسيد جعفر الحلي والشيخ جواد الشبيبي الكبير  والسيد باقر محمد الهندي ( الموسوي ) و أخيه السيد رضا  الهندي الموسوي والشيخ عبد الحسين الجواهري ( والد الجواهري العظيم , وخال الشيخ علي الشرقي)  , وهؤلاء هم الذين أنجبوا الجواهري وعلي الشرقي والشيخ محمد علي اليعفوبي والشيخ محمد رضا الشبيبي وأخاه الشيخ باقر الشبيبي والسيد أحمد الصافي النجفي والأستاذ جعفر الخليلي  والشاعر صالح بحر العلوم والسيد محمود الحبوبي. 
هـ - البدايات السياسية للمرجعية في  النجف : بدأ التدخل السياسي للمرجعية - حسب وجهة نظري - منذ فتوى السيد حسن الشيرازي ( المتوفي 1893م) بتحريم التنباك ومقاطعة الشركات الأنكليزية في إيران , مما أدى إلى خسارتها وأنكسار شوكتها وخروجها نهائيا , ومن ثم جاء تلاميذه , وبالرغم من عدم تدخل تلميذه الشيخ  حسين الخليلي المتوفي 1322هـ / 1904م  لكبر سنه ,ولكن تدخل تلميذه الملا كاظم الخراساني ( الأخوند) لصالح الدستورين الأيراني والعثماني اللذين اشترطا بوجود مجلس شورى لتحديد سلطة الشاه ألأيراني أو السلطان العثماني , فأطلقوا على جماعته بالمشروطة , توفي الأخوند فجأة سنة 1911م , أما السيد كاظم اليزدي , فقد عارض الدستور وتشكيل المجلسين  , فسميت جماعته بالمستبدة  توفي السيد اليزدي عام 1919 م / 1337 هـ , بعد أن أفتى المرجعان بالجهاد ضد الروس في إيران , والأيطاليين في ليبيا , ومن بعد أفتى اليزدي بالجهاد ضد الأنكليز في العراق (1914م) , ثم أفتى الشيخ محمد تقي الحائري الشيرازي بالجهاد في ثورة العشرين , وفي عام 1924م انتفض  الشيخ مهدي الخالصي وشيخ الشريعة والسيد أبو الحسن الأصفهاني ضد المعاهدة الأنكليزية العراقية , وقد نفتهم الحكومة من العراق , وعاد السيد الأصفهاني وشيخ الشريعة الى العراق بعد قبولهما بشرط السلطات العراقية المتضمن عدم التدخل  بالشوؤن السياسية , ورفض الشيخ الخالصي العودة , بل طالب بخلع الملك فيصل الأول , ومات في طهران عام  (1925م / 1343هـ ). )
ثم تناول مخاطبكم عجالة حيث الوقت المخصص لكل متحدث من البداية الى النهاية نصف ساعة , مضى نصفها , ذكرت أن الحيرة فتحت على يد خالد بن الوليد (12 هـ) , وفرض الجزية على أهلها ( 90 ألف درهم سنويا) , وغادرها الى الأردن , فبلاد الشام , وتوفي في حمص سنة 15 هـ ,  ثم دارت معركة القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص عام 15 هـ , وكانت النجف ساحة لتمترس جيوش رستم ( 120ألف فارس وراجل ) , لكن المسلمين جرّوا رستم وجيوشه  للقادسية , وهزموهم , ثم فتحت المدائن , وبعدها مصرت الكوفة (17 هـ),  بعد البصرة بستة أشهر , وجاءها الإمام علي (ع) منتصف 36هـ , بعد معركة الجمل , وتحدث معركة صفين 37 هـ , والنهروان 38 هـ , ثم يموت الإمام (ع) في رمضان 40 هـ مقتولا بسيف اللعين عبد الرحمن بن ملجم المرادي , وقبل وفاته أمر الإمام الحسن (ع) بحفر أربع حفر , خشية المشاققة والمحاربة بين أشياعه وأعدائه, واحدة قرب الباب القبلي لمسجد الكوفة , والأخرى بدار جعدة بن هبيرة , والثالثة قرب قصر الأمارة , والرابعة بين ذكوات بيض ثلاث في ظهر الكوفة - وكان العرب يطلقون على الأرض  الرخوة قرب النهر بالبطن , والمرتفعة التي لا يصلها الماء بالظهر , والنجف نجفان , نجف الكوفة ونجف الحيرة , ونجف اليوم هي نجف الكوفة , أما الذكوات الثلاث , فالأولى في  شمال النجف فوق  جبل المشراق , وكان يسمى بجبل الديك ( نسبة لآل الديك , وكانت من قبل تسمى محلة عجرم) , والذكوة الثانية قرب الدرعية , جبل محلة العمارة ( جبل شرفشاه) , والذكوة الثالثة , هي الأكمة في محلة البراق , عليها جامع آل الطريحي ,  ومن هنا وقعت دائرة المعارف الإسلامية , بطبعتها الأنكليزية , وفندتها تماما بكتابي الموسوم ( تاريخ الحيرة ... الكوفة ...الأطوار المبكرة للنجف الأشرف) ,, ووقع أيضا الخطيب البغدادي في التباس , فنـّده هو نفسه في ( تاريخه ) دون أن يدري , حيث ذكر خبرا عابرا , أن الإمام مدفون في الثوية ( قرب كميل) , والحقيقة في الثوية قبور المغيرة بن شعبة , وزياد بن أبيه , وأبي موسى الأشعري , الشيعة عموما , ومعظم مؤرخي السنة متفقون بأن  قبر الإمام (ع)  في مكانه الحالي , بقي قبر الإمام مخفياً طيلة العصر الأموي , لا يعرف مكانه سوى الأئمة الأطهار  (ع) , وبعض  الموالين الأشداء , ولكن يذكر الطبري في أحداث سنة 67 هـ -  بعد ثورة المختار , ومقتله على يد مصعب بن الزبير , وحدثت ثورة المختار بعد ثورة التوابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي  65 هـ - يذكر الطبري عن سويد بن غفلة بما معناه :كنت أسير بظهر الكوفة , وإذا برجل يطعنني بمخصرة من خلفي , فألتفت إليه , فقال لي , ما تقول في الشيخ , قلت أي الشيوخ , قال علي بن أبي طالب , قلت أشهد  أحبه بسمعي وبصري , وقلبي ولساني . وهذا الخبر  يوضح لنا أن القبر كان يُزار , وعليه مراقبة , وإذا  اقتضى الأمر يعلن الموالي بالزيارة تحدياً وبجرأة , تحدث ثورة ابن الأشعث في عهد الحجاج , وثورة زيد بن علي , ومقتله سنة 122 هـ , ويطل العصر العباسي , إذ قامت الثورة بالرضا من آل محمد , ولإستقطاب الناس يقوم داود بن علي العباسي ببناء أول قبة على قبر الإمام (ع)  سنة 133 هـ , ( كما  يقول ابن طاووس في " فرحة الغري " والدكتورة سميرة الليثي في كتابها " جهاد الشيعة...") ويموت هذا الداود في السنة نفسها , ويأتي الإمام الصادق (ع) إلى الكوفة , ويزور جده ,و يعطي الى صفوان الدراهم  ليصلح القبر , وكلمة يصلح تشير بوضوح أن داود بنى القبة  أولا , ويمر عهد أبي العباس السفاح  دون أن يمس العلويين , ولا معتقداتهم ولا رموزهم , وانشغل بالقضاء على الأمويين , لذلك أبو فرج الأصفهاني في (مقاتل الطالبيين ) يعبر عصر أبي العباس , ويقول : لم يُقتل في عصره أي من الطالبيين , ولما يتربع أبو جعفر المنصور , وكانت في رقبته بيعة للنفس الزكية ( محمد بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن (ع) ) , يحدث الانشقاق , وعلى ما يبدو لنا أن القبر هدم لأسباب سياسية , وليس بسبب السيول كما يذكر الأستاذ طالب  الشرقي في كتابه " النجف الأشرف ..." , المهم يذكر الطبري في أحداث سنة 144 هـ ,  لما قدم عبد الله بن حسن ( المحض) , وأهله مقيدين الى الكوفة , وأشرف بهم على النجف , قال : الا يوجد في هذه القرية من يمنعنا من هذا الطاغية ؟ فقام له اثنان من العلويين مشتملين على سيفين    , قال قضيتما , ولن تغنيا شيئا , وفي أحداث سنة 145 هـ ,يذكر المؤرخ نفسه , لما حُمل  برأس  النفس الزكية , ووأشرف به على النجف , كبر الجند ,  هذان الخبران يدلان على أن النجف كانت قرية , ولها أهمية في النفوس , إن لم نقل قدسية , ويعبر بنا التاريخ الى عهد الرشيد ( 170 هـ - 193 هـ) , ويذكر معظم المؤرخين, روايات غيبية , تجعل من الخليفة العباسي الرشيد , عثر على قبر أمير المؤمنين صدفة عن طريق الفهود والصقور , وقرر تعمير القبة على المرقد الشريف سنة 170هـ , وهذا لا نميل إليه , بل نميل الى ما تفرد به الشيخ محمد جواد الفقيه في مقاله  بموسوعة النجف الأشرف , إذ يذكر إن البناء تم سنة 180 هـ ,أما ابن طاووس في ( فرحته) , فيذكر روايتين الأولى تتحدث عن الصدفة الغيبية , والأخرى - في الصفحة نفسها - تذهب الى أن الرشيد كان يعرف القبر الشريف , وذهب لزيارته مع مرافقيه وبكى عنده بكاء شديدا , ونحن عندما  نتمسك بالثانية , ونتبناها , لا من حيث مدى تعلقنا بالفلسفة الغيبية , وكرامات الأولياء , ولكن هل يعقل أن خليفة بحجم هارون الرشيد لايعرف مكان قبر الإمام الذي قامت  الدعوة العباسية باسمه  ؟ وداود بن علي قد عينه من قبل  وغيره كما مرّ علينا , ثم هل تتصور أن الهارون قد تبرع بالبناء طوعا ؟!! كلا ... وإنما بعد مقتل أدريس ويحيى  ( 176 هـ) ابني عبد الله المحض  , وأخوي النفس الزكية  غرباً وشرقاً  , قرر امتصاص النقمة الشعبية والغضب الجماهيري , فصنع أو تصنع العمل كرهاً لا طوعاً , ومن تلك الأيام أصبحت النجف مدفناً لموالي أهل البيت. 
يسير الزمان , فيموت الرشيد سنة 193 هـ , ويلحقه ابنه المخلوع قتلا (الأمين ) سنة  198 هـ
,  بعد أن دكت بغداد دكا  , وتثور الكوفة من بعد بزعامة ابن طباطبا وأبي السرايا (199هـ - 200 هـ ) , وتهدر دماء مائتي ألف إنسان , وفي سنة 202هـ تتولد ثورة ثانية  يترأسها أبو عبد الله , أخو أبي السرايا , فبعد هاتين الثورتين هل تتوقع من المأمون المعروف بدهائه وحنكته السياسة أن يؤسس بؤرة استقطاب للثورة عليه , تمر ايام المأمون , وكانت النجف تزار , يقول دعبل الخزاعي المعاصر لها : 
سلامٌ بالغداة وبالعشيِّ        على جدثٍ بأكناف الغريِّ
وتمر معها أيام المعتصم ثم الواثق , ويأتي ( المتوكل ) على الأتراك من بعد سنة 232 هـ  , ويفعل فعلة شنعاء غير محسوبة النتائج , إذ يذكر صاحب (المقاتل ) الأصفهاني  بما معناه , تغيب إحدى جواري القصر الجعفري , من المحظيات جدا لديه في منتصف شعبان سنة 236 هـ , ويسأل عنها , فقيل له ذهبت للحج , قال : أي حج في شعبان , فقالوا له : زيارة قبر الحسين , فأمر بهدم القبر , والدور التي حوله , وهدّ الماء عليه - راجع المقاتل - , فحار الماء حول الضريح , فسميّ بالحائر الحسيني , وأخيرا قتل المتوكل بسيف ابنه المنتصر وبغا الصغير ووصيف , وقتل معه وزيره الفتح بن خاقان , وطعن الشاعر البحتري في ظهره , إذ كان معهما في جلسة شرب , وذلك سنة 247 هـ, الذي أريد أن أقوله , إذا كانت هنالك زيارة شعبانية , لابد أن تكون هنالك زيارة غديرية للأمير , ولما كان حول قبر الإمام الحسين (ع) دور , فمن الطبيعي كانت هنالك دور مماثلة في النجف , بل أن المتوكل نفسه ودع أمه , وابنه المنتصر للنجف عندما ذهبا للحج , إذن طريق الحج كان  يبدأمن النجف منذ تلك الأيام , وعلى أغلب الظن  كانت توجد طقوس دينية خاصة لزيارة الأمير وتوديعه لمشقة وخطورة الرحلة في تلك الأيام الغابرة . تتدهور الدولة العباسية ,وبالرغم من فترة حكم المنتصر القصيرة , إذ قتل غيلة - ستة أشهر - أمر الناس بزيارة قبري الإمامين في النجف وكربلاء , وبعد عملية الهدم الرعناء ,  يطلق ابن الجوزي في (منتظمه ) عبارته الدقيقة , تحركت العلوية في النواحي ,ولا أطيل عليك  ما بين سنتي  ( 279 - 289هـ /892 - 902م) , يحكم الخليفة العباسي القدير ( المعتضد)  , والذي يعده المؤرخون أبا العباس السفاح الثاني ,  يفتح الأبواب سنة (282هـ / 895م) للعلويين ويرعاهم , ويسمح لهم   بتشييد  مشاهد الأئمة (ع) , وتعمير الفبب عليها, وتصبح المدن المقدسة آمنة , فتعتبر النجف في هذه السنة مشروع مدينة  رسمياً ,  لذلك بسط  الداعي الصغير ( محمد بن زيد العلوي) يديه لبناء قبة  , وأحاطها بسور وحائط  اشتمل سبعين طاقاً , ثم عمّرالرئيس الجليل عمر بن يحيى الطالبي  القائم بالكوفة مرقد جده أمير المؤمنين من ماله الخاص   , ولما جاء أبو عبد الله بن حمدان المتوفي 317 هـ/ 929 م -  وهو والد سيف الدولة الحمداني - الى النجف ابتنى على القبر قبة عظيمة , مرتفعة الأركان , وفرشها بثمين الحصر الساماني , وفرض عليها حصارا منيعا - أي حراسة شديدة  , كما يذكر ابن حوقل في ( صورة الأرض) - وما أن دخل البويهيون الى العراق , ووصلوا الى بغداد 334هـ / 945 م , اهتموا بالشعائر الدينية , واهتم منهم عضد الدولة البويهي  حكم مابين (367  - 372 م ) بالتجف اهتماماً بالغاً من حيث تعمير المرقد الشريف  , ورعاية السكان ,  وتشجيع العلماء , وحفر القنوات , فقدر محيط النجف 2500 خطوة, وسكانها ستة آلاف نسمة , وأخذ العلماء ينسبون إليها مثل  أحمد بن عبد الله الغروي (نسبة للغري) , , وشرف الدين بن علي النجفي  , لذلك قال الشاعر الحسين بن الحجاج بحضرة عضد الدولة البويهي :
وقل سلامٌ من الله السلام على         أهل السلام وأهل العلم والشرفِ 
ومن هنا سبقت جامعة النجف  الأشرف جامعة الأزهر الشريف ( تأسست 380 هـ / 980م) بخمسين عاماً , وجامعة بولونيا الإيطالية (513 هـ / 1119م) , وعندما وصل السلجوقيون الى  بغداد بقيادة طغرل بك, وحدثت الفتنة الطائفية , هاجر شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الى النجف بعد أن نهبوا داره , وحرقوا كتبه وكرسيه الذي يجلس عليه للكلام ,سنة 448 هـ / 1056 م , فأسس جامعة النجف بشكل منهجي , من حيث اختيار الطلاب لأساتذتهم , ودروسهم , ورعايتهم اقتصادياً واجتماعياً , وفتح باب الأجنهاد الفكري , وربط الحديث بالفقه والأصول  , ونحديد مراحل الدراسة : المقدمات ..السطوح ....وبحث الخارج , والوصول الى درجة الأجتهاد  بإجازة دون المرور بنظام الإمتحانات المألوف  , توفي شيخ الطائفة سنة 460 هـ/ 1068م ,  وكان مولده 995 م. 
 ولكن الذي يؤخذ على جامعة النجف عدم تطورها , واختصت بالعلوم الدينية فقط , ولم تهتم بالعلوم الدنيوية والتجريبية , بينما جامعة بولونيا . وبقية الجامعات الأوربية , قفزت بعد ثلاثة قرون من دراسة اللاهوت  الى دراسة العلوم الحديثة , وكان الأجدر بجامعة النجف أن تشق طريقين , الديني والدنيوي بالرغم من معرفتنا بالظروف  الموضوعية التي ألمّت بالعراق  إثر سقوط بغداد على يد هولاكو عام 656 هـ / 1258 م , وما حلّ به من بعد وبعد ,  ,  والله الموفق لكل خير. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال لي أحد الأخوة الكرام بعد انتهاء الندوة  : إن أبا العتاهية من شفاثة - يقصد عين التمر - فأجبته نعم ولد  فيها 130 هـ ولكنه نشأ وترعرع في الكوفة ومات في بغداد سنة 210 هـ .
(2) في  ختام الندوة أشار أحد الأخوة الكرام , بأنكم لم تتناولوا دور النجف السياسي , فأجبته وقت الندوة قصير , وأنا أشرت بأختصار شديد لأهمية دور النجف الأشرف في التاريخ العراقي وأحداثه , ونوهت بثورة النجف عام 1918م بقيادة جمعية العلماء و نجم البقال , وأعدم كوكبة من الثائرين (11 شهيدا) في الكوفة , وهروب عباس الخليلي , ونفي 122 منهم , وأشرت الى ثورة النجف بعلمائها ورجالاتها وشعرائها عند مطالبة تركيا بضم ولاية الموصل في مؤتمر لوزان 1923م , ,ها ما سنحت به فرصة كاتب هذه السطور بدقيقة واحدة , وهذه المحاور تحتاج الى بحوث متعمقة , وتحليل دقيق , واستنباط مشرق لأحداث التاريخ .                        

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كريم مرزة الاسدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/01/30



كتابة تعليق لموضوع : النجف الأشرف عاصمة للثقافة الإسلامية سنة 2012م
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net