صفحة الكاتب : مصطفى منيغ

قتل السايح انتقاماً لعملية إيتمار
مصطفى منيغ

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لم ينس الإسرائيليون عملية إيتمار البطولية، التي حرقت أكبادهم وأدمت قلوبهم، وأبكت عيونهم وأخافت جنودهم، وأيقظتهم من سباتهم الموهوم، وأعادتهم إلى مربعات الخوف ودوائر القلق الموعود، فقد أنبأتهم أن الضفة الغربية نار تلتهم، وبركانٌ ينفجر، وأرضٌ تتزلزل، وأنها لا تسكت على الضيم، ولا تقيم على الذل، ولا تقبل بالاحتلال، ولا تستسلم له ولا تخضع لإجراءاته، وأن شبابها ثائرٌ مقاومٌ، ونساءها حرائرٌ مقاتلات، لا يهربون من المواجهة، ولا يترددون في الاقتحام، ولا يبالون بالسجن والاعتقال، ولا يفرون من القتل والشهادة، ولا يقيمون وزناً لاختلال موازيين القوى وعدم تكافؤ القدرات.

 

عملية إيتمار التي كانت الشرارة الأولى لسلسة عملياتٍ كبرى في القدس والضفة الغربية، آلمت الإسرائيليين وأوجعتهم، وأقلقتهم على سلامتهم الشخصية وأمنهم العام، إذ أشعلت لهيب انتفاضة السكاكين والدهس وعمليات خطفٍ وإطلاق نارٍ، وأطلقت جام الغضب الفلسطيني من عقاله، وكشفت عن مكنون قدرته وشدة عزمه، وصدق شبابه وغيرة أبنائه، وأعطت الضوء الأخضر لانطلاق سيل العمليات الفردية، التي كانت عاملاً جديداً في قلقٍ العدو مما سماه ب"عمليات الذئاب المنفردة".

 

عملية إيتمار جاءت بعد جريمة حرق عائلة الدوابشة في قرية دوما بنابلس، وكأنها ثأرٌ لهم وانتقامٌ، وصيحة غضبٍ وصعقةُ ردٍ، ورسالة واضحة إلى العدو ومستوطنيه، أن الفلسطينيين أصحاب الحق وأهل الأرض لهم بالمرصاد، يتابعونهم ويترقبونهم، ويهاجمونهم ويباغتونهم، وأنهم لن يسكتوا للعدو على جرائمه، ولن يتركوه آمناً مطمئناً يعتدي ويقتل، ويحرق ويدمر، ويطمس ويزور.

 

لهذا كله وغيره فإن الاحتلال الإسرائيلي لن ينسى هذه العملية، ولن يتمكن من غض الطرف عنها، وتجاوز آثارها الكبيرة ونتائجها المدوية، ولن يغفر لأبطالها ما قاموا به أو تسببوا فيه، فقد كلفوه الكثير، وألزموه بالعودة إلى الوراء كثيراً، ليعيد التفكير في مخططاته، ويقلع عن أحلامه، ويتوقف عن مشاريعه الجديدة، إذ قال الفلسطينيون بلسان حال أبطالهم أن ضفتهم لن تقبل بالمساكنة، ولن توافق على الاقتطاع، ولن ترضى بأن تجزأ وتقسم، وأن تعزل وتفصل، أو أن تهود وتكون يهودا وسامرة مزعومة.

 

عندما ألقت المخابرات الإسرائيلية القبض على بسام السايح، أحد المخططين والمنفذين للعملية، صبت جام غضبها عليه، وأظهرت حقدها عليه وغيظها منه، وأبدت رغبتها في الثأر منه، وأصرت على تعذيبه والانتقام منه، فضيقت عليه السجن في زنازينه، وقست عليه في جداً في معتقلاتها، إذ عزلته طويلاً وقيدت يديه بالأصفاد وأقدامه بالسلاسل والأغلال، وحرمته من الرعاية الطبية والحقوق الأساسية، وعلمت بمرضه وأهملته، وسكتت عن تدهور حالته الصحية وامتنعت عن علاجه، وقصرت في تقديم الأدوية المناسبة لحالته، بل لم تعترف بمرضه، ولم تقبل بالهيئات الدولية ومنظمة الصليب الأحمر للاطمئنان عليه أو مساعدته، وأصرت على أن تتركه يعاني إلى جانب ضعف عضلة القلب، أشد أنواع السرطان وأخطرها، ليموت أمامها ببطيء، ويتعذب بإرادتها بساديةٍ وطربٍ، وقد قيدته إلى سريره رغم تلاشي قوته وانهيار جسده، إلى أن ارتقى إلى العلا شهيداً، ليلحق بالركب، وينظم إلى الثلة الشريفة وشهداء أمتنا الأطهار.

 

يتجرد العدو الإسرائيلي من كل الأخلاق والقيم، ويتنكب لكل المعايير الإنسانية والاتفاقيات الدولية، عندما يقتل الأسير بسام السايح عامداً متعمداً رغم مرضه، فقد كان يعرف بخطورة حالته الصحية، إلا أنه أمعن في إهماله، واستمر في عناده إلى أن قتله على فراش المرض، وهو الذي رفض مع إخوانه الذين شاركوه عمليه إيتمار إطلاق النار على الأطفال الأربعة الذين كانوا في السيارة بصحبة والديهم، إذ اكتفوا بقتل الأب الضابط في الجيش والمخابرات، وزوجته التي حاولت الاعتداء على أحد منفذي العملية، علماً أنها ابنة ضابطٍ كبيرٍ في جيش الكيان، وتركوا أطفاله بسلامٍ ولم يمسوهم بأذى، وقد كان بإمكانهم قتلهم جميعاً، إلا أنهم أردوا أن يثبتوا لعدوهم أن المقاومة تتحلى بالشرف والأخلاق والكرامة، وفيها نبل وإنسانية وشهامة.

 

إنه ليس كبقية الشهداء، ولا يشبهه إلا القليل من الأبرار الذين سبقوه، فقد أستشهد بسام السايح أسيراً في سجون العدو ومعتقلاته، مكبلاً في أغلاله، ليكون الشهيد رقم 221 بين الأسرى الشهداء، الذين نَكَّلَ بهم العدو وقتلهم، وانتقم منهم وأعدمهم، كما استشهد مريضاً يعاني، ومعزولاً يقاسي، ومحروماً يتألم، وهو الصحافي الذي قاوم باليد والقلم، وبالبندقية والكلمة، فاستحق بذلك أن يتميز عن غيره، وأن يختلف عن سواه، فرحمة الله عليه وسلامه، وطوبى له جنان الخلد يسكنها، والفردوس الأعلى يملكها، وهنيئاً له صحبة الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الأطهار وشهداء أمتنا الأبرار الأخيار، والله عز وجل نسأله له المغفرة والرحمة، ولشعبه النصر والعزة والتمكين.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى منيغ
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/09/10



كتابة تعليق لموضوع : قتل السايح انتقاماً لعملية إيتمار
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net