صفحة الكاتب : عباس الزيرجاوي

الظلم أنواعه .. وخامته .. علاجه
عباس الزيرجاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الظلم من السجايا الراسخة في اغلب النفوس، وقد عانت منه البشرية في تاريخها المديد ألوان المآسي والأهوال، مما جهّم الحياة، ووسمها بطابع كئيب رهيب.

والظلم من شيم النفوس فإن تجد   ***    ذا عفـــة فلعلـــه لا يظلـــم

وهنا يجب علينا أن نعرّف الظلم لغة وعرفاً كي يتسنى لنا معرفته أكثر.

الظلم لغة: وضع الشيء في غير موضعه، فالشرك ظلم عظيم، لجعله موضع التوحيد عند المشركين.

وعرفاً هو: بخس الحق، والاعتداء على الغير، قولاً أو عملاً، كالسباب، والاغتياب، ومصادرة المال، واجترام الضرب أو القتل، ونحو ذلك من صور الظلامات المادية أو المعنوية.

من أجل ذلك كان الظلم جماع الآثام ومنبع الشرور، وداعية الفساد والدمار.

وقد تكاثرت الآيات والأخبار بذمه والتحذير منه:

قال تعالى: «إنه لا يفلح الظالمون» الأنعام: 21، «إن اللّه لا يهدي القوم الظالمين» الأنعام: 144، «واللّه لا يحب الظالمين» آل عمران: 57، «إن الظالمين لهم عذاب أليم» إبراهيم: 22، «ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا» يونس: 13، وقال تعالى: «ولا تحسبن اللّه غافلاً عمّا يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار» إبراهيم: 42، وقال سبحانه: «ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به ، وأسرّوا الندامة لمّا رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون» يونس: 54.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «واللّه لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها، على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها جُلب شعيرةٍ ما فعلت، وإن دنياكم لأهون عليّ من ورقة في فم جرادة، ما لعليّ ونعيم يفنى ولذة لا تبقى» نهج البلاغة: .

وعن أبي بصير قال: «دخل رجلان على أبي عبد اللّه عليه السلام في مداراة بينهما ومعاملة، فلما أن سمع كلامها قال: أما إنه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم، أما إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم. ثم قال: من يفعل الشرّ بالناس فلا ينكر الشر إذا فُعل به، أما إنه انما يحصد ابن آدم ما يزرع، وليس يحصد أحد من المرّ حلواً، ولا من الحلو مراً، فاصطلح الرجلان قبل أن يقوما»( الوافي ج 3 ص 162 عن الكافي).

وقال عليه السلام: «من أكل مال أخيه ظلماً ولم يرده اليه، أكل جذوة من النار يوم القيامة»( الوافي ج 3 ص162 عن الكافي).

وقال الصادق عليه السلام: «من ظلم سلّط اللّه عليه من يظلمه، أو على عقبه، أو على عقب عقبه».

قال (الراوي) يظلم هو فيسلط على عقبه؟ فقال: إن اللّه تعالى يقول: «وليخش الذين لو تركوا مِن خَلفِهم ذريةً ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا اللّه، وليقولوا قولاً سديداً» النساء: 9(الوافي ج 3 ص 162 عن الكافي).

وتعليلاً للخبر الشريف: أن مؤاخذة الأبناء بجرائم الآباء انما هو في الابناء الذين ارتضوا مظالم آبائهم أو اغتنموا تراثهم المغصوب، ففي مؤاخذتهم زجر عاطفي رهيب، يردع الظالم عن العدوان خشية على أبنائه الأعزاء، وبشارة للمظلوم على معالجة ظالمه بالانتقام، مشفوعة بثواب ظلامته في الآخرة.

وعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «من أصبح لا يهم بظلم غفر اللّه له ما اجترم» (الوافي ج 3 ص162 عن الكافي).

أي ما اجترم من الذنوب التي بينه وبين اللّه عز وجل في ذلك اليوم.

إلى كثير من الروايات الشريفة التي ستراها في مطاوي هذا البحث.

أنواع الظلم

يتنوع الظلم صوراً نشير إليها إشارة لامحة:

1 - ظلم الإنسان نفسه:

وذلك بإهمال توجيهها إلى طاعة اللّه عز وجل، وتقويمها بالخلق الكريم، والسلوك الرضي، مما يزجها في متاهات الغواية والضلال، فتبوء آنذاك بالخيبة والهوان.

«ونفس وما سواها، فألهما فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها» الشمس: 7 – 10 .

2 - ظلم الإنسان عائلته:

وذلك بإهمال تربيتهم تربية إسلامية صادقة، وإغفال توجيههم وجهة الخير والصلاح، وسياستهم بالقسوة والعنف، والتقتير عليهم بضرورات الحياة ولوازم العيش الكريم، مما يوجب تسيبهم وبلبلة حياتهم، مادياً وأدبياً.

3 - ظلم الإنسان ذوي قرباه:

وذلك بجفائهم وخذلانهم في الشدائد والأزمات، وحرمانهم من مشاعر العطف والبر، مما يبعث على تناكرهم وتقاطعهم.

4 - ظلم الإنسان للمجتمع:

وذلك بالاستعلاء على أفراده وبخس حقوقهم، والاستخفاف بكراماتهم، وعدم الاهتمام بشؤونهم ومصالحهم. ونحو ذلك من دواعي تسيب المجتمع وضعف طاقاته.

وأبشع المظالم الاجتماعية، ظلم الضعفاء، الذين لا يستطيعون صد العدوان عنهم، ولا يملكون إلا الشكاة والضراعة إلى العدل الرحيم في أساهم، وظلاماتهم.

فعن الباقر عليه السلام قال: لما حضر علي بن الحسين عليه السلام الوفاة، ضمني إلى صدره، ثم قال: «يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، وبما ذكر أن أباه أوصاه، قال: يا بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا اللّه تعالى»( الوافي ج 3 ص 162 عن الكافي).

5 - ظلم الحكام والمتسلطين:

وذلك باستبدادهم، وخنقهم حرية الشعوب، وامتهان كرامتها، وابتزاز أموالها، وتسخيرها لمصالحهم الخاصة.

من أجل ذلك كان ظلم الحكام أسوأ أنواع الظلم وأشدّها نُكراً، وأبلغها ضرراً في كيان الأمة ومقدراتها.

قال الصادق عليه السلام: «إن اللّه تعالى أوحى إلى نبي من الأنبياء، في مملكة جبار من الجبابرة: أن إئتِ هذا الجبار فقل له: إني لم استعملك على سفك الدماء، واتخاذ الأموال، وإنما استعملتك لتكفّ عني أصوات المظلومين، فاني لن أدع ظلامتهم وان كانوا كفاراً»( الوافي ج 3 ص 162 عن الكافي).

وعن الصادق عن آبائه عن النبي صلى اللّه عليه وآله أنه قال: «تكلم النارُ يوم القيامة ثلاثة: أميراً، وقارئاً، وذا ثروة من المال.

فتقول للأمير: يا من وهب اللّه له سلطاناً فلم يعدل، فتزدرده كما يزدرد الطير حب السمسم.

وتقول للقارئ: يا من تزَين للناس وبارز اللّه بالمعاصي فتزدرده.

وتقول للغني: يا من وهب اللّه له دنيا كثيرةً واسعةً فيضاً، وسأله الحقير اليسير قرضاً فأبى إلا بخلاً فتزدرده»( البحار م 16 ص 209 عن الخصال للصدوق (ره)).

وليس هذا الوعيد الرهيب مقصوراً على الجائرين فحسب، وإنما يشمل من ضلع في ركابهم، وارتضى أعمالهم، وأسهم في جورهم، فإنه وإياهم سواسية في الإثم والعقاب، كما صرحت بذلك الآثار:

قال الصادق عليه السلام: «العامل بالظلم، والمعين له، والراضي به، شركاء ثلاثتهم»( الوافي ج 3 ص 163 عن الكافي).

لذلك كانت نُصرة المظلوم، وحمايته من عسف الجائرين، من أفضل الطاعات، وأعظم القربات إلى اللّه عز وجل، وكان لها وقعها الجميل، وآثارها الطيبة في حياة الإنسان المادية والروحية.

قال الإمام الكاظم عليه السلام لابن يقطين: «أضمن لي واحدةً أضمن لك ثلاثاً، إضمن لي أن لا تلقى أحداً من موالينا في دار الخلافة إلا بقضاء حاجته، أضمن لك أن لا يصيبك حدّ السيف أبداً، ولا يظلك

سقف سجن أبداً، ولا يدخل الفقر بيتك أبداً»( كشكول البهائي طبع إيران ص 124).

وقال أبو الحسن عليه السلام: «إن لله جل وعزّ مع السلطان أولياء، يدفع بهم عن أوليائه».

وفي خبر آخر: «أولئك عتقاء اللّه من النار»( الوافي ج 10 ص 28 عن الفقيه).

وقال الصادق عليه السلام: «كفّارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان»( الوافي ج 10 ص 28 عن الفقيه).

وعن محمد بن جمهور وغيره من أصحابنا قال: كان النجاشي - وهو رجل من الدهاقين - عاملاً على الأهواز وفارس، فقال بعض أهل عمله لأبي عبد اللّه عليه السلام: إن في ديوان النجاشي عليّ خراجاً، وهو ممن يدين بطاعتك، فان رأيت أن تكتب لي إليه كتاباً. قال: فكتب إليه أبو عبد اللّه: «بسم اللّه الرحمن الرحيم سُر أخاك يسرك اللّه».

فلما ورد عليه الكتاب وهو في مجلسه، فلما خلا ناوله الكتاب وقال: هذا كتاب أبي عبد اللّه عليه السلام، فقبله ووضعه على عينيه ثم قال: ما حاجتك؟ فقال: عليّ خراج في ديوانك. قال له: كم هو؟ قال: هو عشرة آلاف درهم.

قال: فدعا كاتبه فأمره بأدائها عنه، ثم أخرج مثله فأمره أن يثبتها له لقابل، ثم قال له: هل سررتك؟ قال نعم. قال: فأمر له بعشرة آلاف درهم أخرى فقال له: هل سررتك؟ قال: نعم جعلت فداك.

فأمر له بمركب، ثم أمر به بجارية وغلام، وتخت ثياب، في كل ذلك يقول: هل سررتك؟ فكلما قال: نعم، زاده حتى فرغ، فقال له: أحمل فرش هذا البيت الذي كنت جالساً فيه حين دفعتَ إليَّ كتاب مولاي فيه، وارفع إليّ جميع حوائجك. قال: ففعل، وخرج الرجل فصار إلى أبي عبد اللّه عليه السلام، فحدثه بالحديث على جهته، فجعل يستبشر بما فعله.

قال له الرجل: يا بن رسول اللّه قد سرّك ما فعل بي؟ قال: إي واللّه، لقد سرّ اللّه ورسوله(الوافي ج 10 ص 28 عن الكافي).

وخامة الظلم

بديهي أنّ استبشاع الظلم واستنكاره، فطري في البشر، تأباه النفوس الحرّة، وتستميت في كفاحه وقمعه، وليس شيء أضرّ بالمجتمع، وأدعى إلى تسيبه ودماره من شيوع الظلم وانتشار بوائقه فيه.

فالإغضاء عن الظلم يشجع الطغاة على التمادي في الغيّ والإجرام، ويحفّز الموتورين على الثأر والانتقام، فيشيع بذلك الفوضى، وينتشر الفساد، وتغدو الحياة مسرحاً للجرائم والآثام، وفي ذلك انحلال الأمم، وفقد أمنها ورخائها، وانهيار مجدها وسلطانها.

علاج الظلم

من العسير جداً علاج الظلم، واجتثاث جذوره المتغلغلة في أعماق النفس، بيد أن من الممكن تخفيف جماحه، وتلطيف حدته، وذلك بالتوجيهات الآتية:

1 - التذكر لما أسلفناه من مزايا العدل، وجميل آثاره في حياة الأمم والأفراد، من إشاعة السلام، ونشر الوئام والرخاء.

2 - الاعتبار بما عرضناه من مساوئ الظلم وجرائره المادية والمعنوية.

3 - تقوية الوازع الديني، وذلك بتربية الضمير والوجدان، وتنويرهما بقيم الإيمان ومفاهيمه الهادفة الموجهة.

4 - استقراء سيَر الطغاة وما عانوه من غوائل الجور وعواقبه الوخيمة.

جاء في كتاب حياة الحيوان عند ذكر الحجلان: أن بعض مقدّميُّ الأكراد حضر على سماط بعض الأمراء، وكان على السماط حجلتان مشويتان، فنظر الكرديُ إليهما وضحك، فسأله الأمير عن ذلك، فقال: قطعت الطريق في عنفوان شبابي على تاجر فلما أردت قتله، تضرّع فما أفاد تضرعه، فلما رآني أقتله لا محالة، التفت إلى حجلتين كانتا في الجبل، فقال: إشهدا عليه إنه قاتلي، فلما رأيت هاتين الحجلتين تذكرت حمقه» فقال الأمير: قد شهدتا، ثم أمر بضرب عنقه(كشكول البهائي طبع إيران ص 21).

وفي سراج الملوك لأبي بكر الطرطوسي: أنّ عبد الملك بن مروان أرق ليلةً، فاستدعى سميراً له يحدثه، فكان فيما حدّثه أن قال: يا أمير المؤمنين، كان بالموصل بومة، وبالبصرة بومة، فخطبت بومة الموصل إلى بومة البصرة بنتها لابنها، فقالت بومة البصرة: لا أفعل إلا أن تجعلي صداقها مائة ضيعة خراب! فقالت بومة الموصل: لا أقدر على ذلك الآن، ولكن إن دام والينا علينا، سلمه اللّه تعالى سنة واحدة فعلت ذلك، فاستيقظ عبد الملك، وجلس للمظالم، وأنصف الناس بعضهم من بعض، وتفقد أمر الولاة(سفينة البحار ج 1 ص 1101).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عباس الزيرجاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/09/28



كتابة تعليق لموضوع : الظلم أنواعه .. وخامته .. علاجه
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net