صفحة الكاتب : سلمان عبد الاعلى

نحن ووصايا الإمام العسكري (ع)
سلمان عبد الاعلى

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  ورد عن الإمام الحسن العسكري (ع) أنه قَالَ لِشِيعَتِهِ: ((أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالْوَرَعِ فِي دِينِكُمْ، وَالِاجْتِهَادِ لِلَّهِ، وَصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكُمْ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، وَطُولِ السُّجُودِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ؛ فَبِهَذَا جَاءَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله، صَلُّوا فِي عَشَائِرِهِمْ، وَاشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ، وَعُودُوا مَرْضَاهُمْ، وَأَدُّوا حُقُوقَهُمْ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ إِذَا وَرِعَ فِي دِينِهِ، وَصَدَقَ فِي حَدِيثِهِ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَحَسُنَ خُلُقُهُ مَعَ النَّاسِ قِيلَ هَذَا شِيعِيٌّ فَيَسُرُّنِي ذَلِكَ. اتَّقُوا اللَّهَ، وكُونُوا زَيْناً، وَلَا تَكُونُوا شَيْناً، جَرُّوا إِلَيْنَا كُلَّ مَوَدَّةٍ، وَادْفَعُوا عَنَّا كُلَّ قَبِيحٍ؛ فَإِنَّهُ مَا قِيلَ فِينَا مِنْ حُسْنٍ فَنَحْنُ أَهْلُهُ، وَمَا قِيلَ فِينَا مِنْ سُوءٍ فَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ؛ لَنَا حَقٌّ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَقَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَتَطْهِيرٌ مِنَ اللَّهِ، لَا يَدَّعِيهِ أَحَدٌ غَيْرُنَا، إِلَّا كَذَّابٌ، أَكْثِرُوا ذِكْرَ اللَّهِ، وَذِكْرَ الْمَوْتِ، وَتِلَاوَةَ الْقُرْآنِ، وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، احْفَظُوا مَا وَصَّيْتُكُمْ بِهِ، وَأَسْتَوْدِعُكُمُ اللَّهَ وَأَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلَام‏))[1].

          يمكننا أن نقسم هذه الوصايا الواردة عن الإمام العسكري (ع) من حيث طبيعتها إلى قسمين:

القسم الأول: الوصايا العامة:

وهي في قوله (ع): ((أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالْوَرَعِ فِي دِينِكُمْ، وَالِاجْتِهَادِ لِلَّهِ، وَصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكُمْ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، وَطُولِ السُّجُودِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ))، وكذلك في قوله (ع): ((أَكْثِرُوا ذِكْرَ اللَّهِ، وَذِكْرَ الْمَوْتِ، وَتِلَاوَةَ الْقُرْآنِ، وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله)). وهذه وصايا عامة للشيعة بإتباع مبادئ الإسلام وقيمه وتعاليمه.

القسم الثاني: الوصايا الخاصة:

وهي في قوله (ع): ((صَلُّوا فِي عَشَائِرِهِمْ، وَاشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ، وَعُودُوا مَرْضَاهُمْ، وَأَدُّوا حُقُوقَهُمْ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ إِذَا وَرِعَ فِي دِينِهِ، وَصَدَقَ فِي حَدِيثِهِ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَحَسُنَ خُلُقُهُ مَعَ النَّاسِ قِيلَ هَذَا شِيعِيٌّ فَيَسُرُّنِي ذَلِكَ. اتَّقُوا اللَّهَ، وكُونُوا زَيْناً، وَلَا تَكُونُوا شَيْناً، جَرُّوا إِلَيْنَا كُلَّ مَوَدَّةٍ، وَادْفَعُوا عَنَّا كُلَّ قَبِيحٍ)).

وهذه الوصايا هي كما يبدو تتناول الطريقة التي يجب أن يتعامل بها الشيعة مع سائر المسلمين، فهي عبارة عن إجابة لهذا السؤال: كيف يجب أن يتعامل الشيعة مع المخالفين لهم في المذهب؟! إذ أن وصية الإمام (ع) فيها إشارة واضحة لأهمية التفاعل مع الأمة وعدم العزلة عنها، فالإمام العسكري (ع) يوصي أتباعه من الشيعة بأن يشاركوا أبناء بقية المذاهب الإسلامية ويتفاعلوا معهم في حياتهم وقضاياهم الدينية والاجتماعية كالصلاة معهم وتشييع موتاهم وعيادة مرضاهم إلى غير ذلك من الوصايا الأخرى.

ولقد سعت الحكومات المتعاقبة عبر التاريخ وإلى يومنا هذا لعزل الشيعة عن واقع الأمة الإسلامية، وجعلهم يعيشون على هامشها، بحيث صوروهم وكأنهم ليسوا مكوناً رئيسياً من مكوناتها، وبأن لهم أجندات ومشاريع خاصة بهم تختلف عن ما لدى غيرهم من أبناء المسلمين، بل هي متناقضة معها، وكأنهم –وهذا ما يعتقده البعض فعلاً- أعداء للأمة الإسلامية ولا يريدون الخير لها. ونحن نسمع بين الفينة والأخرى الاتهامات الصريحة والهجمات العنيفة والمنظمة ضد الشيعة، فهم دائماً متهمون وملامون ومضايقون سواءً فعلوا شيئاً أو لم يفعلوا، وهذا ما ساهم في عزلهم عن مجتمعاتهم في الكثير من الدول والمجتمعات الإسلامية.

وللأسف أن بعض الشيعة تربى على هذه العزلة واعتاد عليها حتى بات يفضلها، ولذلك نراه لا يحاول تجاوزها أو اختراق حدودها، لأن ذلك سيوقعه في الكثير من المشاكل والمصاعب، فهو لا يتفاعل مع غيره من أبناء المذاهب الأخرى، وإن تفاعل معهم فتفاعله ضعيف ومحدود جداً، حيث تجده لا يكون صداقات حقيقية معهم، وعلاقته بهم تبقى علاقة سطحية وعابرة ومصيرها سينتهي إلى الزوال حتماً، بحيث ستكون وكأنها لم تكن أصلاً، كالكثير من علاقات العمل أو الدراسة أو السفر العابرة.

وهذا الأمر له مخاطر كبيرة منها ما نعيشه هذه الأيام من تصديق الكثير من أبناء السنة بأن ولاء الشيعة في المملكة لإيران وليس لدولهم، فأنا أعتقد بأن جزءاً كبيراً من تصديق هذه الأكذوبة من قبل البعض هي بسبب عدم تفاعل واحتكاك أبناء السنة هؤلاء بالشيعة تفاعلاً واحتكاكاً إيجابياً، إذ لو كانت تربطهم بالشيعة علاقات إيجابية قوية كعلاقات الصداقة الحقيقية مثلاً, فإن كذبة من هذا النوع لن تمر أبداً، لأن الصديق يعرف صديقه ويثق به ولا يتأثر بأي إشاعة موجهة من أعداء صديقه لصديقه، خصوصاً إذا لم يكن لها سند قوي، بعكس العدو الذي يصدق كل شيء سلبي موجه ضد عدوه، لأن القابلية عنده للتصديق بها كبيرة جداً، وذلك لأنه يريد أن يصدق ذلك حتى لو كان هذا الأمر ضعيفاً ومتناقضاً وواضح البطلان. ونحن نلاحظ أن أبناء السنة الذين تربطهم علاقات إيجابية مع أفراد من الشيعة لا يصدقون مثل هذه الأكاذيب السخيفة.

ومن هنا نفهم وصية الشيخ محمد مهدي شمس الدين في وصاياه للشيعة عندما قال: ((أوصي أبنائي وإخواني الشيعة الإمامية في كل وطن من أوطانهم، وفي كل مجتمع من مجتمعاتهم، أن يدمجوا أنفسهم في أوطانهم. وأن لا يميزوا أنفسهم بأي تمييز خاص، وأن لا يخترعوا لأنفسهم مشروعاً خاصاً يميزهم عن غيرهم))[2].

ومن الأمثلة الإيجابية لحركة التفاعل والاندماج للشيعة مع غيرهم من أبناء المذاهب الإسلامية، ما ذكره رجل الأعمال السعودي البارز سعد المعجل في ندوة له أقيمت في الغرفة التجارية بالرياض، والتي أعدتها لجنة شباب الأعمال، عندما أثنى على شباب الشيعة في العمل من أبناء المنطقة الشرقية، وذلك في معرض جواب له حول سؤال وجه له في هذا الصدد[3].

وهذا بسبب اندماج الشيعة في العمل وإثبات كفاءتهم فيه، بحيث أصبح ذلك واقعاً لا يستطيع أن يشكك فيه أحد، ولو جاء شخص وشكك في ذلك فلن يصدقه أحد ممن يحسب لعقله حساب، كيف وقد أصبحوا رقماً حياً لا يمكن تجاهله في ميدان العمل، فلقد استطاعوا أن يؤثروا على الآخرين رغم كل الصعوبات التي تكبدوها في سبيل ذلك.

وقد يقول قائل: بأن التفاعل والاندماج مع أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى غير صحيح في هذا الوقت الذي يعاني فيه الشيعة الكثير من الضغوط والاضطهاد، وإن وصايا الإمام العسكري (ع) صحيحة ولكن بشرط أن تكون في الظروف الطبيعية لا في ظروف عصيبة كالتي نمر بها في الوقت الراهن.

ومن يقول هذا القول يغفل من أن الشيعة كانوا على طول حقب التاريخ يعانون من الظلم والاضطهاد، ويغفل أيضاً من أن الظرف الذي عاش فيه الإمام الحسن العسكري (ع) لا يقل سوءاً عن وضعنا الحالي، لدرجة وصل به الأمر أن يكتب إلى بعض شيعته قائلاً لهم: ((ألا لا يُسَلِّمَنَّ عليَّ أحد، ولا يشير إليَّ بيده، ولا يومئ، فإنكم لا تؤمنون على أنفسكم))[4]. ومع ذلك كان يوصي بهذه الوصايا، فوصاياه عليه السلام لم تكن في فترة رخاء على الشيعة، بل العكس، ومن يعتقد بخلاف ذلك فهو واهم.

          لذلك علينا (أن نكون جادين) ونحاول تطبيق هذه الوصايا التي أوصانا بها الإمام العسكري (ع) قدر الإمكان، ولا نعيش العزلة وننطوي على أنفسنا، بحيث نكون هامشيين على واقع المجتمع الإسلامي، وكأننا حالة طارئة وليست أصيلة، لأننا دون ذلك لن نستطيع أن نؤثر في هذا الواقع فضلاً عن أن نقود تغييراً فيه. 


[1] راجع كتاب تحف العقول لأبن شعبة الحراني ص487-488.

[2] راجع كتاب الوصايا للشيخ محمد مهدي شمس الدين ص27.

[3] راجع الرابط التالي: http://www.youtube.com/watch?v=RxT_Hy23b0o

[4] راجع كتاب بحار الأنوار ج50، ص269.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سلمان عبد الاعلى
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/02/04



كتابة تعليق لموضوع : نحن ووصايا الإمام العسكري (ع)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net