رواية عن الفتوى المقدسة.. ( وكنت معهم )

( مذكرة الشيخ باسم النصراوي )
(1)
 أصبح تحسين عبد الله يعشق الصمت، لا يريد أن يتحدث بشيء يؤذيه ويؤذي الناس، لا يريد أن يقلب المواجع، والبعض يعمل جاهداً ليوقظ فيه صوته الذي امتلك التجربة والوعي، هو قال كل شيء منذ بواكير الأحداث وقبلها، قال: إياكم أن تأخذكم اللعبة السياسية الى تدابيرها، فتمزق لكم هويتكم ووطنيتكم وانسانيتكم، هم يتذكرون ما قاله:ـ دعونا نتعرف على مصدر المشكلة؛ كي نعالجها بحكمة، الاخفاق الحكومي لا يمثل أمة وشعباً.
نحن بمقدورنا اليوم أن نغيّر حكومات ان ننهض بالواقع الخدمي، بمقدورنا كشعب ان نعمر تلك البنى التي تمس حياة المواطن، كيف ينظر الناس اليه اليوم وقد ارتدى صمته، لا أحد يلومه، فهو طالما قال: شذبوا انتقاداتكم، أبعدوا ساحات الاعتصام عن دسائس السياسة، الاصلاح لا يأتي عبر قتل الأخ لأخيه والصديق لصديقه.
:ـ اياكم والطائفية، قالها في كل حين، فإنها مقيتة، قال لهم: ماذا بعد اسقاط الحكومات؟ قال لهم هذا الصامت اليوم:ـ فسروا لي معنى (قادمون يا بغداد)، كل هذه الأمور كان تحسين العبد لله يدركها ويعرف معناها، كان يحلل الاخبار ويقترح القرارات، كان يتدفق في الكلام عند كل صوت، يحاورهم بهدوء، وكان الجميع في حينها يصغي اليه، لكن ما فائدة أن يصغي الانسان وهو يعبث بمستقبل اهله وناسه، ما فائدة أن يصغي وهو يسير الى الباطل بقدميه، الفضول الذي سيطر على البعض اليوم وهم يروون في هذا الصمت أذى، يا ليته تكلم ليعنفنا مثلما يريد، ليلوم، ليعاتب، ليقول كل الذي يريد ان يقوله، لكن لا يصمت.
 يقول الشيخ عارف: إن تحسين العبد الله صار يتكلم بعينيه، وكلام العين اقسى، كل نظرة فيها تقول معاتباً: ألم أقل لكم من قبل، أن ساحات الاعتصام انتحار، أنتم كلكم تعرفون، أن تنظيم القاعدة تنظيم ارهابي فمنذ متى اصبحنا نحمل هذا التنظيم هوية وانتماء؟ ونتغنى باسمه انتشاء: (احنا تنظيم اسمنا القاعدة)، كانت السياسة تحرككم بأصابعها الخبيثة والتي تعرف كيف لعبت بأقدار البعض منا، كل نظرة من عينيه تعاتبنا، ألم أقل لكم: انتبهوا الى خيامكم التي كثرت، ومطالبكم التي كبرت، وهذه كلها تدابير لاستفزاز الحكومات من اجل استغلال أي تحرك لها، وفعلاً بعد قضية حرق بعض الخيام تغيرت العناوين، كان يقول لي:ـ شيخ عارف، لِمَ تغيرت العناوين؟ كيف تسمحون للقاعدة أن تتحرك باسم ثوار العشائر؟
 اعترض احد أهل الفضول، وقال: هذا الصمت ليس من القضايا البسيطة، هي محنة أمة، فأما أن ينطق لنعرف ماذا يريد أو لنغمض عينيه قسرا ونستريح، سألته: وماذا تقرأ انت فيها؟ أجابني: أشياء كثيرة يا شيخ عارف اشياء كثيرة، قلت: لا شيء مهم ما دمنا لا نسمع له مشورة. كان يسألني أسئلة لا أجد لها عندنا جواباً، يسألني: كيف صرنا دواعش؟ من أين أتت داعش يا شيخ عارف؟ لماذا صرنا نفتخر بانهيار الاجهزة الامنية العراقية؟ صرنا نتحدث عن هروب افراد من قواتنا بلذة المنتصر، نفتخر بأننا نجمع الغنائم من بعضنا البعض، كيف سقطت تلك المدن بهذه السرعة (كركوك، صلاح الدين، ديالى، الانبار)..؟
 :ـ شيخ، ما الذي يفرحنا بهذا المصير؟ يسألني شيخ عارف:ـ اين كانت تلك الخلايا النائمة في جسد العراق؟ كيف ننال الأمان ونحن ذبحناه حتى وصل الأمر أن بعضنا يحتل بعضا، وأقسى كلمة سمعتها منه حين قال لي ذات مرة:ـ دمرتم الفقراء.
 أتذكر أنه سألني وطالما كانت اسئلته محرجة؛ كونها من الصميم:ـ هل استقبالكم للفاتحين الجدد خوفا منهم او فرحا بهم؟ يا شيخ راحت منا الطارمية، والنباعي، والكرمة، والعامرية، وجرف الصخر، واليوسفية، واللطيفية، والسعدية، وحُوصرت بغداد، أليست هذه مفاجأة قاسية؟ مفاجأة مرعبة؟ انخلع لها قلب العالم وانتم تفرحون؟ هل ما نعيشه من أحداث هو واقع أم وهم يا شيخ عارف؟ كلنا اليوم مشاريع ذبح في منهجية هؤلاء الدواعش.
 قلت للشيخ عارف: وهل هذا القول كان فعلاً يفاجئك؟ اي انك لا تدري بحقيقة ما يجري؟ قال الشيخ عارف بعين دامعة:ـ شعرت أحياناً بأن أحدنا يخون، قال لي تحسين العبد الله: إن الحرب خدعة ومن مكر الحروب أن تحول سلام المدن الآمنة الى ميادين قتال، أن تأخذ منها أكثر مما تعطي شيئاً، أن تجزأ أمتكم الى حصص تشد قتال احدكم على الآخر، وتبارك النصر لكل الاطراف.
ما كان يقلقني أن تحسين عبد الله كان ينتظر الحل من مرجعية النجف وله علاقة حميمية مع الشيخ باسم يستمد منه جميع تحركات المرجعية المباركة، أنا أيضاً لم أكن أفهم معنى هذا الفرح الذي يحمله أو الأمل الذي اصبح يكبر فيه، وجاءني يوماً يحمل بفرح بياناً اصدرته المرجعية بالنجف، كان تحسين عبد الله متابعاً لما تصدره المرجعية الدينية في النجف الاشرف مكتب سماحة السيد السيستاني (دام ظله الوارف) كالبيان الذي صدر بتاريخ 11/6/2014م وكان البيان بشأن الأحداث، فقرأه لي لعدة مرات بصوته، وكل مرة كان يقرأ بتلوين صوتي جديد: (بسم الله الرحمن الرحيم.. تتابع المرجعية الدينية العليا بقلق بالغ التطورات الأمنية الاخيرة في محافظة نينوى والمناطق المجاورة لها، وهي اذ تشدد على الحكومة العراقية وسائر القيادات السياسية في البلد ضرورة توحيد كلمتها وتعزيز جهودها في سبيل الوقوف بوجه الارهابيين، وتوفير الحماية للمواطنين من شرورهم، تؤكد على دعمها واسنادها لأبنائها في القوات المسلحة، وتحثهم على الصبر والثبات في مواجهة المعتدين، رحم الله شهداءهم الابرار، ومنّ على جرحاهم بالشفاء العاجل انه سميع عليم). حين كنا نتحدث عن تحركات داعش كان هو يحدثنا عن تحركات المرجعية المباركة ومتابعتها للأحداث والتواصل مع الشيخ باسم النصراوي ومعتمدي المرجعية في تلك المناطق. كان تحسين عبد الله مواطناً صالحاً يحب بلده العراق، وصوتا وطنيا جذب اهتمام الناس اليه.
وفي يوم 13/ 6/2014م اعلن سماحة السيد السيستاني فتوى الدفاع المقدسة على لسان خطيب الجمعة الشيخ عبد المهدي الكربلائي من خلال منبر الجمعة في الصحن الشريف.
 اشتد به الفرح وكأني اراه لأول مرة، اسأله: ما الذي جرى؟ لا شيء يا شيخ سوى ان الشيخ باسم اخبرني بأن اجتماع الاخوة معتمدي المرجعية في العتبة العلوية المقدسة يوم 18 شعبان، وأدار الاجتماع السيد العميدي مسؤول المعتمدين.
سألته: ما الذي جرى بعد يا تحسين؟ اجابني: اشياء تسر القلب، فقد دار الاجتماع حول امور تعبئة الجماهير للالتحاق بمؤسسات الجهد العسكري، ورعاية عوائل المقاتلين المتطوعين والشهداء والاهتمام بالجرحى ولابد ان يكون لنا فعل حاسم لمساندة جنود المرجعية، والفرج ان شاء الله قريب.
 كنت اخاف عليه من فتك الدواعش، فهم لا يرحمون احداً، وهو لا يخبئ مشاعره ووجدانه المرتبط بتحركات المرجعية؛ لكونها المنقذة للبلاد من هذا المصير العابث، كان يقولها بفرح وبعالي الصوت:ـ إن الاقبال على مراكز التطوع كبير حتى ان المعسكرات ضاقت بالمتطوعين، هذا في وقت كانت بغداد محاصرة ولا يمكن وصول المقاتلين الى وحداتهم الا عن طريق الجو من قاعدة الشهيد محمد علاء الجوية في مطار بغداد، وهذا يعني ان الدنيا بخير والشعب ما زال موحدا، لم تستطع داعش ولا القاعدة من فت اواصر المحبة.
 وما يفرحني ان الرجال جاءوا يتحدون الموت من اجل تحرير مناطقنا، من أجل ان نعيش بأمن وسلام، هذا يعني ان نعيق البوم غير قادر على هز التفاؤل، كان تحسين العبد الله يزودنا بالأخبار من صديقه الشيخ باسم النشط مع اقرانه في تحرك المرجعية، يرسل له ما تحقق من احداث، وكنا ننتعش بتلك الرسائل، وما تحمل من احداث فقد وردتنا منه رسالة. 
موكب المطار:
 كنا سعداء بهذه التحركات التي تكشف وجه الخير والفرح والأمل القادم علينا من المرجعية المباركة، السؤال الذي يدور في كل رأس: هل كنا نفعل مثلما فعلوا هم اليوم لو كانت الصورة معكوسة؟ قال الشيخ: ربما، بينما اجاب تحسين العبدالله عن هذا السؤال: بالتأكيد نعم، فقال الشيخ: كيف خمنت ذلك؟ اجاب تحسين العبد الله: لأن نفوذ المرجعية المباركة لا يقف عند حدود الهوية المذهبية بل هو صوت العراق بكل ما يحمل من انتماءات، لذلك ستكون النصرة وطنية.
 كتب لي صديقي الشيخ باسم عن الوفد المرجعي: ان احد الضباط واسمه العميد ماهر وهو ضابط استخبارات في الجيش العراقي يرغب برؤيتنا للتواجد في مطار بغداد من اجل تقديم المساعدة للمقاتلين الملتحقين بوحداتهم، الفتوى دخلت بشهرها الثاني وكان الاقبال على مراكز التطوع كبيرا حتى ان المعسكرات تضيق بالمتطوعين وكانت بغداد محاصرة، فلا يمكن وصول المقاتلين الى وحداتهم الا عن طريق الجو من قاعدة الشهيد محمد علاء الجوية في مطار بغداد.
في يوم 27 من شهر رمضان كان موعدنا في ساحة عباس بن فرناس، جاءت سيارة عسكرية نوع (بيك اب) فيها ضابط برتبة مقدم (المقدم مهند) سلم علينا وترافقنا الى داخل المطار العسكري، كنا نمر بشارع طوله 15 كم حتى وصلنا الى قاعدة الشهيد محمد علاء الجوية، وقد رأيت اعداداً كثيرة من الجنود والمدنيين يسيرون على الاقدام قاصدين القاعدة الجوية، وعندما وصلنا الى القاعدة الجوية الى جناح ضيوف الشرف، كانت القاعدة مليئة بالمقاتلين الذين يفترشون الأرض، استقبلنا العقيد الطيار عادل السوداني مسؤول استخبارات القاعدة كان محبطا وصدرت منه كلمات التذمر والاستياء، وبعد تبادل السلام والتعريف بيننا قال: (انت رقم 101 من الذين زاروا القاعدة من دون فعل شيء وان من كل 500 مقاتل يأتون الى هنا لا يبقى منهم الا اقل من مائة، ان بغداد محاصرة ولا يمكن للمقاتل الالتحاق بوحدته الا عن طريق هذه القاعدة التي يبقى فيها المقاتل اكثر من ستة أيام، وهو ينتظر دوره للسفر لقلة الطائرات، ويبقى من دون طعام وشراب بل لا يوجد مكان مناسب لمبيتهم بسبب كثرة الاعداد حيث يدخل اكثر من 1500 مقاتل يومياً، وان هذا المكان اهم من غيره بسبب ان المقاتل يذهب منه الى ساحة المعركة مباشرة هذه مجموعة 200 مقاتل جاء بهم احد الضباط منذ أربعة أيام، وتركهم هنا واختفى عنهم)، ثم انتقلنا الى مقر امر القاعدة اللواء الطيار محمد عوني الذي بيّن أن ملاك القاعدة من الضباط والمراتب 125 مقاتلاً نأخذ من كل مقاتل مبلغ 125 الف دينار عراقي باسم التمويل الذاتي ونحن متفقون مع طباخ يقدم ثلاث وجبات للمقاتلين بهذا المبلغ ولمدة شهر كامل.
 من الممكن أن يتحمل ضيوف عدد خمسة او عشرة، لكن لا يمكن ان يتحمل ما يقارب اكثر من 1500 مقاتل يوميا خصوصا اننا محطة نقل، وأن المقاتلين منشورون على وحداتهم الأصلية. 
 اتفقنا أن نقوم بفتح مطبخ يقدم الطعام للمقاتلين الوافدين سواء أكانوا من الحشد او الجيش او الشرطة ثم كانت لنا جولة في القاعدة الجوية، حيث دخلنا الى مدرج الطائرات كانت الطائرات عسكرية حمل، وبين ان عدد الطائرات ست فقط، اثنان منها تم تحويرها الى قاصفات للاستفادة منهما في العمليات العسكرية وواحدة عاطلة وواحدة صغيرة تستعمل للرصد والتصوير، واثنان عليهما نقل المؤن وذخيرة السلاح والعتاد ونقل الجنود المقاتلين، هذا كله اذا كان موقف الطيران يسمح، والا في بعض الأيام تسوء فيها حالة الطقس من مطر وضباب وتراب، والمعارك القريبة لا يمكن القيام بطلعات جوية، ثم قابلنا المقاتلين المتواجدين للسلام عليهم الذين تجمعوا حولنا، وبعد السلام ونقل سلام المرجع الأعلى اليهم وشكرهم على تلبية الواجب وبيان أن الجهاد يعني الجهد الكبير الذي منه قلة الطعام والشراب والنوم ومنه سلب الراحة. 
 بينو شكواهم ان هناك اهمالا لهم وانهم يتأخرون اكثر من ستة أيام ولا يوجد مكان للراحة والمبيت ولا طعام قال احد المقاتلين: (صار لي ستة أيام هنا من دون طعام). 
قال اخر: (انا منذ خمسة عشر يوما لم آكل الا رغيف خبز واحد)، وقال اخر: (لا نريد الا ان يوفروا الطائرات لنقلنا)، وشكى اخر وقال: (لا توجد حتى سيارات توصلنا الى باب النظام الذي يبعد اكثر من 12كم، وكذلك عند دخولنا) وقال اخر: (بطل الماء الصغير يباع علينا بـ 2000 دينار).
ثم كانت لنا زيارة ثانية بعد خمسة أيام تداولنا فيها آلية العمل وحددنا مكاناً للمطبخ، وبدأ العمل يوم 12 من شهر شوال لسنة 1435 للهجرة. 
كان الموكب يقدم الطعام على ثلاث وجبات لأكثر من 1500 مقاتل كان عمل موكب المطار (موكب ريحانة المصطفى المطار) يدار بواسطة بعض الاخوة المتطوعين على شكل وجبات كل وجبة ثلاثة أيام وعليهم مشرف.
 اما نفقات الدعم المالي كانت من المتبرعين، واستمر هذا الحال لمدة سنة الى ان تبنى مكتب سماحة السيد السيستاني مصاريف هذا الموكب والعاملين حيث تم تثبيت وجبتين فقط، كان من ضمن عمل الموكب إقامة بعض المناسبات للمقاتلين وزيارة القواعد الجوية مثل: سبايكر والبكر وقاعدة عين الأسد، وكان للموكب واعضائه دور في المساندة في فك حصار مدينة آمرلي واغاثة أهلها.

الوفد المرجعي:
 الطمأنينة هي الوحيدة التي تذهب بالخوف وممكن ان تزود الانسان بخبرات المواجهة، الوفد المرجعي يدرك تماماً أن داعش مجرد وهم سينتهي، ولا يبقى له أي اثر في الواقع، يقول تحسين العبد الله: إن اليأس هو عبث لا حاجة لنا به، وها هي آمرلي تعاني حصاراً عاتياً لأكثر من ثلاثة اشهر وما استسلمت.
 ويؤكد تحسين العبد الله للشيخ عارف: المسألة ليست سنية شيعية بل عراقية من الصميم، ولابد ان تكون هناك راية واحدة ومصير واحد وهذا ما وضحته الاحداث.
 قال الشيخ عارف: انا اعرف ان قضية آمرلي هي مسألة هوية ووجود وانتماء لكن هل لديك معلومات عن تحرك المرجعية لإنقاذها؟ فأجاب تحسين العبدالله:ـ يقول الشيخ باسم: ان التنسيق تم بواسطة العميد سمير الركابي آمر قاعدة محمد علاء الجوية مع طيران الجيش حيث ان طائرات القوة الجوية كبيرة وتحتاج الى مطار واسع، ولا يوجد هكذا مطار في آمرلي، ولا يمكن تحليقها على مسافات منخفضة ورمي حمولتها - كما كانت تفعل في جبل سنجار -؛ لأنها ستكون تحت نيران العدو.
 وبتاريخ 23/9/2014م كانت للوفد المرجعي زيارة الى مطار التاجي العسكري ومقابلة العميد الطيار عامر، ضابط ركن القاعدة وتم الاتفاق معه على تخصيص طائرتين لنقل المؤن والطعام لأهالي آمرلي، وأن يكون شيخ جعفر البياتي معتمد سماحة السيد السيستاني (دام ظله الوارف) في منطقة آمرلي هو الذي يستلم الحمولات الواصلة من مطار التاجي، وهو الذي يقوم بتوزيعها على الأهالي وابقينا المنسق في المطار (ملازم اول احمد). 
مساندة خطوات المرجعية:
سأل الشيخ عارف: ما الذي علينا ان نفعله؟ أجاب تحسين العبد الله: علينا ان نساند خطوات المرجعية المباركة، لقد قلت لصديقي الشيخ باسم الذي جاء مع الوفد المرجعي: اننا معكم وعلى أهلنا ان يعرفوا ان ليس كل سني داعشيا، هذه الرسالة لابد ان تصل الى الجميع.
 عقب الشيخ عارف: لكن لابد ان تخبره بوضع قضاء حديثة فالقضاء محتاج الى كل خطوة تخطوها المرجعية. فابتسم له تحسين العبد قائلاً: هم الآن في قاعدة عين الأسد، لقد جاءت رسالة الشيخ باسم يوم 13/11/2014م يقول فيها: كانت هناك رحلة الى قاعدة عين الأسد في الانبار، في أيام شهر محرم الحرام، والهدف منها هو زيارة القطعات العسكرية والحشد المتواجد، ونقل سلام ودعاء سماحة السيد (أعلى الله مقامه)، وتم تهيئة وجبة الطعام في مطبخ قاعدة محمد علاء الجوية ونقلها الى هناك بالطائرة العسكرية.
 وانتقل الوفد المرجعي بواسطة سيارات قيادة القوة الجوية لزيارة مقر القاعدة أولاً، وبعد السلام على منتسبي القاعدة الجوية ومداولة الاحتياجات انتقلوا بجولة في داخل القاعدة الجوية كما يقول صديقي الشيخ باسم. 
عقب الشيخ عارف: لكن لابد من لقاء مع الشيوخ لتكون هناك خطوات يقين بأن المناطق الغربية ترفض داعش وتحارب داعش. فأجابه تحسين بكل هدوء: هذا ما حصل فعلاً، وصاح الشيخ بفرح: حدثني كيف حصل ذلك؟ أجابه: التحق بهم آمر قيادة قوات البراق التابعة للحشد الشعبي، وبعد تفقد القطعات وبعد عودتهم شاركوا بمؤتمر عشائري اقامته قيادة عمليات الجزيرة والبادية، وكانت هناك مجاميع كبيرة من الشباب ينتظرون في باب القاعة.
 يخبرني صديقي الشيخ باسم - أحد عناصر الوفد المرجعي المبارك - بأنه كان متأكدا من وجود شباب الغربية مع الحشد ومع المرجعية الدينية المباركة، لكنه لم يكن يتوقعهم بهذه الأعداد الكبيرة من الشباب والشيوخ من أهالي الغربية، الذين كانوا يرغبون بالدفاع عن أراضيهم ومستعدين للموت والتضحية والدفاع عن الوطن.
 يقول صديقي المرجعي:ـ هذا الموقف كشف زيف اعلام داعش فهذا الشعب ليس معهم والسنة ليسوا معهم كما يدعون، وما يقدمه الناس هنا هو الدليل، لم يأت احد منهم قسرا او خنوعا وانما جاءوا طواعية وبروح وطنية عالية، يريدون مساندة أولئك الصامدين في مدنهم المحاصرة، يرغبون بالدفاع عن أراضيهم وكان مطلبهم الوحيد هو تسليحهم ضد العصابات الاجرامية وادامة المعركة.
 كان الشباب ينتظرون وبطوابير كبيرة لتسليمهم السلاح وعند دخولنا الى القاعة هبّ الجميع لاستقبالنا بكلمات الترحيب، قال احد الحاضرين وبصوت عالٍ: (نحن مرجعنا السيد السيستاني لا غير)، وقال آخر: لقد تأخرتم علينا كثيرا، منطقة حديثة والبغدادي تنتظركم فهما محاصرتان تماما، وهناك شحة في المواد الغذائية والوقود وغيرها، الحياة اشبه بالمشلولة تماماً.
 قال الشيخ عارف: الآن افرحتني كثيرا، الاعلام الداعشي شوش على جميع منافذ الاعلام حتى ظن العالم بأن جميع الغربية يرحبون بهم ويفتحون بيوتهم للغازين..! أجاب تحسين: المرجعية الدينية المباركة، تدرك تماما هذا الذي يقلقك، والا ما معنى ان تحاصر حديثة والبغدادي وتقاوم مناطق كثيرة أخرى من المناطق الساخنة، هؤلاء ليسوا من خلف الحدود يا شيخ، انهم من قلب العراق، يحملون روح الانتماء العراقي، وابلغني صديقي انهم نقلوا هذه المشاهدات الى مكتب سماحة السيد السيستاني فتمت الموافقة المبدئية، وبعد المشاورة في كيفية الوصول الى المناطق المحاصرة خصوصا، قال الشيخ عارف: القضية المقلقة في الامر ان الجهات الرسمية ستؤخر الاجراءات دون أن تدرك أن القضية لا تحتمل التأجيل، فالناس في المدن المحاصرة سيموتون من نقص الأغذية، والجوع من الأسلحة الفتاكة التي استخدمها الداعشيون ضد أهلنا، الجالسون يهزون رؤوسهم بالموافقة على شرعية هذا القلق ويؤيدون مخاوف الشيخ عارف.
 ابتسم حينها تحسين العبد الله قائلاً: ليس هناك شيء يفوت المرجعية الفطنة، فسماحة السيد السيستاني (دام ظله الوارف) - كما يقول صديقي الشيخ باسم - له رغبة في عدم مخاطبة الجهات الرسمية عبر كتابنا وكتابكم، وبهذا الإصرار حصلت الموافقة الرسمية وتم رصد مبلغ قدره 50 الف دولار لشراء المواد الغذائية من السوق المحلية وتم التأكيد على مادة الطحين حيث تم شراء خمسين طنا منه وخمسين طنا من البقوليات والزيت وغيرها، وارسل متولي العتبة العباسية جناب السيد احمد الصافي خمسين طنا من مادة رز الكفيل، وتم شحن المواد الى مطار بغداد قاعدة (الشهيد محمد علاء) الجوية وآمرها (العميد سمير الركابي) الذي طالبنا بإجراء رسمي لتوريد هذه المواد، ولعدم وجود مخزن خاص بنا، ولأن سيارات العتبة جاءت محملة بمادة الرز من كربلاء طلبنا منه توريد المواد عنده في القاعدة لحين حصول الموافقات الرسمية. 
تأخرت تلك الموافقات الرسمية اكثر من عشرين يوماً، وفي اتصال هاتفي مع مستشار النقل الجوي (العميد داخل) الذي ذلل الكثير من الصعوبات وبعد ثلاثة أيام، حصلت الموافقة على نقل 150 طنا من المواد الغذائية بطائرات القوة الجوية الى قاعدة الأسد، وكذلك الأمر لقيادة الفرقة السابعة بتوفير مكان للخزن وعدم التصرف بها لحين حضور ممثل المرجعية المباركة.
 فكان نقل المواد بالتتابع من بغداد الى قاعدة الأسد في كل يوم من 10 الى 12 طنا واستمر النقل 15 يوما وارسلت وزارة الصحة 10 أطنان من المواد الطبية الى صحة حديثة تم نقلها مع وفد المرجعية، وكانت المواد تصل الى قاعدة الأسد الجوية ليستلمها من المدرج (العقيد عبد القادر) و(الرائد صلاح) ويتم نقلها الى مخازن العينة للخزن.
 قال الشيخ عارف: انا ما زلت اركز هل كان لشيوخ العشائر حضور، هل مدوا اليد مع المرجعية؟ أجاب تحسين العبد الله:ـ نعم شيخ، كانت لوفد المرجعية سفرة يوم 22/1/2015 لتهيئة الأمور والتنسيق مع مجلس علماء الرباط المحمدي وشيوخ العشائر في منطقة البغدادي وحديثة والحقلانية وبروانة، وتم الاتفاق في مكتب سماحة السيد السيستاني على افراد الوفد من السادة والمشايخ.
 وفي صبيحة يوم 5/2/2015 كان الموعد في ساحة عباس بن فرناس وبعد اكتمال النصاب وتواجد ملحوظ للإعلاميين دخل الوفد المرجعي الى القاعدة العسكرية الجوية كان بانتظارهم (العميد الطيار سمير الركابي) وبعد الاستراحة في قاعة الضيافة تم تهيئة الطائرة وكانت هناك جولة في القاعدة، موكب ريحانة المصطفى المتواجد في القاعدة الجوية.
 الشيخ باسم قال: إن الوفد المرجعي كان في مقصورة الطائرة اتصل جناب السيد محمد حسين العميدي مسؤول المعتمدين في مكتب سماحة السيد، وبعد السلام قال: انقل لكم سلام ودعاء سماحة السيد بالنجاح بهذه المهمة، ثم قال: انكم موفودون من قبل سماحة المرجع شخصيا، استفسر صديقي الشيخ باسم عن إمكانية ابلاغ الاعلام فوافق السيد، وقال: نعم انتم وفد يمثل سماحة السيد السيستاني (دام ظله الوارف)، حينها أبلغت الاخوة الاعلاميين بذلك، فكانت مفاجأة كبيرة بالنسبة لهم، حيث انهم جاءوا على اعتبار هناك مؤسسة مدنية هي التي أرسلت هذه المواد وبمساعدة من معتمدي المرجعية.
طارت الطائرة في تمام الساعة العاشرة صباحا وعند وصولنا كان بانتظارنا رتل عسكري تابع لقيادة الفرقة السابعة الذي نقلنا الى مقر قيادة الفرقة وكان بانتظارنا قائد عمليات الجزيرة والبادية اللواء الركن ضياء دنبوس الساعدي وقائد الفرقة السابعة (العميد الركن مجيد اللهيبي) وبحضور رجال الدين من منطقة حديثة، وأجرينا اجتماعا مصغرا تم فيه الاتفاق على آلية التوزيع التي تجري تحت اشرافنا وبمساعدة مجلس علماء الرباط المحمدي وشيوخ عشائر المنطقة.
 وظيفة الجيش تهيئة الآليات وحماية الوفد والأهالي وكذلك تم تقسيم كمية المواد حسب ما يراه القادة الامنيون مناسبا على المناطق، وبعدها جمعت الصلاة القلوب أقيمت صلاة الجماعة معاً في قاعة قريبة داخل القاعدة العسكرية، تم تحميل اكثر من عشر سيارات بالمواد الغذائية، يقول صديقي الشيخ باسم: ثم ركبنا السيارات العسكرية (نوع همر) التي تبعث في النفس إحساسا ان الموت قريب حيث كان الزجاج المصفح قد بان فيه ومن كل جوانبه رصاص القناص، وكان الجنود بوضع الاستعداد لمواجهة محتملة كانت الوجهة الى منطقة حديثة التي تبعد عن القاعدة الجوية 45كم بينهما مناطق تحت سيطرة العدو مثل جبة والبوحيات.
 تجاوزت السيارات حواجز الجيش لتبتعد شيئا فشيئا عن التحصينات الدفاعية وتبرز في صحراء قاحلة واذا بنا نمر على وديان سحيقة وكأنها من وديان جهنم حيث ان الجسور والقناطر مقطعة تماما فتنزل السيارات في بطن الوادي حتى اخذ الجنود وضعا اخر عند وصولهم لوادي حوران الذي وصفوه انه الأخطر بهذه الرحلة..! 
وصلنا الى منطقة حديثة وقطعنا شوارعها التي كانت تخلو من المارة وان المحال مقفلة والأسواق لا ترى لها اثرا، تشعر بأن الخوف يخيم حتى على جدران المنازل والبيوت، وأنه لا يميز في هذه المدينة بين الصديق والعدو وصلنا الى النادي الرياضي، دخلت السيارات لتفريغ حمولتها وتجمهر الناس حولنا وابتدأنا بالكلام: (دعاء وسلام سماحة المرجع اليكم لأنكم صامدون ولأنكم عراقيون وان سماحته يدرك ما تعانونه ويوصيكم بالصبر والثبات).
 ثم ابتدأ توزيع المواد، الى ان وردت معلومات من قبل الجيش بضرورة ترك المكان لاستهدافه من قبل انتحاريين..!
 كانت المحطة الثانية بيت احد شيوخ العشائر، الذي استضاف الوفد والحاضرين بمأدبة غداء، قال الشيخ عارف: لِمَ لم تخبرنا لذهبنا معهم ولقدمنا ما نستطيع، فإن هم كبلوا مدننا، لكنهم عجزوا عن تكبيل الانسان، وأشار الى تحسين: اكمل يا اخي تحسين، ان رجال المرجعية نشامى شجعان.
 يقول الشيخ باسم: عودتنا الى القاعدة الجوية كانت ليلا ومبيتنا في جناح خاص بالضيوف، وعند الصباح كانت وجهتنا الى منطقة البغدادي تم تحميل ما تبقى من المواد والبالغة (464 كيس رز، و375 كيس طحين، و88كارتون زيت طعام، وحليب أطفال 82 كارتون، و200 كارتون معجون)، وانطلقت السيارات عند الساعة العاشرة وكان بصحبتنا (العميد الركن مجيد اللهيبي) واتجهنا الى مقر اللواء 28 وكان هناك لقاء بشيوخ العشائر.
 صاح الشيخ عارف: بمن التقوا من الشيوخ هناك يا تحسين؟ فقال تحسين العبد الله: لقد ارسل لي الشيخ باسم كلمة الشيخ مال الله العبيدي (لقد شرفتونا بهذه الزيارة التي تعطي رسالة اننا واحد ودمنا واحد وان معاناتنا واحدة وانتم تمثلون الدين الحقيقي ذكرتمونا يوم نسانا الاقربون الذين لم يكلفوا انفسهم ولو بالسؤال، نعم كان يتصل بنا الشيخ عبد المهدي الكربلائي يوم معركة جبة، ولا انسى كلمته لي وهو يقول: لا أخرج من مرقد سيدنا الحسين حتى تنتصرون وتنتهي المعركة).
 وقال الشيخ مال الله العبيدي: انتم وعمائمكم تاج على رؤوسنا وهناك عمائم جلبت لنا الفتنة منا وبيننا والفتنة نائمة لعن الله من ايقظها، هل حب سيدنا الحسين اثم؟ اذا كان اثما عند داعش، فنحن نفتخر به؛ لأننا نعتقد ان الله خلق الخلق لأجل محمد (صل الله عليه واله واهل بيته).
 ويقول شيخ باسم: ثم انتقلنا الى مدرسة الاشاوس في المجمع السكني في البغدادي، ولم يكن الحال مختلفاً عن مدينة حديثة من حيث الحذر والخوف، وكان الناس قد ابتدأت تتجمع في المدرسة ومحيطها حتى صارت طوابير كبيرة، وبعد إتمام التوزيع تم زيارة احد الجرحى في بيته وتمت المساعدة المادية، وكانت العودة مساء نفس اليوم حيث تناقلت الوكالات الاعلامية الرسمية وغيرها وصول الوفد ونقل المواد الى حديثة المحاصرة فاتصل سماحة السيد العميدي وابلغنا بموعد اللقاء مع سماحة المرجع، فكان اللقاء الذي ضم اعضاء الوفد الثمانية من السادة والمشايخ وكذلك جناب السيد محمد حسين العميدي مسؤول المعتمدين في العراق، دخلنا الى الحجرة المتواضعة التي اعتدنا ان نراها بأثاثها المتواضع مذ سنين حيث تلك (الكرويتات) البسيطة يعلوها الشرشف الرصاصي، وسماحة المرجع يجلس في إحدى الزوايا بجلسته البسيطة وهيبته التي تملأ المكان وحين النظر اليه يقفز الى الذهن معنى من معاني القرآن: (ونورهم يسعى بين ايديهم).
 كان بجنبه سماحة الشيخ محمد حسن الانصاري، سبقنا سماحة السيد ابو حسن محمد رضا السيستاني، همس في اذن سماحة المرجع الذي وقف ليرحب بنا وهو واقف:ـ اهلا وسهلا سلمنا واحدا تلو الاخر وبعد ان اخذنا مكاننا قلنا: سيدنا لقد ذهبنا الى حديثة المحاصرة لإغاثة العوائل المتعففة والمحاصرة والنازحة جراء العمليات الارهابية من داعش، والحمد لله نجحنا بالوصول الى الناس هناك وكان لهذه الزيارة اثر كبير في قلوب ونفوس الناس الذين ثمنوا هذه الزيارة التي جاءت في وقت يقولون: نسانا القريب والبعيد ولم نذكر الا من اخوة لنا في النجف الاشرف وهو مذهب امير المؤمنين (عليه السلام).
 صاح الشيخ عارف: إي والله والنعم من أولاد علي، فقال تحسين العبد الله: أليست هذه المتابعة وبهذه الدقة هي حرص على أداء المسؤولية، مسؤولية الضمير والانتماء.
قد بينت هذه الزيارة ان هذا المذهب الاثني عشري مذهب يحب السلام والوئام ونبذ العنف ويؤمن بالإخوة في الوطن الواحد، ويقول الشيخ باسم النصراوي:ـ نقلنا كلامكم بأن سماحة السيد يصفكم بأنكم انفسنا وانا اخوة معكم في كل صغيرة وكبيرة، ونقلنا لسماحة السيد: إن احد ائمة المساجد في حديثة قال: لقد قرأنا تاريخ المذاهب والاخوة الاسلامية وقرأنا عن المذهب الجعفري، ولكن كل ما قرأناه لا يصل الى ما رأيناه على ارض الواقع من تحملكم عناء السفر ووحشة الطريق وبعده وخطورته من اجل الوصول لنا.
 فرفع سماحة المرجع رأسه وقال: الحمد لله هذه الرسالة التي اردنا ان نوصلها من ان داعش لا يمثل أحدا لا من الشيعة ولا من السنة، بل لا يمثل الاسلام والحمد لله الرسالة وصلت عن طريق الفتوى أولاً، وعن طريقكم ثانيا، وانا معكم ما دمتم تنكرون افعال داعش، وانا ادعو لكم ولكل العراقيين الذين يعيشون بهذا البلد بالأمن والأمان والعيش الكريم وان هذه الازمة تتغلبون عليها بتكاتفكم والتراحم فيما بينكم وقولوا لهم: ان شهداءكم شهداؤنا ولولاهم لسبيت النساء وان شاء الله يكونون من الصالحين والتابعين وشهداء من اصحاب الحسين (عليه السلام).
 كان هناك سؤال يدور في الاذهان، يقول الشيخ عارف: كنت أتمنى ان اعرف مصدر التمويل لأرد به ألسنة من سيسأل؟ قال حينها تحسين العبد الله: في رسالة الشيخ باسم لي أكد ان سماحة السيد السيستاني انه قد وضح للوفد مصدر التمويل دون ان يسأله احد لكنها قراءة أفكار، قال سماحة السيد (دام ظله الوارف): هذه الاموال التي نرسلها هي اموال شخصية، عن طريق هدايا الناس، ونحن لا نستعملها بقضايانا الشخصية، بل نرسلها معكم لحل قضايا الناس بها، ومنها هذه الزيارات التي تقومون بها فالفقراء والمعوزون من الناس أولى، وكانت حصة اهالي حديثة ما ذهبتم به، نجود بما عندنا في قضاء حوائج الناس، لا نكلم بذلك احدا ولا نطلب من الدولة ذلك فهل سمعتم ان احدا من ائمتكم (عليهم السلام) كلم الحكام في قضاء حوائج الناس او صار واسطة بين الناس والحكام ونحن نسير على نهج ائمتنا (عليهم السلام) نفعل ما فعلوه.
 قال الشيخ عارف: هذا الرجل يمتلك حكمة الأئمة (عليهم السلام) ولكن السؤال الذي في بالي: وهل هذه الرحلة بكل ما تملك من عطاء هي كافية، وهذا ليس اتهاما بالتقصير بل مدحا بما تحملته المرجعية منفردة بهذا الجود.
 أجابه تحسين العبد: ومن قال لك انها كانت رحلة واحدة؟ قاطعه الشيخ عارف: اذن كررها الرجال.. عقب تحسين العبد: لم يكن لأحد ان يتوقع أن المرجعية المباركة قادرة على ان تمضي بهذا المشروع العملي من إغاثة المحاصرين والنازحين على اختلاف مذاهبهم واديانهم، ولكن على ارض الواقع ابتدأت ملامح هذا المشروع تتبين يوما بعد اخر، حتى اسقطت دعوى المتكاسلين من المسؤولين وغيرهم من عدم القدرة وعدم الإمكان من أداء الواجب على الأقل بل صار بإمكان مؤسسات الدولة ووزاراتها والمؤسسات المدنية ان تصل الى تلك المناطق المحاصرة بيسر وسهولة اذا تحققت الرغبة والعزيمة بأداء الواجب.
يقول صديقي الشيخ باسم النصراوي: تنبه العدو الى تحركنا الإنساني واعتبره حربا على مشروعه؛ لكونه يريد تجويع الشعب واذلال الناس، عمل بكل قدرته واستطاعته وبكل ما اوتي من قوة ان ينتقم من الأطراف المساهمة بهذا العمل الخيري وتصفية كل من يتعاون معنا بهذا المشروع، كثف من هجماته على تلك المدن حيث تعرضت حديثة الى عدة هجمات استطاع أهلها من الذود والدفاع عنها، وتعرضت منطقة البغدادي الى عدة هجمات استطاع العدو من السيطرة على المجمع السكني في هذه الناحية والمجمع السكني يقع على مقربة من الباب الرئيسي لقاعدة عين الأسد، ويعني ذلك قطع الطريق بين القاعدة وحديثة التي يقع فيها سد حديثة، وهربت العوائل من بطش الارهابيين الذين عاثوا فسادا، وتصل بهم حقارتهم الى ان ينادوا في مكبرات الصوت ومن الجوامع كلمات التهديد والوعيد: (خلي السيستاني يفيدكم)..!
 التجأت العوائل الى داخل القاعدة وأقيم لهم مخيم للإيواء واستطاعت مجموعة إرهابية من التسلل الى داخل القاعدة العسكرية عددهم ثمانية عشر إرهابيا حتى وصلوا الى مقر الإقامة التي كنا فيها ووصلوا الى مخزن العينة حيث كنا نخزن المواد الواردة من بغداد الى قاعدة الأسد وقد استشهد (الرائد صلاح) الذي كان مسؤولا عن تلك المخازن وهو يذود عن الأمانة بكل ما يمتلك من همة وضمير، رحمه الله شهيدا ينعم في جنات الخلد، ونعتبره الأمين وقد استطاع رجال الجيش والحشد من قتل الارهابيين المتسللين جميعهم.
 (وقد سبقت هذه المحاولة محاولة كانت في بغداد حيث تسلل إرهابي يرتدي حزاما ناسفا ويحمل مسدسا كاتما للصوت الى حسينية شهداء العدل التي كنا نستعملها لخزن المواد قبل ايصالها الى المطار وفيها مكتب لاجتماع أعضاء اللجنة استطاع هذا الإرهابي من قتل الحرس الأول والثاني بالمسدس، وجرح الثالث الذي أصابه وانفجر فأصيب اثنان من المصلين).
 فكان لابد من عملية عسكرية سريعة استطاعت بها القوات الأمنية من استعادة المجمع السكني، عادت الكثير من العوائل الى منازلها، لكن البنى التحتية تعرضت الى خراب لذا كانت نداءات الاستغاثة عالية منها ما جاء على لسان قائد شرطة البغدادي المقدم قاسم (اناشد المرجعيات الدينية في النجف الاشرف وكل الشرفاء بإغاثة أهالي البغدادي الذين يموتون جوعاً وعطشاً كالإمام الحسين عليه السلام) ونداءات من قيادة الفرقة السابعة والحشد المتواجد هناك فتمت الموافقة من قبل مكتب سماحة السيد السيستاني بنقل 125طنا من مواد الغذائية وتم هذه المرة النقل بسلاسة حيث تكفلت العتبة الحسينية بقضية الموافقات الرسمية. ابتسم الشيخ وقال: يعني هؤلاء العلماء اشتركوا في مواجهات كبيرة مع الموت من اجل الناس.
وفي صبيحة يوم آخر كان تواجدنا في ساحة عباس بن فرناس حتى تكاملنا ثم كان دخولنا الى القاعدة الجوية معا استوقفتنا السيطرة الأولى وبعد التعرف علينا واجراء النداء جاء الامر بالدخول الى ان وصلنا الى صالة الضيافة كان باستقبالنا (العميد الطيار سمير الركابي) آمر القاعدة الجوية، ثم جاء محافظ صلاح الدين الذي تباحثنا معه في كيفية إغاثة النازحين هناك وطلب منا زيارة تلك المخيمات و(اللواء الركن المرحوم فاضل برواري) الذي اتفقنا معه على ضرورة الوصول الى جبل سنجار وقد ابدى ارتياحه للعمل معنا وقال: اتشرف ان اخدمكم اذ احتجتم اليّ بهذا الموضوع ارجو ان تتصلوا بي وبالفعل عندما كانت رحلة كردستان تم الاتصال به وقد ذلل (رحمه الله) كثيرا من الصعاب.
 يكمل الشيخ باسم في مكالمته مع صديقه تحسين العبد الله: طارت الطائرة في تمام الساعة العاشرة صباحاً، كان بانتظارنا رتل من السيارات التابعة لقوات البراق للحشد الشعبي، اتجهنا الى مقر قيادة الفرقة السابعة وكان بانتظارنا (اللواء الركن ضياء الساعدي) قائد عمليات الجزيرة والبادية و(العميد الركن مجيد اللهيبي) قائد الفرقة السابعة اللذان رحبا بالوفد، وشرح (اللواء ضياء) عملية التسلل التي جرت وكيفية اختراق خط الصد وعملية التحرير وأشاد بدور المرجعية الابوي بإغاثة النازحين وشكر سرعة الاستجابة، ثم طلب الوفد ضرورة توفير مخزن خاص للجنة يكون تحت تصرفنا ويدار من قبلنا وتمت الموافقة بالحال ثم تم تحميل السيارات العسكرية التابعة للفرقة السابعة بالمواد الغذائية وانطلقنا الى حيث المخيم الذي هو داخل القاعدة العسكرية على مسافة غير بعيدة.
 كانت هناك سيارة (كوستر) وبجنبها مجموعة من العوائل وعند مرورنا نادت سيدة: (لا تتركوني انا علوية خذوني معكم) توقف الموكب وترجلنا كانت مجموعة من المرضى حيث رأيت نساء حوامل عددهن ثلاثة اخذهن الطلق والوجع وصبي يتلوى من شدة الألم وكان الزائدة الدودية انفجرت ببطنه، واخر كان الجرب باديا على جلده على العموم كان العدد22 لم يسمح لهم بالسفر الى بغداد؛ لأنه لابد من استحصال الموافقات الرسمية للسفر كان في حينها الطريق البري لا يمكن سلكه؛ لأن المنطقة محاصرة من جميع الجهات فلابد من طائرة لمن يريد الخروج من هذه المناطق.
وكان في حينها لا يسمح للأهالي ان يتركوا مدنهم؛ لكي لا تستخدم تلك البيوت مأوى للإرهاب او يستغل الاعلام المغرض ذلك ويدعي ان هناك تغييرا ديموغرافيا ولا يسمح الا بتحصيل الموافقات التي تمر بسلسلة طويلة من خلال عمليات الجزيرة والبادية وصولا الى المشتركة وبالعكس اذ تحتاج الى ايام واسابيع..!
على أي حال قررنا ان نأخذهم معنا قلنا للسائق: خذهم الى مدرج الطائرة ونحن نلتحق بكم بعد إتمام العمل، وصلنا الى المخيم الذي كان تحت حراسة مشددة وعلامات العوز والاحتياج بادية عليه حيث تلك الخيم البيض التي تشبه بنسقها القبور ولا تكاد تقي ساكنيها من حر او برد لا كهرباء وشحة الماء وقليل من الفرش والاثاث والبطانيات ويكاد يكون الطعام ممنوعا لندرته رغم ان القوات العسكرية تعطي من قوتها لضيوفهم بهذه المخيمات ويتقاسمون الرغيف وبطل الماء وان اكثر الموجودين هم أطفال ونساء وقليل من الرجال.
 كان الصبية والأطفال يعلو وجوههم الخوف والجوع والحرمان وقد تغيرت من حرارة شمس النهار وبرد الليل وقلة غسل الوجه لندرة الماء وقد صبغت بلون التربة والغبرة التي كانت تجوب سماء الصحراء بين الحين والآخر، انظر الى تلك الاقدام الحافية التي عليها علامة مشتركة وهي الوساخة والقذارة التي حرام والله ان تمس اقدام أبنائنا، وكانت الايدي تقرحت من تقرحات وجرب، ركض الجميع صوب السيارات العسكرية المحملة بالمواد الغذائية وصارت الطوابير رجالا ونساء اما الأطفال رغم كل ما مر بهم الا انهم كانوا يبحثون عن ضالتهم التي تفرحهم وهي ثوب جديد تلتقفه الايدي بلهفة وشغف وكان كل واحد يعيش أيام العيد بوسط هذا المخيم.
قمنا بجولة على المخيمات نصبر الناس لتحمل هذه المعاناة، سيدة تبكي وتقول: هربنا بأعمارنا لا ملابس ولا فراش وكما ترى ابنائي، واحد عنده ثلاثة أطفال، والآخر ستة أطفال، وجمع لنا المقاتلون بطانيات وفرشا، ولي خمسة ابناء، ثلاثة استشهدوا واثنان (عمار مندب، وزيد مندب) قلبي عليهم ولا اعلم اين هم الان حيث ذهبوا يقاتلون داعش.
 وسيدة مسنة أخرى تقول: نحن نعيش مأساة لا ترضي الله، مرضى وهجرونا، قصفوا بيوتنا، الله لا يوفقهم الف مرة ولم نفعل لهم شيئا، الا لأننا شرفاء هجموا علينا في منطقة جبة فهربنا الى منطقة الحي السكني فهجموا علينا ثانية وشردونا، آوانا الجيش هنا فاحسن معاملتنا.
يقول الشيخ باسم النصراوي: اجتمعت حولنا نسوة بادرتهن بالكلام: (ان شاء الله بصبركم نتجاوز هذه المحنة وبدماء الشهداء يتحرر العراق، وان سماحة السيد المرجع يدعو لكل العراقيين صباحا ومساء).
قالت احداهن: (نحن نشكركم ونشكر جهودكم وندعو للحشد ولا نريد الا عودة الانبار كسابق عهدها، اتركونا نأكل التراب المهم ان نرجع نمشي بالأنبار رافعي رؤوسنا).
كان الفريق الطبي معنا ونحن نجوب المخيم تأتي امرأة باكية، بيدها طفل وهي تطلب ان نأخذها الى بغداد لعلاج ابنها الذي يبلغ من العمر سنة واحدة وهو يعاني تلف الدماغ، سألنا: من يذهب معه؟ قالت: انا، وأين تسكنين هناك؟ قالت: اوصلوني الى بغداد ولديّ اقاربي، سجلنا اسمها وتم اضافتها الى تلك الوجبة التي ارسلناها الى المدرج. 
رجعنا الى مقر الفرقة السابعة الذين اكرموا ضيافتنا بوجبة الغداء رغم تأخر الوقت بعدها انتقلنا الى مقر آمرية القاعدة الجوية ولقاء (العميد المحمداوي) طلبنا منه ان نصحب هذه العوائل معنا الى بغداد لغرض العلاج رفض ببادئ الأمر؛ لأن ذلك يحتاج الى الموافقات الأمنية وبعد الالحاح قال: حتى لو اذنت لكم ستواجهون صعوبة في بغداد واحتمال ارجاعهم وارد وكبير، قلنا: تكرموا علينا باركابهم بالطائرة المعدة لنا ونحن نتكفل في بغداد.
 وصلنا الى بغداد بحدود الساعة الثامنة مساء طلبنا سيارة اسعاف للحالات الحرجة منها النساء الحوامل والطفل الذي كان يتلوى من بطنه وباقي المسافرين اركبناهم بسيارة باص وحاولنا الخروج الى ان وصلنا الى البوابة الرئيسة منعنا من الخروج الا بعد اجراء التصاريح الأمنية الخاصة للنازحين، قمنا بمجموعة اتصالات باءت بالفشل حتى الساعة الثانية عشرة ليلا عندها طلبنا ان نخرج معا وبرفقة الاستخبارات الى مقر الفرقة الرابعة لإجراء التدقيق الأمني.
وعند وصولنا الساعة الواحدة ليلا ركضت اطلب من الجنود (الشرطة) طعاما للأطفال والنساء الذين كانوا يرتعشون من الجوع فهبوا مسرعين وجاءوا بكيك وفواكه وخبز، واتممنا الإجراءات عند الساعة الواحدة والنصف صباحا، اخرجناهم بسياراتنا؛ لأن حضر التجوال قد ابتدأ في بغداد وتم ايصالهم كل الى المكان الذي يريد، وكانت السيطرات تبدي المساعدة عند معرفة الامر.
 في اليوم الثالث اتصل بي (مقداد العبيدي) وهو المرافق للطفل الذي ارسلناه لمستشفى اليرموك شكرنا وقال: ان اخي أجريت له عملية رفع الزائدة الدودية فور وصولنا، حيث انها كانت منفجرة في بطنه وطلب ان نجد له مكانا؛ لأن المشفى طلب منه الخروج، وان عنده مراجعة بعد ستة أيام، استأجرنا له غرفة في فندق في الكاظمية المقدسة، واتصل بي مرة اخرى بعد ستة أيام طلب ان نرتب له رجوعه الى حديثة، واخبرني كذلك ان امرأة في باب المشفى حامل تنزف، وهي من أهالي البغدادي، فهل بالإمكان مساعدتها.
أرسلت خالتي الحاجة ام وسام وزوجتي لمعاينة الحالة فاتصلت بي وقالت: ان البنت بحالة يرثى لها، ولا تملك أوراقا ثبوتية والطلق اخذها فأدخلت المشفى، وبقيا معها خمسة أيام، ولدت مولودا اسمته كامل، كانت البنت تبلغ من العمر 17 سنة ومريضة بمرض السكر جاء بها زوجها وتركها ورجع الى حديثة لاستلام راتبه، فلم يسمح له بالعودة الى بغداد.
خرجت من المشفى وجاءت عندنا في البيت في مدينة الصدر الاورفلي وبقيت سبعة أيام بعيدة عن طفلها الذي بقي في الخدج في مشفى اليرموك كنا نأخذها ترضع ابنها ونرجعها وفي اليوم الثاني عشر اخرج الطفل من المشفى لتبقى عندنا 22 يوما بعدها تم معرفة عنوان زوجها (اوس) وتم ترتيب دخوله الى بغداد فالتقيا عندنا في البيت وتم تأجير بيت متواضع لهم حتى رجعا بعد فترة الى حديثة، وهم اليوم يسكنون في الرمادي.

جنود المرجعية:
قال الشيخ عارف: اشهد انهم كبار جنود المرجعية ابطال والله، والا من يستطيع ان يصل الى مثل تلك المناطق وفي ساعات الخطر، هذه هي يقظة الضمائر يا تحسين، فأجابه تحسين العبد الله: لو عرفت ماذا بعد حديثة؟ قال الشيخ عارف بدهشة: وماذا بعد؟ قال تحسين: اخبرني صديقي باسم النصراوي وهو يروي ما حدث:
 بعد العودة من مدينة حديثة ولقاء سماحة السيد السيستاني (اعلى الله مقامه) والصدى الإعلامي الكبير والاثر الذي تركته تلك الزيارة في النفوس اتصل مكتب سماحة السيد وطلب إمكانية الوصول الى مدينة الضلوعية.
 صاح الشيخ عارف مندهشا: الضلوعية محاصرة من ثلاث جهات يا تحسين..! اجاب تحسين: ارسلوا وفدا للاستطلاع أولا لخطورة تلك المناطق وبعد ذلك ليقرروا فتبين ان منطقة الضلوعية محاصرة من ثلاث جهات رغم ان العمليات العسكرية قد فكت الحصار الخانق عليها الا انه لا يمكن الوصول اليها الا من خلال مدينة بلد الصامدة التي كانت تمثل عصب الحياة لأ،هالي الضلوعية كانتا ترتبطان بجسرين تم تفجير احدهما وهو الجسر الكونكريتي ليبقى الجسر الخشبي المتهالك هو الذي يغذي مدينة الضلوعية وتحت راية أهالي بلد الذين كانوا نعم العون والنصير لأهالي الضلوعية، لكن بهذا الجسر مشكلة انه لا يحمل اكثر من خمسة أطنان، ولا يمكن عبور السيارات الكبيرة من خلاله.
 العشائر التي تسكنها والتي استبسلت بوجه داعش هم عشائر الجبور وان الشرطة فيها لم تتقاض راتبا في تلك الأيام، وان فيها اكثر 120 شهيدا واكثر من 600 جريح وهي مأوى لسكان المناطق المجاورة مثل: العلم والبوعجيل وغيرها.
 ولما كان الطريق يمر ببلد اقترح الوفد ان تشمل مدينة بلد بالمساعدات فتمت الموافقة على ذلك، ورصد مبلغ قدره 100 الف دولار مقدمة من مكتب سماحة السيد (دام ظله الوارف) واشتروا المواد الغذائية من السوق بالإضافة الى ما ارسلته العتبتان المقدستان الحسينية والعباسية فصار مجمل ما ارسل300 طن حصة بلد منها 150 طنا والضلوعية150 طنا والتي نقلت الى مخزن في مدينة بلد استأجروه لخزن المواد وتعبئتها ونقلها لأماكن التوزيع، وهيئوا المواد التي ستوزع في منطقة بلد وجمعت البيانات بواسطة (الشيخ موسى الكيم).
 عقب الشيخ عارف: كيف استطاعوا حمل تلك المواد وبهذا الوقت العصيب على اهل الضلوعية، اكيد كان الله معهم؟ أتم تحسين حديثه: اما منطقة الضلوعية فبعد اكمال تكييس المواد على شكل سلال غذائية، كل كيس يحوي 11 مادة بالإضافة الى كيس طحين وكيس رز نقلت المواد بواسطة سيارات صغيرة (نوع كيا) حمل لعدم قدرة الجسر الخشبي على تحمل السيارات الكبيرة واودعت المواد في متنزه فيه قاعة للمناسبات وتحت اشراف الأخ (العميد المتقاعد حسن دفر).
 وفي صبيحة يوم الثاني، مرت السيارات في وسط مدينة بلد باتجاه الشمال الشرقي منها حتى وصل وفد المرجعية المباركة الى ضفة النهر حيث الجسر الخشبي المتهالك ينتاب الانسان شعور بالخوف من سقوطه جراء الحركة او تفجيره في أي لحظة، اكثر شيء اغاظ داعش هو هذا الجسر الذي يغذي مدينة جميعها بشبابها وكهولها ونسائها واطفالها وانه الرابط الوحيد الذي يعبر عن التلاحم والتراحم بين أبناء بلد والضلوعية. عبرت السيارات واحدة تلوى الأخرى فكان بانتظار الوفد في الجانب الاخر جمع غفير من السادة المسؤولين والقادة العسكرين وشيوخ ووجهاء العشائر.
 كانت كلمة الشيخ كامل البلداوي: (نهنئ أبناء الضلوعية بالخصوص بهذا النصر وتحرير الأرض والوعد بتحرير كل ارض العراق من دنس الأشرار بيدي أبنائه لا غير وان المرجعية تأخذ بنظر الاعتبار الوقفة البطولية لأهالي الضلوعية المستمدة من وقفة ابي الاحرار الامام الحسين -عليه السلام- وانا موفودون من قبل مكتب سماحة المرجع الأعلى وان هذه الزيارة معنوية اكثر منها مادية وفيها جملة من الرسائل).
ثم تحدث عضو مجلس المحافظة عبد الله الجبوري: (انا لمسنا ان المرجعية على مسافة واحدة من جميع المكونات وانها اب لجميع العراقيين).
وكانت هناك كلمة لقائد شرطة الضلوعية قال فيها: (نشكر اهتمامكم بقضايا الضلوعية وانا طبقنا فتوى المرجعية في حماية العراق وان شاء الله سنبني العراق عموما وان أهالي الضلوعية قد أعطوا بهذه المعركة التي دارت على ارض يسكنها عشائر الجبور اكثر من 118 شهيدا وأعطى إخواننا اهل الجنوب بهذه المعركة 35 شهيدا، ابتداء باللواء الركن عباس حتى اخر شهيد اسمه حيدر).
ثم كانت لوفد المرجعية جولة في منطقة الضلوعية التي يحضنها نهر دجلة من كل جانب، الأرض توحي ان هناك معارك شرسة دارت رحاها على تلك الأرض حيث الدمار والبيوت التي لم يتبق منها سوى اكوام من حجر وكانت اغلب جبهات البيوت تحمل اوسمة الرصاص الذي حفر تلك الواجهات والسواتر الترابية يمينا وشمالا وخلفها الرجال يحملون السلاح واذا مر وفد المرجعية على مجموعة تبدأ الاهازيج والتلويح بعلامة النصر حتى وصل الوفد الى تجمع عسكري وسط المدينة ويبدو انه أعد لاستقبال الوفد فكانت اهزوجتهم: (اخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه) توقف الوفد المبارك وبعد السلام وأداء التحية تكلم صديقي الشيخ باسم النصراوي: (سلام ودعاء المرجعية اليكم والى كل أهالي الضلوعية؛ لأنكم لبيتم الفتوى التي لم تكن لطائفة دون أخرى بل هي للعراقيين جميعا وان قول سماحة السيد يجب الدفاع عن المقدسات يعني بذلك كل ارض العراق مقدس وليس بخصوص النجف او كربلاء).
يقول صديقي الشيخ باسم: ـوصلنا الى نقطة التماس التي كانت مع العدو وقد صنعوا صرحا من بقايا العتاد المستعمل في تلك المعارك بساحة تسمى ساحة الاسناد واخبرونا ان العدو كان حينها يبعد 40 مترا فقط وان الأهالي لم يتركوا ديارهم وكانت هذه المنطقة اكثر تضررا وخرابا جراء القصف والمفخخات. 
قابلنا سيدة تسمى ام ضياء سلمت علينا وطلبت ان ننقل سلامها لسماحة المرجع وقصت لنا قصتها:ـ في يوم كنت مع ابني هذا اذ كان هناك هجوم للعدو فانفجرت سيارة مفخخة سقط ابني وبترت ساقه وأصاب الجميع ذهول وخوف مكن داعش من التوغل داخل الضلوعية لكن انا ركضت واخذت سلاح ابني المصاب وهوست: (يا جمال الحق باري النا وشوف الزود الهم لو النا) عندها تناخى أهالي الضلوعية وطردوا العدو. 
قال لي احد الحاضرين: انها كانت في إحدى المعارك سببا رئيسيا بصمود اهل الضلوعية ونصرهم ثم انتقلنا الى منطقة قريبة في اطراف الضلوعية حيث مقبرة الشهداء وذلك المنظر المهيب حيث كانت كل القبور تتوشح بالعلم العراقي وبينوا لنا ان هذه المقبرة جديدة حيث كانت أيام حصار داعش يدفن الشهداء داخل حدائق البيوت الى ان تم التحرير وجمع الشهداء في هذه المقبرة، تقدم احد الوجهاء وانشد:
 
أيها الساعي تمهل وتنبه ولا تتعجل
وعن السير توقف وعن الركب ترجل
واعتذر عن كل جزل واغتنم ما هو اجزل
وقف اجلال وعز واعتبر وتأمل
ان ترى ابهى مكان صار للأبطال معقل
طف عليهم وتبرك والى الله تبهل
ودعوا بالخير لهم وعلى الله توكل
فحماة الدار ها هم وهنا الصمصام قد حل

قال تحسين العبدلله: روى لي الشيخ في احدى مكالماته انه كان اللافت للنظر وجود عدد غير قليل من صور الأطفال الشهداء، فتساءلنا؟ فكانت الإجابة: كثرة قنابل الهاونات والمدافع التي كانت تسقط علينا خصوصا في اذان المغرب مع اول تكبيرة للمؤذن: الله اكبر..!
هذه صورة طفلين اخوة يحملان العلم العراقي قال جدهما: انهما كانا اصدقاء الجيش والحشد استشهدا بقنبرة عيار 120هاون سقطت عليهما فتشظى جسداهما، ورأينا امرأة تجلس عند قبر عليه صورة طفل وهي تبكي، جلسنا عندها لمواساتها: (لا نقول لك الا ما قاله رسول الله –ص- العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول ما يغضب الرب ونحن نشعر بالألم والحزن الذي بكم لكن مهما كان الألم الا انه رفع رؤوسكم انت واخواته ويكفي فخرا أنه دفن مع هؤلاء الابطال هو شفيع لكم يوم القيامة) بعدها قرأنا الفاتحة له. 
وقفنا على قبر لمصري الجنسية اسمه محمد شحاذه كان قد سكن في الضلوعية قبل اكثر من 20 سنة استشهد وهو في ساحة المعركة يدافع عنها مع أهلها. 
وقبر آخر لمسيحي أبى الا ان يقف مع اخوته، استشهد وهو يقاتل، ثم انتقلنا الى القاعة التي اجتمع الناس فيها وبدأت الكلمات. 

رحلة كردستان الأولى:
 لا يعد صمت تحسين العبد الله مفاجأة كبيرة؛ كونه اجتاز منطقة الكلام الذي كانت تجدي بقوة وقال ما عليه قوله، وما نفع الكلام الان، وفعلا الصمت اجدى.
يقول الشيخ عارف: كان تحسين العبد الله يمثل الشريان النازف لمدينته حمل هويتها الحقيقية الى العالم ليريهم حقيقة وطنيتنا ومعنى هويتنا رغم مظاهر التسليح والعنف والقتل العشوائي، وشاء الله أن يكون على تماس مع شاب شيخ من وفد المرجعية المباركة، جعلنا هذا الصديق امام ما يجري من سعي بث روح السلام وحملات انقاذ المحاصرين والنازحين والمعنى الانساني.
 كان تحسين العبدالله يقول لصديقه: أتمنى ان اكون معك أُأدّي هذه الطقوس الوطنية، يجيبه الشيخ النصراوي: انت معنا يا تحسين وكل مواطن غيور على امته ووطنه وناسه معنا، لم يكن لحظتها صامتا بل قال ما كان لابد أن يقوله، وينقل لنا كل ما يدور، يكتب الشيخ باسم الى صديقه يخبر اهلنا من خلاله كل شيء، فكتب له عن رحلة كردستان الاولى. 
 بعد موافقة مكتب سماحة السيد السيستاني على زيارة اقليم كردستان وتقديم المساعدة الممكنة للنازحين، كان المقترح أن تكون الزيارة الاولى للاطلاع وتحديد اماكن النازحين والاطلاع على احوالهم، ثم كتابة تقرير بذلك وبعدها نقرر نوع وآلية المساعدات التي يمكن توفيرها. 
 كان لابد من تحصيل الموافقة التي نراها تسهل عملنا وحركتنا داخل الاقليم اتصلنا بالعتبة الحسينية المقدسة، لتوفير الغطاء القانوني من خلال كتب رسمية زودنا بها والتنسيق مع وزارة الداخلية وممثليتها بالإقليم لهذا الغرض. 
 في صبيحة يوم 15/3/2015م وصلنا الى مطار اربيل وبعد الاجراءات الرسمية كان بانتظارنا الشيخ بشير كلي المقيم في اربيل حيث انتقلنا لمقر الاقامة بسيارته الشخصية ونقلنا الى مقر الاقامة في فندق من فنادق المدينة.
 وبعد الاستراحة عقدنا اجتماعا مصغرا للوفد واتفقنا على آلية العمل واستقر الرأي ان يكون هناك احصاء لأعداد النازحين واماكن تواجدهم واستقر الرأي عن تعاون اللجنة مع ممثلية وزارة الهجرة في اقليم كردستان وكان الاجتماع الاول بهم في صبيحة اليوم الثاني 16/3 في غرفة عمليات ايواء النازحين في اربيل حيث كان المدير المهندس ضياء جلال مهدي الزوبعي ممثل اللجنة العليا لإيواء النازحين في اقليم كردستان، والحاج علي عباس مسؤول منحة المليون ونائب مدير وزارة الهجرة في اربيل وبعد التعارف وتبادل التحيات كان الحديث منا (انما يروج من ان الاسلام دين دموي وارهابي وتلك حملة منظمة لتشويه الاسلام، وسماحة السيد السيستاني (دام ظله) الاب الراعي لكل العراقيين يستشعر هذا الخطر لذلك اوفدنا لإغاثة من شردهم ادعياء الاسلام وهو منهم براء ومن دون النظر لأديانهم واعراقهم وطوائفهم ومعتقداتهم وان للجنة الاغاثة التابعة لمكتب سماحة السيد نشاطات كبيرة بهذا المجال).
 استعرضنا وصايا سماحة السيد للمقاتلين في الحفاظ على ارواح الناس وممتلكاتهم، قال المهندس ضياء مرحبا بالوفد اشد الترحيب: (هذا ليس بجديد من مرجعية النجف الاشرف صاحبة المواقف الابوية والتي حافظت بفتواها العراق بأجمعه ثم بين اعداد النازحين، يوجد في اربيل 100 الف عائلة نازحة، وفي دهوك 130 الف عائلة نازحة، وفي السليمانية 40 الف عائلة نازحة، وفي كركوك 60 الف عائلة نازحة.. ولقد تفاجأت وانا ارى عمائم النجف معتمدي سماحة السيد السيستاني معنا في الميدان وكلهم حماس واندفاع في تقديم يد العون للنازحين المعوزين والذهاب الى ابعد نقطة في الاقليم وهذه هي مرجعية سماحة السيد السيستاني، وقد وجدت المشايخ الكرام ملمين بكثير من القضايا وقد طرحنا عليهم المشاكل التي تخص عملنا ووعدونا بتذليل كثير منها. 
ثم بين الحاج علي عباس انه لا يوجد في تصنيف النازحين طبقات غنية وفقيرة بل ان الجميع سواسية؛ لأنهم تركوا كل ما يملكون وراء ظهورهم وخرجوا من ديارهم بجلودهم فهم في كردستان سواء. 
وانتهى الاجتماع بالاتفاق على ضرورة التعاون، وانهم سخروا كل امكاناتهم لإنجاح مهمتنا وكذلك تكفلوا بتحصيل الموافقات الرسمية والمخاطبات مع الجهات الحكومية وطلبنا منهم ضرورة الوصول الى ابعد نقطة وهي المثلث التركي العراقي السوري (فيشخابور) وجبل سنجار حيث ان الهدف الاول للوفد هو الوصول الى الايزيديين، كان لنا في نفس اليوم لقاء مع الدكتور ضياء بطرس رئيس الهيئة المستقلة لحقوق الانسان الذي رحب بنا الترحيب الكبير وقال:ـ ان هذا بلدكم وبيتكم؛ لأن كردستان جزء لا يتجزأ من العراق الذي هو وطن الجميع ونحن على استعداد لتقديم كل ما تحتاجونه لإنجاح هذه المهمة الانسانية التي جئتم من اجلها مجرد وصولكم لهذا المكان، وانتم تمثلون سماحة السيد المرجع امر كبير وعظيم يشعر النازحين ان هناك من يهتم بهم وبقضاياهم.
كانت لنا زيارة الى مقر جمعية الكرد الفيلية في اربيل ولقاء امينها الدكتور سامي الفيلي والاطلاع على احوالهم ونقل سلام ودعاء سماحة المرجع لهم، اخذنا البيانات المطلوبة لأعداد النازحين الذين استوطنوا اربيل قبل هذا التاريخ بسنين ومع ذلك تم اعانة 600 عائلة مسجلة لديهم. 
في يوم 18/3 /2015 رافقنا المهندس ضياء رئيس غرفة ايواء النازحين الى مخيم يقع شمال اربيل ويعتبر المحطة الاولى لاستقبال النازحين الجدد حيث يستقبل النازحون في هذا المخيم لحين تجهيز خيم لهم في مخيمات اخرى لينقلوا اليها، تجولنا في المخيم حيث علامات البؤس والحرمان بادية في كل مكان منه، عبارة عن حقول كبيرة مقطعة من داخلها بشراشف وبطانيات لا تستر من ناظر ولا تقي من برد يفتقر لأبسط مقومات العيش، لا يسمح لساكنه مغادرته كأنه سجن كبير وهو ارحم وأرأف مكان يسكنه النازحون.
 سألنا احد الساكنين وهو عن عمر ناهز الخمسين، يعتصر قلبه الألم وملأت عيونه الدموع، قال:ـ نشكو قلة الماء وان وجد الماء فهو قذر لا يصلح للشرب بل لا يصلح لشرب الحيوانات وان (الجولة) المعدة للطبخ قد خنقت افراد عائلتي من دخانها الغليظ قبل ايام احترقت خيمة وماتت اثرها طفلة من أطفال المخيم..!
سيدة اخرى أنهكها التعب، تشكو مرضها وانه لا يوجد علاج ولا لدينا قيمة العلاج، وهنا لا يصرفون لنا أي علاج لمريض، التقينا مسؤول المخيم (سيروان حمه جعفر) تحدثنا معه في مثل هذه الأمور وقررنا معالجة الامر.
 في نفس اليوم زرنا الاب (بنيامين شمعون) في مكتبه وهو راهب في دير (مار متي) الذي يقع في مدينة (بعشيقة) وتركه الرهبان لخطورة المكان هناك، وتبادلنا اطراف الحديث وسبب الزيارة أن سماحة المرجع يهتم بقضاياكم وانا براء مما حصل للمسيحيين على ايدي العصابات الاجرامية. 
وننقل لكم سلام سماحة المرجع الاعلى ودعاءه لكم وللعراقيين، وبين الأب بنيامين بدوره الاوضاع الصعبة التي يعيشها المسيحيون في اربيل منطقة عين كاوه وقال:ـ تشرفنا اليوم بهذه الزيارة التي تحمل معاني كثيرة بما تعنيه الكلمة من تضامن حقيقي مع المسيحيين، ونحن ابناء بلد واحد وننتمي اليه ونستطيع تجاوز هذه المحنة معا.
 ونطلب من سماحة السيد السيستاني الدعم المادي والمعنوي لما سمعنا عنه من كل خير والبركات التي يعطيها وكذلك انقل لكم ترحيب المطران (موسى) راهب دير (مار متي).
 ثم وصلنا عند الغروب الى الكنيسة الابرشية برعاية المطران (مقدونس) كاهن الكنيسة وكان باستقبالنا البابا (يعقوب البابوي) كاهن كنيسة (قرقوش) في الموصل، والتي تحت سيطرة داعش.
 قال:ـ نرحب بكم ترحيبا من القلب لهذه الزيارة التاريخية وشرح لنا الاوضاع المأساوية التي يعيشها المسيحيون اتباع الكنيسة (قرقوش) ثم قال:ـ ان مجرد التفكير بمجيء هذا الوفد الى هذا المكان هو امر كبير من سماحة السيد السيستاني ومن الوفد الذي ارسله سماحته من الاخوة الاجلاء.
 اوضاع المسيحيين تختلف عن غيرهم، عندما هجروا ذهبوا الى الجنوب فبقي شعورهم انهم بين اهلهم وفي وطنهم لكن موطننا سهل نينوى عندما اخذوه منا عنوة وهجرونا، فقدنا شعور الانتماء لهذا البلد وهذا امر مخيف. 

اللقاء مع ممثل الأمم المتحدة:
 في صبيحة يوم 19/3/2015 كان هناك لقاء مع ممثل الامم المتحدة في اقليم كردستان (الدكتور توماس) الماني الجنسية وبحضور (المهندس ضياء الزوبعي) استعرضنا دور المرجعية في مناطق الصراع وان المرجعية حريصة على ارواح وممتلكات الناس، ثم تكلم د. توماس وقال: اشكركم على هذا الموجز الذي بيّن لنا دور المرجعية في النجف الاشرف بإغاثة النازحين من دون تميز، وان هناك عملا موازيا لعملكم في غرفة ايواء النازحين في اربيل لمعرفة اعداد واماكن النازحين واحتياجاتهم حيث يوجد في العراق قرابة مليونين ونصف مليون نازح شردوا؛ بسبب الحروب والارهاب منذ 2014م الى يومنا هذا ورغم التحديات التي نواجهها إلا انه يوجد على ارض الواقع عمل ملموس، ونحتاج الى تعاون؛ كي نستطيع ان نسد احتياج هذه الاعداد الكبيرة من النازحين، وهذا الاجتماع الاول مع ممثلي سماحة السيد السيستاني الذي نأمل من خلاله اقامة شراكة في العمل لتقديم الخدمة في سبيل ايجاد الحلول المناسبة لمساعدة النازحين. 
الوصول الى جبل سنجار:
 الرغبة كبيرة في الوصول الى جبل سنجار الذي يعتبر الوطن الام للطائفة الايزيدية والذي اعلن قبل ذلك تحرير منطقة سنجار وجبلها من عصابات داعش، لكن على ارض الواقع، لم ترجع العوائل النازحة من سنجار اليها بسبب سيطرة (البككة) من جانب والقوى الكردية من جانب اخر ووجود صراع سيطرة على تلك المناطق.
نعم، توجد بعض العوائل على جبل سنجار، إجراءات حكومية تعيق وصول الوفد الى تلك المناطق والحجة انها غير آمنة من جانب ومن جانب اخر ان (الايزيديين) يعتبرون المسلمين اعداء ولا يفرقون بين سني او شيعي بل لا يفرقون بين المسلمين المعتدلين وداعش الذي يدعي الإسلام، تعليمات حكومية لاتجيز دخول الوفد الى مخيمات النازحين الايزيديين للأسباب المتقدمة؛ خوفا على الوفد من الاعتداء المحتمل وابلغنا الحاج علي عباس انه لم تحصل الموافقة على ذلك، فكرنا بالبدائل واتصلنا باللواء المرحوم فاضل برواري وطلبنا منه المساعدة في الوصول الى جبل سنجار، فقال: سأرسل لكم من يقوم بهذه المهمة.
 وفي عصر اليوم الثاني زارنا في مقر الاقامة (النقيب عماد) في جهاز مكافحة الارهاب كما عرف نفسه وهو من الطائفة الايزيدية، من حماية اللواء فاضل برواري وابدى استعداده لهذه المهمة وقررنا ان نخرج صباح اليوم الثاني بسيارته الشخصية وسيارة اخرى واقترح علينا زيارة معبد لالش في منطقة شيخان في محافظة دهوك حيث يوجد بابا الشيخ كبير الطائفة الايزيدية التي تعرضت الى ابشع ظلم واضطهاد على يدي العصابات الاجرامية(داعش) سبيت النساء وقتلوا الرجال والاطفال وخطف وقتل اكثر من ستة آلاف ايزيدي..!
قطعنا تلك المسافة البعيدة بلا موافقات رسمية، حيث شقت العجلات تلك الجبال الرواسي لنمتع ابصارنا بمناظر خلابة للجبال والاودية الخضراء وسحر الطبيعة الذي لم نره من قبل وبين الانبهار بتلك المناظر والقلق والخوف لاحت لنا تلك القباب المخروطية البيضاء وهي تتوسط الجبال لتقف السيارات عندها ونجد طابورا من رجال المعبد بانتظارنا بمنظر يدل على الاحترام وحسن استقبال الزائر، يتقدمهم عصمت بن تحسين بيك، بدأت كلمات الترحيب بالوفد، دخلنا البوابة الرئيسية التي تعلوها صورة منحوتة لأفعى سوداء حيث يسمى هذا الباب بباب الافعى التي تعتبر مقدسة في الموروث الايزيدي.
  وصلنا الى القاعة الرئيسية ليستقبلنا على بابها رجل طاعن بالسن ذي شيبة بيضاء ويرتدي لباسا ابيض يتكئ على عصا وقد عرفوه بأنه بابا الشيخ قلنا:ـ (نحن مبعوثون من قبل المرجعية في النجف الاشرف ننقل لكم دعاء وسلام سماحة المرجع لكم وللشعب الايزيدي، ولاشك انا نسر لسروركم ونحزن لحزنكم وما مر على الطائفة الايزيدية شيء ليس بالقليل، ونحن نشعر بالألم الذي عاشه كل العراقيين ومنهم الايزيديون).
 عقب بابا الشيخ الذي رحب بنا وقال:ـ نتشرف بكم وكان من المفروض ان يكون تكريم لاستقبالكم اكبر واعظم وان البشرية ترجع الى الله (عز وجل) والانبياء والاولياء، والله هو العامل المشترك بيننا، انتم تقولون: الله ونحن نقول: خدا.
 وقال السيد عصمت بن تحسين بيك: (نرحب بالوفد القادم من النجف الاشرف لقد شرفوا ارض لالش ونحملكم سلامنا لسماحة المرجع السيد السيستاني ونشكو اليه ما يمر به الشعب الايزيدي وان همنا الاكبر هم المختطفون من النساء والرجال).
كانت لنا جولة في المعبد الذي يرجع تاريخ بنائه الى القرن الثالث قبل الميلاد نخلع احذيتنا لندخل الى ايوان معبد تتوسطه سبعة اعمدة مبنية من الحجر على ارتفاع خمسة امتار يمثل كل عمود واحدا من الملائكة، وندخل الى داخل الحجرة حيث مقام بابا جاويش، وهناك مكان لعين ماء مثل البئر يستخرج منها الماء للتعميد وتسمى بركة (ناسر دين) ثم ندخل حجرة اخرى فيها مقام لعدي بن مسافر محاط بعدد من الاقمشة الملونة وكل زائر عليه ان يحل عقدة ويعقد اخرى وبجانب هذه الغرفة باب صغير على ارتفاع متر واحد ندخل منه بصعوبة الى كهف فيه اكثر من 60 جرة كبيرة تستخدم لتخمير الزيتون ويستخرج منه زيت الزيتون الذي يستعمل وقودا للقناديل التي عددها 365 قنديلا بعدد ايام السنة تضاء عند المغرب.
اثناء طريق العودة تعطلت السيارة بين الجبال وغير بعيد عن المعبد وقف معنا رجال المعبد حتى صلحت السيارة بعد ساعات من قبل مفرزة ارسلت من المعبد نفسه.
حملنا معنا اربعة آلاف حصة غذائية لنقصد مخيم خانكي الذي يقع في محافظة دهوك وهو مخصص للايزيديين، جمال الطبيعة انسانا بعد المسافة التي قطعناها من مقر الاقامة في اربيل، لم ينغص علينا الا بعض الاجراءات في السيطرة العسكرية عند دخول دهوك اشرفنا على معسكر النزوح تبدو السماء صافية بيضاء لا يكاد الناظر يميز بينها وبين خيام النازحين والتي صفت بنسق واحد، لكن بياضها الطاغي لم يعكس على وجوه المشردين من كبار السن والصغار، فالوجوه متوجمة وغائرة بحزن عميق يتجلى بتجاعيد وجوه الشيوخ وعلى محيا الصغار رغم ابتسامات الفطرة التي تبدو حائرة وسط مشهد نعجز عن تفسيره.
منظر تلك الخيام يوحي بصعوبة المهمة (توزيع المواد وسد احتياج الناس) قصص الايزيديين على تعددها الا انها تكاد تكون متشابهة من حيث المأساة، والطلب بفكاك المختطفين من الرجال والنساء رغم اجرام داعش الا انهم كانوا مليئين بالأمل بعودة المختطفين منهم. 
 سيدة تجلس عند باب خيمتها وتحت اشعة الشمس قدمنا لها ما تيسر وقلنا: نحن من النجف الاشرف مرسلون اليكم، بكت فكانت دموعها هي التي تحكي بلغة افصح من لسانها الذي يجيد العربية بالكاد، واخرجت صورة لشاب قالت: هذا اخوي ترك ثلاثة اطفال خطفوه منا وامي ماتت لما هربنا وابوي رجل شايب واخوتي واخواتي اخذوهم كلهم، ونسوان اخواني كلهم اخذوهم وخربوا بيوتنا، يا ليت كلنا ميتين، ولا هذه الحال صار لي ثمانية اشهر كل يوم ابجي، ثم قالت: الله على الظالمين).
قال تحسين العبد الله: من الكلمات التي سمعتها من الشيخ باسم والتي ابكتني لقوة حكمتها ولربطها القويم بالتأريخ، تساءل الشيخ عارف بفضول:ـ ما الذي قاله الشيخ باسم وهو يعيش وسط هذه المأساة يرى ويسمع كان الله في عونهم، قال:ـ عندما لا يكون هناك مفزع للمظلوم سوى السماء فاعلم ان ظهره مكشوف بلا سند، الا دعوة تمتد من الارض الى السماء هكذا يحدثنا التاريخ، فالجزار ذات الجزار، والضحية ذات الضحية لا فرق سوى الزمن ما اشبه اليوم بالبارحة، بالأمس كانت زينب بنت علي (عليهما السلام) تتوعد يزيد بن معاوية بالسماء عندما لم تجد ناصراً ولا معيناً قائلة:ـ (يا يزيد، ستحاج وتخاصم عند الله فانظر لمن الفلج عندئذ) واليوم تتوعد (ماريا) احفاد يزيد بعدل الله: (الله سيأخذ بثأرنا من الظالمين). 

الرحال الى منطقة شقلاوة:
 شددنا الرحال الى منطقة شقلاوة التي تقع على جبل سفين والتي تحاط بغابات كثيفة وتعرف بكثرة الشلالات والمصايف كانت المناظر خلابة غاية بالجمال ونحن نتسلق الجبل رويدا رويدا بدأ البرد يعلن وجوده مع هطول رذاذ المطر ولاحت غيوم سوداء في سماء شقلاوة الى مديرية الدفاع المدني كان باستقبالنا مدير الدفاع المدني ومسؤول ملف النازحين (العميد كيفي).
أجرينا التنسيق معه بواسطة الحاج علي عباس مسؤول منحة المليون في وزارة الهجرة، وبعد الترحيب بنا بيّن لنا انه يوجد في شقلاوة اكثر من اربعة آلاف نازح موزعون على اطراف شقلاوة ورغم ان القضاء لا يتحمل هذه الاعداد الهائلة الا انه للضرورة احكام وان الامم المتحدة لها دور كبير في معيشتهم حيث يصرف كابون لكل فرد نازح له الحق ان يشتري به ما يريد من الاسواق عدا حليب الاطفال وهذا الكابون له قيمه 30 الف دينار عراقي فطلب منا ان نهتم بمادة حليب الاطفال وتجهيز بعض الكراسي المتحركة للمعوقين ثم زودنا بقائمة تضم اكثر من 2000 طفل.
قال الشيخ عارف: المحبة يا ابن عمي شعور انساني داخلي لا يعرفه الا من يحب الله ويحبه الله سبحانه وتعالى فينعم عليه بالمحبة والرحمة والوداد، وهذه المحبة الإلهية لا تفتر ولا تتعب، وانما تنشط مع كل حالة إنسانية تنهض فيه تبارك همته وتمسكه مع الله والناس، وتدفعه الى تقديم المزيد.
 مبارك لوفد المرجعية اذ وهبهم الله هذا الدور الإنساني الذي يستمدونه من نهج الائمة (عليهم السلام)، أجاب تحسين بابتسامته المعروفة: من يحمل هوية الله والانتماء لدينه يعمل لبناء الانسان لا لهدمه وهذه الصورة واضحة هناك من زرع في قلوب اهل الخيام الرعب والألم والموت هجرهم من ديارهم وكل ذلك باسم الدين وهناء من جاء ليودع الخير في هذه القلوب والفرحة والرجاء.
يقول صديقي الشيخ باسم النصراوي: كانت لنا جولة في بعض الهياكل التي يسكنها النازحون، وجدنا عائلة من منطقة الكرمة التابعة لمحافظة الانبار هذه العائلة متكونة من عشرة افراد همهم الاول هو توفير الحليب لأربعة اطفال عندهم وملابس تستر جلودهم وطلبوا بعض المستلزمات البسيطة لعيشهم، ورغم العوز الظاهر على ملامحهم وقساوة الظرف الذي يمر بهم الا ان كلمات الترحيب لم تنقطع عن السنتهم، وكلمة (يا هلا ومرحبا).
 تجولنا في تلك الطرقات ونطرق بابا تلو الاخر ورغم برودة الطقس تجمع حولنا الاطفال والفرحة تملأ وجوههم، تقربنا اليهم لنداعبهم ونجاملهم بكلمات المداعبة عسانا نرسم على تلك الوجوه البريئة البسمة وبعطاء اليمن ملأنا قلوبهم سرورا ونحن على يقين ان كل ما يقدم هو قليل ولا يمكن ان يعوضهم ما فقدوه.
 ركبنا السيارات لنواصل الصعود الى الجبل وصولا الى منطقة هياكل اخرى والتي تبعد عن الاولى بضع كيلو مترات وكان المكان بالقرب من قمة الجبل، الطقس غاية في البرودة والسماء محملة بالغيوم السوداء لم تكن لهذه البيوت ابواب حتى نطرقها بل كانت عبارة عن بطانيات خرقة بالية والحائط من مادة البلوك الذي لم يطلَ لحينه والشباك على مصرعيه بل لا يوجد شباك فقط فتحته الكبيرة المشؤومة التي تعبئ البرد داخل البيت وكانت الارض مبللة من الرطوبة.
 وقع نظري على إحدى زوايا الغرفة رأيت ملابس وفرشا لا تصلح الا وقود للنار وقد وضعت على رف من بلوك وحجر وفي هذه الدار تسع نساء بين العجوز الكبيرة والبنت الشابة والصبية الصغيرة وطفلين كانت هذه العائلة من اهالي الفلوجة نزحوا لما دخلهم ارهاب داعش، كل الكلمات عاجزة وعلى استحياء وخجل.
 قلنا: ان شاء الله ازمة وتعدي وترجعون بأمان وسلامة رغم شعورنا بالعجز والتقصير لما شاهدناه وما الذي نقدمه لهؤلاء عرفنا انفسنا نحن من مكتب سماحة السيد السيستاني من النجف الاشرف جئنا لنتفقد احوالكم ونحن بخدمتكم.
 قالت عجوز كبيرة: (اهلا وسهلا بكم احنا ما نريد غير الامان) هذه طفلة جاءت تركض لأحملها على صدري دون ان تستغرب وكأنها رأت عمها الذي تعرفه او واحدا من اهل بيتها، سعينا لنجمل الجو بطرافة اللقاء والحديث عن هذا البرد فكانوا يضحكون وكأنهم لم يمروا بهذه المحنة فبعثوا في نفوسنا املاً بهذه الابتسامة ثم حملت طفلاً اخر فانشد ابياتا شعرية: 
(بيد الله الفرج مو بيد العباد 
 رب ارحم كلب وعيون سهرانه
فاركنه البيوت وطال الفراك 
 والي يفارك وطن ما ينسه اوطانه
ياوسفه تفتت جمع الاحباب
 وبالغربه الوكت طشار سوانه
مذلة الغربه شفنه 
 يا كلبي هاي الروح خلصانه)
 فانحدرت دموعنا لهذه الكلمات المؤلمة والمشاهد التي ألهبت والمت كل الحاضرين فشكوا حالهم وتركهم المدارس وفقدان اموالهم وقلة النفط في الخيام، وشكروا حضورنا والواسطة التي اوصلتنا اليهم وقالوا: نحن لا نعرف الطائفية ولا فرق بين سنة وشيعة، وقالت المرأة العجوز: (صدك الاخ ما يعوف اخوه) وابدت هي والحاضرون ارتياحهم لهذه الزيارة ولما خرجنا من الدار خرجوا بأجمعهم وكأنهم يودعون عزيزا عليهم. 
 دخلنا بيتا اخر لا يختلف بوصفه عن سابقه من قلة الاثاث وكان الحجر (البلوك) من دون طلاء وفتحات الشبابيك الا ان الشباك غير موجود والابواب كسابقاتها مغطاة بالبطانية وكان الظلام دامسا في هذه الغرفة رغم انها ساعة النهار وعلى ضوء مصباح الموبايل نمشي ونتحسس الطريق ونتفقد هذه العائلة فرأيت طفلة في وسط الغرفة ممدودة فدققت النظر فإذا هي مشلولة اليدين والرجلين في هذا المكان اربعة عوائل كلهم من الفلوجة اتجهوا الى اقليم كردستان (في هذه الخرابة) طلبا الى الامان تكلم رب الاسرة بعد ان عرفنا بأننا مبعوثون من مكتب سماحة السيد السيستاني في النجف الاشرف.
 قال: اهلا وسهلا بكم وانتم لم تقصروا معنا فجزاكم الله خيرا. فقلنا له: مواساة سماحة السيد ودعاؤه لكم وهذه شدة وستزول وما هو احتياجكم؟ فقال العيون افصح من اللسان والاحتياج كثير وان ما مر بنا من مأساة شيء كبير حيث تركنا دورنا وخرجنا بأرواحنا (ومسك قميصه) ما كان الا بسبب الكفرة داعش.
 وصلنا الى عائلة تسكن في كرفان وهي من الطائفة الايزيدية، قلنا: جئناكم من النجف الاشرف نحمل سلام المرجعية اليكم، رأيت امرأة عجوزا بدت فرحة سعيدة لرؤيتنا، فقالت باللغة الايزيدية وترجمها لنا ابنها: انقلوا سلامنا الى السيد السيستاني وقدمنا المساعدة المالية لهم وقلنا للشباب الموجودين منهم:ـ نريد منكم ان تحرروا سنجار بأيديكم او تساعدوا في ذلك فقالوا: ان شاء الله سنحرر ارضنا بمساعدة الحشد الشعبي ونحن ممنونون منكم ومن سماحة السيد السيستاني على هذه الفتوى ولا احد يستطيع ان يحرر الارض الا اتباع المرجعية (الحشد).
دخلنا على بيت اخر وهو من الشيعة الشبك فوجدنا امرأة عجوزا تحتضن مدفأة من شدة البرد وبعد ان عرفتنا من النجف قالت: (دخيل العباس والحسين وزوروا عني؛ لأن اني ما اكدر ازور وضعي تعبان كنت قد ذهبت في يوم الى الزيارة لكن رجعت بسبب المرض، هجرونا وان شاء الله ارجع وازور ساداتي فجلسنا عندها نحادثها، شكت لنا سوء حالها ومرضها واحتياجها المالي الصعب وقالت: سلامي للسيد للحسين والعباس (عليهما السلام) وللسيد السيستاني) فقدمنا لهم شيئا عله يرفع عنهم بعض معاناتهم.
 دخلنا الى بيت اخر وهذا احسن من السابق حيث تسكنه عائلة مسيحية وكانوا من نازحي الموصل (الحمدانية) ولكن اوضاعهم صعبة جدا حيث التجؤوا الى احد اقاربهم وهو يسكن بيت ايجار فشكروا الوفد وسماحة المرجع على هذه الزيارة وقال الرجل: اوجه رسالة الى الدواعش (كافي.... اذا انتم اسلام فالاسلام لا يفعل ما فعلتموه من دمار وقتل ولولا فتوى السيد السيستاني لقضوا على العراق). 
رسالة الكنيسة:
نقلنا رسالة الكنيسة الى مكتب سماحة السيد كما وصلت وحسب الاتصال الهاتفي بتاريخ 21/7/2015 طلبوا وقفة المرجعية وبينوا انا نطمع بوقوف المرجعية الشريفة معنا بهذا الظرف؛ لأن حر الصيف قد أضر باتباع كنيستنا الابرشية، ونحتاج مساعدتكم كما عهدناكم كان الاتصال من البابا بولص متي.
تحضيرات السفر بعد موافقة مكتب سماحة السيد لنصل الى مطار اربيل صبيحة 4/ 8/ 2015م لنكمل اجراءات الاقامة في مطار اربيل الدولي ونبتدأ العمل في نفس اليوم بعد ان وصلنا لمقر الاقامة كانت لنا زيارة الى مكتب كهنة كنيسة ام النور في اربيل الذين رحبوا بنا فقال البابا بولص: (نرحب بكم وانتم تشاركوننا معاناتنا وتحملتم عناء السفر واليوم الذكرى السنوية لتهجيرنا حيث خرجنا من بيوتنا يوم 4/8/2015م والشكر موصول للمرجعية؛ لأن مجرد التفكير بمعاناتنا شيء كبير).
قلنا:ـ (نثمن هذا الترحيب منكم رغم انا لا ننتظر كلمات الشكر، اوفدنا مكتب السيد سماحة المرجع لنكون بين اهلنا الذين لهم حق بهذا البلد كما عليهم واجبات، وان الاديان السماوية هي اديان رحمة وتسامح مجيئنا اليوم هو خاص للإخوة المسيحيين حصرا رغم الازمة المالية التي يمر بها البلد عموما لكن هذا لا يمنع من التواصل).
 دار الحديث عن الاحتياجات التي يمكن ان نقدمها وعن عدد المسيحيين النازحين عندهم، بيّن الأب بولص أن المسيحيين الارثوذكس تابعون الى الكنيسة الابرشية في دير مارمتي وهناك 2500عائلة مسجلة لديهم من الممكن ان نحصل لهم على حصص غذائية الا ان الصعوبة في تحصيل المبردات في هذا الجو الحار.
 استعرضنا دور المرجعية في اغاثة النازحين وبيان اسباب هذه الزيارة، وشبيهاتها هو مد جسور التواصل بين العراقيين والوقوف على احتياجاتهم، وجرى الاتفاق ان تكون هناك زيارة الى دير مارمتي الذي تقع في سهل نينوى.
 في صبيحة اليوم الثاني كانت لنا جولة في اسواق اربيل بعد ان اتفقنا على نوع المساعدات التي ستقدم وهي المبردات وحليب الاطفال وسلة صحية كانت جولة ميدانية تم من خلالها شراء المبردات والمواد التي ستجهز، نقلت المواد الى كنيسة ام النور. 
كانت الكنيسة لها قاعدة بيانات دقيقة ابلغت الناس الذين تجمعوا، بينا لهم ان المرجعية في النجف الاشرف تشعر بمعاناتكم وتدعو لكم بأن تنتهي هذه الازمة وتكون لكم اليد الطولى في تحرير ارضكم.
 اصطف الناس بطابور منتظم، كل بيده دفتر مساعدات ممنوح من الكنيسة وجلست لجنة من المتطوعين على كراسي للتدقيق يختم الدفتر وتكتب نوع المساعدات؛ لكي لا يحصل تكرار. 
 هذا نازح اسمه صباح مدي نزح من برطلة، يقول: (انا متقاعد وصار سنة منذ تركنا ديارنا نشكو غلاء الاسعار وارتفاع الاجارات وعدم وجود عمل، كان عندي كم فلس صرفتها حتى ذهب زوجتي بعناه، وتصرفنا بفلوسه الحياة صعبة جدا واشكر سماحة السيد السيستاني لإرساله هذي المساعدات خصوصا انا محتاج المبردة بهذا الجو الحار واتمنى نرجع مثل ما كنا نتزاور بيناتنا ونرجع لديارنا).
 مسيحي آخر بعمر الخمسين يقول: معاناتنا معاناة كل العراقيين وانتم اليوم بهذه الالتفاتة الكريمة من المرجعية التي تشعرنا ان هناك ناسا لها منظور انساني يشعرون بنا، فتكلم البابا بولص متي عبد الكريم كاهن كنيسة مارتش في بعشيقة (التي هجروا منها) باسمي وباسم المطران موسى وباسم الكهنة في اربيل نتقدم بالشكر الى الله اولا الذي جمعنا في هذا اليوم والشكر موصول لسماحة السيد السيستاني المرجع الاعلى واعضاء مكتبه الذين تجشموا عناء السفر وكلمة الشكر لا تكفي فنقول: ادامك الله ايها السيد للعراقيين لأنك أب لهم وهذه المرة الثانية تأتون الى هنا محملين بالمواد الغذائية والمبردات وهذا فضل لن ننساه. 
 في اليوم الثاني كان موعدنا للذهاب الى دير مارمتي الذي يقع في شمال مدينة الموصل، قطعت السيارات ذلك الطريق الطويل الذي يمتاز بتعرجه وصعوده الجبل تارة واخرى هبوط الوادي ولنمتع الابصار بجمال الطبيعة الخلاب ونرى تقلب لون الجبال بين الحين والاخر حتى وصلنا الى مناطق قد هجرها اهلها لقرب داعش منهم ونقطع مدن برطلة وبحزاني وبعشيقة التي عاش بها المسلمون والمسيحيون والايزيديون متجاورين متحابين مئات السنين ولما هجروا هجروا جمعيا (وهذا ما اشار اليه احد الكهنة وقال مما هون الخطب انا هجرنا جميعا دون استثناء).
 الطريق من بعشيقة الى الدير كان على جنبيه حقول يبدو انها ميتة لا روح فيها لهجران اهلها هذا المكان لاح لنا من بعيد جبل، قال دليلنا: هذا جبل مقلوب الذي فيه الدير وسمي جبل مقلوب؛ لأنه الجبل الوحيد الذي يختلف بطبيعته عن باقي الجبال حيث تتجه صخوره على عكس صخور الجبال الاخرى، ولهذا سمي مقلوب من الصعوبة ان ترى الدير وابنيته الراسخة فوق قمة الجبل، لكن مع اقترابنا منه بان الدير واضحا وهو يتوسط قلب الجبل عند اسفل قمته وكأنه يشكل بمظهره الخارجي تاجا يعتلي قمة الجبل، كان منظرا خلابا جميلا لنعتلي الجبل عبر الطريق العام بسياراتنا التي تتمايل يمينا وشمالا مع انعطافات الطريق لنجد انفسنا عند قمته وعلى احد ابنية الدير وبانتظارنا راهب ذي شيبة وابتسامة لم تفارق وجهه، كان هادئا عرف نفسه المطران موسى بلحد الشماني رئيس الاسقفية الابرشية ومعه عدد من الرهبان، رحب بنا كثيرا وقال: (اشكركم واشكر سماحة السيد السيستاني الذي ارسلكم وهذه الزيارة لهذا الدير نعتبرها تاريخية تدل على المحبة والاحساس بالآخرين وهذا ما اوصانا به السيد المسيح انتم جئتم من النجف الاشرف على بعد المسافة ومخاطر الطريق تركتم عوائلكم ومسؤولياتكم وتحملتم عناء الطريق ومخاطره رغم اختلاف الديانات.
 نحن عاجزون عن تقديم الشكر لما قدمتموه للمسيحيين ولعموم النازحين وانقلوا تحياتنا للمرجعية في النجف الاشرف خصوصا لسماحة السيد السيستاني، شيء اكيد انه رجل حكيم يفكر بالآخرين السيد السيستاني رجل مبارك (حسب اصطلاحاتنا الكنيسية)؛ لأنه انسان يفكر بخير العراق دون تميز بين هذا وذاك سواء كان سنيا او شيعيا او مسيحيا او كرديا لا يفرق بين العراقيين.
 نحن ننقل لجناب البطريك كل ما يمر بنا وننقل له اخبار اصحاب الضمائر الحية امثالكم حيث جئتم من النجف الاشرف لتقدموا الهدايا بقلب طيب انتم مثل حي نقلتم حكمة هذا الرجل العظيم السيد السيستاني).
 الأب يوسف فهمي راهب في الدير والقائم على ادارة شؤونه قال: (من بداية الأحداث وصدور الفتوى من سماحة السيد السيستاني استقبلنا الموضوع بترحيب كبير، ونعتقد أن الفتوى هي التي منعت بغداد من السقوط، وباقي المدن؛ لأن للسيد السيستاني مكانته في قلوب العراقيين وليس عند المذهب الشيعي فقط؛ لأن العراقيين التمسوا الحكمة في قراراته، نحن نعتبره صمام امان للعراق، وكثير من المنازعات والمهاترات السياسية والعسكرية انتهت بحلول بسيطة منه، لقد انقذ العراق من حافة الهاوية). 
 كانت لنا جولة في الدير حيث خرجنا الى سطحه المطل على القرى والمهيمن عليها وعلى السهل بأجمعه، فصارت تلك القرى تحتنا بمئات الأمتار، وعرفنا طريقاً منحوتاً في الجبل الذي يصل الى الدير طوله قرابة الكيلو متر مرصوف بالحجارة قالوا: انه الطبكي والذي يعني المرتقى يسلكه الاهالي والرهبان سيرا على الأقدام، وصولاً الى الدير دخلنا الى مقبرة الرهبان حيث قبور الاساقفة الذين تولوا رئاسة الدير منذ بنائه بأمر الملك سنحاريب سنة 361 للميلاد اي قبل 1600 سنة من الآن كانت منحوتة في مغارة منه تبتدئ بالشيخ متي وهو اول من تولى رئاسة الدير، هناك مغارات صغيرة بحجم الانسان قالوا عنها: انها مخابئ سرية للرهبان حين حصول المخاطر والاعتداء.
 دخلنا الكنيسة كانت خالية من الناس لنقف على نسخة قديمة من الانجيل كتبت بالسريانية، دق ناقوس الكنيسة ليعلن للناس عن الصلاة التي لم يحضر لها احد من القرى المسيحية المحيطة، فقد هجرها اهلها خوفا من بطش داعش.

زيارة التكية الكزنزانية:
 لم يكن صمت تحسين العبد الله احتقارا لأحد، لكن الصمت أحيانا يريح الانسان، يعيد له الذاكرة ينشطها لا ينسى أي موقف من تلك المواقف التي مرت خلال الأزمة، يقول: الرجال تعرف بالمواقف، وتلك القضية لم تستوقفني يوماً؛ لكونها معروفة وراسخة في ذهنية الجميع لكن الذي يدهشني ان يسدل الستار فجأة على المواقف النبيلة لابد أن تطلق تلك القصص البطولية الكبيرة لوفد المرجعية. انا اطلعت على جميع المواقف ورحلات الوفد خطوة خطوة.
 عقب الشيخ عارف: لو كانت جهة أخرى قدمت هذا الذي قدمته المرجعية المباركة، لرأيت الاعلام كيف سيشتغل، قال تحسين: لقد كتب لي صديقي الشيخ باسم النصراوي عن زيارة التكية الكزنزانية..، كانت لنا زيارة الى مخيم التكية الكزنزانية في منطقة الدورة صباح يوم 30/6/2015م حيث ان في هذا المكان مخيمين: الأول لأهالي صلاح الدين الذي يضم قرابة 400 عائلة معظمهم من منطقة يثرب، والثاني لأهالي الانبار من الرمادي والذي يضم قرابة 600 عائلة.
 الناس هنا يعيشون ظروفاً صعبة وأوضاعاً مأساوية اسوة بباقي المخيمات حيث كثرة النفوس التي تتجاوز الخمسة آلاف نسمة، وقلة الماء الصالح للشرب وانقطاع التيار الكهربائي ووجود البرك المائية التي صارت مرتعاً للحشرات الناقلة للأمراض، وانتشار الأمراض الجلدية وغيرها يفتقد المخيم الى ابسط مقومات العيش والناس تشكو العوز المادي لانعدام فرص العمل والشيوخ كل يجود بنفسه لعدم توفر الدواء للأمراض المزمنة حرارة الطقس لم تمنع كثيرا من الناس من صيام هذا الشهر الفضيل الذي وجدوه سلوى لهم؛ علّه ينسيهم همّ وحرارة الخيام التي ما إن ينقطع تيارها الكهربائي حتى يحولها الى تنور شاءوا ام أبوا من السكن تحتها؛ لأنها أرحم من حرارة الشمس اللاهبة،
 جهزنا تحضيراتنا للزيارة بعد رصد المواد الغذائية والبالغة 50 طناً التي تكفلت العتبة الحسينية بالجزء الأكبر منها، وأرسلت العتبة العباسية تناكر ماء الآرو وبرادات الثلج وشراء المبردات والفرش والمواد الاخرى بمبالغ من مكتب سماحة السيد السيستاني (دام ظله) استقبلنا القائمون وكثير من الوجهاء من النازحين على باب الرئيسي للتكية التي تضم المخيمين فكانت الفرحة بادية بأهازيج الاهالي.
 جهزنا المطبخين بالمواد الغذائية من الطحين والرز والزيت والمعجون وغيرها بأكثر من 30 طنا قسمت على المطبخين الرئيسين ومنهما على العوائل بآلية متبعة عندهم وتم تجهيز المخابز بعدد 10 تنانير وكذلك خمسة اطنان لكل مطبخ من مادة الطحين واكثر من طن من الخضراوات واربعة خزانات ماء سعة خمسة آلاف لتر.
 اجتمع الناس حولنا، نازح من منطقة يثرب يقول:ـ أولاً نشكر المرجعية التي تواصلت معنا اكثر من مرة ونطلب منها التدخل بإرجاعنا الى دورنا ونعاني من قلة خزانات الماء والحصص الغذائية وملابس للأطفال والنساء ونحتاج الفرش والبطانيات.
 وقع بصري على شيخ تجاوز السبعين من العمر يجلس في إحدى الزوايا نقرأ في تقاسيم وجهه حالة اليأس والبؤس، وعيونه تفصح عما يخفي في قلبه، وما اهم به يا ترى؟ بماذا يفكر؟ بادرناه بالسؤال فأجاب:ـ افكر ان ارجع الى بيتي واجمع عيالي الذي شتتهم الزمان وتلك البيوت التي فارقناها (صار لي شهرين من دون دواء وانا مريض بالقلب والسكر)، جادت اليد بالعطاء لنسد مصاريف العلاج لكن يبقى ذلك الهم والغم لا يزال الا بجلاء معاناتهم ورجوعهم الى ديارهم.
يقول أبو سمير وهو من القائمين على ادارة المخيم: (العوائل بازدياد دائم واما زيارتكم فإنها تدل على وطنتيكم وشعوركم بنا، وكأنا بين اهلنا فقد انسيتمونا الغربة، نعم فقدنا الدور والبيوت لكن وقفتكم طوّقتنا بالجميل ولا ننسى هذه المواقف النبيلة).
 اما حرارة الشمس وغبرة السماء وانعدام الخدمات وغياب الجهد الحكومي كل هذه عوامل اثقلت كاهل الساكنين بهذا المخيم حيث قدمت لنا عشرات الطلبات من الناس الذين تجمعوا حولنا بأعداد كبيرة وكل هذه الطلبات كانت بسيطة ويسيرة وحلت بمبالغ بسيطة.
دخلنا الى خيمة لعائلة من صلاح الدين وصلت الى بغداد قبل خمسة ايام لم نجد لنا مكاناً نجلس عليه حيث كانت خالية من كل اثاث وفراش الا قطعة من النايلون يلتحفونها من تحتهم وفوقهم كانت الخيمة ممزقة من جهاتها الاربعة وسموم رياح الصيف تعبث بها يمين وشمال، المخيم بأجمعه لا يسر صديقا ولا عدوا فكيف بهذه الخيمة التي نحن بها بألم وحزن لم نمتلك دموعنا وبرباطة جأش اخذنا نصبر عليهم: (شدة وتزول ان شاء الله فقال الله موجود وبوجود المرجعية كل شيء يهون).
قابلنا رجلاً بعمر الستين قال: (كنت ازرع ارضي هناك في الشركاط وكان كل شيء متوفراً، والعلاج موجوداً، وأصبت بجلطة قبل اربع سنين وانا اليوم هنا لا املك الا نفسي واطلب منكم توفير العلاج)، فلُبّي له طلبه وتم تسديد اجور العلاج له ولكثير من اصحاب الاحتياجات الخاصة، الامطار ضربت عموم العراق ومع تردي البنى التحتية وتهالك شبكات تصريف المياه تعرضت بغداد لفيضانات كبيرة غرقت كثير من الاحياء ودخلت المياه داخل البيوت شلت الحركة، وازداد سخط الناس وكان النازحون اكثر تضررا في مخيماتهم.
 توجه وفد من لجنة الاغاثة التابع لمكتب سماحة السيد السيستاني في تلك الليلة لمشاهدة الحال عن قرب وعند الصباح وصل التقرير لمكتب سماحة السيد الذي يضم صورا لحال الخيام التي غمرت بالماء تماما وتضررت كل الممتلكات مثل: البطانيات والفرش وغيرها.
 اوعز المكتب بتقديم المساعدة العاجلة من خلال اجتماع مصغر في النجف الاشرف حول نوعية المواد التي منها مادة السبيس والنايلون؛ لأن الخيام بأجمعها تضررت وتحولت الطرق وداخل الخيام الى برك ماء ووحل وتمت الاستعانة بالعتبة الحسينية بتوفير بعض الآليات لنقل مادة السبيس وتم تأجير الباقي (18 سيارة حمل كبيرة)، واستحصال الموافقات الرسمية من عمليات بغداد لنقل مادة السبيس من مقالع منطقة اللطيفية فكانت المواقع التي تم زيارتها ستة مواقع منها في بغداد مجمع التكية الكزنزانية ومجمع اسيا في منطقة الدورة ومجمع خيمة العراق في اليوسفية ومخيمات عامرية الفلوجة وبزيبز.
 ابتدأنا في التكية يوم 3/11/2015م حيث نقل اكثر من 35 سيارة حمل واكثر من 530 بطانية و250 دوشكا و5 طن من المواد الغذائية وغيرها كانت السيارات تتحرك بصعوبة؛ لأن الارض غمرتها المياه (انقلبت احدى السيارات اثناء تفريغ حمولتها) لم يكن هم للناس الا تأمين مكان داخل الخيمة للجلوس وتثبيت اوتاد الخيمة ووضع النايلون عليها.
 يروي لنا السكان انها كانت ليلة عصيبة لم نستطع النوم من كثرة الامطار التي غمرت المكان من كل جانب، لم نجد ما نحمي به اطفالنا احد النازحين يقول:ـ هطلت الأمطار فجراً جرفت الخيام وغرقت البطانيات والفرش لنبقى الليل بطوله بهذا الحال (في مخيم اسيا) هربت العوائل للبيوت القريبة التي أوت الأطفال والنساء، لكن هنا كان الكل تحت الأمطار.

مدينة الحبانية:
 كانت في يوم ما متنفساً للعوائل والشباب وتقصدها السفرات المدرسية للترفيه واليوم هي مأوى وملاذ للآلاف الذين شردوا من ديارهم، هي مدينة الحبانية السياحية، وصلت معلومات ان فيها عوائل نازحة تضررت ضررا شديدا من كثرة هطول الامطار التي ما رحمت تلك الخيام القابعة على ضفاف البحيرة.
 تعالت الاصوات ووصلت المناشدات لمكتب سماحة السيد السيستاني الذي اعطى الاذن بالتوجه الى هناك وفي يوم 12/11/2015 حملت السيارات 2500 سلة غذائية والبطانيات والفرش وحليب الاطفال وغيرها كانت الفلوجة بيد داعش مما اضطر الوفد المرجعي ان يسلك طريق المسيب رغم بعد المسافة، وصلت السيارات قرابة الساعة الثامنة صباحا الى سيطرة جرف الصخر وتأخرت اكثر من ساعة لحين الحصول على اذن الدخول وسلك الوفد الطريق الصحراوي حتى وصل الى الطريق الترابي (المكسر) رغم وعورته.
 يقول الشيخ باسم النصراوي:ـ مضينا اكثر من ساعتين لقطعه والوصول الى الشارع العام ومنه الى المدينة السياحية، لم ترافقنا قوات للحماية بل كان لكل واحد منا سلاحه الشخصي وبعض الاصدقاء والارحام يقومون بهذه المهمة وصلنا عند الساعة الثانية عشرة ظهرا وعند البوابة الرئيسية التي لاحت لأبصارنا نجد باستقبالنا ادارة المخيم وبعض المسؤولين.
 الجو كان مثاليا مشمسا وكان المنظر مهيبا للخيام البيض ولأعدادها الكبيرة اكثر من اربعة آلاف خيمة صفت بنسق واحد تحدها البحيرة من الخلف واسوار المدينة من الجوانب الاخرى في تلك الخيام قصص تختلف كل خيمة عن الاخرى، بل لكل ساكن بتلك الخيام قصة تختلف عن صاحبه يجمعهم شيء واحد وهو البؤس خصوصا عند الاطفال الذين تركوا المدارس وراحوا يبحثون عمن يجعل لهم مكانا بهذا الصف الطويل الذي وقف للتو علهم يحصلون لعوائلهم على المساعدة المرتقبة.
 عمت الفوضى كل المكان واضطر رجال الامن الذين رافقونا من باب المدينة السياحية الى استعمال العنف مع البعض رفضنا هذا الاسلوب في التعامل مع الناس واعتذرنا منهم مما بدر من احد المقاتلين واجبرناه ان يعتذر من تصرفه.
هذه نتيجة طبيعية لتقصير الانسان تجاه اخيه الانسان وما يدور هو كشف واضح عن حالة فشل الاداء الحكومي تجاه هؤلاء المهجرين.
هذا شيخ كبير يقول: اناشد المرجعيات الشريفة رغم انهم جاءوا ولم ينسونا وهذا شيء نفتخر به وان هذه الزيارة شرف لنا وهي لمّ شمل العراقيين، وتقضي على الطائفية وان السيد السيستاني اب لكل العراقيين، انا رجل صوفي احب اسلم من مكاني هذا على الائمة الاطهار ال بيت محمد في النجف وكربلاء ثم انشد:
السيف بركبة الي عادانا سنه
والي يعادينه ابد ما ضحك سنه
اخوان احنا ترى شيعه وسنه
ابن فلوجه وبن الناصريه

ناحية العلم:
 انتهت مرحلة الصمت عند تحسين العبد الله وبدأ يسرد تلك الاحداث التي زودها بها صديقه الشيخ والتي يقول عنها الشيخ عارف: تفتح البصيرة، ومعرفة المطلوب اليوم مع الاعتزاز بكل موقف وطني، كان رأي تحسين العبد ان الواقع يحتم علينا كامل الاستجابة للفتوى الرشيدة من قبل سماحة السيد السيستاني بأن تتوحد الصفوف، الفتوى المباركة تريدنا ان نتوحد وهذه الوحدة هي مطلب المرجعية منذ خطواتها الأولى يقول الشيخ باسم النصراوي في ما دونه لتحسين العبد الله: منطقة ناحية العلم التابعة الى قضاء تكريت في محافظة صلاح الدين تعتبر من المناطق المهمة التي كان لها دور كبير في انقاذ طلاب سبايكر تلك المذبحة التي حصلت بعد سقوط مدينة تكريت بتاريخ 11/6/2014 وراح ضحيتها آلاف الشباب العزل حيث انقذ اهالي العلم اكثر من 500 طالب.
 خرجت العشائر ومعهم شرطة العلم ليعبروا النهر بالزوارق التي كانوا يحملونها بالطلبة واخذهم الى مدينة العلم وكانت منهم ام قصي التي اشتهرت بهذا الموقف رغم ان اهالي العلم اكثرهم قام بفعل الإنقاذ، وعندما اشتد الحصار عليها من الجهات الاربع تم اخراج الطلاب بعد ان اصدروا لهم هويات مزورة الى اماكن آمنة مثل: سامراء وكركوك وبعد تشديد الحصار عليها حيث من الجنوب كانت البو عجيل ومن الشرق جبال حمرين ومن الغرب مدينة تكريت ومن الشمال منطقة الفتحة، وكل هذه الأماكن سيطرت عليها داعش ليعتقل أكثر من 500 عائلة من اهالي العلم بعد ان هربت من المدينة لينقلوا الى منطقة القصور الرئاسية ليساوموا شيوخ ووجهاء العشائر: إما أن تسلموا مدينة العلم او نقتل كل هذه العوائل استمر القتال اكثر من 45 يوما سقط فيها الشهداء التي منهم اميمة الجبارة التي استشهدت وهي على الساتر، ولما نفدت الذخيرة والمؤن وكثر قصف الهاونات والخوف على اعدام العوائل المختطفة سقطت مدينة العلم في منتصف الشهر الثامن من سنة 2014م بيد داعش الذين خربوا البنى التحتية وهدم بيوت المواطنين خصوصا الذين واجهوا الارهاب حيث فجروا بيت جبارة وهم من شيوخ الجبور.
 هناك اكثر من سبعة عشر بيتا وكان كذلك لبيت الملالي نصيب من ظلمهم وبيت علي الحسن ومنهم ام قصي نصيب في القتل والتشريد ولم يقتصروا على عشائر الجبور بل حتى العشائر الاخرى مثل: عشيرة العباس التي كانت تحتضن الساتر في ارضها من جهة البو عجيل وأعطت الشهداء، وكان لهم دور في انقاذ شباب سبايكر وكذلك عشيرة الجميل. 
 وكان لأهالي العلم دور كبير في تحرير ارضهم حيث التحق الشباب منهم بمعسكرات الحشد في سامراء مع لواء علي الاكبر وعصائب اهل الحق وفي العظيم مع قوات بدر لتكون من المدن الاولى التي يشارك اهلها في تحريرها فكان لابد ان يكون لنا تواجد (لجنة اغاثة النازحين كما كان لنا دور يوم تحريرها حيث كنا مع سرايا الحشد وتعرض موكبنا الى هجوم قبالة القصور الرئاسية ليجرح اثنين من الاعلامين المرافقين لنا واصابة السيارات بوابل من الرصاص). 
 اتصل آمر لواء علي الاكبر الاخ قاسم مصلح وابلغنا بحاجة اهالي العلم للمساعدة الغذائية والصحية وبعد مفاتحة مكتب سماحة السيد السيستاني وتحصيل الاذن وتخزين المواد المطلوبة الا انه تأخرنا لزيارتهم للانشغال بنازحي اهل الرمادي التي سقطت على حين غرة لتواجه بغداد موجة نزوح غير مسبوقة، حتمت علينا ان نقدمهم بهذا الامر.
 في يوم 8/5/2015 تم الاتصال بالأخ (العميد المتقاعد حسين دفار) بتنسيق الامور واخذ البيانات المطلوبة حيث كان هو من اهالي الضلوعية ومن عشيرة الجبور التي تسكن منطقة العلم تم تحميل السيارات من مخازن لجنة الاغاثة في منطقة العطيفية، وتم الانطلاق صباحا الساعة السابعة ولما كانت الكثير من المناطق غير آمنة لذلك طلبنا من السيد كاظم الجابري آمر لواء عاشوراء تأمين الحماية للوفد الذي رافقنا من مدينة سامراء الى مدينة العلم.
 تخطينا مدينة بلد لتحكي الأرض عن شراسة المعركة التي دارت رحاها على تلك الأرض وآثار الدمار والقصف الجوي الذي طال كل ما من شأنه أن يكون ملاذاً للطرفين، ولم تسلم حتى المطاعم الواقعة على الشارع الرئيسي.
 ولما وصلنا الى سامراء، ولاحت لنا قباب الامامين، كانت الزيارة والسلام عليهما من بعيد، ثم اتجهنا شمالاً وعيوننا تودع الامامين العسكريين (عليهما السلام) لنمر على سواتر كانت بالأمس القريب خط التحصين الاول مع العدو، ثم مررنا على منطقة الدور، كانت جدران منازلها تحكي عن سيطرة داعش، ولازالت تلك الاعلام السود التي تحكي عن ايام بلون سوادها.
 عاشتها هذه المدينة والخراب ظاهر للعيان والمنطقة اشبه بالمحمية العسكرية، وشاهدنا وسط المدينة خزان ماء المدينة الكبير علامة ودليل انهزام داعش، ونصرا كبيرا للحشد والقوات الامنية حيث تحقق النصر من خلال العبارة المكتوبة على الخزان (خلافة علي منهاج النبوة).
 قطعنا تلك المسافة، ولم تصادفنا الا السيارات العسكرية حتى لاحت لنا اعلام متعددة الألوان كل راية كانت لفصيل من الفصائل التي اشتركت بتحرير العلم، وكنت رأيت هذه الساحة في الزيارة الاولى وهي تزخر برايات داعش وكان التنظيم الارهابي قد اعدم بهذه الساحة سبعة عشر شابا من اهالي العلم حيث صفوا على الرصيف ونحروا ليختلط دمهم جميعا، هذا ما رسموه الاهالي بعد التحرير بلوحة جدارية كبيرة على جانب هذه الساحة. 
ولنجد تجمعاً كبيراً من المسؤولين والشيوخ العشائر والوجهاء بانتظارنا بهذه الساحة، فكان استقبالاً فيه من التمجيد والاهتمام ما لا يخفى، انتقلنا معاً الى مدينة العلم التي تشتهر بعذوبة مائها وخضرة ارضها ونقاء هوائها وصفاء سمائها لنصل الى تجمع كبير للأهالي في خيمة شعر كبيرة نصبت في حديقة دار بناؤها مهدم جراء تفجير الارهابيين له، انه مضيف الشيخ خميس الجبارة احد شيوخ الجبور هناك، واخو الشهيدة اميمة الجبارة التي يعتبرها اهالي العلم مثلا في التضحية والبطولة، لنعرف عن انفسنا وسط هذا التجمع الكبير: نحن مرسلون من قبل المرجعية العليا في النجف الاشرف، نحمل امانة كبيرة وهي سلام ودعاء سماحة السيد السيستاني؛ لأنكم عراقيون لبيتم نداء فتوى الوجوب الكفائي الذي دعت اليه المرجعية في النجف الاشرف، وشاركتم بتحرير ارضكم ونفتخر ان نكون بخدمتكم كما كنا يوم تحرير منطقة العلم ونحن نرتدي البزة العسكرية مع الابطال من القوات الامنية والحشد.
 كانت كلمة الشيخ خميس الجبارة: (كلنا سرور وفرح ان تكون المرجعية عندنا وان الناس الشرفاء الذين يمثلون الشريعة السماوية والكتاب الذي انزل على صدر نبينا (ص) وهم الشريحة الأكبر والأشرف ثم انشد:
اوصيك يا صاح احفظ لنفسك علم
واقره بالطيب ورفع للمعالي علم
كلنا اجتمعنا لأجل وحدة وطنا وعلم
بس نرد لديارنا ذاك المقام العلي
من حيث حب الوطن اكرب من امي علي
حلفت بالله وبروح الرسول وعلي
من جيتوا شرفتوا ارض العلم
ثم قال: إن هذه المنطقة بكل مسمياتها وعشائرها وقفت ضد الارهاب وصدت كثيراً من الهجمات للعدو حتى انها كانت عرضة لقصف المدافع والهاونات حتى توج ذلك الصمود باستشهاد ابنة هذا الديوان، واشار الى هيكل البناء الذي تفجر، ولكنه ما زال قائما، فجروه بأكثر من ثلاثة براميل متفجرة، لكنه رفض ان ينصاع ويركع وهو اليوم يمثل الشرفاء ونحن نصبنا هذه الخيمة لنرجع الى اصلنا، وان شاء الله سنرجع ونبني ما هدمه الأعداء، وعدم استجابتنا لهم كانت عظيمة.
وبعد تناول مأدبة طعام الغذاء، كانت لنا جولة في المدينة لنطلع على جمال الطبيعة الذي شوهته مناظر الدمار والحرب، افرغ المجرمون حقدهم على تلك البيوت التي كان يسكنها من قاومهم وحمل السلاح بوجههم تركها مرغماً، والتحق بالرفيق الأعلى مع الشهداء او خرج منها مرغماً، فهذا بيت الشهيدة أميمة الجبارة المرأة التي لبست الدرع، وحملت الرشاش لتدافع عن ارضها، ترعرعت بها وعشقتها حتى استشهدت على الساتر من جهة البو عجيل؛ لتكون شاهداً على طائفة قاتلت ولم تعط اعطاء الذليل واخرى خانت ملح هذا الوطن، وتترك خلفها ثلاثة اولاد، حينها تكلم زوجها: (نرحب بكم واهلا وسهلا بكم ونقول لكم انتم بين اهلكم وناسكم وهذه الزيارة لا توصف ولا تثمن بثمن) كانت الدار عبارة عن كومة حجر وخراب لكن اهلها يفتخرون بها لذا انشد شاعرهم: 
احنا اهل خير وطيب على الساتر 
احنا اهل مكرمة ولعيب غيرنا ساتر
نبغي المنافع ومن المنافع نخل 
واحنا نخلنا جبد كل عدو مرنا نخل 
عدنا الحراير طبع بالموت مثل النخل 
شاهدنا اميمه اتموت وكوف لى الساتر
وكانت اهزوجة المهاويل والحاضرين من اهالي العلم (طارش كل للسيد كلنا اجنودك بالميدان)
ثم زار الوفد عددا من الجرحى في بيوتهم، وتم نقل سلام ودعاء سماحة المرجع وان هذا وسام فخر وتم تقديم الممكن لهم تثميناً لمواقفهم البطولية. 
بعدها انتقلنا الى ساحة نادي رياضي لتوزيع بعض الحصص الغذائية على المستحقين وتخزين المواد المتبقية التي سلمت الى لجنة من الشيوخ والوجهاء وقائمقام منطقة العلم والمجلس المحلي لنغادر منطقة العلم عند الغروب 

جامع أم القرى29/4/2015م
 اذا تأملنا الحقائق التي هي ليست غريبة على المرجعية الدينية المباركة ولا هي بعيدة عن معطيات السيد السيستاني (دام ظله) يقول تحسين العبد الله: بعد مرحلة الصمت التي تخلص منها بعدما افاق الشعب على حقيقة داعش وخيانة بعض الساسة للبلاد يقول: إن ما قدمته المرجعية المباركة فاق ما قدمته الحكومات، وهذا موقف بارك فوز كفة الدين على كفة السياسة في كل معايير القيادة والتضحية، كتب لي الشيخ باسم النصراوي الله يحفظه:ـ
 بعدما سيطر التنظيم الارهابي على مدينة هيت بدأت الأحداث تزداد سوءا مع تقدمهم صوب مركز مدينة الرمادي وبدأت العوائل بالخروج الى بغداد التي هي المحطة الاولى لهم والتي تضم مجمعات النازحين (من صلاح الدين والانبار) في جامع ام القرى وجامع الشيخ معروف وجامع برهان الدين التي هي تحت اشراف الوقف السني والتكية الكزنزانية ومخيم اسيا ومخيم العراق الجديد هذه المخيمات في منطقة الدورة جنوب بغداد ومجمع النبي يونس في منطقة النهروان ومجاميع اخرى في منطقة الاعظمية مندمجة مع الاهالي. 
 في يوم 29/4/2015 تم تحميل السيارات بالمواد الغذائية والطبية والملابس خصوصا للنساء والاطفال لأكثر من 700 عائلة لتقصد جامع ام القرى في الغزالية اولا وكانت لنا زيارة قبل ذلك التاريخ بثلاثة ايام بعدما وصلت مناشدات من الساكنين فيه تم الاطلاع على احوال النازحين واحتياجاتهم الضرورية قبة الجامع الفخمة والجميلة وحدائقه التي تتوسطها نافورة ماء تضيف لذلك الجمال جمالاً والقائمين على خدمة الجامع الذين يتفننون بخدمة النازحين كل ذلك لم يشفع ويزيل الغصة والالم الذي كان جليا بوجوه الساكنين النازحين في هذا المكان نزلت كل المواد والبالغة 25 طناً من المواد الغذائية الطحين والرز والزيت وحليب الاطفال والفرش والبطانيات في المطبخ الرئيسي الذي منه يقسم الى العوائل ثم تجولنا في المخيم. 
كان المكان عبارة عن قاعات كبيرة ومقطعة بالبطانيات والشراشف على شكل مربعات صغيره على الجانبين وممر في وسط القاعة تحدث القائمون على الادارة وقال: باسمي واسم ديوان الوقف السني نشكر المرجعية الدينية في النجف الاشرف لهذه الوقفة الاخوية، ونرجو ان لا تكون اخر زيارة. 
قال احد النازحين: نحن اخوة ولا فرق بيننا ونشكر المرجعية لهذه الوقفة والنازح يحتاج كل شيء وابسط الاشياء؛ لأنه خرج بنفسه وان الاعداد تتزايد يوماً بعد آخر وكل غرفة ثلاثة في اربعة يوجد فيها ثلاث عوائل حتى وصل عدد العوائل الان اكثر من 500 عائلة. 
رأيت اطفالا يلعبون، سلمت عليهم ليبادرني عبد الله بالكلام وهو ابن سبع سنين: (عمو اني تركت المدرسة واتمنى ارجع الها وارجع لبيتنا) فقال طفل اخر اسمه مولود: (عمو اني كتبي ضاعن مني هناك وحتى ملابسي هم بقن بيتنا ما ادري اشوكت نرجع).
ابو سلام يقول: انا دخلت اليوم الى بغداد وتركت خلفي آلاف العوائل عالقة بالصحراء بأسوأ حال الجوع والعطش والتعب ولا يسمح لهم الدخول الا بكفيل. 
حاج اخر يروي: (ابتدأ الهجوم على مناطقنا فجرا عند الساعة الخامسة في شرق الرمادي منطقة الصوفية والبوسوده كان قصف الهاونات ثم اقترب منا ازيز الرصاص الخفيف وانتهت المعركة الساعة الثامنة، خرجت العوائل وقد رأيت الدواعش في الازقة والشوارع، وهذه امرأة من منطقة الصوفية تقول: (احنا صابرين وان شاء الله نرجع بسلامة ونخليكم على روسنا).
ثم اقيمت صلاة الجماعة في حرم الجامع فكان منظرا يدل على الوحدة والاعتصام بحبل الله.
ثم انتقلنا بعدها الى منطقة حي الجامعة حيث مخيم اقيم بساحة ترابية في وسط حي الجامعة وبالقرب من جامع برهان الدين منظر الخيم الخارجي يحكي عن بؤس ساكنيه واحتياجهم، يفتقر هذا المخيم لأبسط مقومات العيش رغم كرم الاهالي الذين احتضنوا هذا المخيم واهله الا ان العوز والاحتياج واضح عليهم.
 احدث نفسي لو كان في الوضع الطبيعي هل يستطيع الانسان العيش في هكذا مكان ولو يوم واحد؟ البرك المائية القريبة وتجمع الذباب والبعوض ساهم بانتشار العدوى بين سكان المخيم الذي يفتقر لمركز صحي.
(عمر) شاب من منطقة البو محل – الرمادي، يعاني من مرض التهاب الامعاء الحاد تم مساعدته ماديا وعرضه على طبيب مختص في بغداد واجراء اللازم له بعد التواصل بيننا بواسطة الاتصال الهاتفي.
نسبة الاطفال بهذا المخيم اكثر من سبعين بالمائة من ساكنيه محمد، عمره تسع سنوات قال: (احنا من الكطانة من الرمادي طلعونا الدواعش بالقصف والقنابل ونريد بس نرجع والله تعبنا).
 اما صديقه عثمان يقول: (نطلب منكم ترجعونا لبيوتنا؛ لان عفنا اصدقاءنا ومدارسنا وبيوتنا خربوها حتى بيتنا جديد كله هدمه الدواعش). ابو سيف القائم على ادارة المخيم يقول: (نشكر المرجعية والمشايخ الكرام لزيارتهم لنا وسد بعض الاحتياجات الضرورية) وبين ان الموجود 100 خيمة فقط يسكنها 114 عائلة في هذا المخيم مطبخ مركزي من خلاله يتوزع الطعام على الخيم والنساء هي التي تتكفل بالخبز وقد وفرنا لهن الطحين الكافي لشهر او اكثر.
 في يوم 5/5/2015 كانت لنا جولة ثانية في بغداد حيث ابتدأت بجامع الشيخ معروف الذي يقع في منطقة الكرخ حيث تلك الخيام التي صفت بشكل غير منتظم وعلقت البطانيات والجوادر والفرش القديمة لتقي الساكنين من اشعة الشمس ولتسترهم من الناظر لا غير رغم صغر المجمع الا ان اكثر من 80 عائلة فيه اغلبهم من الرمادي استقبلنا مجموعة من الشيوخ بكلمات الترحيب والاحترام. 
 نازح كبير بالسن اسمه فؤاد ابو حيدر: (نشكركم لأنكم فكرتم بنا وامانة سلموا لنا على مراجع النجف الاشرف) الاطفال في قمة السعادة وهم يتقافزون امام كاميرات التصوير المرافقة لنا فتجمعوا حولنا بمجاميع بفرح وسرور كنا نداعبهم الا ان الاعم الاغلب منهم مصاب بمرض الجرب رغم وجود عيادة طبية صغيرة زودناها فيما بعد ببعض العلاجات خصوصا مرهمات الامراض الجلدية. 
اثناء تجوالنا في المخيم، رأينا امرأة تجلس على كرسي للمعاقين بباب خيمتها عليها السكينة والوقار بادرناها بالسلام فاستقبلتنا بالترحيب، فقلنا: (حجية شدة وتزول..)، فتقول: (وليدي هذا مكتوب علينا وانتم ما قصرتوا ويانا).
 كان من خلفها داخل الخيمة مجموعة نسوة قالت احداهن: (ابني هذا يوم الاربعاء عمليته في مشفى اليرموك واحتاج وقفتكم معانا) تمت مساعدتهم ودوّنا الاسم لمتابعة المشفى لاحقا. 
تقابلنا سيدة اخرى تقول: (انا محتاجة لمساعدتكم احنه تعبانين صار سنه واربعة اشهر حرقوا بيتي واخذوه داعش وقفا الهم؛ لان ابني كان منتسبا بالشرطة). 
واثناء تجوالنا نرى امرأة ثكلى عليها علامات الحزن اكاد ارى مجرى الدموع وكأنه نقش حفر على الخدين والعيون غائرة والصوت بح من شجي وانين تجلس على الرصيف بباب الخيمة بيدها مسبحة سوداء بلون ثيابها الحزينة تقول: انا من الرمادي لقد قتلوا اولادي الاربعة امام عيني سلمنا امرنا لله. 

 مجمع آسيا في الدورة:
 لم يكن الحال في مخيم آسيا الذي يقع في منطقة الدورة إلا كسابقاتها من تلوث الطعام وتفشي الامراض المعدية هي نفسها المشاكل التي تكاد تكون في كل المخيمات، اكثر من 400 عائلة من اهالي الانبار يسكنون هنا وصلوا بعد دخول داعش لمدينة الرمادي.
 وصلنا عند الساعة الحادية عشرة من صباح يوم 5/5 استقبلنا الناس الساكنون بفرح وسرور قال احدهم واسمه ناصر يبلغ من العمر 40 سنة: لقد انسيتمونا بزيارتكم هذه همومنا وشعرنا ان هناك من يهتم بنا، كانت فرحة الأطفال كبيرة لا توصف، تجمعوا حولنا وازداد فرحهم، وهم ينظرون لأيديهم وهي تحمل الملابس الجديدة التي استلموها للتو، كان مطلب الاهالي توفير خيمة تكون مصلى، فتم تلبية ذلك اثناء تجوالنا بالمخيم، كثير من النساء اللاتي تجمعن حولنا مطلبهن اجور معاينة الطبيب والعلاج لأطفالهن.
 دخلنا الى المطبخ الرئيسي الذي انزلنا المواد فيه؛ لأن الطبخ هنا مركزي ثم تناولنا طعام الغداء معاً مع مجموعة من النازحين في احدى الخيم فكانت جلسة على بساطتها غاية في الروعة. 
 
 مخيم النبي يونس في النهروان:
 ثم انتقلنا بعد ذلك لمجمع النبي يونس في منطقة النهروان والذي تم تشييده من قبل مجلس محافظ بغداد وهو عبارة عن كرفانات تم توزيعها على النازحين من مدينة الموصل، وإن اغلب سكنة هذا المخيم من الشيعة الشبك وعددهم 400 عائلة رغم أن حالهم افضل من غيرهم من النازحين. 
الالم والغصة لفراق الدور وهجرانها كانت بادية في وجوه الناس الذين تجمعوا حولنا ليعبروا عن مشاعرهم وفرحتهم بهذه الزيارة، طرقنا الابواب بابا بابا لنسلم عليهم، وننقل لهم سلام سماحة المرجع والدعاء لهم ونضع عند كل باب سلة غذائية. 

زيارة بزيبز الأولى:
 
 أن تجلس في مدينتك تهادن العصابات المجرمة وانت تقلق على ناسك واهلك الذي هجروا وملؤوا خيام اللجوء، هذا هو الأمر الذي لابد أن نراجع به انفسنا، ان ننظر من خلال هذه الكوة الى عظمة المجاهدين من رجال المرجعية الدينية الذين تدفعهم المسؤولية الدينية والوطنية والانسانية ان يذهبوا الى مدن الخيام، أن يجوبوا هذا الخطر؛ ليسألوا عن الناس ليحملوا لهم الدعاء وسلال العافية والدواء وابتسامات الأمل الذي عجزت ان توفره لهم الحكومات، ولهذا كانت لغتي هي الكلمات التي كان يحملها وفد المرجعية الى الناس.
 كلامي هو هذا الأمل الذي تحمله المرجعية المباركة الى كل عراقي، هذي هي لغة الدين والحضارة والانسانية والا ما الذي فعلته الحروب سوى هدم البيوت وقتل الانسان وهتك الاعراض، وصلتي رسالة من صديقي الشيخ باسم النصراوي يحدثني فيها عن زيارة بزيبز الاولى:-
  رغم أن الانبار بالجملة غير آمنة، وان من اهلها الكثير من النازحين، الا ان الاعم الاغلب منهم كان في داخلها، او على اطرافها حيث كان مركز مدينة الانبار وهو الرمادي على حاله ولم يسقط بيد داعش رغم المعارك الدائرة على اسواره.
 وقد اعطى الجيش الامريكي تطمينات من انه لا خوف على مركز المدينة وهو في امان وفي يوم 18/ 5/ 2015م نتفاجأ بخبر سقوط مدينة الرمادي بيد داعش وتفجير المقرات الحكومية فيها لتشهد محافظة الانبار اكبر موجة نزوح، بل هي الاكبر في العراق منذ سقوط الموصل قبل سنة من هذا التاريخ.
كان قبل ذلك الوقت بعشرة ايام تقريبا اخبرنا سماحة السيد العميدي بضرورة تخزين المواد اللازمة لأزمة محتملة وازمة نزوح كبيرة وبالفعل حصل ذلك لتزدحم اسوار بغداد بالوافدين اليها او المارين من خلالها، قامت الحكومة بعدة اجراءات منها عدم الدخول الى بغداد الا بكفيل وهذا ما زاد من معاناة النازحين الذين علقوا عند نقطة العبور الوحيدة وهي بزيبز، وهذه المنطقة هي احدى القرى التابعة الى عامرية الفلوجة في محافظة الانبار حيث يسكنها عشائر البوعيسى ويقسمها نهر الفرات الى قسمين وعليه معبر من الطوافات الحديدية وعرف هذا المعبر بجسر بزيبز. 
 تناقلت الفضائيات بالصورة والصوت الحالة المزرية التي يعيشها الناس هناك، لذا اتصل مكتب سماحة السيد وتساءل عن هذا المعبر ووجه بضرورة تواجد لجنة اغاثة النازحين التابعة له هناك.
 أرسلنا وفداً الى الاستطلاع وتبين انه توجد مخيمات أربع في هذا الجانب ومخيمات اخرى اكبر منها في الجانب الاخر من عامرية الفلوجة، وفي كلا القسمين كانت الارض يسكنها عشائر البوعيسى وان هذه المخيمات تخلتف عن غيرها حيث ان لها خصوصية؛ لأنها أنشئت على ضفاف نهر الفرات عند مدخل بغداد من جهة جسر بزيبز وقبل ثمانية اشهر تقريبا عند سقوط مدينة هيت، وان الغالبية من سكان هذه المخيمات هم عشائر البونمر، ولما كانت هذه (المخيمات) اول ما تواجه النازحين القادمين من الانبار كان الضغط عليها كبيرا من النازحين الجدد الذين يبقون بالقرب منها عدة ايام حتى ينتقلوا الى مناطق اخرى. 
وبعد استحصال الموافقات الرسمية من مكتب سماحة السيد السسيتاني توجهنا في صبيحة يوم 24/ 5/ 2015م الى هذه المنطقة .
وصلنا الى السيطرة الاخيرة وبعد استحصال الموافقات من عمليات بغداد جاء الاذن بدخول العجلات المحملة بالمواد الغذائية وصلنا عند الساعة الحادية عشرة رغم ان المنطقة زراعية الا ان الشمس كانت عمودية.
 وهذه المخيمات قد أنشئت على مساحة صغيرة مما جعل الخيام قريبة من بعضها فحتى في هذا المكان لا يوجد متنفس للصغار للعب، تجمعوا حولنا فكان لكل واحد منهم على صغر سنه قصة بذلك. الناس تشكو ما مر بهم من ضيق وضنك، وان القيادات قد تخلت عنهم وتركوهم يواجهون هذا المصير الاسود وتحت رحمة داعش. 
اثناء تجوالنا بالمخيم وقفنا على باب خيمة بالية، شكا اهلها الحر الشديد وانقطاع التيار الكهربائي المستمر وقال احدهم: (هاي البنكه هسه مشتغله بعد قليل تنطفي الكهرباء، وتصير الخيمة مثل التنور نخرج الاطفال عراة في الشمس اهون من ان نبقيهم بالخيمة).
قال احدهم: انا جريح حيث كنت في سلك الشرطة، ونطالب ان يدخل الحشد الى الرمادي. 
الحاج ابو حيدر احد اعضاء الوفد المرافق معنا يروي لي هذا الموقف لأحد النازحين على حصة غذائية، وبالغ في طلبه تم اعطاؤه ما يريد وبالصدفة قابله احد الحاضرين، وهو من النازحين ايضاً، ويبدو انه لم يره من فترة طويلة ليسلم عليه ابو علي: كيف الحال قال: الحمد لله.. 
:ـ متى وصلت؟
:ـ منذ أيام. 
:ـ واين الاموال وذاك العز؟
:ـ تركت كل شيء وخرجت وعيالي بملابسنا.
حينها تذكرت قول رسول الله صل الله عليه واله وسلم: (ارحموا عزيز قوم ذل).
 فحاولت ان اواسيه، بكى وقال: (انا من اغنياء الرمادي حرق لي داعش 13 سيارة وسبعة بيوت كبيرة كأنها قصور ولم نخرج الا بطرك الدشداشة والهوية).
 تم تغطية سكان المخيمات الاربع بأجمعهم الا ان ظهر لنا ان الذين يسكنون خارج المخيمات اعداد اكبر بكثير من سكان تلك المخيمات، يعيشون بهياكل وبيوت وخيام بعيدة كانوا يسمونهم سكان العشوائيات، والذين تجمعوا حولنا وتم تشكيل لجنة لجمع بياناتهم وبعد ذلك نرسل حصصهم بوقت آخر. 
الآلاف من السائرين على الاقدام من جهة عامرية الفلوجة الى بغداد كانت العوائل قد انهكها التعب وصلوا الى الضفة الاخرى بسيارتهم الشخصية تركوها في الصحراء ليعبروا الجسر سيرا على الاقدام الحسرة والالم والاعياء كان واضحا على الجميع: (هذا لمن حاله افضل من غيره وقد وجد كفيلا كي يعبر) فما بالك لمن لم يسمح لهم لعدم وجود الكفيل؟
قال احدهم وكان معه مجموعة من النساء وهو يحمل بعض الفرش على كتفه: لقد تركنا كل شيء وهربنا بأعمارنا.
 فقلت: واين ستذهب؟ قال: (ما ادري لكن الله موجود).
شاب اخر في عمر الاربعين معه امه عبر الجسر توا، فقلت له: (حمدا لله على سلامتكم واهلا وسهلا بكم في بغداد) كلمات علها تصبرهم، لم يتمالك نفسه وخنقته العبرة فأجهش بالبكاء واطلق العنان لدموعه لتجري على خديه امام الناس والكاميرات التي كانت تصور ما باليد الا ان نكفكف تلك الدموع واقول له: تلك الدموع عزيزة ليختصر بتلك الدموع قصة عشق عاشها مع ارض تركها مرغماً.
نصب موكب خدمي بالقرب من المعبر قدم يومها الطعام والشراب لأكثر من ثلاثة آلاف شخص. 
وزيار الشيخ الذي اعطى الارض الى منظمة اقيمت عليها المخيمات لنشكر له صنعه ونعرض انفسنا ان نكون بخدمته اذا احتاج شيئاً ليكمل كرمه وبضيافة للوفد وبعض القادة الامنيين.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/09/30



كتابة تعليق لموضوع : رواية عن الفتوى المقدسة.. ( وكنت معهم )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net