صفحة الكاتب : عبد الهادي البابي

الثقافة العراقية مسيرة حافلة بالإبداع ..وخالية من التكريم !!
عبد الهادي البابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لا شك في أن تقدير الثقافة يساعد على تنميتها وتطويرها ، ويدفع المثقفين الى المزيد  من العطاء والأنجاز ، ويكرس في نفوسهم حب مجتمعهم والأخلا ص إليه ،والتفاني في خدمته ، بينما تجاهل الثقافة قد يثبط نشاطها ويصيبها بالأحباط،  وفي أقل الإحتمالات فإن تلك الثقافات تسلك طريق النزوح والأغتراب ،وما يصطلح عليه اليوم بهجرة الكفائات والثقافات والأدمغة المبدعة..
فالشعوب والمجتمعات لاتقاس بوفرة عددها وبكثافتها السكانية ، وإنما تقاس الشعوب والمجتمعات بقوتها النوعية ، المتمثلة في كفاءات أبنائها ، وقدراتهم المتميزة علمياً وعملياً ، من هنا أعتبر القرآن الكريم فرداً واحداً  بمثابة أمةً كاملة لما كان يتمتع به من صفات ومواصفات عظيمة ، وهو نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام ، يقول تعالى ( إن ابراهيم كان أمة ) سورة النحل /120
وكان العرب يقولون عن المتفوق  في حكمته وتدبيره : (رجل ثقيف يعد بألف)..فالكفاءةوالثقافة والأبداع هي مصدر قوة الأفراد والشعوب ، وأن المجتمع القوي  هو الذي تكثر  فيه ميادين الثقافة والكفاءة والأبداع  بين أبنائه ..
ولكن كيف تنموالثقافة .. وكيف تتفجر الكفاءات ..ولماذا تزخر بعض المجتمعات بالمبدعين والمتفوقين ،  بينما تعاني مجتمعات أخرى من القحط  والفقر ..؟
وهناك اليوم من لايريد الأعتراف بأن هنالك إشكالاً حقيقياً أصلاً في تعريف المثقف، وحتى هذه اللحظة  يوجد إختلاف لاسيما في العراق وفي المشهد الثقافي العراقي  على مسألة من هو المثقف ، وكيف يجب أن يكون المثقف ، فهناك أكثر من تعريف بعضها يندرج تحت التعريف اللغوي وبعضها يندرج تحت التعريف الإصطلاحي ، وحتى المؤسسات العالمية ذات العلاقة بالشأن الثقافي لم تتفق على تعريف محدد للمثقف ..!
فلازلنا – وكما قال أحد الأخوة الأدباء – ندور في حلبة البلاغة ، ولازال الأديب والمثقف العربي – والعراقي خصوصاً - مثقفاً بلاغياً ، ويعتقد هذا البلاغي بإن غيره ليس مثقفاً، وهذا مشكلة  كبيرة يعاني منها الكثير من المثقفين ..!  
إن المثقف اليوم على وفق هذه التطورات والتقدم الكبير والمستمر في وسائل الأتصال المختلفة والعولمة والأنترنيت إلى آخره مما نشاهده ومانعيشه في حياتنا اليوم أصبح المثقف موضوعاً آخر وأصبح شيئاً مختلفاً عما كنا نعتقده سابقاً، فمازالت الثقافة العربية حتى هذه اللحظة ثقافة تنهل من ثقافة الآخر – الثقافة  الغربية- ومازالت الثقافة في بعدها الأساسي وإرتكازها الرئيس ثقافة مقلدة ، وثقافة تابعة إلى حد كبير إلى منهاج وأسلوب غيرها ، ومثال ذلك الثقافة الأدبية  في المناهج النقدية الحديثة ، على الرغم من أننا أسبق زمنياً من غيرنا ..!!
إن على المثقف أن يعرف بأنه لم يعد في زمن غابر لايسمح بالخروج عن التقليدية ، فهو اليوم يعيش في خضم تنافس ثقافي واسع  ، وفي نفس الوقت يطرح نتاجه في بيئة (متلقية) حادة وناقدةوحرة وجريئة في قبولها ورفضها  ، تتلقى العمل الثقافي والنص الأدبي بالطريقة التي تشاء بها والرغبة التي تراهاموافقة مع مزاجها ، وفي ظل متون إبداعية كثيرة تقدم يومياً ، فهناك اليوم المتن المرئي والمتن االمرسوم والمتن المكتوب ومتون مفتوحة متعددة لانستطيع أن نجبر المتلقي على قبولها كلها .. فنحن اليوم أزاء مسؤولية إضافية ونحن بحاجة إلى طاقة ينبغي أن تضاف إلى طاقة النص الذي كان يكتب في السابق سائباً ولايُراجع ولايُحسب حساب من يتلقاه ، هذا الذي يحتم علينا اليوم أن نكون عارفين بأشتغالاتنا الثقافية  إذا كانت أدبية أوشعرية أونقدية .
أن أهم الأعمال الإبداعية والثقافية نراها - مع الأسف – قد حضيت بالحضور والظهور بعد رحيل أصحابها- وعلى الطريقة التقليدية للأحتفاء بالراحلين – وعلى قول الشاعر :
لأعرفنّكَ بعد الموت تندبني            وفي الحياة مازودتني زادي 
وفي الحقيقة أن هناك عوامل وأسباب عديدة تؤثر في مستوى حركة الأبداع والتفوق في أي مجتمع ،لعل من أبرزها مدى مايجده المثقف والمبدع والكفوء من تشجيع وإحترام ، فالمجتمعات المتقدمة عادةً ما تحرص على توفير أكبر قدر من الأحترام والتشجيع للطاقات والقدرات المتميزة من أبنائها ، بينما تنعدم أو تتضائل مثل هذه الحالة  في المجتمعات المتخلفة ..
ان إحترام المثقف والمبدع والكفوء هو بالواقع إحترام للذات وهو مظهر من مظاهر الرقي والتقدم عند الأمم والشعوب ، فالإنسان السوي يختزن في أعماق نفسه مشاعر إعجاب وتقدير لكل كفاءة متميزة ، وإبداع خّلاق ، ودون ذلك لايكون إنساناً سوياً أبداً ، لكن أمتلاك قدرة التعبير عن تلك المشاعر ، والمبادرة لأبرازها هو سمة الراقين المتحضرين ..
إن من يظهر  مسشاعر تقديرهُ للمثقفين والمبدعين ، إنما يسّجل إحترامه لذاته أولاً بالتعبير عما تختزنه من أنطباعات ، ومنحها جدارة التقديم والعرض بكل شرف ، بينما يشكك ضعفاء الثقة بذواتهم ، في إستحقاق مشاعرهم ، للأظهار والأبراز  ويبخلون على أنفسهم بفرصة التعبير عما يختلج فيها ، لضعف إحترامهم لها ..
وقد تتراكم على نفس  الأنسان حجب قاتمة ، من نوازع الأنانية والحسد تمنعه من إعلان تقديره للمستحقين للتقدير ، وذلك خلق سيء وحالة مرضية  لاعلاج لها إلا بالوعي الصحيح والتربية الفاضلة ، وممارسة  جهاد النفس  ، وهو الجهاد الأكبر ..
إن البعض تمتلأ نفسه بحب ذاته  بشكل نرجسي ، ويسيطر عليه الغرور ، وتتضخم  لديه الأنا  بحيث لا يرى أحدا غيره مستحقا للمدح والتقدير والثناء ، بل وينزعج ويتذمر  حين يشاد بآخرين ، وقد يكون ذلك ناجما  من شعور عميق  بالنقص والضعف ، يستثيره ذكر كمال الأخرين  وتفوقهم !
وقد يشعر بعض من يجد  في نفسه الكفاءة  بالغبن حينما يرى تكريم  غيره  من المبدعين والمثقفين ، وإنه يجب أن يغتبط ويفرح بذلك ، لأن تقدير أي كفاءة في المجتمع  يعتبر تكريساً لمنهجية صحيحة ، إذا تأكد وجودها فستشمله بركاتها وآثارها  كغيره من المؤهلين ..
ولشيوع مثل هذه الأمراض في نفوس أبناء المجتمعات المتخلفة عادة يتأجل تقدير وتكريم الكفوءين من العلماء والمثقفين والأدباء والمصلحين إلى مابعد وفاتهم ومغادرتهم هذه الدنيا ، عندها تعقد مجالس التأبين لذكر محاسنهم وتعداد فضائلهم وإعلان الحسرة على فقهم ، بينما كانوا في حياتهمك مجهولين أو متجاهلين وكما قال الشاعر العربي : 
لأعرفنّكَ بعد الموت تندبني        وفي الحياة مازودتني زادي 
إن تكريم المثقفين يرفع درجة الطموح  والتطلع نحو التقدم والأبداع لدى أبناء المجتمع ، فعلى من يهتم بالثقافة وأهلها أن يجتهد في وضع البرامج وإبتكار الأساليب لتقدير وتكريم المثقفين والأدباء من أبنائها والأحتفاء بهم أعلامياً، وتكريمهم إجتماعيا ورصد الجوائز والأوسمة لهم وتوفير وسائل العيش الكريم والخدمات الازمة لفاعليتهم ونشاطاتهم ..
وقد أخذت مجتمعاتنا  العربية والإسلامية المعاصرة عن المجتمعات المتقدمة بعض عادات الإهتمام ،وبرامج التقدير للمثقفين والمتفوقين ،لكنها تكاد تنحصر في الأهتمام بالمتفوقين في القوى البدنية كالرياضين ، والقدرات الفنية كالمطربين والفنانين،  وإقامة الأحتفالات الكبيرة والباذخة ،وتقديم الهدايا المالية الكبيرة لهم في عدة مناسبات ..
أما المثقفون والمفكرون ، والأدباء المبدعون ، وسائر الكفاءات النافعة ، فهي  في الكثير من أ قطار العالم الثالث تتمنى السلامة على نفسها !!! فضلا عن أن يتوفر لها الأهتمام والتقدير والدعم من المؤسسات الإعلامية والثقافية التي ينتمون إليها أو يساهمون في نشر أبداعاتهم وأعمالهم ومقالاتهم التي ينشرونها في صحف وجرائد ومجلات تلك المؤسسات  الخاصة بأستمرار ...!وكأن تلك المؤسسات الإعلامية أو أرباب الصحف والمجلات هم أصحاب المنّة والفضل على المثقفين والإعلاميين والإدباء لأنهم ينشرون لهم (مجاناً ) ...وهم الذين أحرقوا ساعاتهم ولياليهم وعصروا عقولهم في سبيل مقالة مهمة أو موضوع ينتفع به الناس ، حتى قال الشاعر أحمد مطر ..معبراًعن هذه الحقيقة المرة : 
قال أبي ...
[ في كلٍ قطرٍ عربي ...
إن أعْلنَ الذكّي عن ذكائه ...
فهو غبي ..!!]
وأقول ..وكفى الله المثقفين  شر الأغبياء ...!!

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الهادي البابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/02/05



كتابة تعليق لموضوع : الثقافة العراقية مسيرة حافلة بالإبداع ..وخالية من التكريم !!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net