صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

اليمنُ الجريحُ يقلقُ إسرائيلَ ويثيرُ مخاوفَهَا
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

أثارت التصريحات الإسرائيلية الأخيرة على لسان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس أركان جيشه أفيف كوخافي، حول التهديدات الجدية التي يشعرون بها من اليمن، والقلق الذي يساورهم منه، الكثير من الاستغراب والدهشة، ودفعت العديد من المهتمين بالشأن الإسرائيلي إلى البحث في ما وراء هذه التصريحات، ومعرفة مدى جديتها وحقيقتها، وما إذا كانت تعبر فعلاً عن وجعٍ وخوفٍ وقلقٍ وتوجسٍ حقيقي، وأنها ليست فقط تصريحات إعلامية لمزيدٍ من الشحن السياسي والتحريض الأمريكي.

 

أو أنها محاولة من رئيس الحكومة لتوظيفها في معركة الانتخابات في بداية شهر مارس القادم، للضغط على الفرقاء السياسيين للقبول به رئيساً لحكومةٍ قويةٍ متماسكةٍ، تتمكن من إزاحة الأخطار وإبعادها، والتصدي لها وإحباطها، خاصةً أن هذه التصريحات جديدة من نوعها، ولعله لم يسبقها من قبل تصريحاتٌ مشابهة، إلا تلك التي واكبت العمليات العسكرية بالقرب من باب المندب، حيث تخوفت إسرائيل أكثر من غيرها من عواقب عرقلة أو تهديد الملاحة الدولية في المضيق والمناطق القريبة منه.

 

مما يثير الدهشة والاستغراب من تصريحات رئيس أركان جيش الكيان الصهيوني، التي يبدي فيها خوفه من اليمن وقلقه على أمنه الوجودي، وهو الذي يدعي القوة والتفوق والتميز والاستعلاء في المنطقة، وأن جيشه هو الأقوى والأقدر على حمايته والدفاع عن مواطنيه، أن اليمن جريحٌ ينزف، ومستضعفٌ يُظلم، ووحيدٌ يتآمر عليه، فهو مشغول بهمومه وغارق في أحزانه، يعاني من الجوع والفقر، ومن الوحدة والتخلي، ومن الحصار والحرمان، ويشكو من الغارات والاعتداء، والظلم والعدوان، الذي تسبب في قتل الآلاف من أبنائه، وتشريد الملايين من أهله، بعد أن دمر العدوان البلاد وخرب العمران وهدم المباني وقوض المؤسسات، وترك البلاد يباباً والعباد جرحى ومصابين ومعذبين ومضطهدين، وهو البلد الذي كان آمناً مطمئناً يسير فيه الراكب من صنعاء حتى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه.

 

هال الإسرائيليين مظاهرُ التجهيز وشعارات الاستعداد اليمينة، وأدركوا أن حزام صواريخ المقاومة يحيط بهم، ويكاد يطبق الخناق عليهم، ولكن حزام اليمن يختلف، إذ سيكون موجعاً ومؤلماً، وخانقاً وقاتلاً، فهم يتحكمون في باب المندب، الذي هو بوابة الكيان إلى بحر العرب والمحيط الهندي، الذي يجري فيه الكيان الصهيوني تجاربه النووية، وينشئ فيه ترساناته العسكرية، وتجوب مياهه سفنه الحربية، وتغوص في أعماقه غواصاته النووية، التي تهدد بها العالم العربي والإسلامي، وتظهر بواسطتها تفوقها النوعي لجهة الضربات النووية والصاروخية التقليدية الاستباقية والانتقامية، وعليه فإن المتحكمين في باب المندب سيفصلون الكيان عن ترسانته، وسيعزلونه عن بحر العرب وغواصاته، كما سيمنعونه من التواصل مع دول شرق أفريقيا التي بنى معها علاقاتٍ استراتيجية، وزودها بالأسلحة والمعدات وتقنيات الزراعة والصناعة وغيرها.

 

لم يخطئ الإسرائيليون في تخوفاتهم، ولم يبالغوا في توجسهم، ولم يبتدع رئيس أركان كيانهم تحذيراته من الفراغ، فقد رأوا الصواريخ بأم عينهم، وشاهدوا المسيرات تسبقهم، وأدركوا خطرها وعرفوا قدرتها ودقتها، فهالهم أمرها وأرعبهم تدميرها، ولهذا فإنهم يرون أن استمرار القتال في اليمن يخدمهم، ومواصلة العدوان عليه ينفعهم، وإطالة عمر الأزمة تساعدهم، وتورط أطرافٍ كثيرة في حربه تفيدهم، فاليمن المعافى يخيفهم، واليمن السعيد يسوؤهم، واليمن الحر المقاوم يقلقهم، ورجاله الشم النشامى الشجعان يهددون مشروعهم ويبددون حلمهم.

 

لهذا الهدف وهذه الغاية يتطلع اليمن الحر إلى استعادة أمنه ووحدته، وعودة أهله وشعبه، ليعود موحداً كما كان، وسعيداً كما عرف عنه، يعيش فيه أهله جميعاً في أمنٍ وأمانٍ، وسلامةٍ وطمأنينة نفسٍ وهدوء بالٍ، ولهذا يشارك الإسرائيليون في تأخير الحل السلمي في اليمن، ويشجعون العمليات العسكرية ضد أهله وشعبه، ولعلهم يشاركون فعلاً في هذا العدوان بالخبرة والسلاح، والتقنية والمعلومات، ويساهمون بأنفسهم في تدمير قدراته وتخريب مستقبله، أملاً في تحطيم إرادته وشغله عن هدفه وغايته.

 

لن يقتصر دور اليمن على كف يد الكيان البحرية، ومنعها من حرية التجوال في المنطقة، أو التواصل مع قطعها الحربية المنتشرة، أو كسر دراعه الممتدة إلى أفريقيا، بل إن اليمن الحر الإرادة المستقل القرار قادرٌ على أن يقصف الكيان الصهيوني في حال المواجهة الكبرى بصواريخ بعيدة المدى، لعله يمتلكها أو وصلت إليه أو سيحصل عليها، والعدو الإسرائيلي يدرك أن اليمنيين كالقوس اليماني يبري سهامه وإذا شد أوتاره أطلقها، وإن أطلقها أصابت ونالت من العدو مقتلاً أو أوجعته، وقد أثبتت السنون كلها ماضيها البعيد والقريب، أنهم جنودٌ أشداءٌ ومقاتلون بواسل، صبرٌ في الحرب وأصحابُ بأسٍ شديدٍ في القتال.

 

لكن العدو الإسرائيلي أدرك يقيناً أن في اليمن روحاً جديدةً تسري، وفكراً مختلفاً يسود، ومقاومةً أصيلةً تتعمق جذورها، وتعلو راياتها، ويصدح بالحق رجالها، فاليمنيون رغم أسمالهم البسيطة وسحناتهم التي لوحتها الشمس وأضنتها الحروب والمعارك، وآذاها العدوان وجوعها الحصار، إلا أنهم يؤمنون أن معركتهم الحقيقية ليست في صنعاء وعدن، وإنما هي في فلسطين وعلى تلال القدس وجبال نابلس وشواطئ حيفا وتل أبيب، وهم يعدون العدة لهذا اليوم، ويستعدون له بعزمٍ ويقينٍ وإيمانٍ وثباتٍ، ويعتقدون حتماً أنهم سينتصرون، فهذا وعد الله الخالد لهذه الأمة، وهم ليسوا إلى جنوداً فيها، ولعلهم يتطلعون إلى أن يكونوا رأس الجيش ومقدمته.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/01/15



كتابة تعليق لموضوع : اليمنُ الجريحُ يقلقُ إسرائيلَ ويثيرُ مخاوفَهَا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net