صفحة الكاتب : عبد الخالق الفلاح

طال الانتظار.. دون الاستجابة لثورة الغضب
عبد الخالق الفلاح

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

العراق الذي ابتدع للإنسان الكتابة في بلاد الرافدين مع التوسع في الزراعة وبداية ظهور المدن والمجتمعات الحضرية، وكانت لغتها المكتشفة أداة اتصال وتفاهم بين الشعوب بالإضافة إلى ذلك شهدت المنطقة تطورا في الفنون و العمارة و العلوم في زمن السومريين قبل قرابة 4 الاف سنة على اقل التقديرات ، اقول الى متى يبقى من أكثر البلدان التي تشهد أحداث سياسية وعسكرية وأمنية متسارعة لتذهب بالبلد الى التأخر الثقافي والاجتماعي والانعدام و تجعل من عملية تتبعها والتكهن بمستقبلها، صعبة وليست سهلة للكثير من المراقبين والتعقيد الذي يشهده مما يجعله مفتوحا ‏للعديد من السيناريوهات، سواء منها سياسية أو عسكرية. ولا شك أن اللاعبين السياسيين كل منهم يحاول استغلال الأوضاع لتنفيذ أجندات خاصة. ومرة أخرى يظل المدنيون هم من يدفع الثمن باهظًا وما يحدث على أرض العراق له تداعيات محلية وإقليمية ودولية، والآلام والمعاناة التي يكابدها العراقيون في بلادهم تتردد أصداؤها في أرجاء المنطقة وما ورائها، ما يجعل الأمر يعنيهم جميعًا.

اما الاحتجاجات التي اندلعت في مدن العراق للمطالبة بالخدمات ومحاربة الفساد بعيداً عن العصابات المخربة مثل "الجوكرالامريكي "، والقوى السياسية تعمل من خلال الخطب على تخدير بوَهم الاعتراف بالاخطاء والفساد هذه الايام عبر شبكات القنوات الفضائية ودعوات الاستقرار والرخاء بهدف البقاء لفترة أطول على سدة الحكم، بمصائبهم الكبيرة و يحصنون أنفسهم وأبدوا لهذا الشعب صفحات وجوههم التي تعتمد على الكذب والغش والخداع لتسكينه وتركز حديث الحكومة على "مؤامرة" ومن يقف وراءها متناسية حقيقة لا يختلف عليها أحد انهم عاجزين في تشكيل حكومة بعيدة عن المصالح الفئوية والحزبية والكتلوية ولملمت اوجاع و معاناة ويأس العراقيين من انهيار أوضاع بلدهم الذي دفعهم إلى مواجهة الرصاص بصدور عارية إلا من الإيمان بقدر الله والرغبة في الخلاص من الجحيم الذي وصل بلدهم إليه، جراء هيمنة الفساد والفشل في ادارة الدولة كما يعترف بها الساسة انفسهم ولكن تتعامل مع الاحتجاجات باعتبارها تهديدًا وجوديًا لحكمها، وقد تتهم التظاهرات بأنها موجهةٌ تدار من الخارج ضدها وكل جهة تتهم جهة خارجية بالمساهمة في تأجيجها علمًا أن الاحتجاجات فيها الكثير من المطالب المحقة و لا زالت الحرية مفقودة في بلدنا ولا زال دم المواطن العراقي رخيصاً منذ قيام التظاهرات السلمية وحتى هذه اللحظة وهذا الإحساس الذي يضعف دائرة الولاء في روح المواطن لا تمكن معالجته إلا بجهود جبارة تعيد للمواطن ثقته فيها وارتباطه الوطني.. على الرغم من أن العراق يمثل قلب الأزمة، إلا أنه من الممكن أن يكون كذلك المخرج منها، فإذا ما جرى التوصل إلى حل للمشكلات التي يواجهها العراق، أو على الأقل إذا ما أمكن اتخاذ خطوةٍ إيجابيةٍ، فسنكون حتمًا على الطريق الصحيح.
واقل ما يمكن ان يقال ان الحكومة اخفقت بعد الاحتجاجات في الكشف عن الجناة الحقيقيين والمسببين لجرائم القتل والحرق والنهب وسرقة المحال والتي عبر عنها رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح ان " ما يحدث في البلاد فتنة وجريمة لا يمكن السكوت عنها” وهو الذي دخل في غيبوبتها من دون أن يحدد أبعاد الفتنة والقائمين عليها. بسبب عدم ادارة الامور بشكل صحيح من قبل القائمين عليها وهذا مما لا يمكن القبول به اطلاقاً، وعليها اي الحكومة مسؤولية تتطلب رعاية المتضررين، مهما كانت انتماءاتهم.

و يجب ايقاف عمليات القتل فوراً وبكل الوسائل الممكنة وايقاف النزيف المادي والجسدي والاسراع في تنفيذ توجيهات المرجعية الدينية في الكشف عن القتلة والمسببين وتقديمهم للقضاء لينالوا جزاءهم العادل ،لان جل المشاركين فيها هم من طباقات مختلفة واطياف متنوعة تعاني من الضيق المعيشي ومعاناة البطالة وهنالك أكثر من أربعة ملايين موظّف غالبيّتهم غير منتجين،بسبب سوء الادارة والتخطيط ورواتبهم مع رواتب أكثر من ثلاثة ملايين متقاعد، بحاجة إلى مبالغ كبيرة من الميزانية السنوية ، بحسب ما أكّدتها اللجنة الماليّة في البرلمان العراقيّ عبر الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعيّ! و تدل المؤشرات الحالية في العراق على حصول المزيد من التردي على كافة المستويات اهمها ضعف الامكانية القيادية والابداعية لدى مدراء تلك المؤسسات و الفساد المالي المستشري لاغراض شخصية وسياسية محسوبة وافتقارها الى ضوابط العمل وسياقاتها لكل دوائر ومؤسسات الدولة العراقية لعدم اشاعة ثقافة العمل الطوعي والحد من ثقافة الاستهلاك وتحديث الادوات والمناهج ومواكبة التطور العلمي في الادارة بما يتناسب مع المنظومة الالكترونية وهذه المنظمومة تعطي نوع من الاطمئنان للعمل الداخلي و للشركات المستثمرة في العراق وتؤمّن لها عدم الدخول في الروتين الإداري المعقد الذي اكتسب مناعة ضد أي علاج يستخدم الاساليب الحديثة والمتطورة في ادارة مؤسسات الدولة وتسهيل اجراءاتها امام المواطنين. فالمواطن ما زال يواجه ظاهرة الروتين الاداري في الدوائر والمؤسسات الحكومية بتعقيداتها المتوارثة منذ حقب زمنية بعيدة وينتظر وقتا طويلا لانجاز معاملاته.بل ان من المواطنين من ينتظر لساعات طوال لانهاء معاملته التي لا يستغرق انجازها سوى دقائق معدودة ؛ الاقتصادية والأمنية إلى جانب الوضع السياسي والاجتماعي، وبقية شؤون الحياة الأخرى التي يرى فيها المواطن العراقي أن حياته ومستقبله وما يتعلق بحقوقه كلها؛ باتت في دائرة الاستهداف المباشر من أجل أن تجني الكتل المتسلطة على المشهد العراقي مزيدًا من النفوذ، وتتحكم بالواقع وفق رؤية الاحتلال ومشاريعه التي يروم بسطها في المنطقة.

ويعضد هذا موقف الجهات الخارجية التي تدعم جهات معينة تشارك في خراب المؤسسات والاماكن العامة من المتظاهرين بخبث بطرق سارعت وكشفت عن مخابئها وعلى خلاف العادة مما عزز اتهام البعض من المتظاهرين بأنهم جزءٌ من مؤامرة رغم كوني لا أمن بمثل هذه التوصيفات التي اعتادت الكثير من الكتل والانظمة السياسية تسويقها إلى العقل الجمعي للشعوب، من أجل الهروب من أي أزمة سياسية أو أمنية أو اقتصادية تواجهها، وجعلها جزءًا من مؤامرة تحيط بها، وتسعى إلى النيل من سيادتها الوطنية، ومن بنيتها الاجتماعية والاقتصادية، وما إلى ذلك من الافتراضات التي تشكل جوهر هذه النظرية وأهدافها. وفي النهاية فإن الدماء الغالية التي تزف يومياً في حمالة عرسها وخلال الحراك الشعبي السلمي والعفوي لن تذهب سدى، وأكدت الجماهير المسالمة عدم خضوعها للظلم، كما أنها قد تجبر الحكومة والقوى السياسية بصمتها على اتخاذ قرارات لتحسين أوضاع البلد، ومن الصعب جدا تغيير قناعتهم بوعود الإصلاحات المخدرة بالتزامن مع العنف ولن توقف حراكهم المكاشفات الاخيرة من البعض على البعض الاخرمن الساسة ، بعد فشل القوى السياسية الحاكمة دون استثناء لأكثر من 16 عاما في أداء واجباتها الطبيعية في خدمة الشعب وانشغلت بالصراعات على المغانم والمكاسب والنظر خارج الحدود لإرضاء هذا الطرف أو ذاك. ولن تنفع معها العلاجات المؤقتة دون الإقرار بمبررات غضب الشعب وحقوقه المسلوبة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الخالق الفلاح
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/01/22



كتابة تعليق لموضوع : طال الانتظار.. دون الاستجابة لثورة الغضب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net