صفحة الكاتب : د . محمد سعيد التركي

سلسلة المعرفة الحلقة الثانية عشر العلماء الربانيون وعلماء السوء
د . محمد سعيد التركي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

علماء السوء، هم علماء حصل أكثرهم من الفرص والظروف المادية والزمنية والمكانية ما مكنهم لتلقي العلم الشرعي، والحصول على الشهادات الأكاديمية المتواضعة والعليا، ما الذي منحهم الفرصة لأن يتولوا مناصب رفيعة، في التعليم والإدارة والسياسة والقيادة في دول البلاد الإسلامية الحاضرة، ومَنَحهم الفرصة لأن يتولوا من مناصب العز والشرف من خلال الإعلام ما يجب أن يتولاه في الأصل العلماء الربانيون، ومنح هؤلاء الفرصة لأن يحصلوا من التعظيم والإجلال من قبل الناس ما يتحصل عليه عادة العلماء الربانيون .


علماء السوء هؤلاء هم الذين باعوا ولاءهم لغير الله سبحانه وتعالى، باعوه لحكام العالم الإسلامي اليوم، بالرغم من علمهم بكفرهم، وبالرغم من علمهم بأن الأحكام التي يطبقها هؤلاء الحكام على الناس إنما هي أحكام كفر، ولا تمت للإسلام بصلة، فبالرغم من العلم الذي يحملون، دلّسوا على أنفسهم ودلّسوا على الناس مقابل بضع ملايين من أموال الدنيا وبعض الأراضي والقصور والمراكب الفارهة، واستخدموا ما يعلمون لصالح الدنيا، وقد باعوا ولاءهم لغير الله تعالى.


علماء السوء هؤلاء هم المطايا التي يستخدمها حكام اليوم، ليمرروا على الناس كل ما تشتهيه أمريكا وأوروبا من أوامر ونواه في المنطقة الإسلامية، وهم المطايا التي يستخدمها الحكام لِلَوْي أعناق النصوص الشرعية حتى تتغير مقاصدها، وتتغير الأفكار التي تحملها، فيحمّلونها أفكاراً ومفاهيم ما أنزل الله بها من سلطان، فتتغير ويتغير بالتالي الدين كله في عقول الناس وأفهامهم، فيستسلم الناس راضين مطمئنين للعبودية المفروضة عليهم من دون الله عز وجل.


علماء السوء هؤلاء هم الذين يتقلدون اليوم الكراسي الأستاذية في الجامعات، والذين ينقلون إلى طلبة العلم إسلاماً جديداً غير الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على سيدنا محمد، فينقلون دروس العقيدة خالية من مضمونها، وينقلون علم أصول الفقه مفصولاً عن الواقع، ومحرِّفاً للمنهج الإسلامي. وينقلون مفاهيم الشاهدتين والعبادة محرفة عن حقيقتها. ويفصلون أحكام الشريعة الإسلامية عن الواقع حين تدريسها، فيصفون الواقع بوصف مخالف لوجهة نظر الشرع الإسلامي، حتى اعتبروا أن أيَّ حاكم مسلم تتم بيعته يصبح وليَّ أمرٍ للمسلمين تجب طاعته طاعة مطلقة، بغض النظر عن الأحكام التي يطبقها على الناس.


علماء السوء هؤلاء هم العلماء الذين أعطوا للدين الإسلامي صِبغة جديدة، فأصبح الناس يحملون ديناً جديداً يسمى إسلامياً، وهو عن الإسلام بعيد، حتى تولدت صور مزورة عن الدين الإسلامي، فهنا دين الشعائر التعبدية) وهو أبرز الصور المحسوبة على الإسلام(، وهناك دين الأخلاق والدعوة إليه وإلى المُوَاطَنة الصالحة، وهناك دين آخر وهو دين الخضوع لسيادة اليهود والنصارى والاستسلام لهم ولمؤسساتهم الدولية والسير في ركابها والخضوع لأنظمتها، وصور شتى خليطة بين هذه وتلك.


علماء السوء هؤلاء هم الذين يسجنون جيوش المسلمين في ثكناتهم، وهم الذين يمنعونهم عن التحرك للقتال والجهاد بفتاوى باطلة وآراء مضللة، فترى جيوش المسلمين نائمة في ثكناتها، وجيوش الكفر تحتل بلاد المسلمين فوق احتلالها. وفي الحين الذي ترى فيه جيوش اليهود تصول وتجول في البلاد المقدسة، تُؤمر جيوش المسلمين لتنام، بأمر من علماء السوء، بحجة طاعة ولي الأمر(وغزة وغيرها خير مثال)، بل ويتبجح علماء السوء بحِلّ قتل أو سجن كل من تسول له نفسه من المسلمين الاحتجاج أو الإنكار على الحاكم (ولي الأمر! (، حيث أن ذلك يعتبر خروجاً عليه، يُبيح إهدار الدم والمال والعرض لصاحبه "الخارجيّ!".


علماء السوء هؤلاء هم الذين يعتلون المنابر، ويمسكون بالميكرفونات، ويلبسون عمائم الشيوخ وبُردهم، ويسكنون القصور الفارهة، ويتصدرون الفتاوى، ويقولون ما لا يفعلون، بل لا يقولون ولا يفعلون، وهم الذين يقومون بعملية تخدير الشعوب وتنويمهم، عن طريق تغييب فكرة طلب العلم الشرعي، وتغييب فكرة الدعوة إلى الإسلام وإحرافها أو تشويهها، وتغيير مفهوم الولاء لله، وتغيير طريقة تفكير الشعوب، بجعلهم يستسلمون للواقع والاكتفاء بالدعاء، وعن طريق إقناع الشعوب المسلمة باستحالة تغيير واقعهم، وإباحة اللجوء إلى الحل الوسط، بالتعاون مع العدو المحارب وغير المحارب من اليهود والنصارى، وإباحة عقد الصلح والسلام مع العدو المحتل المغتصب للبلاد والعباد،، وهم الذين يُرجعون السبب في كل مشكلة إلى خيانة الشعب أو تقصيره أو بُعد الناس عن الدين، وهم الذين يُشغلون الناس بالحديث عن السيرة وقصص الصحابة الكرام، كأنها قصص مسلية أو خيالية، أو يقومون بتشويه صورهم، ويخادعون الناس بدروس المواعظ بالإدعاء أنها دروس علمية، وهم الذين يُكفّرون المؤمنين من المجاهدين في العراق وغيرها أو يؤثمونهم، وهم الذين يقفون سداً في وجه العلماء الربانيين و في وجه الدعوة .


علماء السوء هؤلاء هم الذين يُحلّون لكم الحرام ويحرمون عليكم الحلال، فقد أحلوا كثيراً من التعاملات الربوية، والتعامل بالأسهم، والدخول في الشركات المساهمة، وأحلوا التأمين والتأمينات الاجتماعية، وأحلوا الجمعيات الخيرية، وهم الذين أحلوا خصخصة الأموال العامة، من كهرباء وماء ومواصلات ومحروقات، ومصانع، وثروات الأرض، والموانئ والشواطئ، والاستيلاء على الأراضي البوار منها والزراعية، وأحلوا خصخصة الخدمات العامة، كالخدمات الصحية، والعلاجية، والخدمات التعليمية، وتصريف المياه الآسنة (المجاري) وغيرها، وهؤلاء هم الذين يحرمون الحلال في شتى جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية، بحجة طاعة ولي الأمر، أو تحت مسمى أي ذريعة يبتكرونها.


هؤلاء هم علماء السوء في الأمة، أما العلماء الربانيون فلم نعد نجدهم إلا في السجون، أو محاصرين في بيوتهم مكممة أفواههم، لا نسمع منهم ولا نعلمهم .


فالعلماء الربانيون هم العلماء الصادقون الذين لا يقولون إلا كلمة الحق، وهم الذين يخشون الله، ولا يخشون الناس أو الاستخبارات أو أمريكا وغيرهم، وهم الذين لا يهادنون في الدين، ولا يداهنون حاكماً من الحكام أو يتمسحون به، وهم الذين لا يلهثون وراء الأموال التي يغدقها عادة الحاكم على العلماء، لسد بطونهم وعيونهم وتكميم أفواههم وشراء ولائهم، وهم الذين يحاولون قيادة الأمة لطلب العلم وللعمل والجهاد، وهم الذين يتحملون وأهلهم في سبيل الدعوة أشد العذاب، وهم الذين يعملون في الدعوة لتحقيق مقتضى الشاهدتين للحكم بالإسلام، كما أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهم الذين يعملون على تحريك الأمة ونهضتها وعزتها، وعلى حفظ بلاد المسلمين، وعلى حفظ أموالهم وأعراضهم، وهم الذين يدعون لإزالة الحدود بين بلدان المسلمين لوحدة الأمة في دولة واحدة، وهم الذين يعملون ويدعون لتحريك جيوش المسلمين، وإلى طرد العدو المستعمر من بلاد المسلمين ومن الأراضي المقدسة .


هؤلاء هم العلماء الربانيون الذين ذكرهم الله في كتابه العزيز، وهؤلاء هم الذين أنزلهم الله منزلة الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، وهم الذين وصفهم الله بأنهم ورثة الأنبياء، وهؤلاء هم الذين امتدحهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأنزلهم منزلة عظيمة، وهؤلاء هم الذين يستغفر لهم من في السماوات ومن في الأرض، حتى النمل والحيتان في البحر، وهم الذين وصفهم الله ورسوله أنهم خير من المجاهدين في سبيل الله، وخير من صائمي النهار وقائمي الليل، ووصفهم أنهم هم أهل الذكر الذين يُؤخذ منهم العلم، ولا يُؤخذ من غيرهم .


وبالتالي فإنه يجب على المسلمين أن يعيدوا النظر في إسلامهم، ويعيدوا النظر في علمائهم الحقيقيين، وفي إتباع العلماء، فليس كل من أصبح عالماً انطبقت عليه صفة العالم الرباني الذي يجب إتباعه والأخذ منه، فالعلم شيء وتبنّي هذا العلم وإتباعه والدعوة إليه شيء آخر، وليس كل من أصبح عالماً يقوم بالإتباع والتبنِّي والدعوة إلى ما تعلمه، فقد يستقيم علمه ولكن لا يستقيم ولاؤه لهذا الدين مطلقاً.


إن خطر علماء السوء على الأمة ونهضتها وعلى تربية المجتمعات المسلمة اليوم وعلى تربية الناس، وتربية أبنائنا وبناتنا شباباً وشيباً،إن خطرهم عليهم عظيم، فبهم يتم تحريف الإسلام وتغيير هوية الإسلام، وبهم يُساق الناس في الدنيا والآخرة إلى النار سوْقاً، حتى ولو صلوا وصاموا.


قال الله تعالى في سورة آل عمران : 18

شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم

وقال الله تعالى في سورة العنكبوت: 49

بل هو آيات بيّنات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو في منزلة المجاهد في سبيل الله ، ومن جاءه لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره أخرجه ابن ماجه بسند صحيح(227).
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد سعيد التركي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/02/13



كتابة تعليق لموضوع : سلسلة المعرفة الحلقة الثانية عشر العلماء الربانيون وعلماء السوء
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net