صفحة الكاتب : حسين فرحان

العراق: واقع صحي متدهور يتحدى وباء!
حسين فرحان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 عندما تستمع الى رئيس وزراء دولة متقدمة مثل بريطانيا وهو يتحدث بلغة المتشائم عن وباء كورونا وهو محاط بكبار العلماء والمستشارين العلميين في البلاد، وتستمع له وهو يصرح بأن "العديد من العائلات ستفقد أحبائها قبل الأوان بسبب هذا الفيروس المميت"، ويصف الوباء بانه "اسوأ كارثة صحية للجيل" ويعلن عن أن الاجراءات الصارمة "ليست مجرد احتواء المرض بقدر الأمكان ولكن لتأخير تفشيه" .
وعندما تصرح المستشارة الالمانية ميركل انها لا تستبعد اصابة سبعين بالمئة من الشعب الالماني بالفيروس، وتشاهد في دولة متقدمة اخرى مثل ايطاليا حجرا صحيا كاملا مع وصول حالات الاصابة فيها الى ارقام مرعبة، وترى مخاوف دول متقدمة اخرى كثيرة في مجال الطب، فما عليك الا التوقف عند واقع العراق الصحي الذي هدت أركانه منذ سبعة عشر عاما ومازال يشهد الانتكاسة تلو الاخرى وهو يفتقر الى ابسط الشروط في كون مؤسساته الصحية هي أماكن تفي بمتطلبات واحتياجات ابناء الوطن .
لسنا بصدد فتح ملفات كبيرة والحديث عنها ولسنا بصدد الوقوف على تفاصيل تمزق أوصال المؤسسة الصحية والبيئية، بقدر ما يهمنا الحديث عن المسبب لهذا الواقع المرير الذي جعلنا نفكر كثيرا بما ستؤول اليه نتيجة هذه المواجهة مع خطر تفشي وباء كورونا والوقوف طويلا للتأمل في تصريحات وأجراءات حكومات دول متقدمة وهي تعلن عن خطورة الوضع وتصارح شعوبها بصعوبة الموقف مع ماتمتلك من أمكانات هائلة في الجانب الصحي وكذلك في مختلف المجالات المتعلقة بدرء خطر تفشي هذا الفيروس .
الجانب الصحي في العراق من الجوانب الكثيرة الاخرى التي تعرضت للاهمال والتخريب بفعل تواجد جهات سياسية لاتمت للمهنية بصلة في المشهد العراقي فكانت السبب الرئيس في توقف عجلة الحياة وجعل البلد عاجزا عن العطاء والتقدم وتحويله الى بلد استهلاكي يجتر مقدراته اجترارا من باطن الارض تتحكم بمصير ابناءه اسعار النفط العالمي فتجعل ساسته يضربون الاخماس بالاسداس عند محاولة اقرار موازناته السنوية عاما بعد عام .
لعل من أنعم الله عليه بذاكرة غير مثقوبة يتذكر ماقالته المرجعية الدينية العليا في واحدة من خطبها وهي تعزو سبب خراب البلاد الى الطبقة السياسية المتصارعة على النفوذ والسلطة، فقد جاء في خطبة الجمعة 15 / 3 / 2019  مانصه : «إنّ انشغال الطبقة السياسيّة بالنزاعات والتجاذبات والاختلافات على المواقع والمناصب، أدخل البلد في دوّامةٍ من عدم الاستقرار والتخلّف عن بقيّة الشعوب وإهدار الطاقات والتأزّم النفسيّ للمواطن، إضافةً الى ضياع فرص تقديم الخدمات للمواطنين وتوفير فرص العمل والتطوّر له» .
نعم هذا هو الواقع وهذه هي القراءة التي لخصته بعبارة جامعة مانعة، فالطبقة السياسية تراعي مصالحها في المقام الاول، فتنشغل بالنزاع وتضع الشعب وراء ظهرها لتدخل البلد في دوامة من عدم الاستقرار والتخلف عن بقية الشعوب فتهدر الطاقات ويحدث ذلك التازم النفسي الذي لم ينج منه أحد، بالاضافة الى ضياع فرص تقديم الخدمات للمواطنين، وهنا سيكون الحديث ولكن الحديث عن اي جانب ؟ فالخدمات التي ينبغي للحكومات تقديمها كثيرة وجميعها في العراق دون مستوى رضا الشعب الذي لاقيمة له ولا اعتبار عند هذه الطبقة السياسية القابعة الان في دائرة الرفض الجماهيري وتنتظر ساعة رحيلها ولو بعد حين، لذلك سيكون الحديث عنها – الخدمات الضائعة – حديث يعتمد على ما اختزنته الذاكرة من معاناة وما تم توثيقه من مآس كبيرة اعترضت حياة هذا الشعب وما وقع تحت اليد على نحو الايجاز من فشل حكومي واضح في كل المجالات الخدمية .
وبما أن الكلام يدور حول تحديات مواجهة وباء كورونا فذلك يستدعي التركيز على الجانب الصحي والبيئي فأول الغيث فيه ذاكرة شعب مشى على القمامة لسنوات وشهد الجرذان والحشرات تشاطره السكن في بيوته وفي أزقة مدنه، وسار لسنوات ومازال على شوارع يعصف فيها الغبار والاتربة بوجهه صيفا وتملأ أقدامه في الشتاء طينا، واستنشق مايكفي من سموم الدخان والغازات واطال النظر كثيرا الى أكوام القمامة يحلم بسيارة النفايات الحكومية ترفعها دون ان يدفع لها من قوت عياله، ووقف طويلا في طوابير المستشفيات ينتظر دوره للفحص مع مئات غيره امام غرفة لاتحتوي الا على جهاز فحص واحد لانظير له الا في العيادات الخاصة التي تعمل بلا رادع ولا رقيب تستنزف منه المبالغ الطائلة .. وكم تخلى عن حق العلاج في المستشفيات الحكومية بسبب عجزها، وتخلى عن العلاج في العيادات الخاصة بسبب جشع طبيب نسي او تناسى أنه أقسم على أن يكون طبيبا لا جزارا فاضطر المواطن الى اللجوء لاقرب ( مضمد ) في منطقته ليجعل منه حقلا لتجارب الحقن والادوية والعمليات الصغرى مراعاة للامكانية المادية المحدودة في بلد النفط  .
أما الذي تم توثيقه كشاهد من شواهد تردي الواقع الصحي فلعل أقرب ما يمكن الرجوع اليه هوالتقريرالذي نشرته مجلة سيو ورد، وأعده موقع نومبيو المختص في الأبحاث وتصنيف الدول، بحسب كلفة وظروف العيش فيها، فقد تم ترتيب الدول بحسب جودة نظام الرعاية الصحية فيها، وذلك بناء على قاعدة بيانات تجمع بين العديد من المصادر والإحصاءات والمعلومات من مختلف دول العالم علما أن التقرير تم اعداده عام 2019 وقد أشار الى أن الدول الأسوأ في تصنيف الرعاية الصحية -التي حلت في المراكز الأخيرة- هي بنغلاديش في المركز 85 وأذربيجان 86 والعراق 87 وفنزويلا 88 والمغرب 89 .
هنا ينبغي التوقف – والحديث عن كورونا - ، فاذا كانت الدول المصنفة بمراتب متقدمة في هذا المجال مثل بريطانيا والمانيا وفرنسا وايطاليا قد أبدت قلقها من تفشي الوباء فماذا سيفعل البلد الذي يحتل المركز 87 في تصنيف النظم الصحية ؟
لا حيلة باليد سوى الوعي الصحي الذي اوصت به المرجعية العليا والالتزام بالارشادات والقوانين الصادرة من الجهات المعنية والتضرع الى الله تعالى بأن يدفع عن هذا الشعب وجميع الشعوب شر هذه المحنة وان يمن على جميع المرضى بالصحة والشفاء .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسين فرحان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/03/17



كتابة تعليق لموضوع : العراق: واقع صحي متدهور يتحدى وباء!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net