صفحة الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي

يوم الله العالمي.. إلهي العفو
محمد جعفر الكيشوان الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كتب أحدهم ونشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقالاً مقتضباً جاء فيه:" اليوم أغلقت حانات الخمر والمراقص والنوادي الليلية ودور السينما والقمار والمسارح والأوبرا".

وكتب آخر: "اليوم أغلقت المساجد والكنائس ودور العبادة. فلا عُمرة ولا طواف حول البيت ولاسعي بين الصفا والمروة ولاحلقات تعلم القرآن ولازيارات. لاقُداس إلهي وصلاة ليسوع ولا خلوات ولا كورال ولا تعميد".

وكتب ثالث:" اليوم وُضِعَ الجبابرةُ والطواغيتُ والمتفرعنون تحت الإقامة الجبرية مكرهين أذلاء ترهقهم ذلة وضَعَة ومسكنة".

وكتب رابع:" اليوم تم إسقاط الرأسمالية والليبرالية الديمقراطية فقد بانت عوراتهما وإنكشفت معائبهما وبدت سوآتهما. فلا بديل عن الإشتراكية فهي الحل وهي المنجية في خضم هذه الأحداث الكارثية".

وكتب خامس:" لايمكن للإشتراكية أن تنهض دون الإعتماد على عقل وتفكير وتدبير الرأسمالية وضرب على ذلك الأمثال. ومما قاله هو أن الصين لم تكن لتفلح في صناعة هاواوي (الموبايل ذائع الصيت) لولا المواد الأولية الأمريكية. يزعم هذا المحترم أن العقل والذكاء محصور في الولايات المتحدة الأمريكية فهي سيدة العالم في كل شي.وأنا أضيف عبارة من عندي وأقول: هي سيدة العالم حتى في الرذائل والإنحطاط!!".

ليس المقال سياسياً وإنما دخلنا في السياسة لبعض الوقت هنا للتعليق عمّا قيل من آراء.

في الأزَمات تظهر الخزعبلات..

في هذا الزمن الرديء وفي هذه الأيام الصعبة العصيبة، التي يكثر فيها البلاء والإبتلاء، نحاول كما في أيام اليسر والراحة والرخاء،أن نظهر للآخرين بأننا نحن الأفضل ونحن الأنقى،نحن الأقرب إلى الله تعالى وغيرنا في سواء الجحيم مادامت السماوات والأرض إلاّ ماشاء ربُّك. بل نحن الأنفع للبشرية. فنحنُ الواعظون ونحن الخطباء ونحن الكتّاب والناصحون. ونحن القائلون.. على الناس أن يصغوا لما نقول وقتما نقول. وإن كان الذي نقوله ترهات وإفتراءات وأحايث ماأنزل الله بها من سلطان.مَن أعطانا هذه الصلاحيات والإمتيازات وخصنا بها عمّن سوانا. مّن أعطانا مقاليد التسلط على الناس- كلّ الناس على إختلاف ألوانهم وألسنتهم ومعتقداتهم-.هذه الأسئلة حريّ بالمتفاخرين الإجابة عنها وشرحها بوضوح.

ضيف إبراهيم عليه السلام..

في يومٍ  شديد البرودة، حلَّ على إبراهيمَ النبي ضيفٌ.. أوقدَ إبراهيمُ النار للضيف ريثما يحضر له العشاء. فالدفء فاكهة الشتاء كما يقولون. رجع إبراهيم إلى ضيفه ليجده ساجداً للنار دون الله تعالى. غضب إبراهيم عليه السلام وقال: في بيت نبي الله تسجد لغير الله!!!

طردَ إبراهيمُ الضيفَ ولم يطعْمه عقاباً لسجوده للنار.خرجَ الضيف جائعاً في جوف الليل وليس هناك من يطعمه غير الله المتفضل الذي يُطعمُ ولايُطْعَم. خاطبَ الله العالم بالخفيات نبيه إبراهيم:

ياإبراهيم لٍمَ لَمْ تُطعمْ ضيفك وقد لاذَ بكَ جائعاَ؟

أجاب إبراهيم ربه تعالى بأن ياربّ قد سجد هذا الضيف للنار دونك.

قال الله تعالى: يإإبراهيم إنّ عبدي هذا كان يسجد للنار أربع وثلاثين سنة. وكان أذا جاع اطعمتَه وإذا عطشَ سقيتَه وإذا مرضَ شفيتًه..ياإبراهيم لم يسجد أمامَك للنار إلاّ لِلَحظات وطردتَهُ من بابك جائعاً..... سبحان الرؤف الرحيم سبحان الخالق المنّان الحنّان.

أقول إن هذا الذي سجد للنار في بيت إبراهيم عليه السلام كان رجلاً ، أعني أنه كان بشرامن بني آدم. هناك أكثر من هذا:

الكلب الضمآن..

مرَّ رجلٌ بكلبٍ قرب بئرٍ،يلهثُ من شدةِ العطش. لم يكن للرجل دلواً يدليه في البئر ليستخرج الماء للكلب العطشان. خلع الرجل ثيابه وأوصلها ببعضها لتكون كالحبل يدليه في البئر إلى حيث الماء. في كل مرّة كان الرجل يعصر الجزء المبتل في فم الكلب إلى أن إرتوى الكلب وإنصرف. جازى الله سبحانه ذلك الرجل خير جزاء المحسنين وقال تعالى فيه: "لقد رحٍمَ خلقاَ من خَلْقٍي". فما بالنا أيها السادة الكرام!!!

لاأريد أن أجعل المقال سرداً لقصص حدثت أو أخرى للوعظ بعد أن غبتُ  لسنوات ولم أكتب فيها سطراً للنشر لكني كنتُ أكتب لنفسي فقد غفلتُ عنها كثيراً. سنأتي على ذلك في مقال خاصٍ إن أبقاني الله تعالى لذلك اليوم. أجل.. لستُ هنا بمورد سرد قصص الوعظ والعبرة لكن هذه الأيام هي أيام الإلتفات إلى النفس والإشتغال بمعائبها وترويضها، سيما وأن البلاء والإبتلاء قد أُحيطَ بنا. ولاخلاص لنا إلاّ بالتراحم وعدم التشفي بالآخرين وإن كانوا على غير ديننا وعقيدتنا.

موسى وقومه..

غضب موسى عليه السلام من قومه لٍما أصابه من أذىً وسوءٍ وإفتراءٍ وتكذيبٍ. فقد أنذروه وتطيروا به وأرادوه أن يعود لملتهم التي لم يكن يوماً منها ولافيها.. شكى موسى قومه إلى الله وطلب من الكبير المتعال أن ينزل العذاب عقابا لسوء أفعالهم وقبيح صنائعهم. إستجاب الله لنبيه وكليمه وقال تعالى له بأن ينذر قومه ويعده بالعذاب الذي سيحل بساحتهم في اليوم الفلاني وفي الساعة الفلانية. فزع القوم عند سماعهم لنبي الله وهو يعدهم بالعذاب الأليم. أقبل بعضهم على بعضٍ متراحماً قد نسوا خلافاتهم وأضغانهم وغلّ قلوبهم. الأغنياء مدوا يد العون والمساعدة للفقراء والمعسرين. الكبار إعتنوا بالصغار والأولاد. الشباب قاموا بخدمة المُسنين والعجزة. بقوا هكذا مدة من الزمن وقد نسوا عذاب السماء لأنه لم ينزل بهم وقد مرّت الأيام. موسى كان صاقاً ومخلصاً وكان رسولاً نبياً. ياموسى لم ينزل ربك علينا العذاب؟

قال لهم موسى سأناجي ربي وأسأله.

موسى: يارب لقد وعدتني أن تنزل على هؤلاء القوم سوء العذاب!!!

أخبر الله تعالى نبيه موسى أن ياموسى أما رأيت تعاونهم وتراحمهم. أما علمتَ ياموسى أن عذابي لايحل بقومٍ يرحمُ بعضهم بعضا. وما قوم يونس منا ببعيد.

الذي لايصَّدق هذا، ففي قصة فرعون مثالاً أكبر لرحمة الله تعالى. فرعون وماأدراكَ مافرعون. فرعون الذي طغى، فرعون الذي قال أنا ربُكًم الأعلى، فرعون الذي قال سنقتّل ابناءهم ونستّحْي نساءهم. فرعون الذي سميّ به كل جبّار متكبر لايؤمن بيوم الحساب بالمتفرعن. أرسل الله تعالى نبيه موسى واخاه هارون إلى هذا الفرعون المتسلط الذي إستخفَ قومه فأطاعوه. أمرَ الله نبيه وأخاه أن يقولا لهُ قولاً ليّنا لعله يتذكر أو يخشى. كيف يتمالك المرء نفسه ولايجهش بالبكاء حينما يمر بهذه الرحمة الإلهية الواسعة. ياإلهي.. قولاَ ليّنا لفرعون الذي قال لقومه:" ياأيُّها الملأُ ما عَلِمْتُ لكم مِنْ إلهٍ غَيري"!!!

أجل.. قولاً ليّناً لفرعون الطاغية لأن رحمة الله واسعة وشاملة وعامة وجامعة.

سألني أحد الأولاد عن رحمة الله تعالى.. فقلتُ في جوابه أن البحث يطول ولكن يابُني خذ مختصراً من الجواب وتفكر به كثيرا: الله رحمته وسعت كلّ شيء. كلّ شيء يابُني.. حتى في عقابه رحمة. وحتى في نقمته شفقة.

مقطعٌ من دعاء الإفتتاح..

فَلَمْ أرَ مولىً كريماً أَصْبَرَ على عبدٍ لَئيمٍ منكَ عليًّ يارب. إنّكَ تدعوني فَاُولّي عنك وتتحببُ فَأَتَبَغَضُ إليك وتتوددُ إليَّ فلا أقبلُ منك كَأّنَ لي التطولَ عليك. فَلَمْ يَمْنَعْكَ ذلك مٍن الرحمةٍ لي والإحسانٍ إليَّ والتفضُلٍ عليَّ بجودك وكرمك. اللهم فإرحمْ عبدكَ الجاهل وجُدْ عليه بفضلِ إحسانك إنَّكَ جوادٌ كريم.

والآن أيها السادة..

كلنا مقصرون مع الله الذي خلقنا وأحسنَ إلينا وأسأنا له تعالى. خيرهُ إلينا نازل وشرنا إليه صاعد. أمرنا بالتراحم فَاَبَيْنا إلاّ التشفي. أمرنا بأن نقول الأحسن وأن ندفع بالتي هي أحسن السيئة. من نافلة القول هو أني في هذه الساعة المتاخرة من الليل. الساعة الآن تقرب من الثانية صباحاً، وجاري قد أوجعَ رأسي من شدة الصراخ والهرج والمرج وفي هذه الأيام الصعبة....تعجبتُ كثيراً.. فايُّ وقاحةٍ هذه ونحنُ في محنةٍ من أمرنا، وحسرةٍ على مافرّطنا في جَنْبِ الله تعالى!!!

كلّنا مقصرون مع الله وهو الرحمان الرحيم الودود. في السرّاء نتفاخر في الحسب والنسب، في الجاه والمنصب وفي المال والولد. وفي الضرّاء لم يكن حالنا بأحسن من ذلك. نشمتُ ببعض ونتشفى. لقد آن الأوان أن يرحم بعضنا بعضاً كي ترحمنا السماء. هذه أيام الإعتراف لله بالتقصير ونكران النعم وجحودها ففي ذلك نجاتنا .

هذه أيام التراحم ومدّ يد العون للذين لايستطيعون ضرباُ في الإرض والمستضعفين والمنكسرة قلوبهم  مهما كانت دياناتهم ومعتقداتهم ولغاتهم وألوانهم وقومياتهم.

الخَلْقُ عيالُ الله أيها السادة. كلنا عبيد لسيد السادات ومولى المولى وجبّار الجبابرة وعظيم العظماء وكبير الكبراء.

إنها أيام الإعتراف بالذنوب والمعاصي وسوء الخلق والبخل والغرور والجبن والتهور وشهادة الزور وأكل الربا والسحت وأكل أموال اليتامى والفقراء ظلما وجوراً وطغيانا.

إنها أيام الوقوف بين يدي الله تعالى سيما من لم يعتد أن يقف يوماً بين يدي الخالق السبحان.

إنها أيام الإقبال على الله المنجي منها ومن كل كربٍ عظيم.

على البشرية جمعاء أن ترفع شعاراٍ واحدا وموحداً: إلهي العفو.. إلهي العفو

عسى أن يرحمنا الله برحمته الواسعة ويعفو عن كثير.

اللهم إرحم عبادك

اللهم إرحم خلقك

اللهم إرحمنا جميعاً

اللهم سامحنا واعفو عنا

ياأرحم الراحمين

إلهي العفو ياكريم


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جعفر الكيشوان الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/03/28



كتابة تعليق لموضوع : يوم الله العالمي.. إلهي العفو
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 2)


• (1) - كتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي ، في 2020/03/31 .

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
العلوية المهذبة إبنتنا الراقية مريم محمد جعفر
أشكر مرورك الكريم وتعليقك الواعي
نسأل الله أن يغيّر الله حالنا إلى أحسن حال ويجنبنا وإيّاكم مضلات الفتن. وأن يرينا جميعاً بمحمدٍ وآل محمد السرور والفرج.
إسلمي لنا سيدتي المتألقة بمجاورتك للحسين عليه السلام.
الشكر الجزيل لأدارة الموقع الكريم
دمتم بخيرٍ وعافيةٍ جميعا

• (2) - كتب : مريم محمد جعفر الكيشوان ، في 2020/03/30 .

السلام عليكم ابي العزيز والكاتب القدير.
حفظك الله من كل سوء، وسدد خطاك.
كل ما كتبته هو واقع حالنا اليوم.
نسال الله المغفرة وحسن العاقبة❤❤




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net