صفحة الكاتب : د . عبد علي سفيح الطائي

بناء الدولة: الامن الشامل والأمن الخاص بين اوروبا والعراق. 
د . عبد علي سفيح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

استنادا الى حوار ، جرى لي مؤخراً  مع   الدكتور محمد القريشي، رئيس مركز سومر للسلام والديموقراطية  والأستاذ سعيد الجياشي مركز الدراسات السيتراتيجية في بغداد،حول المسألة العراقية تبلورت لدي فكرة كتابة  هذا المقال   .
ضرب هولندا في القرن السادس وباء الكوليرا، واكتشف الهولنديون حينها  ومنهم العائلة المالكة، ان حياتهم لا ترتبط بنظافة المكان الذي يقطنون فيه، بل تتعدى ذلك ، الى نظافة   ابعد بقعة في المملكة. وضع المهندسون نظاما صحيا حديثا،  ربطوا بواسطته،  كل أنحاء المملكة بشبكة من قنوات صرف صحي للمياه، متلازمة مع نظام نظافة صارم للشوارع والمدن، ، ونظام شامل  لجمع  النفايات وفق ،رؤية  واسعة لبناء المملكة مرتكزة  عاى  نظرية الأمن الشامل  التي تتخذ من  الأمن الصحي أولويتها القصوى . هذا النمط من الادارة ، أتاح  لهولندا بعد عشرات السنين حسب المؤرخين، ان تحتل منزلة بين دول العالم القوية  لتصبح فيما بعد ، أول دولة رأسمالية في العالم، وتتحول عاصمتها أمستردام الى  مدينة  تجارية غنية من الطراز الاول ، تضم اول بورصة في أوربا.
نظرية الأمن الشامل في خدمة الأمن الجزئي استخدمت بشكل واسع عالميا ، بعد الحرب العالمية الثانية، عندما  انقسم  العالم الى قطبين متخالفين  أحدهما راسمالي والآخر شيوعي او اشتراكي، وتشكلت استراتيجيات الأمنية وتكتلات دولية على ضوء الولاء لأحد هذين القطبين.
ووفق ذلك ، كان الامن  الشامل الذي يتضمن  انواع الامن الاخرى  ، كالأمن العسكري والعلمي والاقتصادي والزراعي والسياسي،  يصب في  خدمة الأمن الجزئي، الامر الذي  ميز حالة  الصراع بين القطبين.
 بعد تفكك عام ١٩٩١ الاتحاد السوفيتي، وبروز الاحادية القطبية  كسمة اساسية  للنظام العالمي الجديد،  حدثت تحولات في ، نظرية الأمن الشامل، جعلتها ترتكز  على الأمن الخاص، المتعلق  بنمو رأس المال وحرية التجارة. التحولات التي طرأت على المسرح الدولي
،بعد ضرب القاعدة لمركز التجارة العالمي في نيويورك في سبتمبر ٢٠٠١، لم تغير ارتباط    نظرية الأمن الشامل بتنمية رأس المال، ولكنها أدت الى ظهور  مفاهيم ومصطلحات متنوعة للأمن  على مستوى أوربا والعالم، وولدت تكتلات دولية جديدة.
اليوم في أوربا بعد انتشار فيروس الكورونا، اكتشف الأوروبيون،  ضعف نظامهم في حماية حياة المواطنين من الأوبئة، لدرجة تساوت فيها إدارتهم لهذه الازمة مماثلة لإدارات الدول الاقل تطورا بسبب ارتكاز  نظامهم  على تنمية رأس المال من خلال  توظيف جميع الطاقات العلمية والعسكرية والغذائية والاجتماعية الهادفة الى  زيادة الإنتاج والاستهلاك. 
اليوم   تحولت نشاطات  معامل سيارات الرينو وعجلات الميشلان،  إلى تصنيع وإنتاج أجهزة التنفس، وتحولت نشاطات  مصانع الأنسجة، إلى إنتاج الكمامات، وباشرت  مصانع العطور المعروفة  ككريستيان دور، وايف سانت لورين في  إنتاج محاليل التعقيم  واستخدمت  القطارات كمستشفيات متنقلة، وحاملات الطائرات الهيليوكوبتر كطائرات إسعاف لنقل المرضى. 
مفهوم الامن تغير جذريا ، خلال ازمة كرونا وسيستمر بعدها .  النظام القادم  للدولة الحديثة المستند  على نظرية الأمن الشامل سيكون  في خدمة الأمن الصحي للمواطن. وهذا النمط  الجديد للدولة الحديثة ،سيعزز واقع  الدولة الوطنية المركزية المستقلة في إمكاناتها الغذائية والصناعية والدفاعية.
على مستوى العراق، الذي  يمر بفترة حرجة، لبناء دولته  المدنية الحديثة ،في غياب  نظرية فلسفية تستند  عليها هذه الدولة، ويمثل فيها  الأمن الشامل والخاص،  الأفق والبوصلة وخارطة الطريق التي على ضوئها تسير عجلة  الدولة.
استنادا الى ذلك ، يمكننا القول ، بقدرة العراق على تبني  نظرية الأمن الشامل، من جوانبها  المتنوعة ( امن  غذائي واقتصادي وصناعي ودفاعي وسياسي)،  لجعلها تصب  في خدمة الأمن الصحي.
يملك العراق كل مقومات النهوض لبناء دولة حديثة ، فهو الى وقت قريب كان يملك بنية تحتية صحية مقبولة ، ونظام تربوي وتعليمي جيد ٠ ولعل وباء الكورونا اليوم ، ونتائجه المدمرة ، وما سيخلفه من دروس غنيه ، سيدفع العراق لانجاز تنمية بشرية شاملة ، تقوم على التعليم الحديث والبحث العلمي ، وتأخذه ليمضي حيث تقف الدول الحديثة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد علي سفيح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/04/01



كتابة تعليق لموضوع : بناء الدولة: الامن الشامل والأمن الخاص بين اوروبا والعراق. 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net