كنا صغاراً نلهو في الأزقة ، ونمارس هوايات غريبة بعيدة عن الطفولة, وربما كانت بعيدة عن الحب ، ويمكن ان اطلق عليها هوايات الكراهية. وعلى الرغم من كونها ممارسات خاطئة لكنها ليست مرفوضة ، كنا نصطاد مصابيح الطرقات بمصيدة نسميها ( گزوه)، أو نعمد الى تمزيق مقاعد باصات النقل العام ، او تحطيم رحلات الدراسة او غير ذلك من هوايات الكراهية ، والبطل منا من كان اكثر قدرة على تحطيم اكبر عدد من المصابيح ، او تمزيق اوسع مساحة من المقاعد ، لم نكن ندرك ان المصابيح والمقاعد و رحلات الدرس هي لنا وملكنا. ربما كان جهلاً او ربما هي ثقافة الرفض السلبي .
كنا نظن باللاوعي ان هذه الأعمال تضر الحكومة، لكننا اكتشفنا بعد فوات الأوان ان الضرر الاول والأخير كان قد وقع علينا ، فالحكومات زائلة والدول باقية ، لم نكن نميز بين الدولة والحكومة ، ولم يكن الشارع واعياً ليكرس فينا ثقافة الرفض الإيجابي ، فكل عملية تحدي كنا نعتبرها هي انتصار لنا على الحكومة، ولو كان التحدي بعدم الدوام بالمدارس في أيام المناسبات الدينية .
واليوم نعيد الكَرَّة ثانية، بغياب كامل للوعي ، ونحاول استعادة الرفض السلبي بكسر حظر التجوال والحجر المنزلي ، او عدم الابلاغ عن الحالات المرضية لنتحدى قرار الحكومة ، لان البعض منا لايزال يعتقد ان البطولة تكمن في تحدي القرار الحكومي .
ربما غادرنا ثقافة تحطيم المصابيح وتمزيق مقاعد الباصات او مقاعد الدراسة ، لكننا لم نغادر ثقافة الرفض السلبي ولم نغادر مساحة اللاوعي ،
لاننا في الوقت نفسه لم نمنح عقولنا لحظة تفكير في نوع القرار الحكومي ودوافعه.
ولم نفكر بأن هناك جنود وابطال يقفون في خطوط المواجهة الأولى مع عدو شرس يتعرضون للموت ويضحون بأنفسهم وهم متواجدون ليلاً ونهاراً من اجل حماية ارواحنا وحراسة صحتنا ، والبعض منا لا يكلف نفسه بتقديم القليل من المساعدة لهؤلاء بأن يبقى في البيت .
معارضة الحكومة الفاسدة سياسياً من اعظم درجات الوطنية ، لكن معارضة القرارات الصائبة لحفظ المجتمع هو جنون وتهور .
لقد ارتفعت بعض الأصوات النشاز تدعو لكسر الحظر بحجة توقف الأعمال وتعطيل المصالح دون ان يلتفتوا الى ان الخطر يعم العالم وان الوباء عالمي لا يخص مجموعة بشرية دون غيرها . وان الالتزام بالتعليمات هو قمة الوطنية . لان الوطنية تعني الحفاظ على الوطن ومصالحه وشعبه .
يجب علينا ان نعي هذه الحقيقة قبل فوات الأوان ، وان يكون هناك حالة رفض مجتمعي واستهجان لهذه الممارسات.
ففي ظل صور التكافل الاجتماعي الذي يسطرها العراقيون يجب ان تكون هناك صور للرفض الاجتماعي توازي تلك الصور الناصعة لثقافة مجتمعنا .
من أنت كورونا أجبْ؟
أخرست َ أفواه البشر
أرغمت أمواج البطولة
أن تكون على حذر
من أنت حتى جلت تزرع في شوارعنا الخطر
وتراجفت كل القلوب وأنت تخطف بالبصر
الابيات للشاعر سماحة الشيخ ابراهيم النصيراوي
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat