الامام الحسن (ع).. بين المنطقة الامنة والمنطقة الخطرة

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

حين تتواجد بين اناس تفهم ويفهمونك وتعرفهم ويعرفونك تتشارك معهم القناعات والاعراف والتقاليد، فلاشك انك في منطقة امنة، حين تكون فردا من مجموعة منسجمة فانت في منطقة امنة، اقول منسجمة بغض النظر عما اذا كانت محقة او مبطلة، نفس الانسجام والتوافق يوفر قدرا كبيرا من الامن. 
اما حين تكون بين اناس لا يفهمونك ولا يعرفونك ولا ينسجمون معك في قناعاتك واعرافك وتقاليدك، فانت اذن في منطقة قلقة خطرة غير امنة.
نميل كبشر دائما الى التوافق مع المحيط، لأن الامن حاجة، نعم قد نتمرد على المحيط في بعض الحالات، مثل ما اذا حرمنا المحيط من حاجاتنا الاساسية، كلقمة العيش او الكرامة، او الهوية، يثور المرء ويخرج عن محيطه حين يجوع او يهان او تصادر هويته.
معاوية بن ابي سفيان عند شهادة الامام علي (ع) كان يمثل رأس تيار تاريخي سبقه ووصل اليه، وفي لحظة وفاة امير المؤمنين، كان معاوية قد اقنع عقلية المسلمين بشكل عام، من خلال اقناع نخبتهم انه الحالة الامثل لقيادة المسلمين بالطبع في عصره، وان لقمة العيش والكرامة والهوية في ظل الاسلام ترتكز على كرسي حكمه، وان الاسلام كمشروع الهي قد حط رحاله عند باب قصره، فلا اسلام الا اسلامه ولا مشروع يضمن لقمة العيش والكرامة والهوية الاسلامية الا مشروعه.
هكذا بدت الامور بعد وفاة الامام امير المؤمنين، ضحكت الدنيا لابن ابي سفيان واعطته والمشروع الذي مثله ما لم تعط احدا قبله، اقتصاديا، جغرافيا، عسكريا، وفوق ذلك كله قوة معنويات وثقة بالنصر لا محدودة بازاء اي تهديد مهما كان.
في المقابل، وقف مع الامام الحسن الذي يمثل امتداد المشروع الاخر، مشروع علي بن ابي طالب وفاطمة، وقف معه جملة من الانصار الذين ادركوا بحد معين سخافة و غباء وعواقب المشروع الذي مثله معاوية، فكانوا على استعداد للوقوف بوجه ذلك المشروع بالطرق المألوفة آنذاك، المواجهة والاستعداد للحرب كخيار اخير.
استعد الامام الحسن للحرب حين اضطر اليها، ولكن سرعان ما كشفت الايام ان لا استعداد لحرب معاوية حتى عند اولئك الذي حاربوا معاوية  مع علي امس.
يعني ذلك ان معاوية ليس الفرد بل المشروع اصبح قريبا جدا من ان يكون هو مشروع الاسلام ولا اسلام سواه.
في مقابل ذلك كان نفر قليل من المخلصين يرون ان حرب معاوية و مواجهته بالسلاح دينا يدينون به، لا يمكنهم التخلي عنه، كان معاوية في اعينهم الشيطان نفسه بل ربما اسوء من الشيطان، فلم يرو اي خيار سوى ان يواجهوه، مع علمهم بان لا فرصة لهم في وقف مسيرة مشروعه الذي اخذ بأطراف الارض واطبق على عقلية المسلمين جميعا.
وهنا وجد الامام الحسن نفسه امام منعطف خطير وفارق في مسيرة الاسلام، وقد اتخذ الامام موقفا صعبا اشد ما تكون الصعوبة، حين لم يبق في منطقة معاوية، برغم كونها منطقة امنة، فمعاوية كما ذكرنا يملك لقمة العيش والكرامة والهوية ولكنها مشوهة، ولم يبق ايضا في منطقة اولئك الذي اتخذوا موقف الحرب من معاوية دون نظر للعواقب وان كانوا من اقرب اتباعه والصقهم به، كلا الخيارين كان سهلا نسبيا ان تسلم للسائد وتقبل الوضع الجديد امر سهل وان تثور وتخرج على السائد ايضا امر سهل نسبيا، ولكن الاصعب ان لا تقبل الوضع الجديد وان لا تحمل السلاح، هذا الخيار الاصعب هو الذي اتخذه الامام الحسن، فكان في المنطقة الخطرة، فمعاوية واتباعه صنفوه عدوا لهم، ودعاة الحرب من اصحاب الامام الحسن القدامى لم يحتملوا موقفه من معاوية، كلا الفريقين مع تفاوت بينهما لم يكن ينظر للإمام نظرة ارتياح، حتى قال له بعض اصحابه: (يامذل المؤمنين..)، لأنه لم يصر على حرب معاوية عسكريا.
وضع الامام نفسه خارج منطقة الامن، خارج الجماعة، جماعة معاوية وجماعة السلاح غير المنضبط، فكان غريبا غربتين، غريبا حتى عن اصحابه المقربين، استعداده للاغتراب والوحدة وتحمله لهما يكشف عن مدى عظمة ذاته وقدرته وصبره وتحمله، كل ذلك من اجل ان لا يضيع مشروع الاسلام كما ضاعت مشاريع الاديان قبله، ومن اجل ان لا يكون المشروع الذي مثله معاوية في زمنه هو مشروع الاسلام الوحيد، عرف الامام الحسن طبيعة لحظته التاريخية وشخص استحقاقها بأدق ما يكون ونجح في حفظ مسيرة الاسلام على طبق ما خطه النبي الاعظم (ص).
فالسلام عليه يوم ولد ويوم حفظ الاسلام بغربته حيا وميتا ويوم يبعث حيا. 
احر التهاني والتبريكات لكل محبي الامام الحسن (ع) في ذكرى ولادته، ونسأل الله سبحانه ان يثبتنا على ولايته وان لا يحرمنا شفاعته يوم نلقاه.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/05/14



كتابة تعليق لموضوع : الامام الحسن (ع).. بين المنطقة الامنة والمنطقة الخطرة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net