صفحة الكاتب : كاظم فنجان الحمامي

سيارات مدرعة وقصور محصنة ترى متى تشعرون بأوجاعنا ؟؟؟
كاظم فنجان الحمامي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لا علاقة للبورجوازية الأوربية وأدوارها القديمة بطبقات البورجوازية العراقية الناشئة, التي ظهرت في السنوات الأخيرة داخل التشكيلات العليا وخارجها, ويتعين على علماء الاصطلاح (التيرمنولوجي Terminology) البحث عن مصطلح بديل يشير إلى مفهوم محدد, يتلاءم مع طبيعة هذه الطبقات المنتفخة المتعالية, التي جمعت بين ملامح الإقطاع القديم وملامح الأمراء والقياصرة الممزوجة بالنزعات الرأسمالية. .

إنها برجوازية هجينة اختارت العزلة والانعزال عن عامة الناس بمحض إرادتها, فتقوقعت على نفسها, وفضلت العيش في الأبراج العالية, وتميزت بنسجها لعلاقات معقدة ومتشابكة مع مختلف أجهزة الدولة, وأحيانا نراها تميل إلى العوالم الداخلية للسلطة, إما عن طريق الارتماء في أحضان الأحزاب لولوج قبة البرلمان, أو عن طريق الإبحار بقوارب الجهازين (الأمني والعسكري), حتى أصبحت البورجوازية الجديدة من الدولة والى الدولة, بيد ان الخبر الذي ينبغي أن يضاف إلى المبتدأ هو كلمة (شرهة), فالشراهة من أقوى خصالها, فهي شرهة في امتلاك أجمل المساكن, وشرهة في تناول أشهى الأطعمة, وارتداء أحلى الملابس, والسفر إلى أغنى المنتجعات, واقتناء أثمن الحلي والمجوهرات, وركوب أفخم العربات, ولا يطيب لها السير في شوارع مدننا إلا في مواكب مهيبة تحف بها الحمايات الراجلة والمجوقلة والمهرولة. .

لقد وضعت البرجوازية الأوربية ثقلها كله في ثلاثية (الاقتصاد والسياسة والثقافة), فلعبت في هذا الحيز ولم تبرحه, إما البرجوازية العراقية الجديدة فقد اختارت العزف على إيقاعات ثلاثية متداخلة, مقتبسة من العصور الحجرية, فلعبت في الملاعب المغلقة على أوتار (الطائفية, والفساد, والبطر). .

تحولت قصورهم إلى ثكنات عسكرية, محصنة بكتل كونكريتية عملاقة, فبسطوا نفوذهم على الأرصفة والأزقة الخدمية, وأغلقوا مداخل الطرق المؤدية إلى قصورهم في المدن والأحياء السكنية, ووزعوا نقاط التفتيش المعززة بالحراسات المسلحة على الجهات الأربعة, ثم تمادوا في استعراض قوتهم الضاربة, فنشروا الأسلاك الشائكة, والعوارض الأنبوبية, والمعرقلات البلاستيكية, والمطبات الحجرية, ونصبوا مجموعة من الأبراج والكاميرات المخصصة للرصد والمراقبة حول مقراتهم. .

ثم تفجرت شرايين شراهتهم في كل الاتجاهات فحصلوا على الامتيازات المالية السخية, ووضعوا الجوازات الدبلوماسية في جيب, وسندات تمليك الأراضي في جيب, والتحقت بهم مجاميع جديدة من ذوي الرؤوس الحليقة, وأصحاب النظارات المعتمة, والعضلات المفتولة, والوجوه المقنعة. .

ثم جاءت منحة الوقاية والحماية والرعاية, وبات من المؤمل حصول كل مسؤول منهم على عربة مدرعة, رباعية الدفع, متعددة النفع, من طراز 2012, بمواصفات دفاعية كاملة, تقيهم من شرور الكمائن, والعبوات اللاصقة, والأحزمة الناسفة والقذائف الموجهة, تصد عنهم عياران القنص. تحميهم من عيون الحساد والمتطفلين. .

سيارات مدرعة وقصور محصنة لحماية نخبة من الشعب, انتخبها أفراد الشعب, فعزلت نفسها عنهم, وحصنت نفسها من الألغام والمتفجرات, وتركتهم يواجهون الموت بصدور عارية وبطون خاوية. .

سيارات مدرعة وقصور محصنة لوقاية فئة قليلة من أصحاب الجاه والوجاهة والسعادة والسمو, الذين عزت عليهم أنفسهم فاسترخصوا دماء الناس, ووصل بهم البطر إلى المستوى الذي جعلهم يفكرون في حماية أنفسهم وأولادهم, من دون أن يلتفتوا إلى مصير شعب بكامله ينتظره الموت في السوق والمقهى والمسجد, ويطارده حتى في المقبرة. .

فمتى يتعلم هؤلاء من سيد الشهداء الذي استرخص دمه في مواجهة الظلم والطغيان, فسكن الخلد, وأضحى مشعلا يقتدي به كل مجاهد, فمن أراد أن يستعصم فليستعصم بالله, ويتمسك بشريعته, ويجاهد نفسه, ومن كان يريد العزة فلله العزة جميعاً, ومن لا يخشى المواجهة لا يعزل نفسه عن الناس. .

ألا يفترض بالمسؤول أن يكون أول المضحين في سبيل شعبه وأبناء جلدته, وأن يتقدمهم بخطوات ثابتة لا تعرف الخوف ولا التردد ؟, أليس هذا غاية الجود ؟, أليس الجود بالنفس أقصى غاية الجود ؟, ألا يعلم هؤلاء إن المسؤول الأناني هو الذي لا يبالي بمشاعر الآخرين, ولا يقيم لهم وزناً, ولا يرى أحداً غيره يستحق العيش. .

ورحم الله القائل: اللهم أعطنا القوة لندرك أن الخائفين لا يصنعون الحرية، والضعفاء لا يخلقون الكرامة، والمترددين لن تقوى أيديهم المرتعشة على البناء. . .

 

حكمة مفخخة

الأمان فكرة خرافية لا يمكن أن توفرها السيارات المدرعة ولا القصور المحصنة, وإن الاختباء خلف الحواجز المصفحة لتجنب الخطر ليست خطوة سديدة على المدى الطويل, فالحياة السياسية إما مغامرة تخوضها بشجاعة, أو لا شيء. . .

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كاظم فنجان الحمامي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/02/27



كتابة تعليق لموضوع : سيارات مدرعة وقصور محصنة ترى متى تشعرون بأوجاعنا ؟؟؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : هادي ، في 2012/02/27 .

هناك شى اخر قد اخفي عن الكثير وهو ان النواب استلمو في سنة 2010 مائة راتب لكل واحد منهم كسلف وبعد شهر تم اطفائها واعتبرة منحه لهم




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net