صفحة الكاتب : علي علي

الخيانة العظمى
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

  كثيرون هم الفنانون والأدباء الذين أفنوا أعمارهم وهم يصدحون بحب الوطن والالتصاق بتربته والانتماء الى أرضه، فما من شاعر إلا كان له الوطن ملهما يسطر في حبه والولاء له أجمل قصائده وأروعها، ومامن كاتب او قاص او راوٍ إلا تغزل بكل ما يمت بصلة الى مكونات وطنه، وكم قص لنا التاريخ قصصا بذلك حتى من جار عليه وطنه، وعانى من العيش فيه كما قال شاعرنا:

بلادي وإن جارت علي عزيزة

            وقومي وإن شحوا علي كرام

ونستشف من الآيبين الى العراق من بلدان كانوا قد هاجروا اليها بطوع إرادتهم، ما يغني عن التعليق والتعليل بأن أرض الوطن هي الأم الرؤوم التي لاغنى عن أحضانها. ولطالما عاد أولئك المسافرون رغم عيشهم الرغيد في بلاد المهجر، ليعزفوا على أوتار أرضهم التي فارقوها في وقت ما ألحانا دافئة تستكن اليها نفوسهم. وفي عراقنا بلغت أعداد المهاجرين رقما مهولا، وملأوا مشارق الأرض ومغاربها بحثا عن الأمن والأمان والرزق والعيش الهني، وكان حريا ببلدهم أن يوفر لهم كل هذه الحقوق. ورغم هذا كله بقي الرجوع اليه غايتهم وهدفهم ولاءً وانتماءً له، ومن المؤكد ان الولاء للوطن يجري في عروق المواطن الصدوق مجرى الدم، إذ من غير المعقول أن يساق اليه المواطن سوقا إجباريا، فالنزيه والـ (شريف) يسمو ويعلو إحساسه بالانتماء على كل المشاعر والاعتبارات من حيث يدري ولايدري.

   يروى ان نابليون عندما شن حربه على البانيا، كان هناك ضابط الباني يتسلل بين الفينة والأخرى الى نابليون بونابرت قائد الجيش الفرنسي، يفشي له اسرار وتحركات الجيش الألباني، وبعد ان يأخذ نابليون مايفيده من أسرار عدوه، يرمي لهذا الضابط صرة نقود على الأرض ثمنا لبوحه بأسرار جيشه. ذات يوم وكعادته بعد ان سرّب الضابط لنابليون معلومات مهمة، همّ نابليون برمي صرة النقود له، فما كان من الضابط إلا ان قال: يا سيادة الجنرال، ليس المال وحده غايتي، فأنا أريد أن أحظى بمصافحة القائد العظيم نابليون بونابرت.. فرد عليه نابليون: "أما النقود فقد أعطيتك إياها كونك تنقل لي أسرار جيشك، وأما يدي هذه فلا أصافح بها من يخون وطنه".

   من هذا الموقف تتكشف لنا خسة من لا يكنّ لبلده الولاء كل الولاء.. والذي ذكرني بنابليون هو ما يحدث في ساحة العراق على يد ساسة، اتخذ بعضهم من العراق -وهم عراقيون- سوقا لتجارة ووسيلة لربح وطريقا لمآرب أخرى، نأوا بها عن المواطنة والولاء للوطن، مآرب لأجناب وأغراب ليسوا حديثي عهد باطماعهم في العراق، فهم أناس لا أظنهم يختلفون عن ذاك الضابط الألباني الخائن، لاسيما بعد ان سلمهم العراقي الجمل بما حمل، وحكّمهم بامره متأملا بهم الفرج لسني الحرمان التي لحقت به، فحق عليهم بيت الشعر القائل:

إذا أنت حمّلت الخؤون أمانة

            فإنك قد أسندتها شر مسند

  وباستطلاع ماجرى في العراق خلال السنوات السبع عشرة الأخيرة، يتبين لنا كم هو بليغ تأثير خيانة المبادئ والقيم، لاسيما في الشخصيات القيادية في مفاصل البلد الحساسة، فهل علم الخائنون ماالذي سيتركونه من آثار وعواقب وخيمة، تنسحب أضرارها على العراقيين بشرائحهم جميعها، وعلى البلد بجوانبه كلها؟ وبالنتيجة يكون قدرهم كقدر الضابط الألباني، فتحرم إذاك مصافحتهم لنجاسة أفعالهم ودناءة نياتهم وسوء عواقبها! وهل هم على علم أن أخس أشكال الخيانات هي خيانة الوطن؟ فقد اندرجت في قوانين العقوبات لجميع الأمم الحاضرة والمندرسة تحت مسمى "الخيانة العظمى". وقد أقرت الأمم كلها عقوبة الإعدام جزاءً وفاءً بحق المدان بها.

aliali6212g@gmail.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/07/28



كتابة تعليق لموضوع : الخيانة العظمى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net