صفحة الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي

الرياء يمحق الأعمال الصالحة.. الرياء في الصلاة
محمد جعفر الكيشوان الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

وهنا يكمن الخطر المحدق والخسارة الكبرى فالصلاة عمود الدين ووسيلة نقل الأعمال الصالحة، إذا أصاب الوسيلة عُطب وخلل فسدت الأعمال وأصبحت هباءً منثوراً. لو لم يكن لدينا إلاّ شاحنة واحدة وأردنا نقل أمتعتنا من مكان إلى مكان آخر وفي الأثناء علمنا أن محرك الشاحنة أصابه خلل فتوقف عن العمل، أمتعتنا سوف تبقى مرصوفة في مكانها إلى أن يتم إكتشاف الخطأ الذي أدى الى توقف المحرك عن العمل، وإصلاحه بالوسائل الممكنة وبعد ذلك عمل صيانة عامة لتوخي حدوث العطل فجأة مرة أخرى. كذلك الصلاة فهي الوسيلة الوحيدة التي تنقل أعمالنا الصالحة فإن أصابها عطل من رياء وخيلاء تبقى أعمالنا في مكانها وان إرتفعت فسوف ترمي بها الملائكة على وجوهنا فيسبب ذلك لنا الصداع ووجع الرأس بعد الفراغ من الصلاة. يفرّط المرائي بهذه الفريضة البالغة الأهمية فيفسدها فيصبح ممقوتا عند أهل السماء ومذموما عند الناس. من غرائب ماشاهدته من المرائين أني كنت ذات مرة مع أحدهم قاصدين الصلاة في أحد المساجد، كان طبيعياً في حركاته وسكناته  ويظهر لي إحتراما مبالغا فيه وجعلني كأستاذه وولي أمره ولازال يلقبني بألقاب لست مستأهلاً لها ولا أستحقها فشكرته ودعوت له على حسن ظنه بي ولكن كل ذلك ـ تبخر ـ في لحظة واحدة: دخلنا المصلى فكان هناك مكانا شاغرا في الصف الأول فظن صاحبي أني سأزاحمه عليه فهرول مسرعا ووقف خلف امام الجماعة رافعا يدية إلى شحمتي أذنيه وكبّر تكبيرة الإحرام بصوت عالٍ جدا ففزع من كان جنبه. لما أنتهينا من الصلاة قلت له: حينما أردنا دخول الحمام للوضوء أبيتَ أن تدخل قبلي وكلّما حاولت معك كنتَ تقول لي: تيامنوا مولاي ولم تعمل بهذه القاعدة في المصلى!

كنت مع آخر في مصلى إحدى المطارات قاصدين العمرة في العام الماضي، في الأماكن العامة ومع ضيق الوقت ومعك بعض أمتعة السفر فلا يسمح لك الوقت ولا المكان بالنوافل والمستحبات، ولكن صاحبي استقبل القبلة واطرق برأسه ووقف شبه محنط وقد قوّسَ ظهره  وتظاهر بصعوبة القيام فكان يسند إحدى يديه على الأرض وينهض ثم يرفع الأخرى بشكل ملفتٍ للجميع وحينما يرفع يديه للقنوت يحاول أن يسند جبهته على راحتي كفيه ـ من شدة الورع والفزع ـ في حركات بهلوانية غريبة حقا، والأغرب من ذلك أنه وبعد الإنتهاء من الصلاة قال لي مباشرة: آسف قد أطلت عليكم مولانا لأني قد صليت صلاة جعفر الطيّار فأنا مواظب عليها منذ عشرين سنة، ثم صليت صلاة الرزق بعد أن صليت النوافل اليومية وتركت بقيت المستحبات بعد شرب القهوة..قلت: ياشيخ ان الله تعالى قال لرسوله المصطفى ص:"إنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا" ونحن الآن في منتصف النهار ياشيخ! هلاّ أبقيت النوافل عندما تختلي بمحبوبك تناجيه وتدعوه وتخافه وترجوه، فإليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه. ياشيخ، العاشقان يختليان في العتمة يتهامسان فلا يسمعهما ثالث، لقد سمعك جمع من الناس ورءاك الكثيرون ممن ليسوا لك برازقين ولاعن السوء والبلاء عنك بدافعين! ياشيخ أخلص العمل لله وأحذر مكائد الشيطان ففي ذلك النجاة ويجعل الله لك نورا تمشي به في الناس،"ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور".

رؤي الجنيد بعد موته في المنام، فقيل له: مافعل الله بك؟ فقال: طارت تلك الإشارات، وطاحت تلك العبارات، وغابت تلك العلوم، واندرست تلك الرسوم، وما نفعنا إلاّ ركيعات كنّا نركعها في السحر.

قال بعض العبّاد: أعدت صلاة ثلاثين سنة كنت أصليها في الصف الأول، لأني تخلفت يوما لعذر فما وجدت موضعا في الصف الأول فوقفت في الصف الثاني فوجدت نفسي تستشعر خجلا من نظر الناس إليّ، وقد سبقت في الصف الأول، فعلمت أن جميع صلاتي كانت مشوبة بالرياء، ممزوجة بلذّة نظر الناس إليّ ورؤيتهم إيّاي من السابقين إلى الخيرات.

الشاب الحافي وإبنة الملِك..

يُروى انه كان هناك في القرية أحد الشباب وقد وقع في غرام إبنة الملك، لكنه كان  من شدة الفقر والعوز يسكن في بيت أشبه بكوخ صغير متواضع ومع ذلك فهو يطمع بأن يطلب يد إبنة الملك للزواج. كان كلّما حدّث أحد وجهاء القرية بذلك ليساعده إستهزأ به وسخر منه فيرجع إلى بيته خائبا حزينا، يكرر محاولته كل يوم تقريبا والنتيجة هي ذاتها: إستهزاء وسخرية وقد رماه بعضهم بالجنون بعدما كاد ان يكون. ذات يوم وبينما هو في الطريق وقع بصره على شيخ عالم عارف ورع فقص عليه قصته، على غير عادة من سبقوه من وجهاء القرية تفاعل الشيخ معه وأخبره بأن ذلك ممكن لو نفذ الشروط التي سيذكرها له. وافق الشاب وغمرته البهجة والسرور أن رأى أملا لما كان يرجوه. قال له الشيخ العارف: إذا كان صباح الغد ان شاء الله تعالى فخذ معك زادك من أكل وشراب وأقصد أعالي الجبل ـ وكان جبلا وحيدا في القرية ـ وأدع الله تعالى بحيث لايراك أحد واطلب حاجتك من الله تعالى فإن شاء الله تقضى. سمع الشاب كلام الشيخ وأخذ ما يلزمه من طعام وشراب وقصد أعلى الجبل وحطّ رحاله وتهيأ لمناجاة مَن يقدر على قضاء حاجته ويعطيه مراده، أحسن الوضوء وأحضر قلبه وإستقبل القبلة وأخذ يشكو بثه وحزنه إلى الحق سبحانه ويطلب منه العون والمدد والمغفرة وحسن الختام وأن لايحرمه مناجاته والإنقطاع إليه سبحانه، فقد نسي إبنة الملك حينما إستشعر الرهبة وهو يقف بين يدي الحق سبحانه. مرت الأيام والشهور وليس للشباب من أثر، فقد إختفى عن الناس وغاب ولم يظهر. إستفقده العالم العارف وسأل عنه من يعرفون قصته ولكن لا أحد منهم يعلم أين حل به الدهر وماذا جرى له. قرر الشيخ أن يصعد إلى اعلى الجبل ليطمئن قلبه على ذلك الشاب المسكين، بشق الأنفس وصل الشيخ إلى مكان الشاب فوجده وقد تغير عمّا كان عليه من قبل وقد جعل الله تعالى له نورا ومهابة. سأله الشيخ: ما أخبار إبنة الملك؟ فقال الشاب: أي ملك ياشيخ، الملك الذي اعرفه ليست له إبنه فهو لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. دهش الشيخ وقال: ألم تطلب مني مساعدتك لطلب يد إبنة الملك؟ّ تذكر الشاب وأجاب: أجل أيها الشيخ كان ذلك عندما كنت غافلا عمن يتودد إليّ ويحبني ويكرمني كلما اقتربت منه ويناديني عبدي، عبدي، عبدي لأزاد قربا منه، كنت غافلا عندما كنت اطلب يد ابنة الملك وهو يراني حافيا لا اصلح حتى ان أكون خادما له. أما الملك القدوس تبارك وتعالى فهو عون الضعفاء والمساكين ويقول لنبيه ع: تجدني عند المنكسرة قلوبهم.

تعليق..

شاب قصد الله لحاجة تعسرت فكانت شغله الشاغل، لم يرائي أحدا بعبادته ومناجاته، أخلص النية لله وحده وقصده دون خلقه ففاز بالمرتبة العالية والدرجة الرفيعة فأصبح ممن يتذوق حلاوة المناجاة ويستشعر الرهبة والمخافة ويستبشر بذلك اليوم العظيم، "يوم يلقونه تحيتهم فيها سلام".

روى عبيد بن زرارة عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال: ما من مؤمن إلاّ وقد جعل الله من إيمانه أنساً يسكن إليه، حتى لو كان على قلبه جبل لم يستوحش.

ماذا يحصد المرائي سوى الخسارة المركبة، خسارة الذين أراد ان يرونه مصليا، متصدقا، خيرا، صالحا... وخسارة الذي يراه في السر والعلن وهو أقرب إليه من حبل الوريد. فقدان لذة المناجات وعدم الخشوع هو واقعا حرمان وعقوبة، كم من مذنب يظن أن الله لم يعاقبه على قبيح أفعاله وقد غفل هذا المتمادي في الغيّ والجهالة أن أكبر عقوبة هي حرمانه من المناجاة والتضرع بين يدي الحق سبحانه.

سُمع إحدى العابدات تقول في صلاة الليل: "إلهي بحبك لي إغفر لي". فقيل لها: ومن أين تعلمين أنه يحبك؟ قالت: "لو لم يحبني لما أيقظني لعبادته".

"أحبك حُبين، حبّ الهوى *** وحبّا لأنك أهلُ لذاكا

فأما الذي هو حُبّ الهوى *** فشُغلي بذكرك عمّن سواكا

وأما الذي أنتَ أهل له    *** فكشفُكَ للحُجب حتى أراكا

المرائي محروم من هذه الأجواء الإيمانية االخالصة، ومطرود من مجالس التوابين المستغفرين في الأسحار ومبعد عن التوفيقات الربانية التي يخص الله تعالى بها مَن أخلص له ولم يشرك به شيئا. لم نعدم الأمل في الإقلاع عن هذه العادة السيئة القبيحة، والتداوي من هذا المرض الخطير والداء الوخيم، فعلاجه إخلاص النية لله تعالى وعدم معاشرة المنافقين والمرائين ومحبي الظهور والشهرة وكما قيل: " قلْ لي مَن تعاشر أقل لك مَن أنت". إن الإبتعاد عن المرائين وعدم مرافقتهم هو بمثابة الوقاية قبل حدوث المرض واستفحاله، كما أن السعي الحثيث للإحتراز من الرياء يكون أحد عوامل النجاة منه. المرائي كالمنافق مريض نفسيا مذموم إجتماعيا ممقوت في السماء مكروه ومنبوذ في الأرض. عافانا الله وإيّاكم وسلمنا من الرياء والسمعة.

الأخبار والأحاديث في ذم الرياء والسمعة..

عن رسول الله ص: " أنه سُئل فيم النجاة غدا؟ فقال: إنما النجاة في أن لاتخادعوا الله فيخدعكم، فإنه من يخادع الله يخدعه ويخلع منه الإيمان، ونفسَهُ يخدع لو يشعر، فقيل له: وكيف يخادع الله؟ قال: يعملُ بما أمر اللهُ به ثم يريدُ غيره، فاتقوا الله واجتنبوا الرياء فإنه شرك بالله، إن المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء: ياكافر، يافاجر، ياغادر،ياخاسر، حبطَ عملك وبَطُلَ أجرُك، ولا خلاق لك اليوم، فالتمس أجرك ممن كنتَ تعمل له".

تعليق..

وكيف يلتمس الأجر من معدم مثله وفي يوم يكون الأمر فيه كله لله. " الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَٰنِ ۚ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا". النجاة في الإخلاص وتجنب الرياء والشهرة فالذين نريد ان نظهر أمامهم بأننا من السابقين إلى الخيرات لايملكون جنات تجري من تحتها الأنهار فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين حتى نطمع بالفوز بها، بل عكس ذلك تماما تكون النتيجة، هل رأيت أيها السيد الكريم مرائيا بالعبادات حاز على أعجاب الناس وكانت له عندهم حُظوة ونال ما أمّل؟!

قال الحبيب المصطفى ص: " لايقبل الله عملا فيه مقدار ذرة من رياء".

وقال ص: "إنَّ في ظل العرش يوم لاظل إلاّ ظله رجلا تصدّق بيمينه فكاد يخفيها عن شماله".

وقال ص: "إني تخوّفت على أمتي الشرك. أما إنهم لا يعبدون صنما ولا شمسا ولا قمرا ولا حجرا، ولكنّهم يراؤون بأعمالهم".

عن الصادق عليه السلام قال: "قال رسول الله ص: سيأتي زمان على الناس تخبث فيه سرائرهم، وتحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا، لا يريدون به ما عند ربهم، يكون دينهم رياء، لا يخالطهم خوف، يَعمُّهم الله بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم".

عن أهل البيت صلوات الله عليهم:

"كلُّ حسنةٍ لا يُرادُ بها وجهُ اللهِ تعالى فَعليها قُبحُ الرياء وثَمرتُها قبحٌ الجزاء"

وقال عيسى بن مريم صلوات الله عليه: " إذا كان يوم صومه أحدِكم فليدهن رأسه ولحيته ويمسح شفتيه لئلا يرى الناس أنه صائم، وإذا أعطى بيمينه فليُخفِ عن شماله، وإذا صلّى فليُرخ ستر بابه، فإن الله يقسمُ الثناء كما يقسم الرزق".

 

نسأل الله العافية


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جعفر الكيشوان الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/08/05



كتابة تعليق لموضوع : الرياء يمحق الأعمال الصالحة.. الرياء في الصلاة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net