صفحة الكاتب : صالح المحنه

فصولٌ تاريخية من علاقة السياسيين العراقيين بإنتفاضة عام1991
صالح المحنه

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


الفصل الأول:
في شعبان /آذارعام 1991لم تكن الأجواء طبيعية، حيث الحرب والقتل والدمار،الجيش العراقي في اسوأ حالاته من الأنهيار والهزيمة الموجعة،ليلُنا كان مظلماً، نهارُنا تغطي سمائه الغيوم السوداء الكثيفة المتراكمة من دخان آبارالنفط المحترقة،حالة التذمّر والأضطراب والقلق من المجهول تخيّم على وجوه الناس ،بدأت كلمات النقد واللوم للنظام البعثي تنطلق من هنا وهناك وتسمعها في كل مكان، علامات الأنهيار بدأت واضحة على وجوه البعثيين حيثما تلتقيهم،حالة من التملّق طغت على تصرّفات الرفاق ، محاولات للتملص والتنصل من ممارساتهم السابقة مع الشعب ويلقون باللوم على النظام متناسين انهم من اركانه،وبدأوا تدريجياً بالأختفاء وألأحتماء بالعشيرة والأقرباء،الشبابُ المتحمّسون للثأر والثورةِ أستثمروا هذا التردد والأنهزام و الخوف البعثي، وبدأوا بتشكيل مجاميع ثورية ،وبتنسيقٍ هاديءٍ مع بعضهم البعض للأنقضاض على مكاتب البعثيين ودوائرهم الأمنية، وقتها لم يفكّروا بالنتائج ولم تخضع افعالهم وتصرفاتهم للتحليل والدراسة ، الوقت لايسمح بالتوقف والأنتظار والتحليل، بل لم يفكّر أحد من الثوار بمواقف دول الجوار وردة الفعل العالمية والعربية ، كان الهم ُّالوحيد أن تنهار المنظومة البعثية بكل مؤسساتها،وكيف تُهزم وتُكسر إرادة المجرمين البعثيين، لنرى إبتسامة إمرة ثكلى قد حرمها النظام رؤيت زوجها أو ابنها ،وضحكة طفلٍ لم يرَوالده منذ ولادته فأفقده النظام البعثي طعم الأبوة، لم نفكّر أبداً بمن يستثمر النصر ويقتني ثمرة النضال ودماء الشباب،كان حلم الجميع أن يعيشوا ولو أياما معدودة بدون سلطة وجبروت البعث،وأنا أكاد أجزم أن هذا هو شعور أغلب ابناء الأنتفاضة في جميع المحافظات العراقية التي إنتفضت على النظام ،وقد إلتقينا بعدها وتعرّفنا على بعضنا وصدق مشاعرنا،وفعلاً قامت هذه المجاميع الشابة بدورها المطلوب وهاجمت أوكار البعثيين وقُتل من قتل منهم وأنهزم الآخرون وبطرق مخزية ومعروفة لدى أبناء الأنتفاضة ، وأنهارت كل دوائر النظام الصدامي وأختفى المنظر الزيتوني من الشارع العراقي، كانت ضربات مؤلمة وقاصمة لنظام دكتاتوري لم يتعود سماع كلمة لا لعشرات السنين، وقد تحقق لنا بعضُ آمالنا وعشنا أياماً معدودةً أحراراً،ولأول مرّة تذوقنا وعرفنا معنى الحرية،تلك الأيام الجميلة أنستنا المصير المحتوم الذي ينتظرنا، ذلك المصير الذي كنّا جميعا مؤمنين بوقوعة،لأننا كنا نعتقد بفشل الأنتفاضة أكثر من نجاحها خصوصا بعد مرور الأسبوع الأول ، وبعد قناعتنا بضَعف وخواء المعارضة العراقية، وإنهيار إسطورة الفيلق المدجج بأحدث أنواع الأسلحة،الذي كانوا يوهموننا بوصوله خلال ساعات لأحتلال بغداد،بل هذه الدعايات أثرت سلبا على أداء الثوار المنتفضين وشلّت تفكير قادتهم الميدانيين الذين ظلّت أبصارهم شاخصة نحو الشرق،وبين هذا التلكأ والأتكال على وعود المعارضة الخارجية الكاذبة خصوصا في إيران،وبين إطلاق قوات النظام المحاصرة من قبل قوات التحالف والسماح لطائراته بالتحليق وضرب الثوار، بدأت علامات الأنكسار على أداء المنتفضين وبدأت تضيق عليهم سبل الأتصال فيما بينهم،وبدأ النظام يستعيد ويجمع فلوله المنهزمة التي أساءت لسمعة العسكرية العراقية عندما تركت سلاحها في ساحة المعركة مع التحالف، لكنهم أبدوا شراسةً لامثيل لها عندما وجههم النظام البعثي لضرب أهليهم ومقدساتهم ونهب بيوت إخوانهم ممن شاركوا في تطهير المدن من براثن العفالقة،بعد هذا الهجوم الهمجي الحاقد الذي قوبل بصمود وشجاعة فريدة من قبل ثوار الأنتفاضة وبما تبقى لديهم من عتاد وأسلحة ،وبعد القصف العنيف وألأعتداء على الأضرحة المقدسة وحملة تهديم الجوامع، تشتت جمع أبناء الأنتفاضة بين شهيد ومعتقل انتهى الى دفنه حياً، وبين مهاجر في شرق وغرب البلاد، وقد أوغل النظام البعثي القذر بالقتل والدمار وحرق بيوت المنتفضين وحملات الأعتقالات العشوائية التي أطلع على نتائجها العالم بعد العام 2003 من خلال المقابر الجماعية التي لم يُحصى عددها الى هذه الساعة...بهذه النتائج أنتهى الفصل الأول من الأنتفاضة ليبدأ الفصل الثاني خارج حدود الوطن...
الفصل الثاني :
الفصل الثاني لأنتفاضة الشعب العراقي لعام 1991 الذي بدأ خارج حدود الوطن، يختلف عن الفصل الأول للأنتفاضة،لأن الفصل الأول للأنتفاضة لم نتشرّف برؤية وجه أحد المعارضين للنظام ، ولكن في فصلها الثاني تعددت الآباء للأنتفاضة بل وحُحّيت الوجوه الميتة،وصارت الأبن المدلل للسياسيين الذين بدأ صوتهم يرتفع كلما احتموا بمخيمات اللجوء لأبناء الأنتفاضة، لأنهم قبل إنطلاقها لم يكن لديهم جميعا، أي عنصرٍ وأي مقوّمٍ من مقومات وعناصر القوة، ليفرضوا حضورهم في المجتمع الدولي،إن يقولوا لاأحد يسمع لقولهم ، وإن يستصرخوا لايجيبهم أحدٌ،لأنهم لايملكون السبل والحجج الواضحة التي تدلّ على أن الشعب بأغلبه ضد النظام، وليس لديهم الوسائل الأعلامية التي تنقل للعالم حقيقة وضع الشعب في الداخل، سوى بعض الصحف المحلية التي لايتعامل معها الرأي العام الدولي،ولكن الله قد أكرمهم بوضعٍ جديدٍ بعد إنتفاضة الشعب ولجوء مئات الآلاف من الثوار الى دول الجوار،حينها تكشّفت أسرار النظام وبانت حقيقته المخجلة ، وأستثمر المعارضون القدامى الفصل الثاني للانتفاضة لمصلحة أحزابهم والأستقواء على بعضهم، وعززوا علاقاتهم مع أبناء الأنتفاضة ، وبدأت الوفود تحج الى مخيمات رفحاء والأرطاوية وحيثما يوجد المنتفضون،كان هذا الأمر يفرحنا نحن المنتفضين ،لأننا لا ننتمي لفئة حزبية أو نؤيدها دون أخرى كنا نحترم الجميع نحترم المعارضة بكل فصائلها هذا اولا،وثانيا كان كل همنا إسقاط النظام وعودتنا الى بلدنا واهلنا ،لم نكن قد تعرفنا بعد على الخبث السياسي ولاالمصلحة الفئوية والحزبية، صفقنا للكل وشجعنا الكل وهتفنا للكل بكل سذاجة وعفوية وإخلاص،كاخلاصنا في الإنتفاضة،  كان يجمعنا فيها هدف واحد هو إسقاط النظام ، دون التفكير بمن يقود وبمن يحكم؟كان هذا هو حلمنا وتفكيرنا وبساطة أهدافنا وبراءة نوايانا وأملنا في المعارضة بأن تكون مخلصة في نواياها وصادقة في وحدة هدفها،ولكن هل كانوا كما كنّا نتمنى؟ قطعا لا.. كانت هناك معارك ومساومات ومزايدات على معاناتنا ، كان حلم المعارضين لايشبه حلمنا ،صراعات واختلافات والكل يدعي الوصل بالإنتفاضة، بل قيادتها وتأجيجها ووالخ،إنتفخت أوداجهم وتمددت أحلامهم ، بعد أن كان حلم احدهم لايتعدى الحصول على مكان آمن في دولة ما لتحميه من بطش النظام ،أصبحوا بعد الأنتفاضة ،مرحبٌ بهم في دولٍ شتى لأقامة مأتمراتهم ولقاءاتهم،وأصبح لهم حضورٌ عالمي وأخذت أسمائهم تتردد في وسائل الأعلام العالمية،أي بمعنى أن الأنتفاضة نفضت عنهم غبار السنين العجاف ، وألقت بهم الى عالم السياسة الواسع، وجعلت منهم فرساناً للفضائيات والصحف العالمية ،وحرّكت ملف القضية العراقية وملاحقة النظام دولياً، وفتحت آفاقاً واسعةً لأركان المعارضة العراقية، فكانت الإنتفاضة وبطولات الثوار محل شاهد ودليل إثبات على مواقف الشعب العراقي في معارضته لنظام صدام،بل هي خير مؤونة للمتحدثين المعارضين الأسلاميين منهم بالخصوص في كل محفل دولي، وهي موضع فخر وإعتزاز لديهم..وبعد إعادة إستيطان قسم كبير من ابناء الإنتفاضة في الدول الغربية، وكان العدد الأكبر في الولايات المتحدة الأمريكية ، بدأ دورٌ جديد ومهم لهم في هذه الدول ، وأصبحوا موضع اهتمام لوسائل الأعلام ، وبشكل اكثر إنتشارا واهتماما من ذي قبل ،وأيضاً أُستثمروا من جديد من قبل المعارضين الأوفياء ، وبدأت مرحلة جديدة من التعامل معهم وفق ما تفرضه الظروف السياسية ، فكانت التظاهرات هذه المرّة سلاحا مهماً في محاربة النظام،وأستمر هذا التقليد وهذا التمسك الوثيق بمواقف الثوار البطولية وذكر مناقبهم حتى عام2003 .بعد عام 2003  لم يبدأ الفصل الثالث بين المعارضة سابقا الحاكمين حاليا وابناء الأنتفاضة،بل بدأ الأنفصال الذي إنتهى الى طلاق بينٍ بينهما،بعد ما إنتفت الحاجة الى المنتفضين، ما أرادوه قد تحقق والقانون لايحمي المغفلين...ومن يريد أن يُكمل الفصل الثالث من المنتفضين فاليفعل مشكوراً..
صالح المحنه
أحد المنتفضين في الديوانية


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح المحنه
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/03/03



كتابة تعليق لموضوع : فصولٌ تاريخية من علاقة السياسيين العراقيين بإنتفاضة عام1991
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net