صفحة الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي

نقد كتاب اللاهوت العربي ليوسف زيدان – ( 1 / 8)
نبيل محمد حسن الكرخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
لم تكن صدمة شديدة عندما اكتشفت ان الكاتب الروائي والمتخصص في التراث العربي وله عدة مؤلفات في الفكر الاسلامي الاستاذ يوسف زيدان (مواليد 1958م) له توجهات تبرز وتناصر كل "سفينة تبحر بعيداً عن العقائد الاسلامية الاصلية" إنْ صح التعبير! فنجده يروّج للصوفية ويؤيد ابن تيمية ومنهجه، ويقف بالضد من علم الكلام الذي يمثل الحصن الحصين للعقيدة الاسلامية. وبعد إطلاعي على كتابه (اللاهوت العربي) بدأت افهم يوسف زيدان بصورة اوضح مما كنت عليه سابقاً، فدوافعه الفكرية تجعله "يبحر في كل سفينة تغادر ميناء العقائد الاسلامية"!
لقد أدهشني في هذا الكتاب الكم الهائل من المعلومات المذكورة فيه والتي تفتقر لللأسس الصحيحة أو الموائمة مع التاريخ وسيرة العرب والمسلمين! وفي القول العربي المأثور: " لولا الوِئامُ لَهلَك الأَنامُ". ففي أغلب صفحات هذا الكتاب هناك ثغرات وثغرات وثغرات متنوعة، فكرية ودينية وتأريخية بل ومعلوماتية أيضاً! فهذا الكتاب بحق هو كتاب خيالي من انتاج آمال وطموحات يوسف زيدان لما يجب أن تكون عليه القضايا بحسب رغبته وطموحاته لا بحسب واقعها وحقيقتها!!
في هذا الكتاب يريد يوسف زيدان ان يقول ان الأديان الثلاثة، اليهودية والمسيحية والاسلام، لها مشتركات فيما بينها وأنها دين واحد بشرائع متعددة!! وان علم الكلام الاسلامي، الحصن الحصين للعقيدة الاسلامية، هو نفس علم اللاهوت عند المسيحيين ومن انتاج نفس البيئة في منطقة الهلال الخصيب! ومؤدى ذلك ان قراءة الدين من وجهة نظر المسيحية هي نفس قراءة الدين من وجهة النظر اليهودية وكذلك الاسلامية!! فالقضية بهذا المسار إذن ليست إلهية، وإنما الدين يصبح وجهات نظر لكل قوم ما يرتأونه، وكأنما ليس هناك وحي وانبياء وشرائع إلهية ومعجزات! بل الأمر من وجهة نظر هذا الكتاب هو نفس قول يزيد (لعنه الله): "لا خبر جاء ولا وحي نزل"!! فالأديان في هذا الكتاب مجرّد مواد اولية يمكن ان نصنع منها "خلطة" نشكلها ونطهوها كيف نشاء!!؟ ولذلك يرى يوسف زيدان أنَّه يمكن جمع هذه الأديان الثلاثة بدين واحد هو الدين الابراهيمي، ولكل قوم ما يشاؤون من عقائد اخرى "ثانوية" فمن يتبع موسى ومن يتبع المسيح ومن يتبع محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كل بحسب ما يرغب، ما دام الدين واحداً وجوهره واحد!! فلا تنافس ولا حقانية ولا إثباتات للحجة والدليل. ولذلك هاجم يوسف زيدان في هذا الكتاب "مقارنة الاديان" أو "علم الاديان" لأنها تصب في غير ما يصبو اليه!
اما علم الكلام الاسلامي المنشأ والإنتاج او فلنقل المتكلمون، فقد كانوا حرّاس العقيدة الاسلامية في مختلف المذاهب، وكانوا على خلاف دائم مع الفلاسفة وبعض الفقهاء من الحشوية من امثال ابن تيمية واتباعه من السلفية (الوهابية). يقول آدم متز ان اصحاب الحديث "يعتبرون عادة ألد أعداء المتكلمين"[1]. كيف ولا واهل الحديث معروفون بجمودهم الفكري ولذلك يسمون بالحشوية، وهم رافضون للتكلم في المسائل الجدلية التي تبين صحة العقيدة الاسلامية لهذا المذهب او ذاك. فأمّا ابن تيمية وعلماء السلف (الوهابية) فكانوا يقفون بالضد من علم الكلام، وكشاهد على ذلك نقرأ في مقال بعنوان (موقف السلف من علم الكلام) منشور في موقع (سلف للبحوث والدراسات) بإشراف د. محمد بن إبراهيم السعيدي، نقرأ: (لا يختلف الناقلون لمذهب السلف، حتى من علماء الأشاعرة في أن السلف لم يشتغلوا بعلم الكلام، بل بالغوا في ذمِّه وتحريمه، وقد نقل الغزالي في الإحياء الخلاف في تعلم الكلام، ثم قال: “وإلى التحريم ذهب الشافعي، ومالك، وأحمد بن حنبل، وسفيان، وجميع أهل الحديث من السلف”. ثم بين عدم اشتغال الصحابة بذلك امتثالًا لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال: “وعلى هذا استمر الصحابة رضي الله عنهم، فالزيادة على الأستاذ طغيان وظلم”، ولا ينازع أحد في هذه الحقيقة، حتى علماء الكلام أنفسهم يقرون بأنه علم محدَث، وإن تكلَّف بعضهم فجعل الإحداث لمجرد الألفاظ والاصطلاح، أو أن عدم اشتغال السلف بذلك؛ لعدم الحاجة، فلما وجدت الحاجة؛ لزم الاشتغال به، وهذه طريقة كثير من المنتصرين لعلم الكلام، كابن عساكر في دفاعه عن الأشعري)[2]... هذا ملخّص لموقف السلفية من علم الكلام!
فلننظر الى حقيقة علم الكلام وكيفية ارتباطه كمنهج صحيح بتعاليم آل البيت (عليهم السلام) وكيف كانوا يعلمون أصحابهم اسس علم الكلام وكيفية الكلام دفاعاً عن العقيدة الاسلامية الحقّة ونشرها.
ولا يفوتنا القول بأن علم الكلام كعلم للدفاع عن العقيدة قد ظهر منذ عهد النبي (صلى الله عليه وآله) ثم عصر الصحابة، في مناظراتهم مع أهل الكتاب، اليهود والنصارى والمجوس، ثم انتقل علم الكلام الى مرحلة الخلافات بين المذاهب الاسلامية بعد خروج الخوارج عن جيش الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهما) بعد ان ظهر الجدل حول مرتكب الكبيرة هل هو مؤمن أم كافر!
وقدامى المتكلمين ابرزهم واصل بن عطاء (متوفى 131هـ) رأس الاعتزال وتلميذ الحسن البصري، وعمرو بن عبيد (توفي 143هـ)، وأبي الهذيل العلاف (توفي 235هـ)، وإبراهيم النظام (توفي 221هـ)، وابو عثمان عمرو الجاحظ (توفي255هـ) وغيرهم.
يقول آدم متز: (وكان المتكلمون ينظرون في كل شيء، "وأرادوا معرفة كل شيء". وكان من يسمون بالفلاسفة يرمون المتكلمين بالتعصب واستحسان التقليد واللجاج، وأنهم "انفتح باب الحيرة عليهم وسُدَّ باب اليقين عنهم ولهذا قلّ تألههم وتنزههم وصاروا يقولون بتكافؤ الادلة". ولما كان المتكلمون ينكرون السحر بجميع صوره والتنجيم، بل انكروا كرامات الاوليات[3]، فإننا نستطيع أن نعتبرهم من دعاة حرية الفكر والاستنارة، رغم مذهبهم الكلامي وما كان لهم فيه من تدقيقات. جاء في كتاب الارشاد لياقوت: "اتفق أهل صناعة الكلام على ان متكلمي العالم ثلاثة: الجاحظ وعلي بن عبد الله اللطفي وابو زيد البلخي"، والاول والثالث من هؤلاء – ولا اعرف من امر الثاني شيئاً – رجلان يمثلان الفكر الحر على نحو جدير بالتقدير، أما الجاحظ "فيزيد لفظه على معناه"، وأما أبو زيد "فيتوافق لفظه ومعناه" والجاحظ يشبه فولتير Voltaire، أما ابو زيد (وقد توفي عام 322هـ - 933م، وقد جاوز الثمانين) فقد كان أثبت وأكثر اتزاناً، وهو يشبه الاسكندر همبولت Alexander Humboldt بين دعاة الفكر الحر في القرن التاسع عشر)[4].
وفي هذا الكتاب نجد الاستاذ يوسف زيدان يغدق على الصفحات افكاره بما يتخيله هو وبما يتمنى هو ان تكون بعيداً عن الرصانة التي تتطلب الدليل والحجة الصحيحة! فقد تكوَّن في ذهنة هدف واحد وهو "تبعية علم الكلام للاهوت المسيحي"، ثم عمد الى اغداق افكاره التخيلية بدون رصانة علمية، في محاولةٍ بائسةٍ منه لأثبات فكرته هذه! وقد اعجبني ما وصفه به د. احمد العلوي[5] حينما قال: (الحقیقة اني ما رایت احدا كیوسف زیدان یصوغ القضایا الضخمة ویدعیھا ولیس معه دلیل واحد على صحة قوله فیھا. لذلك یذكرني بزنجویه الحمّال الذي كان یجادل الجاحظ في القضایا الكلامیة فیتعبه في الرد فلما سئل الجاحظ عن ذلك وذكر بان فلانا وفلانا من كبار المتكلمین لا یذیقونه الرھق الذي یلقاه من زنجویه اجاب بما معناه: ان زنجویه لا یعلم البدھیات والمقدمات المرضیة فاحتاج الى ایلاجھا في روعه. اما كبار المتكلمین فیعلمون مقاصدي واعلم مقاصدھم فینفض جمعنا بغیر تطویل. بالطبع یوسف زیدان غیر زنجویه ولكنه یتظاھر بجھل ما یعلمه مثله من المؤرخین. یتظاھر به بدلیل انه لا یاتي بمثال ولو واحد من المسیحیة والیھودیة یؤكد كلامه في استمرار النظر في الصفات بین الیھودیة والمسیحیة وعلم الكلام. لا یاتي بمثال ولو واحد لانه یعلم انه لو اتى به لانفضح الفرق بین ھذا وذاك مما جعله استمرارا واحدا. لذلك تراه یصدر احكامه عن الاستمرار بین فكر الكنیسة الشرقیة وفكر المتكلمین دون تفصیل ولا تعلیل ودون حجة الا ما كان منھا باردا لا یدل على مراده)[6].
 
الديانات الثلاثة واحد!
في هذا الكتاب نجد توجّه الاستاذ يوسف زيدان الحياد في نظرته للاديان الثلاثة. فتحت هذا العنوان ناقش موضوع الاديان الابراهيمية الثلاثة (اليهودية والمسيحية والاسلام)، وذكر مطلب جديد يزعم ان منبع هذه الاديان واحد وأنَّ لها مشتركات فيما بينها يؤهلها لتكون متساوية في الحقانية! فقال: (يبدو لنا عند إمعان النظر أن الديانات الثلاث (اليهودية، المسيحية، الاسلام) هي في حقيقة أمرها ديانة واحدة، جوهرها واحد، ولكنها ظهرت بتجليات عدة، عبر الزمان، الممتد بعد النبي إبراهيم (إبرام) الملقب في الاسلام بأبي الانبياء)[7]. وهو ينطلق في كلامه هذا من نظرية تعدد الاديان وتعدد الحق! متجاهلاً أنَّ اليهودية لا تعترف بالمسيحية ولا بالاسلام كدينين ذوا حقانية، وكذلك المسيحية لا تعترف بالاسلام كدين حق ولا باليهودية كدين يجب ان يستمر بعد ظهور المسيح (عليه السلام) إذ ترى انه يجب ان يؤمن اليهود والمسلمون وجميع من في الارض بالمسيح (عليه السلام) كأقنوم ثاني وكإبن للإله وأن يؤمنوا بالعهد الجديد! إذن المطلوب من المسلمين وحدهم ان يتقهقروا للايمان الجديد بحقانية الاديان الثلاثة معاً!! لأن المسلمون وحدهم الذين يعترفون بنبوة موسى وعيسى (عليهما السلام).
وصدق الله العظيم القائل في سورة آل عمران (عليهم السلام): ((مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)).
ففي الاسلام نجد أنَّ جميع الانبياء (عليهم السلام) هم مسلمون، ولكن قومهم بعدهم حرّفوا دينهم وابتدعوا اسماء ما انزل الله بها من سلطان.
فبالاضافة الى تصريح القرآن الكريم بأن النبي إبراهيم الخليل (عليه السلام) كان مسلماً كما في الآية آنفة الذكر، وأيضاً في قوله تعالى في سورة البقرة على لسان الخليل (عليه السلام) داعياً ربّه سبحانه وتعالى قائلاً: ((رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ))،،، ((وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)). 
فقد صرَّح القرآن الكريم بأنَّ النبي نوح عليه السلام أيضاً كان مسلماً كما قال تعالى في سورة يونس (عليه السلام): ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ (71) فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)).
والنبي سليمان (عليه السلام) كان مسلماً واسلمت معه بلقيس أيضاً كما في قوله تعالى في سورة النمل: ((قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)). 
وفي سورة المائدة نجد ان عيسى المسيح (عليه السلام) دعا الحواريين الى الاسلام فاستجابوا، قال تعالى: ((وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ)).
وأيضاً في بقية الانبياء (عليهم السلام) قال تعالى: ((إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ)).
فالعبرة في اجتماع الاديان وحقانيتها ليس انها تؤمن بنبوة ابراهيم الخليل (عليه السلام)، بل بالكلمة السواء التي نصّ عليها القرآن الكريم بقوله في سورة آل عمران (عليهم السلام) مخاطباً اليهود والمسيحيين (النصارى): ((قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ))... هذا من وجهة النظر الاسلامية. فلا تعددية ولا حقانية لدى الاديان المحرَّفة رغم انها ذات اصول اسلامية صحيحة ولكن لحقتها الخرافات والتحريف فأطلق عليهم الاسلام تسمية (أهل الكتاب) وليس الابراهيميين.
ويعود الاستاذ يوسف زيدان ليقول: (يطرح القرآن الكريم مفهوماً للإسلام العام، الذي يتسع ليشمل الديانات الثلاث جميعها، ويجعل أنبياءهم مسلمين كلهم. وهو المعبَّر عنه بدين الفطرة، ودين ابراهيم (عليه السلام) ودين القيّمة. وقد وردت آيات قرآنية كثيرة تؤكد هذا المفهوم العام للإسلام)[8]. ولكنه يتجاهل ان القرآن الكريم اشار الى ان دين النبي نوح (عليه السلام) أيضاً هو الاسلام وهو قد سبق النبي ابراهيم (عليه السلام) في الظهور التأريخي، مما يبين ان الاسلام هو الدين الحقيقي الوحيد لجميع أنبياء الله (عليهم السلام). أما ان يقول يوسف زيدان ان هناك مفهوماً عاماً للاسلام تدخل فيه بقية الاديان كتجليات له! حيث يقول: (التجليات الثلاثة للديانة أو الاسلام بمعناه الواسع)[9]!! فأين هو من قوله تعالى: ((مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا))، واين هو من قوله تعالى الذي توعد اهل الكتاب بنار جهنم فقال سبحانه في سورة البيّنة: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ))!
 
الديانات التوحيدية:
مرَّ علينا في الفقرة السابقة قوله تعالى: ((قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)) والذي يدعوا اليهود والنصارى (المسيحيين) لأن يكون التوحيد مشتركاً معها. بينما نجد أنَّ الاستاذ يوسف زيدان يذهب بخلاف ذلك فيعترض على استخدام مصطلح (الديانات التوحيدية) ويقول ان التوحيد ليس هو المشترك فيها بينها!! قال: (يطيب للكثيرين وصف الديانات الثلاث بأنها دياناتٌ (توحيدية) لأنها دعت الى عبادة الله الواحد، في مقابل الديانات الاخرى القائلة بتعدُّد الآلهة. غير أن صفة التوحيد ليست هي المعبِّر الجوهري عن وحدة الديانات الثلاثة! وإلا فإنَّ هناك ديانات أخرى سابقة ولاحقة نادت بالتوحيد منذ عبادة آتون التي قال بها أخناتون، الى نِحْلة البهائية التي ألحقت ذاتها بما سبقها من ديانات ثلاث فلم تجد من أصحابها غير الإنكار والاستنكار. فالتوحيد إذن ليس هو الموحِّد بين اليهودية والمسيحية والاسلام، خاصةً أن هؤلاء الموحِّدين المشهورين من اليهود والمسيحيين والمسلمين سلكوا في (التوحيد) مذاهب شتى حظيت بموافقة البعض منهم، ورفضها الآخرون، حتى داخل إطار كل ديانة على حِدة)[10]. ليقترح بديلاً عن استخدام مصطلح الديانات التوحيدية بقوله: (نخرج مما سبق الى تقرير أن الجوهر الجامع بين اليهودية والمسيحية والاسلام هو تأسيس اللاحق منهم لذاته على السابق، وتأكيد نبوة الانبياء (الأوائل) في الديانات الثلاث مجتمعة، مع بعض الاختلافات في صورة هؤلاء الأنبياء بين اليهودية والمسيحية من جهة، والاسلام من جهة أخرى. وبقطع النظر عن الصورة المثلى التي قدَّم بها الاسلام الأنبياء الأوائل فإن المهم هنا هو (الاجماع) على نبوتهم، والتأكيد على (جوهرية) النبوة)[11].
ولكن فات الاستاذ يوسف زيدان ان وجود الانبياء (عليهم السلام) ليس هو هدف بعثتهم ولا هو هدف الأديان بل ترسيخ التوحيد بين البشر ومفاهيمه هو هدف بعثتهم (عليهم السلام). ورغم ان يوسف زيدان يقول في موضع سابق: (وبطبيعة الحال فقد بدت بسبب اختلاف اللغات والاماكن والزمنة اختلافات تشريعية وعقائدية بين الديانات الثلاث، لكن الجوهر الاعتقادي ظل واحداً، وظل النَّسْجُ الأصليُّ يتم على المنوال ذاته، ففي الديانات الثلاث المعبود واحد مهما تعددت صفاته وأقانيمه وأسماؤه وهو يختص قوماً بخطابه الإلهي لأنه تعالى ((أعلم حيث يجعل رسالته)) {الانعام: آية 124} وهو يصطفي رسله والمؤمنين به فيرفعهم فوق بقية الناس. ومن حيث العلاقة الداخلية بين التجليات الثلاثة للديانة)[12]، فهو هنا يعترف بأن الجوهر الاعتقادي بين الاديان الثلاثة واحد وهو التوحيد أي ان المعبود واحد، ولكنه يعود ليقول ان هناك توحيداً لدى آخرين من قبيل دين اخناتون الذي كان يعبد آتون!! فأين هو آتون من الله العليِّ العظيم لتجعل من عبادته توحيداً!!؟ أليس التوحيد معناه ان يعبدوا إلهاً واحداً هو الله تبارك وتعالى، وليس معنى التوحيد ان تتم عبادة وثن أو صنم واحد فيكونوا بذلك موحدين صنميين!! وإلا فإن هناك في الجاهلية كانت بعض القبائل تعبد صنماً واحداً فهل هي موحدة!! "ما هكذا تورد يا سعد الابل"!
 
الديانات السماوية:
العقلاء متفقون على انه "لا مشاحة في الاصطلاح" ومعنى ذلك انه يمكن ان يتم الاتفاق على معنى معين مقصود يتألّف من كلمة او عدة كلمات تسمى بالـ (مصطلح)، كأن نقول أن معنى (القديم) في علم الكلام هو: (ما لا أول له)، ومعنى (الحادث) هو: (ما له أول)، فلا يصح حينئذ ان يعترض احدٌ ويقول ان المعنى اللغوي لكلمة (قديم) ليس ذاك بل معناه كما في القاموس المحيط (ما مضى على وجوده زَمنٌ طويلٌ)، لأن المقصود في علم الكلام هو المعنى الاصطلاحي لا اللغوي.
ورغم ذلك وضمن نفس السياق اعترض الاستاذ يوسف زيدان على تسمية (الاديان السماوية) فقال: (جرت عادة الناس في بلادنا في ايامنا الحالية أن يصفوا اليهودية والمسيحية[13] والاسلام تحديداً بأنها ديانات سماوية. ولم يكن غالبية الاوائل ولا الأواخر من العلماء يستعملون تلك التسمية أو هذا الوصف للديانات الثلاث. غير ان صفة (السماوية) طفرت في ثقافتنا المعاصرة فجأة كوصف عام وأسم معتاد للديانات الثلاث)[14]. ثم يبين وجهة نظره في رفضه استعمال مصطلح (الاديان السماوية) بقوله: (فالسماء في اللغة، اي من حيث المفهوم الاصلي للكلمة، تعني العلو، ومن هنا وحسبما يقول العلامة اللغوي الشهير ابن منظور وغيره من علماء العربية: فإن كل ما أظلَّك وعلاك هو سماء .. فالسماء في حقيقة الامر لفظ لا يقع معناه على شيء محسوس محدد، وإنما على أي سقف كان، ولو كان سقف الغرفة. وقد قيل للسحاب سماء لأنه يعلو ويُظِلُّ لا أكثر من ذلك ولا أقل)[15]. 
ولكن هذا التبرير يجانب الصواب لأن من حق مستخدم اللغة الام التي يستعملها ان يبتكر مصطلحات تناسب مقصده، ومهما كان معنى كلمة (السماء) لغوياً فهذا لا يمنع ان يكون لها معنى اصطلاحي وهو أن يطلق على الاديان الثلاثة التي تعترف بخالق ازلي للكون ارسل رسلا وانبياء لتعليم البشر وارشادهم. نعم يمكن ان نعترض على مصطلح (الاديان السماوية) بإعتبار ان اصل الاديان التي جاء بها الانبياء (عليهم السلام) جميعاً هو أنها دين واحد وهو الاسلام ولم تكن ايان متعددة، فقد كانت عقيدة واحدة بشرائع متعددة، قال تعالى في سورة المائدة: ((لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً)). ولكن يوسف زيدان لم يعترض على هذا المصطلح من هذه الناحية!
قال تعالى في سورة آل عمران (عليهم السلام): ((إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ)).
وفي سورة يونس (عليه السلام) قال الله تعالى عن نوحٍ (عليه السلام): ((فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)).
وفي سورة الحج: ((مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ)).
وفي سورة يونس (عليه السلام): ((وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ)).
وفي الحقيقة فإن مصطلح (الديانات السماوية) ليس مصطلحاً معاصراً، بل وجدنا نصوصاً تستعمله تعود الى ما قبل قرون، وربما اقدمها هو تفسير ابي السعود المتوفى سنة 951هـ[16]، أي في القرن العاشر الهجري، واستعمله محمود شكري الآلوسي (متوفى 1270هـ) في تفسيره[17]، وربما كان استعمال الآلوسي لهذا المصطلح في القرن الثالث عشر الهجري هو الذي ساهم بنشره في الآفاق.
وعند الشيعة الامامية من أوائل من عثرنا عليه انه استعمله هو السيد محسن الامين ( 1284-1371)هـ في كتابه اعيان الشيعة[18]. وايضاً استعمله الشيخ سليمان الظاهر العاملي (1290-1380هـ) في كتابه (دفع أوهام توضيح المرام) المطبوع تحت عنوان (القاديانية)[19]. واستعمله كذلك السيد محمد مهدي الصدر (1296-1355)هـ في كتابه اخلاق أهل البيت (عليهم السلام)[20]. وأيضا استعمله الشيخ محمد رضا المظفر (1322-1383)هـ في كتابه المنطق[21]. وأيضاً استعمله الميرزا ابو الحسن الشعراني (1320- 1393)هـ في تعليقته على شرح المازندراني لاصول الكافي[22]. 
ثم شاع وانتشر استعماله في الآفاق كلما تطورت وسائل الطباعة والنشر والصحافة.
أما قول الاستاذ يوسف زيدان: (ولم يكن غالبية الاوائل ولا الأواخر من العلماء يستعملون تلك التسمية أو هذا الوصف للديانات الثلاث). فالقضية ليست متعلقة بأغلبية أو أقلية، فمن حق أي عالم ان يستنبط أو أن يستعمل مصطلحاً يناسب مقصده وفق الضوابط اللغوية المعمول بها.
ثم يقترح تسمية جديدة فيقول: (ولعل الاصح إذا أردنا تمييز الديانات الثلاث عن غيرها أن نصفها بأنها ديانات رسالية أو (رسولية) لأنها أتت الى الناس برسالة من السماء عبر رُسل من الله وأنبياء يدعون إليه تعالى ويخبرون عنه الناس)[23]. ولكن هذا المصطلح ايضاً جديد ولم يقل به احد من الاوائل ولا الأواخر كما هو مصطلح (الديانات السماوية) على حد تعبير يوسف زيدان، فما حدا مما بدا؟!
واذا تفكرنا في الاسباب التي دفعت الاستاذ يوسف زيدان الى ترجيح مصطلح (الديانات الرسولية) على مصطلح (الديانات السماوية) بدون مرجّح حقيقي، ربما لأن المصطلح الاخير يعطي ميزة لأديان معينة على اديان اخرى وهي ميزة ارتباطها بالله سبحانه (بغض النظر عما لحق بها من تحريف وتشويه فيما بعد عبر مسيرتها التأريخية) ويعطي مؤشراً أن هناك أديان لا أرتباط لها بالله سبحانه كالصابئة والبوذية وبقية ديانات الهند وغيرها، فجاء بمصطلح (الديانات الرسولية) التي لا تفرق هذه الاديان الثلاثة عن بقية الاديان الاخرى بإعتبار وجود اديان تدّعي انها تتبع انبياء كالصابئة الذين يدّعون انهم يتبعون النبي يحيى (عليه السلام) أو الدروز الذين يقدسون النبي شعيب (عليه السلام)، او البهائيون الذين يدّعون ان لهم نبي مرسل هو "بهاء الله"، فهم مشمولون بمصطلح (الديانات الرسالية). وحتى الصوفية الغنوصية (غير الاسلامية) فهي تعتبر الكشف والشهود كالنبوة إن لم يكن افضل، وتعتبر المتصوفة كالأنبياء ان لم يكن أفضل!! فيمكن أن تعد ضمن (الديانات الرسالية) بإعتبار ان المتصوفين لديهم ارتباط بالإله ولديهم طريق اكتساب المعرفة عن طريق الكشف والشهود!! فإذا علمنا ترويج يوسف زيدان للصوفية في مؤلفاته يكون هذا السبب الذي ذكرناه وارداً في الحسبان! بل وحتى المورمون يصبحون مع نبيهم الجديد (جوزيف سميث) من (الأديان الرسولية)!! ويقوّي رؤيتنا هذه قول يوسف زيدان: (ومن هنا نقول إن كل دينٍ مهما كان هو سماوي بالضرورة في نظر معتنقيه)[24]!
 
ابتداء المسيحية:
يقول الاستاذ يوسف زيدان: (وابتدأت المسيحية بنبوة يوحنا المعمدان، يحيى بن زكريا، ذلك الصوت الصارخ في البرية مؤذناً بمجيء بشارة المسيح الذي أكمل دعوته (كرازته) تلاميذهُ الذين يسميهم القرآن والمسلمون: الحواريين، ويسميهم الانجيل والمسيحيون الرُسُل)[25].
هذا النص غير تام من الناحية التأريخية! فيوحنا المعمدان هو آخر انبياء بني اسرائيل قبل المسيح عليه السلام، وتعاليم يوحنا المعمدان ليست جزءاً من التعاليم المسيحية بدليل انها نسبت للمسيح (عليه السلام) انه قال: (يوحنَّا عَمَّدَ بالماءِ، وأمَّا أنتُم فتتَعَمَّدونَ بِالرُّوحِ القُدُسِ بَعدَ أيّامٍ قَليلةٍ)[26]. وأيضاً بدليل ان بولس مؤسس المسيحية كان يرفض معمودية يوحنا وحدث بينه وبين أَبُلُّوس Apollos خلاف بسبب ذلك، والكنائس المسيحية اليوم لا تعرف معمودية يوحنا انما التزمت بمعمودية بولس! وقد أشار لـوقا - وهو تلميذ بولس - في أعمال الرسل (18: 24- 19: 6) إلى الخلاف بين أَبُلُّوس وبولس فقال: (وقدم أفسس يهودي أسمه أَبُلُّوس من أهل الإسكندرية فصيح اللسان متبحر في الكتب وكان قد لُقِّن طريقة الله وأخذ يتكلم بقلب مضطرم ويُعلِّم ما يختص بيسوع تعليماً دقيقاً ولكنه لم يكن يعرف سوى معمودية يوحنا فشرع يتكلم في المجمع بجرأة)، إلى أن يقول: (فقد كان يرد على اليهود علانية رداً قوياً مبيناً من الكتب إن يسوع هو المسيح، وبينما أ أَبُلُّوس في كورنثوس وصل بولس إلى أفسس بعدما جاز أعالي البلاد فلقي فيها بعض التلاميذ فقال لهم: هل نلتم الروح القدس حين آمنتم؟ قالوا: لا، حتى إننا لم نسمع إن هناك روح قدس، فقال: فأية معمودية أعتمدتم؟ قالوا: معمودية يوحنا، فقال بولس: إن يوحنا عمد معمودية التوبة طالباً من الشعب أن يؤمنوا بالذي يأتي بعده أي يسوع، فلما سمعوا ذلك اعتمدوا باسم الرب يسوع ووضع بولس يده عليهم!).
اما بداية المسيحية فإنجيل مرقس (1: 14) يذكر بوضوح ان المسيح (عليه السلام) لم يبدأ دعوته الا بعد مقتل يوحنا المعمدان، حيث جاء فيه: (وَبَعْدَمَا أُسْلِمَ يُوحَنَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى الْجَلِيلِ يَكْرِزُ بِبِشَارَةِ مَلَكُوتِ اللهِ، وَيَقُولُ:«قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ).
وهناك ملاحظة أخرى جديرة بالذكر وهي أنَّه إذا كانت نبوءة يوحنا المعمدان هي جزء من المسيحية كما ظن يوسف زيدان، فلماذا نجد ان تلاميذ يوحنا المعمدان كانوا بمعزل عن المسيح (عليه السلام) ودعوته ولم يتبعوه؟! حيث يبين إنجيل متى (9: 14) ان تلاميذ يوحنا المعمدان استمروا يتعبدون بتعاليمه أثناء حياة المسيح (عليه السلام). كما لم تذكر الاناجيل أي شخص تحول في أيمانه الى يسوع المسيح وترك تعاليم يوحنا المعمدان مثلما كان يحدث مع اليهود والفريسيين والوثنيين الذين يتركون عقيدتهم ويؤمنون بدعوة المسيح (عليه السلام).  
 
مقارنة الاديان:
يذكر الاستاذ يوسف زيدان تعريفاً لتخصص (مقارنة الاديان) فيقول: (التخصص المعروف الذي يقارن بين الاديان بأن يبحث في قضية دينية ما، فيرصد الاختلاف فيها أو الاتفاق حولها، بين ديانتين أو أكثر، ويحدد ما هنالك من الفروق الفارقة. أو هو عند بعضهم العلمُ الذي يقارن بين الاديان بأن يعرض لكل دين على حدة بقضاياه كلها، ثم يعرض لدين آخر على المنوال ذاته، فيرصد وجوه الاختلاف والاتفاق بين ديانتين أو أكثر، بحسب عدد الديانات التي يتعرّض لها مُقارنُ الأديان)[27].
ثم يعمد الاستاذ يوسف زيدان الى نفي إنَّ يكون علم مقارنة الاديان ذو منبع إسلامي! ويهاجم بدون مبرر د. أحمد شلبي لأنه قال بهذا الامر، وفي الحقيقة فإنَّ هناك العديد من المفكرين ممن ذهبوا الى انه علم إسلامي المنبع فلماذا ترصَّدَ للدكتور احمد شلبي وعرّض به!!
وذريعة يوسف زيدان في نفي كونه تخصص ذو منبع اسلامي هو قوله بعد ان ذكر تعريفه لهذا التخصص: (ولأن المؤرخين المسلمين وضعوا كُتُباً للتعريف بعقائد أهل الملل والديانات غير الاسلامية، فقد عدَّ بعضهم (علم مقارنة الأديان) علماً إسلامياً أصيلاً، أختفى عن المسلمين حيناً من الزمان، ثم عاد إليهم في العصر الحديث. وهو ما يعبِّر عنه بوضوح د. أحمد شلبي الذي ذَكَرَ تحت أسمه على غلاف كتابه أنه: (الحاصل على دكتوراه الفلسفة من جامعة كمبردج. وفي الكتاب الاول من كتبه الاربعة المشهورة، المنشورة مراراً تحت عنوان مقارنة الاديان يقول أحمد شلبي ما نصُّه: "من مفاخر المسلمين أنهم ابتكروا علم مقارنة الاديان، وسنرى أن مفكري الغرب يعترفون بذلك، ومن الطبيعي أن هذا العلم لم يظهر قبل الاسلام لأن الاديان قبل الاسلام لم يعترف أيٌّ منها بالاديان الأخرى") إلخ ... الى ان يقول يوسف زيدان: (وقد نقلنا الفقرة السابقة على طولها، بحروفها، لأنها تمثل حالة من حالات الزعم العلمي المأزوم، أو هي تعبِّر عن الأزمة التي تزعم لذاتها صفة العلمية. ففي حقيقة الامر لم يقدم علماء المسلمين الأوائل علماً لمقارنة الاديان بالمعنى المذكور، بل لم يقدموا تأريخاً للعقائد على النحو الواجب، إلا في حالتين فقط سوف نشير اليهما بعد قليل. فأما ذاك الذي قدَّمه ابن حزم في (الفِصَل في الملل والأهواء والنِّحَل) والشهرستاني في (الملل والنحل) والمسبِّحي في (دَرْك البغية) والنوبختي في (الآراء والديانات) وامثال هؤلاء في مثل هذه الكتب، فهو وصف عام لعقائد الفرق والجماعات الاسلامية وغير الاسلامية، فحسب. وإن كان بعض هذه المؤلفات المذكورة، حقيقة، في مجال وصف الاعتقادات والترعيف بالمعتقدات، وبعضها الآخر في الردّ على تلك العقائد، خاصة النصرانية، لكنها لم تكن بحال في مقارنة الأديان)[28].
وكما اسلفنا فلم ينفرد د. أحمد شلبي باعتبار علم مقارنة الاديان منبعه اسلامي، بل هناك باحثون آخرون ذهبوا الى نفس الامر نذكر منهم على سبيل المثال الدكتور حمدي عبد الله الشرقاوي حيث يقول: (علم مقارنة الاديان كانت نبتته الاولى في الفكر الاسلامي الذي اثمرها للفكر الانساني عموماً)[29].
واما بخصوص مصادر الفرق والاديان وكيفية حصول علماء المسلمين على تفاصيل عقائد الاديان الاخرى فلا نغفل ان حركة الترجمة بدأت منذ العصر الاموي ونشطن في عصر العباسيين، فلا يصح ان يتم التغافل عن ذلك والتساؤل بسذاجة عن كيفية اكطلاع علماء المسلمين على عقائد الاديان الاخرى المكتوبة بلغاتهم الاصلية. بالاضافة الى فقد استفاد علماء المسلمين "من كتابات المهتدين الى الاسلام من اهل الكتاب ... فكثير من مفكري الاسلام امثال الجويني والغزالي وابن حزم والإمامين ابن تيمية وابن القيم وغيرهم، قد استعانوا بكتاباتهم في دراسة الاديان"[30].
يقول الدكتور حمدي عبد الله الشرقاوي: (وبعد هذا العرض النقدي لكتب الملل والنحل يذكر البيروني أنه لم يجد من بين أصحاب هذه المؤلفات من قص الحكاية والتأريخ المجرد للملل بغير ميل أو مداهنة – على حد تعبيره – سوى أبي العباس الايرانشهري الذي وضع مؤلفاً أحسن فيه حكايته عن اليهود والنصارى وكتبهم المقدسة وعن المانوية وما في كتبهم من خبر الملل المنقرضة، ومع ثناء البيروني على هذا الجانب من كتاب الايرانشهري، إلا أنه ينقد دراسته لفرق الهند وأديانها، فبعضها – كما يذكر البيروني – منقول عن كتاب سابق غير جدير في بابه، والبعض الآخر كأنَّه مسموع من عوام الهند فلا يمكن الاعتماد عليه، فيما يتصل بدراسة آراء أهل الهند ودياناتها)[31].
وحول جودة واتقان علماء المسلمين لدراسة الاديان يقول الدكتور حمدي عبد الله الشرقاوي: (وقد شهد الغربيون أنفسهم بدراسة علماء الاسلام للأديان من خلال مصادرها وأسفارها الاصلية وتفسيرات أصحابها لنصوصها وعقائدها وقد مكنهم ذلك من فهم أكثر دقة لهذه الأديان)[32].
والمنصف يرى تحامل يوسف زيدان على التراث العربي في هذا الخصوص حيث يريد تجريده من اسبقيته في تأسيس تخصص (مقارنة الاديان)، ويمكن ان يكون وراء ذلك التحامل الاسباب التالية:
1.    إنَّ تخصص ودراسات مقارنة الاديان هو وليد (علم الكلام) ومن نتائجه الباهرة والذي يريد يوسف زيدان مهاجمته في كتابه هذا والتقليل من شأنه وبالتالي يحاول التقليل من شأن كل ما نتج عنه!
2.    إنَّ تخصص ودراسات مقارنة الاديان تقع في مسار يخالف مسار الداعين الى التعددية الدينية، ذلك ان هؤلاء يقولون بأن جميع الأديان على حق، بينما دعاة مقارنة الاديان المتحصنين بأدوات علم الكلام يقارنون الاديان ويبحثون فيها عن أصالتها ونشوئها ونقط قوتها وضعفها ولاسيما بمقارنتها مع بعضها البعض، والبحث عن الحق والانتصار له ولو إجمالاً كحد ادنى.
3.    يتم من خلال دراسات مقارنة الاديان مناقشة بعض الشبهات التي قد تثار ضد هذا الدين او ذاك، وبالتالي يصبح وسيلة للترويج لدين معين بأسلوب دعوي علمي ورصين. وهذا بلا شك يثير حفيظة الحداثيين ودعاة التعددية الدينية.
مثال ذلك ما تطرق اليه الاستاذ عباس محمود العقاد في نقاشه حول شبهة ان الاسلام نسخة عن المسيحية! فقال: (ومن البديهي ان الباحث الذي يريد تطبيق علم مقارنة الأديان على المسيحية والإسلام مطالب بالرجوع الى حالة الديانة المسيحية حيث ظهرت دعوة الاسلام في الجزيرة العربية، فلا يجوز لأحد من هؤلاء الباحثين أن يزعم أن الاسلام نسخة محرَّفة من المسيحية إلا إذا اعتقد أن نبي الاسلام قد أخذ من المسيحية كما عرفها في بيئته العربية وفيما اتصل به من البيئات الأخرى حول جزيرة العرب. ومهما يكن من تطور العقائد المسيحية في سائر البيئات ومختلف العصور، فالعقيدة المسيحية التي يجوز لصاحبها المقارنة بين الاديان أن يجعلها قدوة للاسلام إنما هي عقيدة المسيحيين في الجزيرة العربية وما حولها)[33]، ثم يستعرض وصف (جورج سيل) اول مترجم للقرآن الكريم الى الانجليزية، حالة المسيحيين في الحجاز وفي سائر الانحاء القريبة منها وحالة الارباك والخرافات التي لحقتها، الى ان يقول العقاد: (كانت عقائد الفِرق المسيحية في جزيرة العرب وفي العالم المترامي حول جزيرة العرب على هذا النحو الذي وصفه رجل متعصب على الاسلام – يقصد جورج سيل - لا يهتم بمحاباته، ولا يُظَنُّ به أن يتجانف على المسيحية وهو قادر على مداراتها. ومن الواضح البيّن أن عقائد الفِرق المسيحية على ذلك النحو لم تكن مما يغري بالاعجاب أو مما يدعو الى الاقتداء. ومن الواضح البيّن أن موقف الاسلام كان موقف المُصحِّح المُتَمِّم، ولم يكن موقف الناقل المستعير بغير فهم ولا دراية. فقد جاء الاسلام بالدعوة الى إله منزّه عن لوثة الشرك، منزّه عن جهالة العصبية وسلالة النسب، منزّه عن التشبيه الذي تسرَّب من بقايا الوثنية الى الاديان الكتابية)[34].
ويبين الدكتور طارق خليل السعدي في كتابه (مقارنة الاديان) اسباب تفرد التراث الاسلامي بنشوء تخصص مقارنة الاديان فيقول: (ان المؤمن عليه التصديق والايمان بالكتب السابقة على القرآن الكريم وهي من شروط إيمانه ولكن تلك الكتب المقدسة حرّفت وطمست فيها العقيدة الصحيحة وشابتها الاساطير ودنستها أيدي المزورين والمحرفين. ومن مفاخر المسلمين انهم هم الذين ابتكروا علم مقارنة الاديان، وقد اعترف علماء الغرب بذلك، ومن الطبيعي أن هذا العلم لم يظهر قبل الاسلام، لأن المقارنة تحتاج الى تعدد، والاديان قبل الاسلام لم يعترف أي منها بالاديان الأخرى، فكل دين كان يعتبر ما سواه من الأديان ضلالاً. فاعتبرت اليهودية النصرانية باطلة ولم تعترف بالمسيح واعتبرته خارجاً استحق عندهم الموت، والمسيحية اعتبرت نفسها وريثة اليهودية ولم تر مع وجود المسيحية وجوداً لليهودية، وكذلك موقف كل الديانات الأخرى بعضها من بعض. من هنا لم يوجد علم مقارنة الأديان قبل الاسلام لأنه كما ذكرنا المقارنة هي نتيجة للتعدد، ولم يكن التعدد معترفاً به عند أحد فأنتفى بذلك ما يترتب عليه وهو المقارنة. وجاء الاسلام وكان موقفه من الأديان السابقة أنه الحلقة الاخيرة في سلسلة الاديان السماوية وأنه شمل الشرائع السابقة وأضاف الى ذلك ما تحتاجه الإنسانية في مسيرتها الى يوم الدين، وفي ذلك يقول الله تعالى: ((شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ))، وبذلك يصبح الاسلام الدين الوحيد إذ يقول الله تعالى: ((إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ))، ((وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ)) )[35]. 
لقد وضع أئمة آل البيت الاطهار (عليهم السلام) أسس مقارنة الاديان من خلال الحوارات والمناظرات التي كانوا يجرونها مع اتباع الديانات الاخرى، فبثوا في الامة روح البحث والاطلاع على تفاصيل الاديان الاخرى، والمجادلة بالتي هي أحسن. نذكر من حواراتهم ومناظراتهم:
     احتجاجات النبي (صلى الله عليه وآله) على اليهود.
     احتجاجات الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) والمتوفى سنة 40هـ على اليهود والنصارى.
     احتجاجات الامام جعفر الصادق (عليه السلام) والمتوفى سنة 148هـ على اليهود والنصارى.
     احتجاجات الامام موسى الكاظم (عليه السلام) والمتوفى سنة 183هـ على اليهود والنصارى.
     الامام الرضا (عليه السلام) والمتوفى سنة 202هـ على الجاثليق ورأس الجالوت وأبي قرّة صاحب الجاثليق ورؤساء الصابئين وأصحاب زرادشت وقسطاس الرومي وغيرهم.
ويمكن مراجعة كتاب الاحتجاج للطبرسي للاطلاع على تفاصيل هذه الاحتجاجات. وهناك العديد من الاحتجاجات والحوارات المبثوثة في كتب الشيعة الأخرى والتي تمثل اساس علم مقارنة الاديان.
ومن رواد مقارنة الاديان من عموم المسلمين:
1)    النوبختي (توفي 202هـ) وكتابه: الآراء والديانات.
2)    علي بن ربن الطبري (توفي 240هـ) وهو نصراني نسطوري أعتنق الاسلام، وله كتابنا هما: الرد على النصارى، والدين والدولة.
3)    القاسم بن ابراهيم الرسي (توفي 246هـ)، وكتابه: الرد على النصارى.
4)    يعقوب بن اسحاق الكندي (توفي 252هـ)، كتابه: مقالة في الرد على النصارى.
5)    ابو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (توفي 255هـ)، وكتابه: الرد على النصارى.
6)    ابو عيسى الورّاق (توفي 297هـ)، وكتابه: الرد على النصارى.
7)    ابو العباس الايرانشهري، في القرن الثالث الهجري، وتصانيفه فقدت بالكامل.
8)    ابو الحسن الاشعري (توفي 324هـ) وكتابه: مقالات الاسلاميين.
9)    ابو منصور الماتريدي (توفي 333هـ)، وكتابه: التوحيد. تعرض فيه لآراء النصارى والرد عليها.
10)      الحسن بن أيوب (توفي 378هـ)، كان نصرانياص وأسلم واصبح من متكلمي المعتزلة، له رسالة الى أخيه علي بن أيوب يدعوه بها الى الاسلام ويبين له بطلان دين النصارى.
11)      ابو الحسن العامري (توفي 381هـ) وكتابه: الإعلام بمناقب الاسلام.
12)      القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني (توفي 415هـ) له كتابان تضمنا كلاماً عن عقائد النصارى هما (المغني في أبواب التوحيد والعدل) و(تثبيت دلائل النبوة).
13)      محمد بن عبيد الله المُسَبِّحي (توفي 420هـ) وكتابه: درك البغية في وصف الأديان والعبادات.
14)      ابو الريحان البيروني (توفي 425هـ) وكتابه: تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة.
15)      ابن حزم الاندلسي (توفي 456هـ) وكتابه: الفِصَل في الملل والهواء والنِحَل.
16)      ابو حامد الاسفراييني (توفي 471هـ) وكتابه: التبصير في الدين.
17)      ابو منصور عبد القاهر البغدادي (توفي 429هـ) وكتابه الفرق بين الفرق.
18)      ابو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (توفي 548هـ) وكتابه: الملل والنِحَل.
19)   فخر الدين الرازي (توفي 606هـ) وكتابه: اعتقادات فرق المسلمين والمشركين.
ومن المعاصرين نستذكر:
        الشيخ محمد جواد البلاغي، وكتابه الهدى الى دين المصطفى، وكتابه الرحلة المدرسية.
        الشيخ رحمة الله الهندي، وكتابه إظهار الحق.
        الاستاذ عباس محمود العقاد، وكتابه (الله) جلَّ جلاله.
        الدكتور أحمد شلبي، وله سلسلة مقارنة الاديان: اليهودية والمسيحية والاسلام واديان الهند.
        الدكتور احمد سوسة، وكتابه العرب واليهود في التاريخ.
        العلامة سامي البدري، له عدة بحوث ومقالات ومؤلفات.
وفي الوقت الذي ينكر فيه يوسف زيدان ان يكون علم مقارنة الاديان ذو منبع اسلامي فإنه لا يأتي ببديل عن ذلك فلا يبين من هم أول من أسسوا مقارنة الاديان في العصور السابقة او في العصر الحديث ولا رواده من الغربيين فيما لو صح زعمه، فهو عاجز عن الاتيان ببديل حقيقي سواء في الغرب المعاصر او غيره ليحل محل التراث الاسلامي في تأسيس علم مقارنة الاديان. وبدلاً من ذلك نجده يعترف بوجود عالمين من علماء المسلمين "يمكن النظر الى إنتاجهما الفكري على اعتبار أنه تأريخ جيد للعقائد أو مقارنة الاديان أو مقاربة بين المذاهب"[36] وهما ابو الريحان البيروني وابو العباس الايرانشهري! ليصدق فيه قول شاعر النيل احمد شوقي:
إلامَ الخُلف بينكم إلاما ... وهذي الضجة الكبرى علاما !!
ثم نجد يوسف زيدان يقول: (رأينا أن مقارنة الاديان، إن كان ثمة ضرورة لها، يمكن أن تكون بين الديانات الثلاثة مجتمعة، والديانة المصرية القديمة مثلاً، أو إحدى ديانات الهند. فبهذا المعنى وحده قد يجوز الكلامُ عن مقارنة أديان، أو تحقُّ المقارنة بين ديانات، لأنه في هذه الحالة سوف يكون الاختلاف في الجوهر قائماً)[37]! لقد تناسى يوسف زيدان ان حقيقة الاديان الثلاثة مختلفة في جوهرها وانه لا يتماثل فيما بينما شيء سوى المسميات كأسماء بعض الانبياء (عليهم السلام) الذين يعترف اليهود والاسلام بنبوتهم وكإعتراف الاسلام بأن لدى اليهود بقايا كتاب سماوي اسمه التوراة في حين يرى الاسلام ودراسة تاريخ التوراة انها اصبحت محرّفة بعد ان غيّرت فيها انامل المغرضين. فليست هناك جوهر واحد بين الاديان الثلاثة عدا ان الاسلام كرّمها بأن اطلق عليه صفة انها اديان كتابية أي لديها كتاب سماوي بغض النظر عن طريقة تعامل تلك الاديان مع كتبها السماوية. فاليهود حرفوا كتابهم والمسيحيون لا يعترفون بوجود إنجيل سماوي نزل على المسيح (عليه السلام) فأي جوهر مشترك بين الاديان الثلاثة يزعم يوسف زيدان وجوده؟! هل التوحيد هو جوهر مشترك؟ يوسف زيدان لا يعترف بالتوحيد كمشترك جوهري ويرفض ان يقال عنها انها اديان توحيدية! فما هو جوهرها المشترك المزعوم إذن!!

 
_________________
الهوامش:
 
[1] الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري / آدم متز، استاذ اللغات الشرقية بجامعة بازل بسويسرا – ج1 ص351.
[2] المقال منشور في الموقع المشار اليه عبر الرابط:  https://salafcenter.org/2456
ومما جاء فيه ايضاً: (وأما نقول علماء السلف في ذلك فكثيرة مشهورة، وقد أوردها الإمام أبو الفضل المقرئ (ت ٤٥٤هـ) في جزء له (أحاديث في ذمِّ الكلام وأهله)، وأورد طائفة منها أبو إسماعيل الهروي (ت ٤٨١) في كتابه (ذمُّ الكلام وأهله)، وهو ما يقطع لناظره بذمِّ السلف لعلم الكلام، ولكن يلزم تنقيح مناط النهي، ببيان الكلام الذي عابوه، وهذا مقصد هذه المقالة. لكي يتضح الأمر؛ لا بد من بيان الفروق بين ثلاثة علوم عقلية، بينها تقارب وتداخل: علم المنطق وعلم الفلسفة وعلم الكلام؛ فعلم المنطق: صناعة تستخدم في ترتيب طرائق التفكير، أو كما عرفه أصحابه: “آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في التفكير”. فهو آلة لضبط غيره من العلوم عند أصحابه، وليس علمًا يراد لذاته، وهو علم أجنبي، وضعه فلاسفة اليونان، وقد أفتى كثير من علماء السلف والخلف بتحريم= =تعلمه؛ لأنه مدخل للفلسفة، ولابن الصلاح في ذلك فتوى مشهورة. وجمع السيوطي في ذلك كتابًا سماه (صون المنطق) انتصر فيه للقول بتحريم تعلم المنطق. وقال شيخ الإسلام  رحمه الله: “ولهذا ما زال علماء المسلمين وأئمة الدين يذمونه، ويذمون أهله، وينهون عنه وعن أهله”. وأجازه بعضهم للمتمكن من علوم الشريعة بحيث يؤمن عليه الانحراف، خاصة بعد تخليصه من آثار فلسفة الأوائل، وممن انتصر لذلك العلامة الأمين الشنقيطي في (آداب البحث والمناظرة). والحقيقة أنه يمكن اعتبار علم المنطق آلة لغيره، فقد استخدم القياس المنطقي في علوم الرياضيات، والعلوم الطبيعية، والإلهيات، فأما استخدامه في الأمور الطبيعية والرياضية؛ فليس بممنوع، بغض النظر عن صدق مقدماته من عدمها، كما قال = = شيخ الإسلام "رحمه الله!": “والخطأ فيما تقوله المتفلسفة في الإلهيات والنبوات والمعاد والشرائع أعظم من خطأ المتكلمين، وأما فيما يقولونه في العلوم الطبيعية والرياضية فقد يكون صواب المتفلسفة أكثر من صواب من رد عليهم من أهل الكلام… ونحن لم نقدح فيما علم من الأمور الطبيعية والرياضية.. إلخ كلامه”. مع التنبه إلى كونه ليس مطلوبًا شرعًا، لا عينيًّا ولا كفائيًّا؛ فإنه ليس يتوقف واجب من واجبات الشرع على معرفة ذلك، فضلًا عن ثبوت صحة المنهج التجريبي في الأمور الطبيعية مما لا يتسع المقام لتفصيله. وأما استخدامه في الإلهيات والنبوات وإثبات العقائد؛ فهذا الذي اتفق السلف على المنع منه وذمّه، وأقوالهم في ذلك مشهورة، كقول مالك - رحمه الله -: “من طلب الدين بالكلام تزندق”. ومثله عن أبي يوسف القاضي، وإنكار الشافعي على أهل الكلام مشهور وشديد، قال رحمه الله: “حكمي في أصحاب الكلام أن يُضربوا بالجريد، ويُحملوا على الإبل، ويُطاف بهم في العشائر والقبائل، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام”. وفي الكتابين المشار إليهما آنفًا جملة من الآثار عن أئمة السلف. وقد ترتب على استخدام الفلاسفة للمنطق الأرسطي في الإلهيات، انحرافات عن الدين الذي جاء به الأنبياء والمرسلون، ولم يكن الفلاسفة الأوائل يضعون الشرع نَصب أعينهم أصلًا، وكذا حال المتفلسفة المنتسبين للإسلام -وقد يصبغون مقالاتهم بالإسلام تارة- وإن كانوا في حقيقتهم ملاحدة، لا يؤمنون بالخلق والبعث، ولا يؤمنون بعلم الله ولا بسائر صفاته، ولا بالنبوات، والبدع الكبرى في التصوف كوحدة الوجود، ودعوى اكتساب النبوة ونحوهما نشأت عن اختلاط التصوف بالفلسفة، وهي أخطر وأسوء درجات التصوف) ... (بقي أن نقول: إن بعض العلماء المتأخرين صار يستخدم علم الكلام مرادفًا لعلم التوحيد والعقيدة، وهذا صنيع النووي -رحمه الله-، كما في تهذيب الأسماء واللغات (4/١١٩) فقال: “المراد بالكلام؛ أصول الدين، وبالمتكلمين أصحاب هذا العلم”. وهذا صنيع السفاريني أيضًا، حيث استشكل نهيه عن علم الكلام، مع خوض العلماء فيه، وتصنيفه هو فيه في كتابه (لوامع الأنوار)، ثم أجاب عن ذلك، بقوله: “العلم الذي نهينا عنه غير الذي ألَّفنا فيه، والكلام الذي حذَّرنا منه غير الذي صنَّف فيه كل إمام وحافظ وفقيه، فعلم الكلام الذي نهى عنه أئمة الإسلام هو العلم المشحون بالفلسفة والتأويل، والإلحاد والأباطيل، وصرف الآيات القرآنية عن معانيها الظاهرة، والأخبار النبوية عن حقائقها الباهرة، دون علم السلف ومذهب الأثر، وما جاء في الذكر الحكيم وصحيح الخبر…” إلخ كلامه -رحمه الله- ونحن لا نرتضي هذا الاصطلاح؛ فعلم الكلام صار علَمًا على منكر وباطل، وتسمية “علم التوحيد” بالعقيدة، أو السنة، أو الفقه الأكبر، ونحوها مما جاء عن السلف؛ أولى وأصوب)!)!
[3] لم يكن جميع المتكلمين كذلك بل بعض منهم.
[4] الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري / آدم متز، استاذ اللغات الشرقية بجامعة بازل بسويسرا – ج1 ص375 و376.
[5] دكتوراه من جامعة باریس سنة 1970 ، دكتوراه من جامعة لیون سنة 1985.
[6] مقال بعنوان (رد على يوسف زيدان 1) منشور في الموقع الالكتروني (معكم)، بتاريخ 22/1/2017. 
[7] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص23.
[8] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – هامش ص24.
[9] المصدر السابق – ص24.
[10] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص25.
[11] المصدر السابق – ص25.
[12] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص24.
[13] هل المسيحية الحالية هي فعلاً ديانة سماوية بنفس الاسس التي تقوم عليها اليهودية؟! واضح ان الجواب: كلا. فهي ديانة من وضع بولس (شاول الطرسوسي) وتقوم على افكاره وبجهوده وجهود اتباعه.
[14] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص20.
[15] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص20.
[16] تفسير ابي السعود / دار إحياء التراث العربي في بيروت – ج6 ص118.
[17] ج17 ص195.
[18] تحقيق حسن الامين / اصدار دار التعارف للمطبوعات – ج10 ص95.
[19] اصدار الغدير للدراسات والنشر في بيروت / تحقيق السيد محمد حسن الطالقاني – ص217.
[20] ص422.
[21] اصدار مؤسسة النشر الاسلامي في قم المقدسة – ص137.
[22] اصدار دار التراث العربي – ج5 ص184.
[23] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص21.
[24] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص21.
[25] المصدر السابق – ص21 و22.
[26] العهد الجديد/ اعمال الرسل (1: 5).
[27] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص25.
[28] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص(25-27).
[29] منهج القاضي عبد الجبار المعتزلي في دراسة الاديان / الدكتور حمدي عبد الله الشرقاوي – ص8.
[30] المصدر السابق – ص406.
[31] منهج القاضي عبد الجبار المعتزلي في دراسة الاديان / الدكتور حمدي عبد الله الشرقاوي – ص236.
[32] المصدر السابق – ص97.
[33] حقائق الاسلام وأباطيل خصومه / عباس محمود العقاد - ص41.
[34] المصدر السابق - ص42.
[35] مقارنة الاديان / الدكتور طارق خليل السعدي – ص24 و25.
[36] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص29.
[37] المصدر السابق – ص31.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نبيل محمد حسن الكرخي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/09/25



كتابة تعليق لموضوع : نقد كتاب اللاهوت العربي ليوسف زيدان – ( 1 / 8)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net