صفحة الكاتب : جنان الهلالي

لاتقتل قضاياك  مرتين
جنان الهلالي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 لم يخلق اللّه الأنسان بصورة عبثية، بل ولد عنصراً فاعلاً في الحياة، يتأثر ويؤثر. مخلوق لمهمة عظيمة، يغفل الكثير عنها؛مهمة الخلافة في الأرض ، نسي الإنسان مهمته، وراح يستهلك ذاته ويذلها يتملق  ويضحي بمبادئه وأخلاقه، أرضاء هذا أو ذاك حتى أن البعض  تجرد من أنسانيته من أجل غايات  دنيوية لاقيمة لها.
فالأنسان هو الكائن الوحيد الذي ميزه اللّه بالعقل في هذا العالم الدنيوي.
وهو وحده من يتحمل تجربةالمسؤولية وتجربة التمييز ثُمَّ الإختيار بين الخير والشر؟ أن يرتقي إلى رتبة القيم الأخلاقية التي تُظهِر علامة إنسانية صاحبها. فما أن أثّر   العقل  في صاحبهِ أستدرك  النزول إلى حضيض الأنعام. فالعقلانية هي ما تُميز الإنسان..متجلية  في مايعمل،
من أقوال وأفعال من خلال تعامله في المجتمع وتأثيره فيه. ولايحيّد عن طريق الحق من أجل منفعة ذاتية ويتعامل بمصطلح  الأنا، ضارباً عرض الحائط مصالح بقية الأفراد.  فالأخلاق الرصينة؛ هي كينونة الأنسان السوي وهي الركيزة الأساس الثابتة  من  الدين. لذا خص الله رسوله "صل الله عليه وآله"بالأخلاق حيث قال جل وعلى: (وأنك على خُلقٍ عظيم). لذا لا يمكننا إلا أن نؤكد مع فيلسوف المنطق والأخلاق طه عبد الرحمن أن «الأخلاقية هي وحدها التي تجعل أفق الإنسان مستقلاً عن أفق البهيمية".  فمنذ خلقت البشرية ولد الصراع بين  الخير والشر.  وما قتل قابيل لأخيه هابيل خَير مثال، على الحسد والطمع . وبماأن النفس البشرية، ضعيفة أمام مغريات الحياة، وممهدة  للوقوع في مستنقعات السوء قد تتصادم القيم والمبادئ  التي كرم الله بها بني آدم  خوفاً وطمعاً في  خسارة  منصب أو  وجهاهه ما، أو نقص في الأموال . ويصبح بعلمه أو حتى من غير علمه عبداًللناس، للمال، للمناصب ، أو مروج للأفكار المضللة، يلهث خلف  الأهواء والنزوات، يبتعد شيئاً فشيئاً عن اللّه ويصبح قرين الشيطان، وما أكثر الشياطين التي تسير على الأرض.
هنا يأتي دور العقل الواعي والمتجسّد في رضا اللَّه والسير على نهج كتابه وسُننه وهو الحد الفاصل بين تلك الرغائب وبين السعي في رضا اللّه.
فمتى ماخلت المجتمعات من المبادئ والقيم وصدق الكلمة،وتعالت كلمات الباطل، ولايجد  المظلوم من يناصره؛  يصبح الإنسان السوي  غير مرغوب فيه ...وغير قادر أن يعيش بحرية، في مجتمع يسوده الظلم والفساد.
يقول رسول الله (صل الله عليه وآله) في معنى الحديث. "بأنه يأتي زمان الماسك فيه على دينه كما الماسك على الجمر" . فمشكلة هذا الزمان أنه يجعلك قسراً تتصادم مع مبادئك، ويجعل عملية بيع القيم تجارة رابحة للبعض. فما تنازل الأنسان عن  حقه في  قضية اوهدف ما يسعى لتحقيقه؛ إلا وقتل قضيته مرتين ولنْ يرَى توهج نورها بعد أن اطفأها بخذلانه وتهاونه.
وماخطبة  السيدة زينب عليها السلام  في مجلس يزيد خير مثال للثبات على القضية  ونصرة أخيها  وأمام زمانها عندما سألها الطاغية يزيد.. ماذا رأيت صنع الله بكم؟
وكان  يظن يزيد والحاضرين في مجلسه؛ انها ستكون منكسرة ذليلة  فأتاه الرد الصاعق..
- مارأيت إلا جميلاً...
إصرار على نجاح الهدف وأستمرار القضية التي أستشهد في سبيلها الإمام الحسين "عليه السلام" وأهل بيته وخيرة أصحابه، بيّنت  للحاضرين  أن الحسين  خَرج يعيد المسار الصحيح لدين جده رسول اللّه(صلوات الله عليه).  بكل أبعاده الإنسانية والأخلاقية ويذّر بما لحقت به الدولة الأموية من زيف وتحريف وظلم للرعية.
فالثورة الحسينية هي نهضة  فكرية أكثر من أنها استشهادية. ولاتزال مناهل  شعاراتها  ٌَتستلهم منها الأمم، الثائرة على الظلم والعدوان، ومن يسعى لنصرة  قضيته. أذّ حولت القضية بعد استشهاد أخيها الحسين عليه السلام  إلى قضية فكرية ثقافية وضحت فيها  أسباب الثورة، وخرجت بنتائج عظيمة  وأثمرت في مبتغاها الرسالي، ووضعت ركائزها العميقة لجيل بعد الجيل بعد أن استفاقت الأمة من سباتها.الدنيا دار أختبار   وفي كل زمان يبتلي الله الأنسان بنوع من الأبتلاءات وها نحن مثقلين  بتزيف تاريخنا، ومحاربة الدين والعقائد وتجريد الأخلاق والمبادئ وتوظيفها بغير اتجاه بحجة الحرية والثقافة الفكرية المنحرفة.انغرس الشك والوهم في جميع سلوكيات الفرد، أفكار متداخلة ومبعثرة تتصارع مع أبناء هذا الجيل حتى أنجرف الكثير منهم مع التيار من غير وعي وسلكو طريق شائك بعيداً عن دينهم  أفكارهم وتقاليدهم.  كلمّا قدمت له النصيحة أجابك متذمراً.. "هو احنه شماخذين من الدنيا"!هَجر السعي والعمل حتى في تطوير ذاته.. أقل مانصفه أنه مات سريرياً.
والبعض الآخر يمجد  أيام الزمن الجميل ذلك الزمن الذي كان فيه الفرد مستعبداً.. أيام ماكنة المثمرة  التي  يرمّى أي شاب فيها لمجرد عدم ولائه للنظام، أو فقط لأنه يقتني في مكتبه كتاب ديني أو لأنه يُربّي لحيته، زمان الحنطة المملؤة ببرادة الحديد، وسلسلة الحروب الدموية  راح ضحيتها شباب بعمر الورد.  يتباكون على ايام الزمن الجميل في عهد النظام  البائد  وهم  لايعلموا عن مظلومية ومعاناة  الجيل الذي سبقهم من إبادة جماعية ودفن جماعي، وتهجير، بل  البعض لايريد حتى أن يبحث و يطلع أويقرأ عن تلك الحقبة المظلمة، ولكن يعزز ثقافته المغلوطة من منشورات التواصل الأجتماعي  ومااكثر المنشورات المغلوطة والمزيفة فيها .فالأعلام الذي أباح قتل الحسين سيد شباب أهل الجنة، وقال عنه صلى الله عليه وآله..
"حسينٌ منّي وأنا من حسين، أحبّ الله مَنْ أحبّ حسينًا وأبغض الله مَنْ أبغض حسينًا"  ونزّه يزيد شارب الخمر وظالم الرعية وصنفه أمير المؤمنين. وأشاع بالكوفة أن هؤلاء خوارج ودعا إلى رجم أهل البيت  بالحجارة في سوق الكوفة.هو نفس الأعلام ولكن بأساليب متنوعة.
فليكن لدينا الوعي، إلى متى نعيش زمان غير زماننا؟
لماذا لانخرج من دائرة الأحقاد ورمي أخطاء جيل على جيل آخر؟أما حان الوقت للنهوض من سبات الجهل.
نعم تعاقبت على العراق حكومات فاشلة وهزيلة وفاسدة  منذ السقوط وحتى وقتنا هذا؛ ولكن هذا لايعني نقف وقفة المتفرج ونندب حضّنا العاثر قالوها زمان "الحقوق تريد حلوك" لاتستسلم طالب  بالتغير، أطلب حقوقك بطريقة  حضارية لاتتباكى على زمان مضّى. فلا عزة لإنسان لا يصر على العيش عزيزاً، ولا خير في بشري يرى الحق ولا يتبعه ويرى الباطل فيهب منغمساً فيه.لاتدع الجزع يحرفك عن مسارك الصحيح . فالمتربصون المنافقون كثر والأبواق الناعقة المزيفة للحقائق تصدح "بالتغير المغرض"حسب ميل مركبهم في كل وقت خصوصاً بعد أن  سهل   لهم مواقع التواصل الأجتماعي خدمات الثرثرة المغرضة. لاضرر في المطالبة بالتغير ولكن احمي قضيتك من الشبهات وانتبه أن تكون عبداً تنفذ مايطلب منك ومايملي عليك عدوك دون أن تشعر.  يقول أحد الكتاب.. والإنسان إن لم يكن حاضر الذهن وقع في الاستحمار،و الأستعمار   دائماً ما يدعوك إلى أمر تريد أن تسمعه، أمر طيب يكون في باطنه الاستحمار؛ ليشغلك بأمر عارض عن قضيتك الأساسية  ، وإن لم تكن منتبهاً واعياً وقعت فيه فعندما يشب حريق في بيت ويدعوك أحدهم للصلاة في المسجد والذكر والتضرع والانصراف عن إطفاء الحريق فهي دعوة خائن.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جنان الهلالي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/10/05



كتابة تعليق لموضوع : لاتقتل قضاياك  مرتين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net