صفحة الكاتب : كلنار صالح

الم يحن الوقت بعد لتحظى المرأة العراقية بما يليق بها من اهتمام ؟!
كلنار صالح

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تهنئة خاصة وكبيرة لنساء العراق، بمناسبة يوم المرأة العالمي.. تهنئة وتحية تليق بحجم صبر هذه المرأة وصمودها الأسطوري ..
يركز الكثير من الكتّاب , في تناولهم لمشاكل المرأة على موضوع العنف والاضطهاد الأسري والاجتماعي ومواضيع أخرى مشابهة . حتى ليخيل للقارئ أن المرأة في العراق لا تعاني إلا من هذه المشاكل ! . والواقع إن المرأة العراقية عانت وما تزال من مشاكل كثيرة ومركبة - احدها العنف -، تضافر فيها العامل الاجتماعي مع السياسي.
فخلال العقود الأربعة الماضية عانت المرأة العراقية من فقدان الرجل كركن أساسي في بناء واستمرار أسرة سليمة، وذلك بسبب حروب النظام السابق المتتالية التي طحنت عدد لا يحصى من رجال البلد وشبابه. مما خلف آلاف الأرامل والأمهات الثكلى والأيتام، فسلط هذا الوضع عبئاً كبيراً على كاهل المرأة العراقية. حتى أصبحت تتوقع في كل لحظة فقدان الزوج أو الأخ أو الأب.ولان الكثير من النساء العراقيات لم يكنّ مهيآت لتحمل أعباء الأسرة خصوصا في الجانب الاقتصادي ، لذا عشن ظروف مادية ونفسية واجتماعية.صعبة
وخلال سنوات التسعينات عانى العراق من حصار اقتصادي خانق، اثر بشكل كبير وعميق على الأسرة العراقية، وبالأخص على المرأة وذلك لان الجزء الأكبر من المعاناة كان يقع على عاتقها. بعد إن وجد الكثير من الرجال أنفسهم بلا عمل أو مال ، مما اضطر الكثير من النساء العراقيات إلى الاشتغال في مهن بسيطة ومرهقة لا تتلائم مع أوضاعهن الاجتماعية أو التعليمية من اجل توفير لقمة العيش للأسرة. هذا الوضع أعاد المرأة العراقية التي قطعت أشواط كبير في تحقيق مكاسب لصالح قضايا المرأة، مثل خروجها للعمل والحصول على فرص متكافئة في التعليم والعمل، أعادها عقودا إلى الوراء. وساهم النظام السابق بشكل كبير في هذا التراجع من خلال إعادة إحياء وتشجيع العادات العشائرية التي عملت الدولة العراقية الحديثة حثيثا ومنذ بداية تكوينها من اجل تحجيمها، لما فيها من تضارب مع أسس الدولة القائمة على تسييد القانون المدني وحفظ حقوق الفرد وضمان وحماية حقوق المرأة في مجالات كثيرة.
فعادت جملة من المشاكل التي أخذت بالتراجع خلال فترة السبعينات وحتى منتصف الثمانيات، مثل حرمان البنت من الدراسة بسبب الظروف الاقتصادية، الزوج المبكر والزواج غير المتكافئ. رافق ذلك تراجع خطير في المستوى التعليمي والثقافي للمرأة. فالعزلة عما يجري في العالم من تطور التي فرضتها الظروف السياسية والاقتصادية على المجتمع العراقي أثرت على المرأة بشكل اكبر، بسبب طبيعة المجتمع العراقي الذي ينتظر من المرأة إن تكون المضحي الأول من اجل الأسرة ، فصار تعليم المرأة وتثقيفها وحتى العناية بصحتها فضلا عن حقوقها من الكماليات التي يجب التضحية بها في ظل تلك الظروف الصعبة. وكانت الحصيلة لهذه الفترة المظلمة تراجع عدد النساء المشتغلات في دوائر الدولة والقطاع الخاص بشكل كبير، كم هائل من المشاكل الاجتماعية التي راحت ضحيتها المرأة، قبول المرأة الزواج بمن لا يكافئها تحت ضغط الظروف المادية وبالتالي تزايد حالات الطلاق والتفكك الأسري، تدهور خطير في الجانب التعليمي والثقافي للمرأة ، وغيرها من المشاكل.
ثم جاءت التغييرات السياسية التي حصلت عام 2003، لتكشف عن مدى التخريب الذي أحدثته سياسة النظام السابق في واقع المرأة العراقية، فالمرأة كنت غائبة ومغيبة بشكل كامل في مجال السياسة فضلا عن مجالات الحياة الأخرى، كما لم يكن في العراق أي حركات نسوية تهتم بقضايا المرأة أو تعنى بالدفاع عن حقوقها.
كما إن اكتشاف البون الشاسع بين واقع المرأة العراقية الناتج عن أكثر من عشر سنوات من العزلة عن العالم وبين ما وصل إليه العالم من تطور علمي وثقافي، أصاب المرأة العراقية عموما والمتعلمة والمثقفة على الأخص بصدمة وتركها في حالة من التخبط ، فالأوضاع الاقتصادية والسياسية في العراق لم تتحسن بدرجة كافية بما يساعدها على تعويض ما فاتها، والعودة للمشاركة بشكل فاعل وقوي في بناء المجتمع، لكنها كانت تتأمل الكثير من التغيير الذي حدث
وجاءت احدث السنوات التي تلت عام 2003 لتخيب أملها وتضيف لمعاناتها الكثير، فأحداث العنف والتهجير والاختطاف ألقت بظلالها القاتمة على واقع المرأة، وكان من نتائجها ترمل عدد كبير جدا من النساء، وإجبار الكثير من الفتيات على ترك الدراسة بسبب أعمال التهجير أو خوفا عليهن من عمليات الاختطاف، إجبارهن على الزواج في سن مبكر، وغيرها من المشاكل.
واليوم تبرز مشكلة النساء الأرامل كمشكلة أساسية وكبيرة في المجتمع العراقي بسبب العدد الكبير من الأرامل الذي خلفته أحداث العنف التي حصلت في العراق، ترافقها مشكلة الأمية المستشرية بشكل كبير بين نساء المجتمعات الفقيرة إضافة إلى الأمية الثقافية التي تعاني منها المرأة عموما. وهذه المشاكل تحتاج إلى حل حقيقي وجذري وشامل تتكفل به الدولة العراقية، فالعدد الهائل من الأرامل ومعظمهن من الأميات يقمن ألان برعاية عدد هائل من الأطفال الأيتام الذين يعيشون في ظل حرمان وظروف اقتصادية وإنسانية صعبة. وإذا بقي هذا الجيل بدون اهتمام حقيقي فأنه سينتج لاحقا جيش من المتشردين والجانحين والأميين والعاطلين ممن اعتادوا على التسول أو العيش على الهبات !. ومع إن الكثير من المنظمات الدولية والمحلية والناشطين في مجال حقوق الإنسان والمرأة اشروا وبقوة إلى خطورة مشكلة الأرامل والأيتام في العراق إلا إن الدولة لم توليها حتى ألان الاهتمام الكافي ..
المرأة العراقية عانت كثيرا، ومن حقها إن تحظى اليوم باهتمام اكبر يعوضها وينتشلها من الواقع المرير الذي تعيشه، هي اليوم بحاجة إلى تعليم مدعوم يسد الطريق أمام الأسر التي تتحجج بالجانب المادي لحرمانها من هذا الحق، ويشجع من فاتتها فرصة التعليم بسبب الظروف المادية على العودة لمقاعد الدراسة. هي بحاجة إلى رعاية صحية تتناسب مع كم الإهمال الذي عانته خلال العقود الماضية، والى فرص عمل وتمكين اقتصادي حقيقي.
المرأة العراقية بحاجة ماسة إلى اهتمام كبير من قبل الدول ومنظمات المجتمع المدني والمجتمع عموما، بتثقيفها إضافة إلى تعليمها، فالثقافة هي الحصن الذي يحمي المرأة في مجتمع يتحجج بالخوف عليها لتبرير ظلمها، وهي حجر الزاوية الذي سيقوم عليه مجتمع متعافي من كل المشاكل والآفات الاجتماعية التي عانينا منها ومازلنا..

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كلنار صالح
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/03/08



كتابة تعليق لموضوع : الم يحن الوقت بعد لتحظى المرأة العراقية بما يليق بها من اهتمام ؟!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net