صفحة الكاتب : يحيى غالي ياسين

القضية المهدوية ؛ عقيدة إنسانية
يحيى غالي ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

نحاول في هذا المقال تقديم قراءة أوّلية وسريعة خاصة بالعقيدة المهدوية بإعتبارها عقيدة إنسانية قبل أن تكون إسلامية ، ولهذا سيتم التركيز على الأُسس العامّة لهذه العقيدة والمشتركات المُتفق عليها من قبل المهتمين بها والمبشّرين بحدوثها..

فالقضية المهدوية من القضايا التي اهتمّت بها البشرية على طول خط التأريخ ، سعت لها وتسابقت عليها الكثير من الآيدولوجيات الدينية والفكرية الكبيرة على هذه الأرض ..

وكل واحدٍ منها ادّعى بأن لديه القدرة على تبنّي ملفّها وتحقيق أهدافها وغاياتها ، وعلى رأس قائمة تلك الأهداف والغايات هو الوصول الى أفضل مستوى بشري ممكن على هذه المعمورة .. وبما يعمّ الفرد والمجتمع .

فتطرّق لها الفلاسفة ، ورسمت مُخيّلتهم لها جمهوريات ومُدن فاضلة { كإفلاطون في جمهوريته وابن رشد في مدينته الفاضلة } ، وتطرّق لها علماء الإجتماع وحاولوا وضع قوانين العمران البشري كجزء من متطلباتها { كإبن خلدون في مقدّمته } ، وتطرّقت لها أهم وأكبر الأديان والتوجهات الروحية { كالإسلامية والمسيحية والزرادشتية .. وغيرها } ، فوضع كلٌّ منها أسماً وصفةً للقائد الإستثنائي الذي سيقوم بهذه المهمّة ، كالسوبر مان ، والمخلّص ، والمهدي ..

وأعتقد أنه ينبغي للموضوع المهمّ هذا أن يُتناول من جهتين ، الأولى : البحث عن شكل وأبعاد أفضل مستوى يمكن أن تصل اليه البشرية .. والثانية : البحث في الطرق والقوانين والآليات اللازمة للوصول الى ذلك المستوى المبحوث ..

وعلى الناقد والفاحص بكل تلك الآيدولوجيات المطروحة والتي تدّعي ان المهدوية ( بجميع مسميّاتها ) لا تتحقق إلّا من خلالها ( نظرياً او تطبيقياً ) أن يُناقشها من خلال الجهتين السابقتين ، فإذا ما تم قبول المستوى المرسوم لها ، وتم التحقق من إمكانيته ، ثم تمَّ تدقيق طرق الوصول الى ذلك المستوى الممكن .. عندها يكون ذلك الادّعاء ادّعاءً مقبولاً من الناحية العلمية على الأقل ..

الّا أنّ أبسط سؤال يمكن أن يُطرح هنا هو : هل نحن البشر نستطيع أن نخمّن أفضل مستوى نوعي يمكن أن نصل اليه ..؟! والجواب بكل سهولة : لا ، لأننا قبل عقود بسيطة كانت غاية أحلامنا لا تصل الى أدنى تطور بشري معاصر الان ..! فكيف لنا أن نعتمد على تصوّرات هي بالأصل قاصرة حتى لو وصلت الى أعلى مستويات التصور والتفكير ..!!

من هنا كان التخمين البشري لأي شكل مهدوي ولأي آليات وصول الى ذلك الشكل محطّ إشكال كبير لا يمكن تجاوزه .. !

ومن هنا أصبح اللجوء الى عامل آخر غير بشري ولنسمّه العامل الغيبي ، يرسم لنا افضل مستوى يمكن ان نصل اليه وأفضل طريق وصول .. أمراً منطقياً واضطراريا ..

ومن هنا يمكننا القول أنه على الناقد والمُدقق في المرحلة الأولى أن يعزل كل العقول البشرية التي ادّعت المهدوية وتبنّت مقدمات الوصول اليها ..

ولا بد من التأكيد على أن قبول المهدوية كفكرة وكأهداف وغايات من قبل البشرية بشتّى مذاهبها وتوجهاتها - كما اشرنا لذلك أعلاه - فيه الكفاية النسبية بحدّ ذاته كتمهيد لهذه القضية وكتحضير وانتظار مناسب لها ، فلا يضرّ الاختلاف في بعض التفاصيل ، فالايمان بها من قبل جميع البشرية او على الاقل الرضوخ لإجراءاتها موكول الى نفس القضية في مقتبل عمرها التنفيذي - اذا جاز التعبير - ..

فأول ما سيفعله " المهدي " هو اخضاع الكل لها والدخول تحت اجراءاتها وسياقاتها وقيادتها .. فبعد أن تعجز جميع الادعاءات عن تحقيق برامجها المزعومة وبعد ان يحصل اليأس من التوافق الإنساني على خطة مهدوية محددة ، وبعد أن يبقى الايمان بالدعوة الحقّة محصوراً في ثلة معينة من الناس .. لا يكون أمام هذه القضية الا القيام بعملية الاخضاع القسري لها في اول أمرها الى الحدّ الذي يكون فيه تطبيقها ممكناً وميّسرا ..

وهي بهذا الاجراء معذورة بعد ان استنفذت المدة الكافية والفرصة الوافرة في فسح المجال لكل من يريد ان يأخذ دوراً ناجحاً في هذه القضية ..

وعليه بات واضحاً ومنطقياً بأن الطور المهدوي للإنسانية بحاجة الى قائد أولاً وأن يكون استثنائياً ثانياً ، قائد مختلف عن كل القادة ، قائد بحجم القضية وبحجم المهمة والاهداف ..

وقلنا بات واضحاً ومنطقياً لأن كل او معظم الادّعاءات المهدوية قد أسندت المهمة الى شخص مميز وان إختلفت في التسمية ، كالسوبر مان والمخلّص .. مما يدل على إجماع عقلي ووجداني بشري على هذه الجزئية المهمّة ، ولأن القيادة والرئاسة في الاصل هي من أوضح المقررات العقلية في كل مهمة خاصةً اذا تشّعبت مسؤولياتها وارتقت اهدافها ..
والسؤال الذي يقفز الى الذهن هنا هو عن معنى وطبيعة الإستثناء الذي وصفنا به هذا القائد ، وهل هو إستثناء نابع عن الخلقة الإستثنائية لهذا الشخص ..! أو استثناء مُكتسب ..! أو إستثناء نابع عن مرجعية وقيادة عليا يستند اليها هذا القائد .. ام ماذا ..!

وقد قلنا وانتهجنا هنا في هذه القراءة التأسيسية والسريعة لهذه العقيدة الإنسانية بأن تفاصيلها تعتبر ذات أهمية ثانوية ولا تحتاج الى اهتمام وتركيز في المراحل الأولى لقراءة هذه القضية ، فيكفي الآن الاعتراف بإستثنائية القائد وتميّزه وندرته ..
اذن وبعد أن أسسنا بعض التأسيسات في القراءة السريعة هذه ، وبدون أن تواجهنا أدنى صعوبة بها لأنها أمّا مدعومة من العقل أو انها قد أُقرّت من قبل جميع أو أغلب وأهم الحركات والدعوات التبشيرية الخاصة بالقضية المهدوية .. فعلى هذا الغرار نريد أن نُعطي أساسين آخرين لهذه القضية الانسانية المهمّة :

الأساس الأول : أن النظام الذي تريد أن تطبّقه هذه القضية وتفرضه من أجل تحقيق أرقى مستوى بشري .. يحتاج الى سلطة تنفيذ أولاً ، ونظام خاص بهذه السلطة ثانياً .. وهذا الشيء تقرّه طبيعة إدارة التجمعات البشرية .. ومتى ما اجتمعت السلطة مع النظام ( الإدارة ) تولّد مفهوم الدولة .. اذن لا بد للقضية المهدوية من دولة ..

الأساس الثاني : ثمّة أساس تعلو سلطته على كل سلطة ، وإدارته على كل إدارة ، له الحاكمية على أسمى الجوانب البشرية - الأخلاقية ، السياسية ، الاقتصادية ، الروحية .. الخ - وهو العدل أو العدالة ..فكل ما يمكن أن نتصوره او لا نستطيع تصوره من مستوى وشكل للطور المهدوي المرتقب لا بدّ أن يكون خاضعاً لهذا الأساس ومتصفاً به ..

فالدولة العادلة اذن من أهم ادوات القضية المهدوية ما دامت مرتبطة بالمجتمعات البشرية ارتباط نشوء وتطبيق وعوائد ..

بهذه المنهجية وبهذه الأريحية الجمعية للعقل للبشري نستطيع أن نناقش ونحقق أوراق وفصول وملفات العقيدة المهدوية كعقيدة تمثل أفضل مرحلة حياتية للبشر على الأرض ..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


يحيى غالي ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/10/23



كتابة تعليق لموضوع : القضية المهدوية ؛ عقيدة إنسانية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net