صفحة الكاتب : يحيى غالي ياسين

المستهزئون بالإسلام ، ماذا غاب عنهم ؟
يحيى غالي ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لظاهرة الإستهزاء بالإسلام وبرسول الإسلام تأريخ طويل وجذور تمتد الى بدايات البعثة وصدر الرسالة ، وهذا ما ثبّته لنا التأريخ الإسلامي بعد أنّ دوّنه القرآن الكريم نفسه ، بل الاستهزاء ظاهرة ضاربة بعمق تأريخ الرسالات السماوية ، قال تعالى { يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } يس ٣٠ ، وقال تعالى مُخاطباً رسوله { وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } الرعد ٣٢

ولازالت هذه الظاهرة ممتدة الى يومنا هذا ، فلا زال الاسلام يتعرّض لهكذا اساءات ، وعلى الرغم من ان أكثرها تعود لأعمال ومواقف فردية ، الّا أن تأييد الإساءة الأخيرة للرسول الأكرم ص وآله من قبل الرئيس الفرنسي ماكرون تعتبر حالة شاذة وغريبة ومستهجتة أثارت ردود فعل إسلامية كبيرة ، لأنها في أدنى الأحوال مخالفة لما يتبجح به الغرب نفسه من أخلاق انسانية واحتراماً للحريات والمعتقدات ..

وبالتأكيد أنّ لظاهرة الاستهزاء والإساءة للإسلام ولنبي الإسلام أسباب ودوافع شتى ، بعضها نفسية وبعضها سياسية وبعضها وراءه كفر وجحود .. الخ ، الا أننا نريد أن نذكر هنا بعض أسباب تتعلق بجهل بعض المستهزئين وأن لديهم معلومة منقوصة عن بعض الاحكام الاسلامية وصورة مشوّهة عن نبيه صلوات الله عليه ..

فلقد غاب عن علم وثقافة الذين يطعنون برسول الله ص وآله وشريعته التي جاء بها الكثير من الأمور المهمة ، نحاول ذكرها بإختصار شديد :

١. فلسفة أحكام الإسلام وحكمتها : في العادة تكون كل الاشياء التي تبدو للوهلة الأولى غير مقبولة أو غير مأهولة .. مألوفة ومستحقة عندما نعرف شيئاً عن حكمتها وفلسفتها ودواعي وجودها ، فالدواء وقرار التداخل الجراحي للمريض لا تألفه النفس البشرية ولكن فيه انقاذ حياة المريض ، والسجن والحكم بالإعدام مما لا يطيقه الضمير الانساني للوهلة الأولى ولكن فيه حياة وسعادة مجتمع .. وهكذا هي سائر احكام الاسلام ، فلكل منها فلسفتها وحكمتها ، للحجاب فلسفته ، وللجهاد دوافعه .. الخ ، وعلى الآخر أن يطلع عليها قبل تقييمها وتصويبها إن كان منصفا ..

٢. ظروف تشريع بعض الاحكام : فلدينا الكثير من الاحكام الاسلامية هي وليدة الظروف الطارئة والمؤقتة التي مر بها الاسلام او المسلمون أو رسول الله صلوات الله عليه وكانت سبباً لعبور أزمة سياسية أو عسكرية أو اجتماعية وغيرها .. بعضها نُسخ أو عاد الحكم الى نصابه الطبيعي وبعضها لازال تنجيزه رهين ظروفه التي تجعل من موضوعه موضوعاً موجباً لتعلّق الحكم به .

٣. أحكام الإسلام لا تُبّعض : الإسلام نظام متكامل ، وهو مركب ترابطي كما يعبّر ، لا يمكن النظر اليه من جانب دون آخر عند التقييم مثلاً ، فضلاً عن التعبّد به ، ولقد شجب القرآن الكريم التبعيض هذا ، قال تعالى { الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ } الحج ٩١ ، حيث تأتي ( عضين ) هنا بمعنى الأخذ ببعض القرآن دون البعض الآخر ، فقد يركز الآخر على نظام الضرائب في الإسلام وينسى أن تلك الضرائب تهدف الى خلق توازن اقتصادي في المجتمع وترفع من سقف خط الفقر الى حدّ يكون فيه الفقير في الإسلام هو الذي لا يمتلك ولا يؤمّن قوت سنة الى الأمام ..!! وبالتالي يستحق الدخول في ذلك النظام كمستفيد ..

٤. اسلوب التشريع وسياسة وطريقة بث الاحكام نوعاً وكما في بداية التشريع : حيث أن الوحي اتبع عدة أساليب في طريقة القاء الشريعة المحمدية - بأمر الله طبعا - ، ومنها أسلوب التدريج في تنزيل الأحكام ، فنرى بعض الأحكام كانت مخففة في بداية أمرها ثم نزل التشديد - كما في منع الخمر مثلاً - .

٥. لأحكام الإسلام حكّام شرعيون لهم مساحة واسعة في التعاطي معها : وهذه من أدق المسائل الإسلامية ، فشريعة الإسلام دائماً لها قيّم ولها مخوّل ، مهمته تارةً تكون في تفسير النص الشرعي او توجيهه التوجيه المناسب ، وتارةً يكون مشرفاً على تطبيق الأحكام الشرعية .. ولنقل هو حامي الشريعة وترجمانها الحقيقي .. ووجود هكذا حاكم شرعي كان ولا زال له بالغ الأثر في فهم أحكام الإسلام أولاً وضمان تجسيده الحقيقي في المجتمع ..

٦. الصعوبة التي وضعها الاسلام في تحديد مواضيع بعض الاحكام مما يصعّب من تنجيزها ومما يدل على وجود حكمة معينة من مجرد وجودها ، كحكمة الردع في الكثير من أحكام العقوبات ( الحدود والقصاص .. ) ، فعقوبة رجم الزاني المحصن مثلاً رغم قساوتها الا أنها تشترط شروطاً تكاد تكون مستحيلة التحقق ، وهكذا بالنسبة لقطع يد السارق .. وغيرها .

٧. سوء التطبيق : لم تعط للشريعة الاسلامية الفرصة الحقيقية لقيادة حياة الانسان على الأرض ، فلا زالت اكثر الاحكام الإسلامية بكراً ، ولا زالت الكثير من الأحكام قد فُهمت بصورة مغلوطة ، ولا زال الإسلام بعيداً عن قادته الحقيقيين عند شريحة واسعة من المسلمين ..

٨. نقاط قوة الشريعة الاسلامية بالمقارنة مع غيرها من الشرائع ( السماوية والأرضية ) : وهذه من النقاط المهمة ، فالمقارنة بين الاسلام وغيره من الشرائع والتشريعات كفيلة بإعلاء كعب الإسلام خاصة عندما تكون مقارنة نزيهة وشاملة وحقيقية ..

٩. واقعية أحكام الاسلام وعدم خضوعها لأهواء نفسية أو مصالح مؤقتة أو لإرضاء جماعات هنا وهناك ..

١٠ وأخيراً : لم تصل للآخرين ولا حتى لكثير من المسلمين الشخصية الحقيقية الإلهية لنبي الاسلام وقادته من الخلفاء الشرعيين ، لا زالت الشخصية المحمدية مجهولة الحقيقة للأسف الشديد ، ولا زالت العقيدة اتجاهها مهتزة من بعض الجوانب ، فإستثنائية الرسول الاكرم في إنسانيته وأخلاقه وسائر حركاته وسكناته هي الحلقة المفقودة في دراسة هذه الشخصية العظيمة وهي السر وراء الكثير من الاساءات نحوه .. لم تفهم الشخصية المحمدية ولم تتخذ قدوة من قبل المسلمين كما أمر الله تعالى ذلك في قرآنه المجيد وبالتالي لم تجسد في الواقع ولم يطلع عليها الآخرون ، ولو استطاع المسلم أن يكون نسخة ولو متواضعة من محمد لرأينا الناس يدخلون في الإسلام أفواجا ..

وما يهوّن الخطب أن هناك وعداً الهياً يخص هذه الفئة المستهزئة ، وهو قوله تعالى { إنا كفيناك المستهزئين } ..

#إلا_رسول_الله


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


يحيى غالي ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/10/31



كتابة تعليق لموضوع : المستهزئون بالإسلام ، ماذا غاب عنهم ؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net