صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

أين ذهبت (زبر) كتب الأولين؟
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 💦 رسالات كثيرة وأنبياء كثر بعثهم الله للأمم السابقة ، فلم يتبق من آثارهم إلا ما نعرفه عنهم في القرآن والسيرة والحديث، وما هو موجود بين أيدينا من كتبهم التي تدور حولها الكثير من الشبهات. فما هي حقيقة الأمر؟

هناك عدة آراء حول ذلك.

💦 الأول : أن الأمم التي اجترأت على الأنبياء وقامت بتكذيبهم ومطاردتهم وقتلهم ، هل يُعقل أنها تترك كتب الأنبياء تشهد لهم بالنزاهة والصدق والوحدانية؟ بالتأكيد كلا، فإن هذه الكتب سوف تتعرض لنفس ما تعرض له النبي على يد قومه فسيقتلون روح تلك الكتب بتحريف معانيها.

💦 الثاني يقول : في زمن الرسالات السابقة كانت الكتب المقدسة تُرفع مع النبي. لأن بقاء الكتاب وتحريفه اخطر من رحيل النبي نفسه. ولذلك نرى مزامير داود ، والصحف والألواح والتوراة والإنجيل كلها اختفت مع الأنبياء. فهي ليست أديان خاتمة حتى يبقى كتابها وتتعهد السماء بحفظها. فكما عاقب الله تلك الامم بالطوفان والزلازل والرياح والأمراض وقضى عليها نهائيها وأزالها من الوجود ، كذلك يُعاقب الرب تلك الامم ايضا برفع كتابها في حال تنمرها وطغيانها. فتضطر تلك الامم إلى كتابة كتابها المقدس مما علق في ذاكرتها من تعاليم النبي أو بعض أقواله وأفعاله وصياغتها بما يتناسب وأهوائها ومصالحها الشخصية ، وهو ما نراه اليوم بين أيدينا مما يطلقون عليه كتب مقدسة.

💦 وهذا ما ذكرته تلك الكتب عن رفع الكتب بعد ذهاب الأنبياء فتقول : (والأنبياء يصيرون ريحا، والكلمة ليست فيهم، هكذا يصنع بهم).(1) أي هكذا يصنع الله بتلك الأمم يُنسيهم ذكر الأنبياء ويرفع الكلمة (الكتاب) من بينهم لأنهم لا يستحقونه.فيُمهلهم ثم يعطيهم فرصة أخرى مع نبي آخر.

💦 يضاف إلى ذلك فإن تلك الأديان ليست أديان ابدية أو أديان خاتمة مثل الاسلام ، بل هي اديان ضمن سلسلة الاعداد البشري لتقبل الرسالة الخاتمة.فكما أن كل نبي يذهب يأتي بديلا عنه ، فإن كل كتاب يذهب بطريقة ما يأتي بديل عنه، إلى أن تصل المرحلة إلى الكتاب الخاتم . ولذلك فإن كل الناس يجب عليهم اتباع آخر رسالة لآخر نبي وآخر كتاب تعهّد الله بحمايته.

ما نلاحظه ونقرأه في كتب الديانات السابقة ، أن هذه الديانات ليست مثل الإسلام .

💦 فقد كان الأوصياء والأئمة او الاسباط او الحواريين او التلاميذ أو خلفاء الأنبياء كانوا يُبعثون في زمن واحد دفعة واحدة ، فلا يبقى بعد رحيل النبي اي وصي او حواري او سبط ليقوم بالتكليف ويستمر في نشر الرسالة ، وبدلا من ذلك يرسل الله أنبياء محليين ضمن رسالة النبي. وقد جاء بعد موسى اكثر من عشرين نبيا كان آخرهم زكريا ويحيى ابنه (يوحنا) الذي قتله القيصر في زمن بعثة عيسى عليه السلام.(2)

💦 اضافة إلى ذلك فإن الكتاب المقدس يصف حاله على ايدي اتباعه فيقول بأن الله اتهمهم بتحريف الكتاب كما نقرأ : ( اليوم كله يحرفون كلامي. علي كل أفكارهم بالشر).(3) الله يصفهم بأنهم يُحرفون كلامه وأفكارهم عليه كلها شر. فهل يُبقي الله بعد ذلك كتابا للأمم السابقة وهو يصفها بأنها تقتل الأنبياء وتحرّف كتبهم؟ وهذا ما نراه يلوح ايضا في آيات القرآن حيث يصفهم الله تعالى بأنهم ممن يُحرفون الكلم ، ويشترون بآيات الله ثمنا قليلا ، ويصفهم بأنهم يُخفون الكثير من الكتاب.ويحللون ويحرمون على هواهم. (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون).(4)

💦 القرآن ليس وحده من يتهمهم بقتل الأنبياء وتكذيبهم ومطاردتهم ، فهذا الكتاب المقدس يُعلنها صراحة بأن ا تباعه كانوا يفعلون ذلك فقال تعالى عنهم : (ها أنا أرسل إليكم أنبياء، فمنهم تقتلون وتصلبون ، ومنهم تجلدون ، وتردون من مدينة إلى مدينة. لكي يأتي عليكم دم كل زكي سفك على الأرض، من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا الذي قتلتموه).(5) فقد رمى الله عليهم وزر كل جريمة قتل حصلت في الأرض من دم هابيل وحتى قيام الساعة.

💦 وهناك رأي لا بد من طرحه يُبين لنا أسباب تلاشي تلك الكتب او إخفائها ونستطيع ان نفهم ذلك من خلال قوله تعالى : (وإنهُ لفي زُبر الأولين).(6) أجمع المفسرون على قول واحد ولكافة المذاهب هو قولهم : أن هذا القرآن مذكور في كتب ألأولين وأن الأنبياء قد بشّرت به وصدقته. وقال الطنطاوي في تفسيره الوسيط : كان من أهم الأمور عند الأمم الماضية اخفاء الكتب المقدسة لأن نعت القرآن الكريم ، ونعت الرسول الذي سينزل عليه هذه القرآن ، لموجود في كتب السابقين.

💦 وهذا ما أكده القرآن بقوله : (النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل).(7) وكان آخر من جاء هو عيسى عليه السلام الذي بشّر بقدوم النبي بقوله : (ومبشرا برسول يأتي بعدي اسمه أحمد).(8) والقرآن يصف الأمم الماضية بأنهم : (يعرفونه كما يعرفون أبنائهم). (9) فهل يُعقل أن تترك تلكم الأمم كتبها وهي تشهد لنبي غير نبيها لأمة ليست منها؟ ثم بيّن عيسى سبب ضلال أمته وكفرهم هو عدم معرفتهم بالكتب فقال مخاطبا إياهم : (فأجاب يسوع وقال : لهذا تضلون، إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله). (10)

💦 من ذلك نفهم أن الأنبياء في آخر يوم لهم من الدنيا كانوا يخبرون اتباعهم بحقيقة ما موجود في الكتب السابقة وهذا ما نراه يلوح في قول عيسى لأتباعه : (ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهم الأمور المختصة به في جميع الكتب .. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب ورفع يديه وباركهم انفرد عنهم وأصعد إلى السماء) حاملا معه إنجيله.(11)

📛 المصادر:

1- سفر إرميا 5 : 13.

2- زكريا ويوحنا كانوا آخر الأنبياء ضمن سلسلة رسالة موسى.قلنا عشرين لأن عدد الكتب في التوراة هو بعدد هؤلاء، وإلا فإن الله ارسل إلى بني إسرائيل لربما ألوف الأنبياء.

3- سفر المزامير 56: 5 .

4- سورة البقرة آية : 87.

5- إنجيل متى 23 : 34.

6- سورة الشعراء آية : 196. يقول في سفر إرميا 28 : 8. (إن الأنبياء الذين كانوا قبلي تنبأوا على أراض كثيرة وعلى ممالك عظيمة). والسؤال هو أين كتبهم؟

7- سورة الأعراف آية : 157.فهم يزعمون أن التوراة بشّرت بمجيء عيسى من بعد موسى كما نقرأ في يوحنا 7 : 42 : (ألم يقل الكتاب إنهُ ــ عيسى ــ من نسل داود، ومن بيت لحم القرية التي كان داود فيها، يأتي المسيح). فإذا كان كذلك فأين بشارة الإنجيل بمجئ نبي بعد عيسى اسمه أحمد؟

8- سورة الصف آية : 6.

9- سورة البقرة آية : 146.

10- إنجيل مرقس 12 : 24.

11 - إنجيل لوقا 24 : 27 ـ 51.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/11/06



كتابة تعليق لموضوع : أين ذهبت (زبر) كتب الأولين؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net