صفحة الكاتب : د . سمير ايوب

إن غابَ الأمَل ، عشوائياتٌ في الحب
د . سمير ايوب

مع تَوالي ليلِ البارحة، كنتُ في سريري مُغلقَ الحدود والمعابر. أسترقُ السَّمعَ على همسِ زخاتٍ مُتقطعة من بواكيرِ المَطر. وأحلاميَ عالقةٌ بين إغواءاتِ المُستحيل وضجيجِ المُمكن. لم أكن رماداً ولكنّي مغلَّفا برمادٍ، أضاع شيئا منْ مَلامحي المُعتادَة.

كعادتي، كلَّما أردتُ الانعتاق من طواحينِ الحيرةِ والعجزِ، أتلصَّصُ على قلبي، فأستعيد الكثيرَ منْ توازني. إستحضَرْتُ النومَ، فداهَمني النُّعاس. إنسحب النورُ من عينيَّ بخجلٍ أنيق، فعميقا غفوت. وأسدلتُ الستار على ما يفصلني عنها. فتقلَّصت المسافاتُ حتى غدت فراغاً مُشرِقا. طُفتُ في فُيوضٍها وسَعيت، حتى غَدا اللقاء بها لهفة. رَمَقَتني بنظرةٍ اختصرت الكثير. أستمَعتُ وأنْصَتُّ لِقولِها:

ما حَمَلتُ بكَ يا ولدي، لتموجَ مع المَوْج، أو لتَبقى مُسوَّراً أو مُكبَّلا ، بلْ لِتكونَ رقَماً صعبا في عملةٍ نادرة. لَمْ ألِدْكَ لِتكونَ فارسا مُنمَّطا، بَلْ فَحلا لا يَحُدَّه مِثالٌ أو واقعةٌ أو مَقال. جواداً يمتطي جَوادا، لا تَصْهلْ جيادُه إلاَّ وهي بكَ تعدو. فارسٌ إن فقدَ عُمرُه شيئا مِنْ صَوابِه،يَمْدُدْ يدَهُ ويَشُدَّ لِجامَ العُمْر. يترُك براءةَ القلبِ في صدره، ويَتشبَّع بقلبِ عقله، يحتَمي بِهما ، بِلا وجَلٍ وبِلا خَجَل.

أنْ يَحْمِلُكَ رحْمِي، لتكون ولديَ البِكر، يكون سبحانه قد اصْطَفاكَ لِمَشْهدِ الصدارة، قائدا لمشوار أسرةٍ ، يعج بعناقيدٍ مِنْ تحديات مُتوالدةٍ، والحفاظ على توازن واقعها المُحتدم بطموحاتٍ، تفوق قدراتها المتجهة إلى تحقيق أهدافٍ رَجْراجة. تَتَطلَّب نبعاً مِنْ قلقِ إبراهيمَ، ورجاءِ زكريا، ومُعجزات عيسى، وحِكمة سليمان، وصبر أيوب، ورضا يوسف، وظنِّ مُحمد بربه، عليهم سلام الله .

لذا أجد أنَّ منْ حقّكَ عليّ ، أن أذكِّرَك بأنك لن تُلامِسَ السماء إلا بقلبك. فإيَّاك أن تكونَ واقعيا فقط، إحلم بلا كلل وبلا ملل. فالحياة حُلُمٌ يَكْسرُ نسقَ الواقع وتَهويماته. تعلَّمْ كيف تحوِّلَه منْ حالةِ التَّحْديقِ، إلى عمَلٍ كثيفِ التَّفاصيل.

سيبقى اكتمالك وما تسعى لبلوغه من ريادة ناقصا، إنْ لَمْ تُحصِّنْه بعناقيدٍ منَ الأحلام المُسْتَمدَّة مِنْ وَعيِك. أحسِنِ الاصغاء لإستِدلالاتِها، والانصات لمفاهيمها المُتَخيَّلَة، المُتمرِّدة على واقعك القلِقِ، المُنْفَتِحِ على التأويل، والكثير من الأمل المُتمرِّدِ على إمكانياتك المُعاشة.

وإنْ تردَّى الواقعُ ولمْ يَنضبِطْ لجَدلِ عقلِكَ وقلبك، وإنْ تَعِبْتَ مِنَ الوقوفِ وحدَك، أوصيك بما أنت أهلٌ لهُ، وأثِقُ أنَّكَ قادرٌعليه: حاوِلْ ابتكارَ ذاتِكَ مِنْ جديد. أعِدْ ترميمَها وزوِّدْها بأجنحةٍ طليقةٍ، بعيدا عنْ شُحِّ الواقعِ وفقرِ الهمَّة.

الحُلُم يا ولدي أملٌ لطيفٌ لا جَسدا كثيفا. بُشرى صالحةٌ يراها قِلَّةُ القِلَّة مِنَ المُمَيَّزين، أو تُرى لَهم. أبجدياتُه وإدراكاتُه خاصةٌ. تصولُ وتجولُ في عوالمَ مُفارقةٌ لِما نحنُ فيه. يُبنى عليهِ أعمالٌ وأحوالٌ ومقاماتٌ تُصيبُ وتُخطئ، تَتحقق في شيءٍ وتَفشلُ في أشياء. الأملُ الواعي صديقٌ صَدوق. به ومعه تتجاوز بنجاح، الألْفَةَ الرَّتيبةَ مع الواقع. ربَّما يغيبُ الأملُ، لكنّه لا يخدعُ ولا يخونُ، أبداً.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . سمير ايوب
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/11/11



كتابة تعليق لموضوع : إن غابَ الأمَل ، عشوائياتٌ في الحب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net