صفحة الكاتب : د . عبد علي سفيح الطائي

مضيق ماجلان والعراق
د . عبد علي سفيح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 قد يتسائل القاريء الكريم عنوان هذا المقال، ويتسائل ما هي علاقة مضيق يقع في امريكا الجنوبية( تشيلي) بالعراق الذي يقع في الشرق الأوسط؟. صحيح ان العنوان واجهة المقال وأحد قوائمه التي يعتمد عليها هيكل أية مقالة، الا اني بصراحة وان جمعت بين الجاذبية والمحتوى الفعلي للمقال، لكن رغبتي الأساسية تتمحور حول نقل فكرة طرأت على بالي وهي كيف يجتمع العمالقة والأقزام في مكان واحد.
مضيق ماجلان هو ممر مائي يقع في جنوب قارة أمريكا الجنوبية( في تشيلي)، وهو يعتبر من أهم الممرات المائية الطبيعية بين المحيط الهاديء والمحيط الأطلسي الثائر. وكان أول أوربي قام بالملاحة بهذا الممر المائي سنة 1520 هو البرتغالي فرديناند ماجلان البرتغالي (1).
وجد علماء الطبيعة أن هذه المنطقة تتميز بصفة خاصة وهي تجتمع فيها أكبر حيتان العالم وهي الحيتان الزرقاء التي يتجاوز وزنها 170 ألف كيلو(170 طن)، وطولها 30م وتعيش من 80-90 سنة، وفي نفس الوقت توجد في هذه المنطقة أصغر حيوانات العالم كالروبيان التي لم يتجاوز طولها عدة سينتيمترات قليلة. 
أدهشتني هذه الظاهرة الطبيعية في وقتها، ورمتني الى العراق، وقلت مع نفسي العراق كذلك مكان نجد فيه العمالقة والأقزام. حقبة يحكم فيها العمالقة مثل علي ابن أبي طالب رمز العدالة الانسانية  وحمورابي ملك الأقاليم الأربعة ومؤسس شريعة القانون قبل مونتسكيو ب3350 سنة، وحقبة يحكم فيها الأقزام.
أكد الفيلسوف أرسطو طاليس على أن الدهشة هي المحرك الدائم للفلسفة (2). والأمر المثير للدهشة، أن حب الأساطير يقدمه الفلاسفة على أنه حب الحكمة، بينما الفلاسفة يفتخرون بوجود خطاب عقلاني.
كذلك العالم الاجتماعي جون ديوي (3)، أكد بأن الدهشة من ظاهرة  أو حقيقة يمكن فهمها على أنها بادرة فكرية ودافع انعكاسي للمقابل.
نعود للعنوان، ونبحث عن القاسم المشترك بين مضيق ماجلان والعراق.العراق يقع في منطقة التقاء ثلاث حضارات هاضمة أو حيتان كبيرة وهي الحضارة الفارسية التي وصلت الى أثينا، والحضارة التركية العثمانية التي وصلت الى النمسا، والحضارة العربية الاسلامية التي وصلت الى اسبانيا. وهو البلد الوحيد الذي له حدود طويلة في آن واحد مع تركيا وايران والدول العربية دون حواجز مائية. 
العراق كممر، تصب فيه كل طموحات هذه الحيتان الكبيرة، وفي نفس الوقت تصب فيه خيرات هذه الحيتان مثل نهري دجلة والفرات من تركيا، و4 روافد من ايران وهي الزاب الصغير ونهر ديالى والكارون ونهر الوند.
وجد في العراق العمالقة والأقزام لأن هذه المنطقة لها خصوصية روحية اضافة الى الخصوصية الجغرافية.  بارك الله في سمائها وفي ارضها وفي جوفها. جعلها مكان لأنبياءه وهم النبي ادريس وشيت ويونس ذا النون والكفل وعزير. كذلك جعلها مكان لأوصيائه وهم 6 أئمة من أهل بيت الرسول وهم الامام علي والحسين وموسى الكاظم ومحمد الجواد والحسن العسكري والمهدي المنتظر. وجعلها أيضا ارض لمؤسسي المذاهب الاسلامية وهم ابن حنبل وابو حنيفة. كذلك جعلها الله أرض نساكه وعشاقه وهم الحلاج وجنيد والجيلاني والرفاعي. وبارك الله في ارضه وجعل فيها نهرين خالدين هما دجلة والفرات وحفهما بالنخيل والأعناب. كذلك بارك الله في جوف العراق وجعله مستودع للخير وهو البترول والغاز. 
ومع انه ليس من الصواب التطرف بجعل البيئة الجغرافية العامل الأول والأساس في تسيير التاريخ والحضارة على حد قول طه باقر(4)، الا اننا ادخلنا في حساباتنا التفاعل بين الجغرافية والانسان العراقي المبدع ، وهو الذي له دور الحاسم في النتائج.
حيتان مضيق ماجلان الزرقاء وجدت في بقعة يلتقي فيها المحيط الهاديء بالمحيط الأطلسي الثائر. أي فيها ازدواجية الهاديء والثائر. وعمالقة العراق وجدوا كذلك في أرض تحمل في طياته ازدواجية البناء والفناء، اللين والشدة، الخلود والفناء. 
يتوهم عقليا وروحيا من يعتقد أن أرض العراق أصابها العقم. أرض العراق ولادة، وتنبأ بهذه الفكرة الفيلسوف الفارابي الذي قال: الفلسفة ولدت في بلاد الرافدين وذهبت الى مصر ومنه الى اليونان، وسوف تعود الى بلاد الرافدين (5). يفنى العراق والعراقيون متى ما اندثرت الحيتان الزرقاء من مضيق ماجلان كما اندثرت الديناصورات.

المصادر:
1.فرديناند ماجلان(1480-1521): رحالة ومستكشف برتغالي، له عدة انجازات حيث قاد أول رحلة أوربية حول العالم.
2. Aristote : Le philosophie est fille de l’etonnement.
Métaphisique, éditions Flammarion. Paris, 2014.
3.John Dewey : une pédagogie de l’expérience.
La lettre de l’enfance et de l’adolescence No. 80. Paris, 2010
4.طه باقر: مقدمة تاريخ الحضارات القديمة. شركة دار الوراق للنشر المحدودة 2009.
5.الفارابي(872-950): هو محمد أبو نصر الفارابي، وهو من أكبر فلاسفة المسلمين، كان يجيد معظم اللغات الشرقية التي كانت متداولة في عصره اضافة الى اللغة اليونانية.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد علي سفيح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/12/03



كتابة تعليق لموضوع : مضيق ماجلان والعراق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net