صفحة الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي

مقاطعة "الأقنوم الثالث" للمسيحية
نبيل محمد حسن الكرخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

جاءت المسيحية بعقيدة الثالوث، أي الإيمان بـ: (الأب والإبن والروح القدس) والتي يدّعون أنها ثلاثة أقانيم بجوهر واحد وثلاثة كائنات وشخصيات مستقلة في إله واحد!! والأقنوم الثاني (الإبن) له طبيعتان لاهوتية وناسوتية، وبعض المسيحيين يقولون إنما هي طبيعة واحدة لاهوتية-ناسوتية!

المهم ما يتناوله مقالنا هذا هو الوعد في إنجيل يوحنا (16:14) بمجيء المعزِّي أو المؤيد أو المعين – بحسب اختلاف الترجمات – والذي اتفق جميع المسيحيين على أنًّ المقصود به هو الروح القدس الذي جعلوه "الأقنوم الثالث"، والروح القدس عند المسلمين هو مخلوق من مخلوقات الله تبارك وتعالى، ولكنه عند المسيحيين كما ذكرناه آنفاً!

بعض علماء المسيحية بحثوا في المخطوطات القديمة لهذه العبارة في انجيل يوحنا وقالوا انها لا تخص الروح القدس وإنما تخص النبي الموعود (أحمد) الذي جاء فعلاً بظهور رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله)، وأن هذه العبارة لحقها بعض التغيير والتشويه لتصبح على ما هي عليه الآن! ومنهم القس ديفيد بنجامين كلداني استاذ علم اللاهوت والذي اعلن إسلامه وتسمى بـ (عبد الأحد داود)[1]. ونحن في هذا المقال سنتنزل عما قاله عبد الأحد داود، ونفترض ان المقصود بهذه العبارة في انجيل يوحنا هو الأقنوم الثالث أي "الروح القدس الأقنوم" كما يدّعي المسيحيون، فهل حصل فعلاً ما أخبر به "مسيح الأناجيل" من انه عزّاهم وأعانهم وأيدهم!! وهل أن واقع المسيحية والمسيحيين يؤيد ان يكون المقصود بهذه العبارة في إنجيل يوحنا هو "الروح القدس الأقنوم" أم المقصود هو أمر آخر؟!

وجاء في رسالة يوحنا الأولى (24:3)،و هي رسالة لا يعرف على وجه اليقين من هو كاتبها ومع ذلك هي جزء من اسفار العهد الجديد!، نقرأ: (ومن يحفظ وصاياه يثبت فيه وهو فيه. وبهذا نعرف أنه يثبت فينا: من الروح الذي أعطانا)، وفي ترجمة أخرى اوضح معنى: (ومَنْ عَمِلَ بِوَصايا اللهِ ثبَتَ في اللهِ وثبَتَ اللهُ فيهِ. وإنَّما نَعرِفُ أنَّ اللهَ ثابِتٌ فينا مِنَ الرُّوحِ الّذي وَهبَهُ لنا)! فالحديث عن "الروح القدس الأقنوم" مرتبط بالحديث عن تعاليم المسيحية وسيرة المسيحيين، وهل كان تطبيق تعاليم المسيحية خاضعة لإشراف "الروح القدس الأقنوم"! وهل كان المسيحيون ولاسيما علمائها وبابواتها مسددين من "الروح القدس الأقنوم"؟

وهذا الأمر يتخذ عدّة إتجاهات، فمن جهة نجد ان "مسيح الاناجيل" وبولس مؤسس المسيحية قد ارتكبا بعض الاخفاقات في تطبيق بعض التعاليم المعلنة! بل إنَّ بعض كلام المسيح لم يتحقق، ومثالها ما جاء في انجيل يوحنا (12: 32): (وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلي الجميع)، وفي ترجمة اخرى: (وأنا متى اَرتَفَعتُ مِنْ هذِهِ الأرضِ، جَذَبتُ إليَّ النّـاسَ أجمعينَ)! والحاصل انه ليس جميع الناس انجذبوا للمسيح!! واليهود في مقدمة الذين لم ينجذبوا له!

كما ان بعض تعاليم "مسيح الأناجيل" غير قابلة للتطبيق في الحياة البشرية لجميع افراد المجتمع، من قبيل قوله في لوقا (12: 32-34): (بِـيعوا ما تَملِكونَ وتَصَدَّقوا بِثَمَنِهِ على الفُقَراءِ، واَقتَنُوا أموالاً لا تَبلى، وكَنزًا في السَّماواتِ لا يَنفَدُ، حَيثُ لا لِصٌّ يَدنو، ولا سُوسٌ يُفسِدُ. فحَيثُ يكونُ كنزُكُم، يكونُ قلبُكُم)، فقد يمكن لواحدٍ او اثنين ان يفعلا ذلك ، لكن لا يمكن لعموم المجتمع ان يفعل ذلك، الا في الفكر الماركسي الذي يجعل الملكية للدولة لا للفرد!

ومن جهة ثانية نجد الاختلافات العظيمة بين القساوسة داخل المجامع التي كانت تُعقد وما ينتج عنها من إنشقاقات! وبدليل الاختلافات والمشاحنات والمشاكل الكبيرة التي كانت تحدث بين البابوات أنفسهم وهم يفترض بهم أنّهم قمة الكنيسة التي يسددها "الروح القدس الأقنوم"! فإذا لم ينزل "الروح القدس الأقنوم" عليهم ويعزيهم ويؤيدهم فسيعزِّي ويؤيد مَنْ؟! ومثاله الصراع الذي حصل بعد استقالة البابا بندكت التاسع (1032-1044)م الذي نسب اليه الكثير من الفسق والفجور حتى دعي "شيطان من الجحيم بثياب كاهن"! فبعد استقالته في ايلول/سبتمبر من السنة المذكورة لم يتمكن مجلس الاساقفة من تنصيب بابا جديد الا في كانون الثاني/ يناير 1045م أي بعد أربعة أشهر، فتم تنصيب الباب سلفستر الثالث، وبعد ثلاثة أشهر فقط من انتخابه عاد البابا السابق ليزيحه ويحل محله، واتهم بعض المؤرخين الباب سلفستر الثالث بأنَّه "بابا مضاد" Anti-pope! ثم جاء البابا بندكت التاسع (1045-1046)م الذي استقال من الباباوية لرغبته في الزواج من إحدى الفتيات، ليحل محله البابا غريغوري السادس، ثم لم يتحقق مراد البابا بندكت التاسع بالزواج من تلك الفتاة فعاد ليطالب بمنصب البابا ويتراجع عن إستقالته، وهكذا حدث صراع بين ثلاثة بابوات على المنصب (البابا سلفستر الثالث والباب بندكت التاسع والبابا غريغوري السادس) الى أن تدخل الامبراطور الروماني هنري الثالث (بالألمانية: Heinrich III) (1017 - 1056)م والذي عقد مجمع سورتي سنة 1046م وفيه تم حرم البابا سلفستر الثالث من منصب الاسقفية في سابينا، واتهم البابا غريغوري السادس بالسيمونية أي شراء المناصب الدينية! وعدم صلاحية البابا بندكت التاسع في العودة الى البابوية، وتم انتخاب بابا جديد هو كلمنت الثاني (1046-1047) بترشيح من هنري الثالث نفسه! وليس بترشيح من "الروح القدس الأقنوم"[2]!

ومن جهة ثالثة، نجد ان "الروح القدس الأقنوم" لم يحضر مع بولس مؤسس المسيحية نفسه وهو يكتب رسائله ولذلك ظهرت فيها إخفاقات فكرية عديدة سنوضحها بعد قليل، إنْ شاء الله.

ومن جهة رابعة إخفاق الكنائس والبابوات وعلماء المسيحية في مجاراة التقدم العلمي الحاصل في أوربا في العصر الحديث، مما دفع أغلب الناس للإعراض عنهم واستبدلوهم بالأفكار العلمانية، وبالقوانين غير الكنسية في معاملاتهم الشخصية وحياتهم وأسلوبها.

فالنتيجة هي غياب تام "للروح القدس الأقنوم" من حياة المسيحيين، فهل هو بالأصل كان له وجود؟! وهل إنَّ دعوى إقنوميته هي مجرّد دعوى ظهرت في مجمع القسطنطينية سنة 381م ليس لها أصل في الدين المسيحي؟! خصوصاً أن هناك من المسيحيين من لا يعترف بالروح القدس أقنوماً ثالثاً ويرفض هذه الفكرة، وفي مقدمتهم في عصرنا الحالي شهود يهوه. أم أنَّ الروح القدس منذ البداية يقاطع بولس واتباعه، منذ بداية التأسيس، ولا يعترف بدين بولس ولا بتعاليمه، ولذلك لم يكن الى جانبهم أبداً! ولماذا يدّعي لوقا حينما كتب أعمال الرسل ظهور هبات وعطايا إعجازية عديدة من قبل "الروح القدس الأقنوم" على يد تلاميذ المسيح ثم اختفت تلك الهبات والعطايا الإعجازية ولم تظهر من جديد في الجيل التالي والأجيال اللاحقة، ولاسيما موضوع التحدث بعدّة لغات!!

 

معجزات "الروح القدس الأقنوم" في العهد الجديد

ان المعجزات التي جرت على يد بطرس والمذكورة في اعمال الرسل تتلخص بالتالي:

1. شفاء اشخاص مقعدين. (3: 1-10) ، (9: 32-35)

2. إحياء ميت. (9: 36-42)

3. إماتة مختلسين. (قصة حننيا وامرأته 5: 1-10)

4. ظل بطرس يشفي المرضى (5: 15و16)

5. انقاذ الملاك للرسل تلاميذ المسيح من السجن (5: 19-21)

6. انقاذ آخر لبطرس من السجن (12: 6-11)

ولبولس ايضاً معجزات مذكورة في اعمال الرسل هي:

1. عاقب ساحراً فجعله أعمى. (13: 6-11)

2. شفاء مقعد. (14: 8-10)

3. انقاذ بولس من السجن! (16: 25-28)

4. شفاء مرضى. (19: 11و12) ، (28: 7-9)

5. إحياء ميت. (20: 7-12)

6. جعل (12) رجلاً في أفسس يتكلمون بلغات ويتنبأون (19: 6و7)!

7. لم يتأثر من عظة أفعى حتى قال البرابرة عنه إنه إله (28: 3-6)!

بالاضافة الى معجزة تكلم التلاميذ الاثنا عشر بلغات متعددة (2: 6-11)

هذه المعجزات التي يفترضون انها حدثت بتأثير "الروح القدس الأقنوم" ليست جميعها أعمال خير، بل بعضها إنتقامي! مثل إنتقام بطرس – بحسب رواية اعمال الرسل - من حننيا وزوجته لأنهما اختلسا من مال الحقل العائد لهما ولم يقدما جميع ثمنه للرسل تلاميذ المسيح!! وفي هذه القصة بعض الغرابة، فنعم ربما كذبوا وقالوا ان ما قدماه هو جميع مبلغ بيع حقلهما، ولكن هل يستحقان على هذه الكذبة عقوبة الموت!! بأي شريعة وبأي عدالة يكون عقاب الكذب الموت رغم ما فعلاه من تضحية بحقلهما وتبرعهما لمعيشة الرسل وللقيام بالتبشير؟!

وكذلك إنتقام بولس من الساحر فجعله اعمى!

فبطرس وبولس هما الوحيدان في المسيحية اللذان سخّرا قوة "الروح القدس الأقنوم" لإنزال العقاب بأشخاص، سواء كانوا محقين في ذلك العقاب ام لا!!

 

والملفت ان البرابرة قالوا عن بولس انَّه إله لمجرد أنّه لم يتأثر بسم الأفعى، فكيف لو رأوا معجزات المسيح! ولذلك نجد الرومان كانوا يدعون كل من فعل شيئاً جديداً الهاً ،فكاتب أعمال الرسل يروي حادثة أخرى من نفس نمط تأليه البشر- في أعمال الرسل (12: 21و22) - حين اخذ الناس يطلقون علـى الحاكم هيرودس صفة الإله قال : (وفي اليوم المعين لبس هيرودس ثيابه الملوكية وجلس على العرش يخطب في الشعب ، فصاحوا : هذا صوت اله لا صوت إنسان )، وكأنما هم يعرفون أصوات الآلهة!! وكذلك روى في أعمال الرسل (14 : 8-12)، ما حدث عندما زار برنابا وبولس مدينة لسترة الرومانية حين أخذت جموع الناس تصيح "تشبَّه الآلهة بالبشر ونزلوا إلينا" وأطلقوا على برنابا اسم زيوس وعلى بولس أسم هرمس. فلا غرابة والحال هذه ان يعتبر البعض ان المسيح (عليه السلام) إلهاً حين يرونه يعمل المعجزات!!

ولنا أن نتسائل لماذا لم تتكرر هذه المعجزات في الأجيال التالية؟! ولماذا يغيب أي دليل حسي على وجود مثل تلك المعجزات في أرض الواقع! هل الأجيال المسيحية التالية هي اقل إيماناً فلم يعد أحد منهم يتمكن أن يأتي بمثل هذه المعجزات؟! أم أنها، من البداية، كانت معجزات اسطورية ؟!

 

تناقض الأقوال والأفعال

حيث نجد أن "مسيح الأناجيل" نفسه وكذلك بولس يتناقضان بين الأقوال والأفعال، فلا يطبقان ما يقوله "مسيح الأناجيل" نفسه!! فهل تعاليمه غير قابلة للتطبيق؟!! ولماذا لم يعصمهما "الروح القدس الأقنوم" من ان يقولوا ما لا يفعلون!!

من أمثلة هذه التناقضات:

* عدم تطبيق تعليم الضرب: في متى (5: 39): (وأما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا)،، لكن ماذا فعل "مسيح الأناجيل" حينما ضربه الحارس كما في إنجيل يوحنا (18: 23)؟! حيث (أجابه يسوع: «إن كنت قد تكلمت رديا فاشهد على الردي، وإن حسنا فلماذا تضربني؟»)! فلماذا لم يدر له خده الاخر كما كان يُعلِّمْ؟!!

وكذلك فعل بولس كما في اعمال الرسل (23: 1-3): (فتفرس بولس في المجمع وقال: «أيها الرجال الإخوة، إني بكل ضمير صالح قد عشت لله إلى هذا اليوم». فأمر حنانيا رئيس الكهنة، الواقفين عنده أن يضربوه على فمه. حينئذ قال له بولس : «سيضربك الله أيها الحائط المبيض! أفأنت جالس تحكم علي حسب الناموس، وأنت تأمر بضربي مخالفا للناموس؟»)!! أيضاً لم يطبّق كلام المسيح، فهل تعاليم المسيح غير قابلة للتطبيق؟!!

 

* عدم تطبيق وصية لا تفكروا في الغد: المذكورة في انجيل متى (6: 31-34): (فلا تهتموا قائلين: ماذا نأكل؟ أو ماذا نشرب؟ أو ماذا نلبس؟ فإن هذه كلها تطلبها الأمم. لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها. لكن اطلبوا أولا ملكوت الله وبره، وهذه كلها تزاد لكم. فلا تهتموا للغد، لأن الغد يهتم بما لنفسه. يكفي اليوم شره)، فهل يمكن تطبيق هذا التعليم في الحياة الاعتيادية؟! فحتى تلاميذه لم يتمكنوا ان يطبقوا هذه التعاليم كما في اعمال الرسل (11: 27-30) حيث جاء فيه: (وفي تلك الأيام انحدر أنبياء من أورشليم إلى أنطاكية. وقام واحد منهم اسمه أغابوس، وأشار بالروح أن جوعا عظيما كان عتيدا أن يصير على جميع المسكونة، الذي صار أيضا في أيام كلوديوس قيصر. فحتم التلاميذ حسبما تيسر لكل منهم أن يرسل كل واحد شيئا، خدمة إلى الإخوة الساكنين في اليهودية. ففعلوا ذلك مرسلين إلى المشايخ بيد برنابا وشاول).

* التناقض في تعليم تطبيق الشريعة. ففي انجيل متى (5: 17-19): («لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل. فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا، يدعى أصغر في ملكوت السماوات. وأما من عمل وعلم، فهذا يدعى عظيما في ملكوت السماوات)! فماذا حصل من قبل بولس واتباعه؟! لقد اصدروا تعليماتهم لمعتنقي المسيحية وفق افكار بولس بعدم العمل بالشريعة والاكتفاء بالايمان وحده!! وأول ما أمروا به هو إلغاء شريعة الختان!! حيث جاء في اعمال الرسل (15: 28 و29): (لأنه قد رأى الروح القدس ونحن، أن لا نضع عليكم ثقلا أكثر، غير هذه الأشياء الواجبة: أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام، وعن الدم، والمخنوق، والزنا، التي إن حفظتم أنفسكم منها فنعما تفعلون. كونوا معافين»)! فقرروا الغاء الختان بخصوص المعتنقين للمسيحية من الأمم (الوثنيين)! ثم بعد ذلك تم إلغاؤه عن الجميع!!

 

* الغاء الخطايا مجاناً: ما ترويه الاناجيل من ان المسيح كان يغفر الخطايا مجاناً! بينما حتمت عقيدة بولس الايمان بالصليب لأجل ذلك!! حيث في انجيل متى (9: 1-8) ان المسيح كان يغفر الخطايا مباشرة! جاء فيه ما نصّه: (فدخل السفينة واجتاز وجاء إلى مدينته. وإذا مفلوج يقدمونه إليه مطروحا على فراش. فلما رأى يسوع إيمانهم قال للمفلوج: «ثق يا بني. مغفورة لك خطاياك». وإذا قوم من الكتبة قد قالوا في أنفسهم: «هذا يجدف!» فعلم يسوع أفكارهم، فقال: «لماذا تفكرون بالشر في قلوبكم؟ أيما أيسر، أن يقال: مغفورة لك خطاياك، أم أن يقال: قم وامش؟ ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطانا على الأرض أن يغفر الخطايا». حينئذ قال للمفلوج: «قم احمل فراشك واذهب إلى بيتك!» فقام ومضى إلى بيته. فلما رأى الجموع تعجبوا ومجدوا الله الذي أعطى الناس سلطانا مثل هذا)! فما هي الحاجة الى عقيدة الفداء والخلاص على الصليب يا بولس؟!!

 

 

خطة الإله للمسيحية قبل يوم الدينونة[3]

ولنا أن نتسائل ما هي خطة الإله للمسيحية، في الدنيا، قبل يوم الدينونة، لضمان استقامة التعليم المسيحي وعدم انحرافه وراء الهرطقات والضلالات؟ هل في خطة الإله تنصيب رسل وأنبياء؟ ولماذا انقطعت النبوة بعد عصر المسيح بحسب زعمهم؟! وهل هناك عوامل ضامنة لنشر المسيحية الصحيحة! أو على الاقل للتعرف عليها من بين الهرطقات المنتشرة قديماً وحديثاً، والمحافظة عليها من الانحراف؟ وهل يصلح "الأقنوم الثالث" لأن يكون ضامناً لعصمة المسيحيين من الانحراف وراء العقائد الباطلة والهرطقات؟!! وهل هو كذلك فعلاً؟!

لا نجد عند المسيحيين اليوم سوى أمرين: الأول: قول المسيح لبطرس: (وأنا أقول لك أيضا: أنت بطرس، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها)[4]! والذي حصل ان المسيحية لم تبنى على تعاليم بطرس بل على تعاليم بولس!! والثاني: "عصمة مجامع الأساقفة"، الذي يقولون أن "الروح القدس الأقنوم" يكون حاضراً فيها معهم حين يجتمعون[5]! ولكن لماذا لم يخدم حضور "الروح القدس القنوم" المسيحية بمنعها من الاختلاف! فهل يحدث انشقاق بين المسيحية واختلاف الا بعد انعقاد العديد من المجامع بحضور "الروح القدس الأقنوم"!! وربما آخر مجمع احدث إنشقاقاً هو المجمع الفاتيكاني سنة 1870م الذي استحدث عقيدة عصمة البابا وأدى الى انشقاق العديد من الكاثوليك مكونين ما يعرف بالكنيسة الكاثوليكية القديمة.

وفي ظل ان العقل ليس مصدراً للمعرفة المسيحية، عندهم، فكيف سنعرف اي عقيدة مسيحية هي الصواب في ظل اختلاف الكنائس المسيحية في عقائدها، وتناحرها فيما بينها!

وابرز الكنائس الحالية:

الكنيسة الكاثوليكية، يرأسها البابا فرانسيس ابتداءً من سنة 2013م.

الكنيسة الكاثوليكية القديمة، التي انشقت عن الكنيسة الكاثوليكية الحالية سنة 1870م رافضة مبدأ عصمة البابا!!

الكنيسة الآرثوذكسية الخلقيدونية. من ضمنها الآرثوذكسية الروسية، ويرأسها حالياً البطريرك كيريل.

الكنيسة الآرثوذكسية غير الخلقيدونية. (من ضمنها الكنيسة القبطية والسريانية) ويرأسها حالياً البابا تواضروس الثاني.

الكنيسة النسطورية، ويترأسها حالياً البطريرك مار كوركيس الثالث صليوا جاثليق كنيسة المشرق الاشورية.

الكنيسة البروتستانتية. (وقد تشظّت الى: الأدفنست، والأنجليكانيّة، والمعمدانيّة، والكالفينية والمشيخية والأبرشانيّة، واللوثرية، والميثودية والخمسينية).

كنيسة شهود يهوه

كنيسة المورمون

فأيٍ من هذه الكنائس هي التي لن تقوى ابواب الجحيم عليها كما قال "مسيح الأناجيل"؟! ولماذا وقع هذا الإختلاف الكبير بين خلفاء بطرس صخرة المسيح التي بنى عليها كنيسته ولكن بدون ضمان لعدم إنحرافها أو إنجرافها!!

وحتى داخل المذهب الواحد!! فعلى سبيل المثال نقرأ الخلافات التالية بين بابوات روما:

"1. وافق البابا ليبريوس Liberius على إدانة أثناسيوس، ولكنه وقع أخيراً في البدعة الأريوسية التي تنكر لاهوت المسيح.

2. أدان المؤتمر السادس عام 680 البابا هونوريوس Honorius الأول واتهمه بأنه هرطوقي. وقد أيد الإدانة البابا ليو الثاني Leo II، والمؤتمرات التي تبعت.

3. أدان البابا فيكيليوس Vigilius عدة كتب ووضعها على اللائحة السوداء. ولكن فترة من الوقت سحب إدانته، وبعد فترة أخرى عاد فأدانها مرة ثانية.

4. كان البابا غريغوري الأول Gregory يعتبر كل شخص يسمي نفسه "أسقفاً للعالم" أنه ضد المسيح. ولكن كل الباباوات في هذا العصر يحملون هذا اللقب!

5. تجادل البابا باشال الثاني Paschal والبابا يوجينوس الثالث Eugenius ولم يتفقا، ولكن البابا يوليوس الثاني Julius II والبابا بيوس الرابع Pius IV منعا هذه المجادلة ووبخاهما.

6. طلب مؤتمر باسل Bastle من البابا يوجينياس الرابع إبقاء الكأس المقدس للكنيسة البوهيمية، لكن البابا بيوس الثاني ألغى هذا القرار.

7. أباح البابا هدريان الثاني Hadrian الزواج المدني واعتبره شرعياً، ولكن البابا بيوس الرابع أدانه.

8. نشر البابا سكستوس الخامس Sixtus V إحدى طبعات الكتاب المقدس وأقرها لأن تقرأ في الكنائس، ولكن البابا بيوس السابع أدان هذه الطبعة.

9. أبطل البابا كليمنت الرابع عشر Clement XIV قانون اليسوعيين الذي سمح به البابا بولس الثالث Paul، ولكن البابا بيوس السابع Pius أعاده.

.... التاريخ يظهر أنه ظهر في بعض حقبات الزمن أكثر من بابا واحد، وكلٌّ يرفض الآخر ويدّعي بأنه هو البابا الصحيح. فعلى سبيل المثال قاوم البابا فكتور الثالث Victor والبابا أوربان الثاني Urban II البابا كليمنت الثالث. فأيهم كان البابا الصحيح؟ مثل آخر: عندما كان البابا اسكندر الثالث على كرسي روما، كان في ذلك الوقت بابا آخر ملقب بالبابا كليمنت الخامس. رجلين في وقت واحد وكل يدعي أنه البابا. من كان البابا الحقيقي؟ ثم ماذا حدث لعصمة البابا عام 1378 عندما حدث الانقسام العظيم الذي استمر خمسون عاماً. فقد انتخب الإيطاليون البابا أربان السادس، بينما اختار الكرادلة الفرنسيون البابا كليمنت السابع. وهذان الاثنان شتما بعضهما بعضاً سنة بعد الأخرى إلى أن عقد مؤتمر تم فيه عزلهما معاً واختير بابا جديد. من كان البابا الحقيقي خلال الخمسين عاماً؟ أين كانت عصمة البابا خلال ذلك التاريخ"[6]؟

ألم تكن "الأقانيم الثلاثة" تعرف ان المسيحية سوف تتفرق الى هذا العدد كبير من الكنائس؟! فأما ان تكون تعرف وراضية به لأنها لم تضع ضامناً ولا معياراً لعدم الاختلاف ولا ضامناً لمعرفة الحق بينها!! أو تكون لا تعرف فيكون خللاً في حكمتها ومقدرتها على تقييم الأمور! وانها لا تصلح أن تدير العالم على فرض انها فعلاً خلقته!!

بإختصار، ليس هناك خطة للـ "أقانيم الثلاثة" لصيانة العقيدة المسيحية من الانحراف لأن المسيحية ليست ديناً إلهياً بل هي دين وضعه بولس واتباعه.

1. وربما يعترض مسيحي بأنَّ المسلمين حدثت فيما بينهم أيضاً خلافات وإنشقاقات فكرية ومذاهب، ولكن فات المعترض أنَّ المسلمين لم يقولوا بأن "الروح القدس الأقنوم" سوف ينزل على الصحابة أو التابعين أو بقية المسلمين، وليس لديهم نص أنَّ هناك معزيّاً أو مؤيداً أو معيناً سوف يعزيهم ويؤيدهم ويعينهم كما في المسيحية، في إنجيل يوحنا[7]، تلك النبوءة الخاصة بمجيء رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) والتي تم تحريفها الى المعزِّي أو المؤيد أو المعين بحسب إختلاف الترجمات من المخطوطات المختلفة هي أيضاً فيما يبدو!! فأين هو "الأقنوم الثالث" الروح القدس الذي يزعمون ان "مسيح الأناجيل" وعدهم به، وما هو دوره؟! ولماذا لم يوقف كل هذه الاختلافات بين البابوات والانشقاقات بين الكنائس؟! ثم أنَّ نبي الاسلام قد وضع ضامناً لأمته من الاختلاف وهو ما ورد في حديث الثقلين الذين ضمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن من يتمسك بهما لن يضلَّ، وهما الكتاب والعترة، أي القرآن الكريم وآل البيت الاطهار (عليهم السلام)، وهو ما اشار اليه الحديث المروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: (يا أيها الناس إني قد تركت فيكم خليفتين إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله جل جلاله من السماء وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض)[8].

 

 

رسائل بولس هل كانت وحياً!

قال بولس في رسالته الاولى الى اهل كورنثوس (7: 40): (وأظن أني أنا أيضا عندي روح الله)!

وأيضاً في رسالته الى أهل رومية (9: 1): (أقول الصدق في المسيح، لا أكذب، وضميري شاهد لي بالروح القدس).

وجاء في أعمال الرسل تعداد بولس ضمن الأنبياء المسيحيين الذين ظهروا بعد المسيح!! ففي سفر اعمال الرسل (13: 1): (وكان في أنطاكية في الكنيسة هناك أنبياء ومعلمون: برنابا، وسمعان الذي يدعى نيجر، ولوكيوس القيرواني، ومناين الذي تربى مع هيرودس رئيس الربع، وشاول). وشاول هو الاسم اليهودي لبولس.

ويصرّح بعض علماء المسيحية، من باب النقد الكتابي، ببعض الحقائق عن بولس ورسائله! هذه الحقائق يتم استعراضها على عجل من قبلهم وبإشارات مقتضبة، وقلما يتم عرضها على عامّة المسيحيين!! لأن التدقيق فيها يطعن بأسفار العهد الجديد من حيث قدسيتها وهل أنها فعلاً وحي إلهي!!

فمما ورد في رسائل بولس، أحياناً، عبارات غير مفهومة يتم ترقيعها بالترجمة! وعبارات ناقصة! فهل هكذا أصبح مستوى الوحي الإلهي في دين المسيحية!! وحاشا لله تبارك وتعالى أن يكون هذا وحيه!! واحيانا تكون الجمل مبتورة، او العبارات غير متصلة السياق! وبعض رسائله لم تكن رسالة واحدة بل تم تجميعها من قبل شخص مجهول!! وسوف نتطرق الآن الى بعض هذه المواضع، والتي تجعل الصورة واضحة امام القاريء، وعليه الأختيار.

 

§ ترقيع النصّ: ونجده في التالي:

أ‌) في رسالة بولس الى اهل رومية (12: 19) بحسب ترجمة سميث-فاندايك: (لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء، بل أعطوا مكانا للغضب، لأنه مكتوب: لي النقمة أنا أجازي يقول الرب). وهي عبارة مربكة، فكيف يعلّم بولس أن يعطي الانسان مكاناً للغضب ثم يقول ان الله سبحانه هو الذي ينتقم!! ولذلك فقد عدّلت طبعة العهد الجديد (بولس باسيم) النص بإضافة لفظ الجلالة فأصبحت العبارة (لغضب الله) بدلاً من الغضب!! ولكنهم في طبعة الكتاب المقدس (دار المشرق-بولس باسيم) لم يضيفوا لفظ الجلالة (الله) بل كتبوها: (بل افسحوا في المجال للغضب) وكتبوا في هامش الصفحة تعليقاً جاء فيه: (من الواضح أن المقصود هو غضب الله)!

وأيضاً في طبعة العهد الجديد (مار روفائيل الأول بيداويد) بإضافة لفظ الجلالة (الله): (بل دعوا هذا لغضب الله)! وأيضاً في طبعة العهد الجديد (الترجمة المشتركة) اضافوا لفظ الجلالة (الله) فكتبوها: (بل دعوا هذا لغضب الله)[9]!!

فهل النص الذي يخفق بولس فيه في التعبير عن أفكاره بصورة تامّة ثم تتلاقفة أيدي التلاعب والتحريف من قبل المترجمين، هو نص مقدّس؟!

 

ب‌) في رسالة بولس الأولى الى اهل كورنثوس (11: 29) بحسب ترجمة سميث-فانداك: (لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه، غير مميز جسد الرب). وفي الحقيقة فإن جميع الترجمات العربية التي اطلعت عليها تكتب العبارة بهذا المقطع: (جسد الرب). لكن في طبعة العهد الجديد (دار المشرق-بولس باسيم) كتبوا في الهامش: ("الجسد" في الأصل اليوناني. زدنا كلمة الرب للأيضاح). وفي طبعة الكتاب المقدس (دار المشرق-بولس باسيم) هذبوا العبارة فكتبوا فقط: (الترجمة اللفظية "الجسد") لتحسين وقع الإيقاع على القاريء أن هنا اصل واضافة كلمة!! وحتى لو كان المعنى واحداً هذه المرّة، على فرض ذلك فالعبرة أن بولس لم يحسن التعبير عن فكرته، وأن مترجمي الكتاب المقدس لا يتورعون عن التلاعب بالنص لصالح إنتاج نص مفهوم ووفق التعاليم المسيحية، بغض النظر عن حقيقة ما مكتوب!!

 

§ تغيير وتحريف عبارات: في رسالة بولس الثانية الى أهل كورنثوس (7: 5) بحسب ترجمة سميث-فاندايك: (لأننا لما أتينا إلى مكدونية لم يكن لجسدنا شيء من الراحة بل كنا مكتئبين في كل شيء: من خارج خصومات، من داخل مخاوف). وفي طبعة العهد الجديد (دار المشرق-بولس باسيم): (لم يعرف ضُعفنا البشري الراحة عند قدومنا مقدونية بل كانت الشدائد تحيط بنا: حروب في الخارج ومخاوف في الداخل). وفي الهامش كتبوا في تعليقهم على كلمة (ضعفنا البشري): (في الأصل اليوناني: جسدنا، والمقصود بهذه الكلمة في الآية: ضعفنا البشري).

وفي الكتاب المقدس (دار المشرق-بولس باسيم) ايضاً كتبوها بكلمة (ضعفنا البشري) ولكن استبدلوا العبارة السابقة في الهامش بقولهم: (هذه الآية عودة الى الأفكار المعبَّر عنها في 13:2. في طرواس بولس لم يجد طيطس، فلم يبق فيها إلا زمناً قليلاً، بل أنطلق لوقته الى مقدونية... يصف لنا هنا الموقف عند وصوله الى مقدونية، راجع 13:2). وفي التفسير التطبيقي كتبوا في التعليق على (5:7): (يستأنف الرسول بولس هنا القصة التي وقف عندها في (13:2) حيث يقول إنه ذهب الى مقدونية بحثاً عن تيطس)[10]. والغريب انهم هنا يغيرون النص الأصلي حيث استبدلوا كلمة (جسدنا) بـ (ضعفنا البشري)!! بلا احترام لقدسية النص! وبدون ان يبرزوا اي حجة مقنعة لهذا التغيير! فحتى اذا كان النص استكمالاً لما ورد قبل فصول في (13:2) فما الداعي الى تغييره سوى انهم يريدون ان يخفوا ان بولس كان يشكو من تعب جسده، فقالوا انه يتحدث عن ضعفه البشري أي طبيعته الانسانية التي خلقه الله عليها، وكأنما بولس يجب أن لا يتعب وأن لا يشكو من تعب جسده لأن هذا قد ينعكس على شدّة إيمانه!! فيفضلون تحريف النص بإدخال تغيير عليه حفظاً لكرامة بولس!!

 

§عبارات غامضة المعنى: ونجدها في التالي:

أ‌) في رسالة بولس الى اهل فيلبي (1: 8) بحسب الطبعة اللندنية 1833م: (والله تشهد عليّ كيف انا اشتهيكم اجمعين في احشاء يسوع المسيح)! ما معنى هذا الكلام؟!! لا معنى له!! ولذلك يترجموها في العديد من الطبعات العربية هكذا: (والله يشهد كم احن إليكم جميعاً حنان المسيح)!! يقول بولس الفغالي: (حنان المسيح. حرفياً أحشاء المسيح. يبدو بولس كأم "حبلت" بأولادها وولدتهم للمسيح. في آ7 تحدّث بولس عن القلب، وهنا عن الحنان. ثم عن الحب (12:2، 1:4) الذي ينبع من حب المسيح، وهو حب يتوجه الى الجميع من دون استثناء)[11]!! هل رأيتم هذا التدليس لتجاوز هذه المعضلة الفكرية التي حشرهم فيها بولس! يحرّف في الترجمة ثم يفسر النص وفق الترجمة المحرّفة ولا يحاول تعليل ماذا يعني استخدام بولس للفظ الأحشاء في هذا الموضع!! من المؤسف ان الأب بولس الفغالي ينجرّ الى هذا التدليس بسبب اخفاقات بولس الفكرية، مع انه من علماء المسيحية المهمين!!

وقد حاول بعض العلماء المسيحية ايجاد معنى مقبول لهذا الكلام المبهم. فقال احدهم وهو القس مكسيموس صموئيل: ("في احشاء المسيح" أي كان يحبهم ويتوجع لضعفهم أو أي ضعف يصيبهم كما كان أرميا النبي (إر31:2). لكن محبة الرسول لشعب فيلبي ليست محبة شخصية لكنها محبة من خلال ربنا يسوع الساكن فيه ليس لأجل شيء في شخص معين أو عطف لأجل شيء معين لكن خلال ربنا يسوع الملتهب داخله... أحشاء يسوع المسيح هو حب دافئاً يحمل حب المسيح لكل نفس يتعامل معها معلمنا بولس وهي أيضاً هبة توهب للخدام الحقيقيين ليحبوا بها أبناءهم بالروح هكذا صار إبراهيم يحب الله بحب أقوى من محبته لأسحق فلهذا قدمه ذبيحة على جبل المريا)[12].

ويقول آخر وهو وليم ماكدونالد: (إنَّ ذكرى تعاونهم مع الرسول بأمانةٍ، تجعله يشتاق أن يكون معهم مجدَّدًا. لذا يدعو الله إلى أن يشهد عن مقدار ما في قلب بولس من شوق إليهم في أحشاء يسوع المسيح. إنَّ تقديرنا لتعبير المحبَّة هذا الصادر عن بولس، يزداد إذا ما تذكَّرنا أنَّه، وهو اليهوديّ بالولادة، يكتب إلى قوم متحدِّرين من الأمم. فنعمة الله قد نقضت الكراهية القديمة العهد، وها هم الآن جميعًا واحد في المسيح)[13]!!

ويقول ثالث وهو بنيامين بنكرتن: (أحشاء يسوع المسيح عبارة عن حنوهِ ومحبتهِ اللطيفة للذين هم لهُ وكلما عرفنا ذلك اشتقنا إلى أخوتنا أكثر إذ نراهم في المسيح محبوبين منهُ. ومن ثم نواظب على الصلاة لأجلهم. فإن كنا نحبهم نجدُّ في الصلاة لأجل ازدياد محبتهم للرب وبعضهم للبعض)[14].

ويقول فهمي خليل: ("في أحشاء يسوع المسيح" أي بأرق عواطف المحبة محبة الرب يسوع نفسه وأحشائه نحو قطيعه المحبوب الذي أحبه إلى أحبه المنتهى وأسلم نفسه لأجله وهي عواطف أقوى وأعظم من إحساسات الرسول شخصياً ويستشهد بأصدق شاهد"الله شاهد لي" الله الذي يرى الباطن ويحكم على السراير كما يكرر ذلك في آخر الرسالة (4: 1))[15].

ويقول هاملتون سميث: (في أحشاء يسوع المسيح. إنها ليست ببساطة محبة إنسانية تُعبّر عن نفسها بالعطف ولكنها محبة إلهية – أحشاء محبة يسوع المسيح)[16].

ويقول آخر وهو القس انطونيوس فكري: (في أحشاء يسوع: الأحشاء عي القلب والكبد. وقد عرفها القدماء انها مركز العواطف والإحساس، وقوله أحشاء يسوع، أي أنه يحمل لهم محبة المسيح = أي محبة حقيقية وليست غاشة، محبة هي من ثمار الروح القدس، محبة فيها اشتياق لخلاصهم. ولأن المسيح يحيا في بولس صارت أعضاء وعواطف وفكر بولس هي اعضاء وعواطف وفكر يستعملهم المسيح فصارت أعضاء بولس آلات برّ (رو13:6)، وصارت محبة بولس لهم هي نفسها محبة المسيح لهم، ألم يقل الرسول إن له "فكر المسيح" (1كو16:2). وهكذا هنا نرى أن الرسول له نفس اشتياقات المسيح ومحبته نحو أهل فيلبي، وقوله في أحشاء يسوع أي أنها ليست عواطف بشرية. وهذه المحبة التي يضعها المسيح في قلوبنا بالروح القدس (رو5:5) + (غلا22:5) هي غير العواطف الطبيعية البشرية. فالعواطف البشرية لها عيوب: 1- يمكن أن نحب إنسان أكثر من إنسان آخر. 2- هذه المحبة البشرية قد تتحول الى كراهية وكم من القضايا في المحاكم بين أخوة وأقارب. 3- بل يمكن أن تكون العواطف البشرية سبباً في التصادم مع الله لو سمح الله بأي تجربة لمن نحبه. 4- أما المحبة التي يضعها الله في القلب، فهي محبة الله أولاً وهذه المحبة تكون أكثر من محبتنا لأي إنسان، ومحبة لكل إنسان حتى أعدائنا وهذه المحبة تسبب فرحاً يملأ القلب)[17].

 

 

ونترك للقاريء تقييم هذه الشروحات وهل نجحت في تدارك الاخفاق الفكري لبولس في عبارته هذه، مع الأخذ بنظر الاعتبار موقف أهل فيلبي آنذاك وكيف فهموا هذه العبارة التي بلا شك بقيت مبهمة امامهم، لأن القس انطونيوس فكري – على سبيل المثال – أو أيّاً من هؤلاء الشارحين للنص، لم يكن حاضراً آنذاك ليشرحها لهم "بليّ عنق النص"! كما انهم لم يكونوا مطلعين على بقية رسائل بولس آنذاك التي استشهد بها الشارح هنا لكي نقول ربما ان فكرة الشارح كانت حاضرة عندهم!! كما ان العديد من علماء المسيحية لم يقتنعوا بمثل هذه التفاسير للنص ولذلك فضّلوا "تغيير النص" لتجنيب القاريء هذا الكلام المبهم وللتعمية على هذا الاخفاق الفكري الذي مارسه بولس! وقد مرّ علينا كيف فعل الأب بولس الفغالي ذلك التغيير، وكذلك نجد التفسير التطبيقي للكتاب المقدس يكتب النص في (8:1) كالتالي: (فإن الله شاهد لي كيف احن إليكم جميعاً في عواطف المسيح يسوع)[18]! وهي نفس العبارة الواردة في إصدار الكتاب المقدس (كتاب الحياة)! وفي طبعة العهد الجديد (بولس باسيم) نقرأها: (والله شاهد لي على أنّي شديد الحنان عليكم جميعاً في قلب يسوع المسيح)! وفي طبعة العهد الجديد (الكتاب الشريف): (الله يشهد لي أني مشتاق اليكم جميعاً بمحبة نابعة من المسيح عيسى)!

ب‌) في رسالة بولس الى أهل غلاطية (2: 19): (لأني مت بالناموس للناموس لأحيا لله). وكتبوها في طبعة العهد الجديد (دار المشرق-بولس باسيم): (لأني بالشريعة متُّ عن الشريعة لأحيا لله). وجاء في نفس الصفحة التعليق في الهامش بخصوصها: (عبارة غامضة اختلف المفسرون في جلاء معناها فقال بعضهم ان المسيحي يصلب بروحه مع المسيح فيموت معه عن شريعة موسى (روم 1:7 وما بعده) وما تقتضيه هذه الشريعة نفسها (غل 13:3) ليحيا حياة المسيح بعد قيامته من بين الأموات (روم 6: 4-10). وقال آخرون إن المسيحي تخلّى من الشريعة ليذعن للكتاب المقدس في عهده القديم (غل 4: 19و24، روم 4:10) أو انه مات عن شريعة موسى بشريعة أخرى هي شريعة الإيمان أو الروح (روم 2:8) ). ثم تراجعوا عن هذا التعبير بعض الشيء في طبعة الكتاب المقدس (دار المشرق-بولس باسيم) حيث وجدوا ان تعبير (عبارة غامضة اختلف المفسرون في جلاء معناها) فيها ما يحرج المسيحية من حيث عدم فهم كلام بولس الذي هو بمنزلة الوحي عندهم! ولذلك استبدلوا العبارة كالتالي: (يوجز بولس فكرته الى حد الغموض. مراده أن موت المسيح وقيامته تحققا فيه. والحال ان موت المسيح كان سببه الشريعة التي بأسمها حُكم عليه، فنتج عنه تحرير البشر من نظام الشريعة ومن اللعنة التي جلبتها عليهم. ولذلك يقول بولس انه بحكم اتحاده بالمسيح المصلوب، "مات بالشريعة" و"مات عن الشريعة". والغاية من هذا الإتحاد بالمسيح المصلوب هي المشاركة في قيامته، وبفضل هذه المشاركة يحيا بولس لله ولخدمته).

عموماً هذا النص نضعه ضمن مجموعة النصوص التي كتبها بولس ولم يحسن من خلالها التعبير عن أفكاره فيها. ومع ذلك ادرجوه ضمن الوحي الإلهي وقانون الكتاب المقدس!!

 

§ ادخال عبارات في النص: رسالة بولس الى أهل أفسس ليست الى أهل أفسس!!

بخصوص ما ورد في رسالة بولس الى أهل أفسس (1: 1): (بولس، رسول يسوع المسيح بمشيئة الله، إلى القديسين الذين في أفسس، والمؤمنين في المسيح يسوع). فقد جاء هذا النص في طبعة العهد الجديد (دار المشرق-بولس باسيم) هكذا: (من بولس رسول المسيح يسوع بمشيئة الله الى القديسين المؤمنين الذين في المسيح يسوع). فحذفوا عبارة: (الذين في أفسس)، وكتبوا في هامش الصفحة التعليق الآتي: (ورد في بعض الأصول: "الذين في أفسس" ولكن أكثر علماء الكتاب المقدس يرون أن هذه الكلمات لم ترد في الأصل الأول وأن بولس كتب رسائله لعدة كنائس)!

وفي طبعة الكتاب المقدس (دار المشرق-بولس باسيم) نقرأ التعليق التالي في الهامش: (اُهمِلَت عبارة "في أفسس" في عدة مخطوطات، ولم يعرفها بعض آباء الكنيسة، ولما كانت عبارة "الذين في" واردة في جميع المخطوطات، فلقد افترض بعضهم أن هذه الرسالة موجهة الى عدة كنائس، ولذلك لم تُذكر اسماؤها).

وقال ديفيد أ. دِه سيلفا: (الجار والمجرور "في أفسس" لا تظهر في مخطوطة P46، ولا في المخطوطة السينائية ولا في الفاتيكانية، التي تعتبر ثلاث شهادات مبكّرة لمؤلفات بولس)، لكنه يحتمل كون (الكلمتان "في افسس" ربما تكونان قد ازيلتا من قبل النسّاخ بهدف جعل الرسالة كونية شاملة")[19]. ثم يقول: (ان الرسالة كانت على الأقل تستهدف أفسس وإن كان المقصود تعميمها، فلكنائس حول أفسس)[20].

إذن، الفرق بين الواقع والاستنتاج هو ان الرسالة غير موجهة الى افسس في المخطوطات القديمة المهمة، ثم يأتي بعد ذلك أي استنتاج آخر. وهذا يكشف عن الامكانية الكبيرة للتلاعب بنصوص الكتاب المقدس في مختلف العصور ولمختلف الأسباب.

 

§ بولس ينسى اكمال عباراته!: كما في التالي:

أ‌. أشار بعض علماء المسيحية الى وجود خلل في سياق بعض الموضع في رسائل بولس، حيث ترد جملة مبتورة المعنى تليها جملة بمعنى مختلف! فيضطرون لمليء المعنى بكلمات من عندهم!!

ب‌. في رسالة بولس الى أهل رومية نقرأ النص (2: 12-16) ترجمة سميث-فادايك:

(12 لأن كل من أخطأ بدون الناموس فبدون الناموس يهلك. وكل من أخطأ في الناموس فبالناموس يدان.

13 لأن ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرار عند الله، بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون.

14 لأنه الأمم الذين ليس عندهم الناموس، متى فعلوا بالطبيعة ما هو في الناموس، فهؤلاء إذ ليس لهم الناموس هم ناموس لأنفسهم،

15 الذين يظهرون عمل الناموس مكتوبا في قلوبهم، شاهدا أيضا ضميرهم وأفكارهم فيما بينها مشتكية أو محتجة،

16 في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس حسب إنجيلي بيسوع المسيح).

فنجد ان الجملة (16) غير مرتبطة من حيث السياق بالجمل التي قبلها!

غير ان طبعة العهد الجديد (بولس باسيم) كتبت النص هكذا: (وسيظهر ذلك كله، كما أبشّر به، يوم يدين الله سرائر الناس بيسوع المسيح). حيث اضافوا عبارة (وسيظهر ذلك كله) لكي يرتبط سياق الجملة (16) بما قبلها!! وجاء التعليق التالي في الهامش: (اضيفت هذه الكلمات التي لم ترد في الأصل ليستقيم المعنى. والأرجح ان هذه الآية تتمة لما جاء في الآية 13. ورد مثل ذلك غير مرّة في رسائل بولس، لأنه كان يملي رسائله فكان يبدأ في الجملة ثم ينسى أن يتمَّها)[21].

ودار المشرق نفسها في طبعات لاحقة حذفت هذا التعليق واستبدلته بالتالي: (من الراجح أن هذه الآية مرتبطة بالآية 13. ولإظهار هذا الإرتباط أضفنا العبارة (وسيظهر ذلك كله) التي لا وجود لها في الأصل اليوناني)[22]، لإخفاء الاخفاق الفكري الذي كان يرتكبه بولس في كتابة رسائله!!

وفي طبعة العهد الجديد (ترجمة جورج فاخوري) كتبوا (2: 16) هكذا: ([ذلك ما سيظهر] يوم يدين اللهُ سرائر الناس، على حسب إنجيلي، بيسوع المسيح)[23]، فأضافوا العبارة بين قوسين كما كتبناها!!

أما في طبعة الكتاب المقدس (كتاب الحياة) فكتبوا النص هكذا: ( (وتكون الدينونة) يوم يدين اللهُ خفايا الناس وفقاً لإنجيلي على يد يسوع المسيح). فوضعوا العبارة الدخيلة بين قوسين!

وفي طبعة العهد الجديد (الترجمة العربية المبسّطة) كتبوا النص هكذا: (سيحدث هذا في ذلك اليوم الذي فيه يحكم الله بيسوع المسيح، على جميع الناس بحسب البشارة التي أُبشّر بها)[24]. فدمجوا العبارة الدخيلة مع النص بدون الاشارة او التلميح الى ذلك!!

وأيضاً في طبعة العهد الجديد (مار روفائيل الأول بيداويد) كتبوا النص بدمج العبارة الدخيلة مع النص دون الإشارة اليها، هكذا: (وسيظهر هذا كله، كما ابشركم به، يوم يدين اللهُ بالمسيح يسوع خفايا القلوب)[25]. يا للنزاهة العلمية والدينية والأخلاقية!!

 

ت‌. منها ما ورد في رسالة بولس الى أهل رومية حيث نقرأ النص (2: 17-23) ترجمة سميث-فاندايك:

(17 هوذا أنت تسمى يهوديا، وتتكل على الناموس، وتفتخر بالله،

18 وتعرف مشيئته، وتميز الأمور المتخالفة، متعلما من الناموس.

19 وتثق أنك قائد للعميان، ونور للذين في الظلمة،

20 ومهذب للأغبياء، ومعلم للأطفال، ولك صورة العلم والحق في الناموس.

21 فأنت إذا الذي تعلم غيرك، ألست تعلم نفسك؟ الذي تكرز: أن لا يسرق، أتسرق؟

22 الذي تقول: أن لا يزنى، أتزني؟ الذي تستكره الأوثان، أتسرق الهياكل؟

23 الذي تفتخر بالناموس، أبتعدي الناموس تهين الله؟).

 

وايضاً يتضح ان هناك مشكلة في السياق، فالعبارات في الجملة (20) وما قبلها غير مرتبطة بالسياق لما بعدها!! ولذلك كتبوا العبارة رقم (20) في طبعة العهد الجديد (دار المشرق-بولس باسيم) هكذا: (لأن لك في الشريعة أصول المعرفة...)! وضعوا ثلاثة نقاط داخل النص الكتابي وعلَّقوا في هامش نفس الصفحة بالتالي: (لم يتم بولس المعنى المقصود. راجع ما جاء في حاشية الآية 16)! أي النص الذي ذكرناه آنفا بخصوص رومية (2: 16)[26]! وبنفس مافعلوه في طبعة الكتاب المقدس (دار المشرق-بولس باسيم) المشار اليها في الفقرة السابقة، تم حذف هذا التعليق واستبدلوه بعبارة: (الجملة غير تامة)! فقط!!

 

ث‌. في رسالة بولس الأولى الى أهل كورنثوس (9: 13-16) بحسب ترجمة سميث-فاندايك: (13 ألستم تعلمون أن الذين يعملون في الأشياء المقدسة، من الهيكل يأكلون؟ الذين يلازمون المذبح يشاركون المذبح؟

14 هكذا أيضا أمر الرب: أن الذين ينادون بالإنجيل، من الإنجيل يعيشون.

15 أما أنا فلم أستعمل شيئا من هذا، ولا كتبت هذا لكي يصير في هكذا. لأنه خير لي أن أموت من أن يعطل أحد فخري.

16 لأنه إن كنت أبشر فليس لي فخر، إذ الضرورة موضوعة علي، فويل لي إن كنت لا أبشر)! بينما تمت ترجمة الجملة (15) في طبعة العهد الجديد (بولس باسيم) هكذا: (ولم أكتب هذا لأحظى بشيءٍ منها. فأني أفضل الموت... لن يحرمني أحد هذه المفخرة). وكتبوا ثلاث نقاط دلالة على بتر النص!! وجاء التعليق التالي في هامش الصفحة: (لم يتم بولس الجملة وفعل ذلك غير مرّة في رسائله لأنه كان يمليها املاء، والمعنى أنه يفضل الموت على أن يتلقى معونة من القورنتيين فيحسبون أنه طامع في مالهم). بهذا التلاعب يريدون ان يغطوا على اخطاء بولس وعدم تتابع افكاره الامر الذي ادى الى انقطاع السياق بين عباراته في الرسالة الواحدة!!

ج‌. في الرسالة الى أفسس (3: 1و2) بحسب سميث-فاندايك: (1 بسبب هذا أنا بولس، أسير المسيح يسوع لأجلكم أيها الأمم، 2 إن كنتم قد سمعتم بتدبير نعمة الله المعطاة لي لأجلكم).

كتبوها في طبعة العهد الجديد (بولس باسيم): (لذلك انا بولس سجين المسيح في سبيلكم أيها الوثنيون... وقد سمعتم كيف اُوليتُ نعمة الله من اجلكم). وجاء التعليق التالي في الهامش: (لم يتم بولس هذه الجملة لإزدحام المعاني في صدره. وهذا شأنه في غير ذلك من رسائله).

وفي طبعة الكتاب المقدس (بولس باسيم) استبدلوا التعليق السابق بالتالي: (جملة غير تامّة تستأنف في الآية 14)! في محاولة للخروج من المازق!

 

§ تجميع رسالة!: كما في التالي:

أ‌. يقول علماء المسيحية ان رسالة بولس الثانية الى أهل كورنثوس هي رسالة مركبة من عدّة رسائل في وقتٍ ما من قبل شخص مجهول الهوية! فقد كتب ديفيد أ. دِه سيلفا: (كورنثوس الثانية: رسالة مركبة. كشف العلماء عدداً من القفزات أو النقلات المفاجئة خلال قراءتهم لكورنثوس الثانية. أفضل تفسير، بحسب رأيهم، هو أن كورنثوس الثانية هي وثيقة مركبة مجمَّعة معاً من بضع رسائل قصيرة. محتوى وترتيب هذه الرسائل يمكن إعادة تركيبه بتفحص دقيق)... ثم يورد نفاصيل يطول ايرادها، الى ان يقول: (لهذا قد تمثل كورنثوس الثانية أربع أو خمس رسائل منفصلة وأجزاء رسائل، رغم أنَّ مدى هذه وترتيبها يبقى موضع جدل. علينا أيضاً أن نأخذ بعين الاعتبار مقاصد المنقِّح أو المنقِّحين المسؤولين عن العمل وأساليبهم. لماذا فصلوا الرسائل الأصلية وتركوا جانباً أجزاء (على الأقل افتتاحيات وخاتمات، ولكن في حالة 2كورنثوس 6: 14-7: 1 أكثر من ذلك بكثير) ثم أعادوا ترتيب الأجزاء الى شكل الرسائل القانوني؟ هناك اقتراح معقول عن مناسبة تصنيف كهذا وُجِدَ في المشاكل اللاحقة التي عانت منها الكنيسة الكورنثية مع قادتها (انعكست هذه في رسالة اكليمنضوس الأولى) – كان هذا وقتاً مناسباً لكنيسة بأن ترجع الى كلمات بولس حول قضية السلطة في الخدمة – ولكن ليس لسبب كون التنقيح الذي تلقّته الرسالة كان قد أصبح ضرورياً أو مؤدّى بشكل أفضل بذلك الوضع)[27].

فما ادراهم هل هي تجميع لرسائل بولس وحدها ام فيها اجزاء من رسائل شخص آخر؟! وما هي صلاحية الذي قام بالعمل من حيث النزاهة والصدق وحسن الاختيار والالتزام الديني والفهم الديني. وما ادراهم انه لم يحصل تصحيح او تعديل او اضافة نصوص اليها او حذف نصوص منها؟!

 

ب‌. يقول علماء المسيحية ان رسالة بولس الى أهل فيلبي هي في الأصل ثلاث رسائل تم تجميعها في وقتٍ ما من قبل شخص مجهول لتصبح رسالة واحدة!!

فقد كتب ديفيد أ. دِه سيلفا: (نحتاج ان نولي اهتمامنا لقضية ما إذا كان ينبغي علينا أن نقرأ الرسالة ككل موحد منفرد، أم كمركب من بضع رسائل محبوكة معاً من قبل منقّح لاحق. ظن بعض العلماء أنهم اكتشفوا قُطَبَاً تربط أجزاءً ببعضها البعض في فيلبي، مما يشير الى أن اكثر من رسالة كانت قد جُمِعَتْ معاً لتشكّل رسالة فيلبي القانونية. بعضهم يفصل فيلبي (4: 10-20) عن باقي الرسالة كملاحظة شكر مستقلة أصلاً، كانت قد أُرسلت على عجل كرد على تقدمة الفيلبيين للمساعدة المادية. يعتبر هؤلاء القُرّاء أنّه من غير المعقول (وليس قليل الوقاحة) أن يكون بولس قد أجّل إظهار عرفانه للجميل الى آخر رسالة قانونية كرسالة فيلبي. وهناك رسائل قديمة أخرى كانت رداً على تقدمة، التي علاوة على ذلك،تميل لوضع ملاحظات الشكر والتقدير مثل هذه في البداية.وفوق ذلك ينظر البعض الى فيلبي 3: 1 ب-21 (أو 3: 1ب- 4:3)، الى جانب ختامها في فيلبي 4: 8-9، كجزء من رسالة ثالثة، كانت تتعامل بشكل أساسي مع المعلمين المنافسين الذين كانوا قد شقّوا طريقهم في ذلك الحين الى فيلبي، وكانوا يتنازعون على الكنيسة هناك. يؤكد هؤلاء القراء بأن نبرة الجدل و"قلق" بولس حيال حالة الكنيسة لا ينسجمان مع نبرة الثقة في باقي الرسالة. علاوة على ذلك، الدعوة "للفرح" في فيلبي (3: 1) تتدفق بشكل طبيعي أكثر في فيلبي (4:4) من دون هذا المقطع المُقحَم (على الرغم من التكرار الشامل)، ومشكلة الاستخدام المزدوج لـ "أخيراً" في فيلبي (3: 1) وفيلبي (4: 8) تجد لها حلاً باستخدام كل منها كخاتمة لرسالة منفصلة. علاوة على ذلك يتكلم بوليكاربُوس عن رسائل بولس الى فيلبي (Phil. 3. 2)، رغم أنَّ هذا كان يمكن أن يشير ببساطة لرسائل أصبحت مفقودة الآن، أو أن ينتج عن معلومات مغلوطة لدى بوليكاربُوس)[28].

إذن رسالة بولس الى أهل فيلبي هي في الاصل ثلاث رسائل او أكثر تم تجميعها في وقت ما من قبل شخص مجهول، وهذا يعني أنه ليس عند المسيحيين مخطوطة أصلية لهذه الرسالة، إنما مخطوطاتهم هي لهذا التجميع المجهول المصدر، ولا احد يعرف ماذا حذف من الرسائل الأصلية أو ماذا اضاف اليها!!

 

فهل من المعقول أن يكون هذا هو مستوى الوحي الذي اوحاه الإله القدير العظيم الى البشر ليؤمنوا ويتقوا ويطيعوا، وأن يكون حُجَّةً عليهم!!

 

 

 

 


الهوامش:

 

[1] راجع كتاب: كتاب محمد (ص) كما ورد في كتب اليهود والنصارى / القس السابق عبد الاحد داود / ترجمة محمد فاروق الزين / مكتبة العبيكان / الطبعة الاولى 1997م– ص193.

[2] راجع الفقرة التالية (خطة الإله للمسيحية قبل يوم الدينونة)، للتعرّف على المزيد من الاختلافات بين البابوات!

[3] يوم الدينونة هي التسمية المسيحية ليوم القيامة والحساب.

[4] انجيل متى (16: 18).

[5] مقال بعنوان (عصمة البابا المنزّه عن الأخطاء: لماذا لجأت إليها الكاثوليكية في زمن الحداثة؟)، بقلم وسام سعادة (كاتب وصحافي لبناني. درس العلوم السياسية والفلسفة. حائز دبلوم الدراسات المعمّقة في العلوم السياسية، اختصاص الفكر السياسي)، منشور بتاريخ 26/1/2017م، في موقع رصيف22، عبر الرابط:

https://raseef22.net/article/88516-%D8%B9%D8%B5%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B2%D9%91%D9%87-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A1-%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%84

[6] مقال بعنوان (عصمة البابا المنزه عن الخطأ)، في موقع كلمة الحياة، عبر الرابط:

https://www.kalimatalhayat.com/doctrine/93-catholic-doctrines/1567-page04.html

 

[7] في انجيل يوحنا (14: 16 و17): (وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم). وفي (14: 26): (وأما المعزي، الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلمكم كل شيء، ويذكركم بكل ما قلته لكم).

راجع كتاب: كتاب محمد (ص) كما ورد في كتب اليهود والنصارى / القس السابق عبد الاحد داود / ترجمة محمد فاروق الزين / مكتبة العبيكان / الطبعة الاولى 1997م– ص193.

[8] تفسير الثعلبي / أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري / تحقيق الامام ابي محمد بن عاشور / مراجعة وتدقيق نظير الساعدي / دار إحياء التراث العربي، في بيروت / الطبعة الأولى، 2002م - ج3 ص163.

[9] العهد الجديد / قراءة رعائية – الترجمة المشتركة / جمعية الكتاب المقدس في بيروت / حواشي الأب بولس الفغالي / الاصدار الأول، الطبعة الأولى، 2004م.

[10] التفسير التطبيقي للكتاب المقدس – ص2477.

[11] العهد الجديد، قراءة رعائية / مع هوامش بولس الفغالي – ص659.

[12] تفسير رسالة بولس الرسول الى فيلبي / القس مكسيموس صموئيل / كنيسة السيدة العذراء مريم، الصاغة، ملوي- ص8و9.

[13] تفسير وليم ماكدونالد لرسالة بولس الى اهل فيلبي (1: 8)، في موقع مركز دراسات الكتاب المقدس، عبر الرابط:

https://injeel.com/Read.aspx?vn=1&t=2&b=50&svn=1&btp=3&stp=0&cmnt=3&c=1

[14] تفسير بنيامين بنكرتن لرسالة بولس الى اهل فيلبي (1: 8)، موقع مركز دراسات الكتاب المقدس، عبر الرابط:

https://injeel.com/Read.aspx?vn=1,3&t=2&b=50&cmnt=1&c=1

[15] تفسير فهمي خليل لرسالة بولس الى اهل فيلبي (1: 8)، في موقع مركز دراسات الكتاب المقدس، عبر الرابط:

https://injeel.com/Read.aspx?vn=1&t=2&b=50&svn=1&btp=3&stp=0&cmnt=2&c=1

[16] تأملات في الراسالة الى فيلبي بقلم هاملتون سميث، موقع كلمة الحياة، عبر الرابط:

https://www.kalimatalhayat.com/commentaries/19-philipians/379-chapter1.html

[17] رسالة بولس الرسول الى فيلبي / القس انطونيوس فكري / مشروع الكنوز القبطية - ص9.

[18] التفسير التطبيقي للكتاب المقدس – ص2539.

[19] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص368.

[20] المصدر السابق.

[21] العهد الجديد / دار المشرق في بيروت / طبعة ثامنة / مكتوب على غلافها الداخلي: لا مانع من طبعه. بولس باسيم النائب الرسولي لِلّاتين، بيروت 22 تشرين الأول 1979/ مكتوب في نهايتها: انجزت المطبعة الكاثوليكية في عاريا طبع (العهد الجديد) في التاسع والعشرين من شهر آذار سنة 1982.

[22] الكتاب المقدس / دار المشرق في بيروت / طبعة ثالثة 1994 / مكتوب على غلافها الداخلي: لا مانع من طبعه. بولس باسيم النائب الرسولي لِلّاتين، بيروت في 7 تشرين الثاني 1988 / مكتوب في نهايتها: انجزت المطبعة الكاثوليكية ش.م.ل.، عاريا – لبنان طبع "العهد الجديد"-الكتاب المقدس في الثلاثين من تشرين الثاني (نوفمبر) 1994.

[23] العهد الجديد / منشورات المكتبة البولسية في بيروت / نقله عن اليونانية وعلَّق عليه الأب جورج فاخوري البولسي / الطبعة السادسة والعشرون، 1995م / وفيها مقدمة ثناء بقلم مكسيموس الرابع بطريرك انطاكية وسائر المشرق والاسكندرية واورشليم.

[24] العهد الجديد / الترجمة العربية المبسّطة / المركز العالمي لترجمة الكتاب المقدس / مطبعة دار إلياس العصرية / الطبعة الأولى 2004م.

[25] العهد الجديد / الترجمة العربية المشتركة/ جمعية الكتاب المقدس في لبنان / بإذن الرؤساء مار روفائيل الأول بيداويد بطريرك بابل على الكلدان / الطبعة الرابعة 1993م.

[26] يقصدون النص في الهامش الذي كتبوا فيه: (اضيفت هذه الكلمات التي لم ترد في الأصل ليستقيم المعنى. والأرجح ان هذه الآية تتمة لما جاء في الآية 13. ورد مثل ذلك غير مرّة في رسائل بولس، لأنه كان يملي رسائله فكان يبدأ في الجملة ثم ينسى أن يتمَّها)! وقد نقلناه آنفاص من مصدره.

[27] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص155 و157.

[28] المصدر السابق – ج2 ص259 و260.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نبيل محمد حسن الكرخي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/12/31



كتابة تعليق لموضوع : مقاطعة "الأقنوم الثالث" للمسيحية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net