صفحة الكاتب : بتول الحمداني

المشروع الحضاري العراقي من زاوية قمّة بغداد
بتول الحمداني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الحراك اللوجستي والسياسي الذي تشهده بغداد هذه الايام تحضيرا للقمة العربية المزمع انعقادها نهاية آذار الحالي ، يعطي الكثير من المؤشرات على طبيعة العقلية العراقية التي صوّرتها الآلة الدعائية لقوى محلية واقليمية على انها محدودة وفاشلة وغير قادرة على الخروج من ازماتها ، وانها منفصلة عمّا خطّته بغداد لنفسها من مسار متنور ومبدع وفعّال طيلة فترة تاريخها الحضاري المتألق .
المؤشر الاول لما نراه اليوم في بغداد يدل على ان العراقيين رغم تعرضهم الى اعنف واقسى ظرف تاريخي ، تمثل باحتلال العراق وهيمنة الولايات المتحدة الاميركية على جميع مقدراته ، وما رافق هذا الاحتلال من بروز قوى الارهاب والجريمة المنظمة ، نقول : برغم هذا الظرف العصيب ، فان العراقيين استطاعوا بصبر طويل وعناد لاينقطع ، ان يتجاوزوا هذه المحنة التاريخية ، برغم الكثير من التضحيات التي قدّموها ثمنا لنيل ارادتهم .
ومن له ان يتصدى بأمانة للحكم التاريخي على الشعوب ، فأنه لا بد ان ينصف الشعب العراقي ويضعه في دائرة الشعوب الحيّة التي لا تقبل الاندثار تحت وطأة الصعاب مهما اشتدت .
المؤشر الآخر الذي يفرزه هذا الحراك ، هو ان خلافات الرأي مهما تكاثرت ، وايديولوجيات التفكير مهما تقاطعت ، فانها لا يمكن ان تقف بوجه المشروع الحضاري الذي اختطه الشعب العراقي لنفسه ، منذ ان استوطن هذا الشعب على ارض الرافدين وأسس لدولة عراقية صارت بحكم ديمومتها منطلقا لمشروع انساني كبير .
ان نظرة سريعة  لصورة المشاكل التي واجهت العراقيين خلال السنوات الماضية ، وحجم الخلافات السياسية التي رافقت هذه المشاكل ، ربما تعطي انطباعا مخيفا وصورة قاتمة عمّا يمكن ان يؤول اليه مصير العراقيين ، ان لم يكن مصير البلاد بأجمعها .
لكن هذه الخلافات نراها اليوم تتبدد ، او بتعبير اكثر دقة تؤجل الى مابعد تحقيق هدف انعقاد القمة العربية على ارض بغداد .
وقد يثير هذا الامر اسألة عن جدوى عقد قمة على مستوى قادة الدول العربية على ارض هي نفسها تعاني من مشاكل سياسية داخلية معقدة ؟ وجدوى تأجيل هذه المشاكل طالما انها ستعاود الظهور حال انتهاء اعمال هذه القمة ؟
ان من يعرف حقيقة العراقيين لا يحتاج الى كثير من العناء ليجيب على مثل هذه الاسألة او غيرها ، فرسالة عقد القمة العربية على ارض العراق رغم ما تعانيه سياسته الداخلية من مشاكل ، تؤكد ان العراقيين قادرون على التحكم بمشاكلهم ، والتسامي على خلافاتهم امام تحقيق وديمومة مشروعهم الحضاري الذي عرفوا به .
وفي الجانب الاخر فهم قادرون دون الحاجة الى اي دعم او عون خارجي حتى لو جاء من الاخوة او الاصدقاء ، على حل ّ خلافاتهم ضمن اطار العراق الواحد الكبير الذي يستوعب جميع طوائفه وقومياته واديانه وتياراته الفكرية والسياسية  .
المؤشر الثالث الذي لا يقل اهمية عما سبقه ، هو ان العراق برغم قساوة ظرفه التاريخي فانه قادر على انجاب ابناء بررة قادرين على تحمّل عبء وجسامة المرحلة التاريخية ، ويقودون الجماهير بمسؤولية عالية وروح نضالية متفرّدة تميّزهم عن سواهم من ابناء الشعب .
وهذا المؤشر وان انطوى على سمات جعلت من بعض هؤلاء القادة محتكرين للسلطة ، متفردين بقراراتها في الماضي ، فان النهج الديمقراطي الذي اختاره العراقيون لانفسهم بعد احداث تغيير نظام صدام حسين عام 2003 ، كفيل بان يجعل من هؤلاء القادة ثقلا اساسيا في منظومة وطنية متكاملة لا تنفصل عن ارادة شعبية حرة ، انتخبت هؤلاء لما لمست فيهم من عزم واصرار ودقة في تشخيص المشاكل ، ورؤية ثاقبة ومستقبلية تلامس افق وتطلعات مشروعهم الحضاري الذي يرومون ديمومته .
بقي ان نقول : ان تجربة رئيس الوزراء نوري المالكي في قيادة العراق في هذه المرحلة المفصلية من تاريخه ، هي تجربة مؤهلة حتما ، استطاعت ان تعطي ملامح عديدة وواضحة على قدرتها وكفائتها  وتفوقها على اخرين ممن يعملون في الوسط السياسي ممن لا نطعن بوطنيتهم وحبهم لخدمة العراق والعراقيين ، ما يستدعي دعما ومؤازرة من باقي طواقم النشاط السياسي في العراق ليس للمالكي كفرد ، وانما لاسلوبه وبرنامجه في التعامل مع مقتضيات الواقع العراقي . وان يتسم جميع العراقيين ، من يعمل منهم في حقل السياسة او في اي من حقول الخدمة العامة الاخرى ، بروح المسؤولية الاخلاقية التي يحتّمها شرف انتمائهم لهذه الارض المعطاء ، وبالطريقة التي تجعل مدوّني تاريخ الشعوب لا يغفلون الاشارة الى ان العراقيين قادرون دوما على صنع مستقبلهم ، برغم كل العقبات التي تقف في طريقهم لرسم ملامح مشرقة لهذا المستقبل  .      
  
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


بتول الحمداني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/03/18



كتابة تعليق لموضوع : المشروع الحضاري العراقي من زاوية قمّة بغداد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : ثواني الفجر ، في 2012/04/07 .

تحية طيبة وتقدير سيدتي
ممكن تقبلي دعوتي للانضمام لنا بمنتديات العربية الادبية
لنعانق جميل طرحك وعبق مشاعرك وفيض اقلامك
فمثلك نتشرف بانضمامها إلينا حقاً
رابط المنتدى :
http://www.ar8i.net/vb
.




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net